سوانح الأيام - ايام من حياتي

فهرس الكتاب

رسالة أخرى من البرقعي إلى السيد خامنئي[305]

رسالة أخرى من البرقعي إلى السيد خامنئي[305]

باسمه تعالى

معالي مرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية أيد الله تعالى به الإسلام والمسلمين.

السلام عليكم، وبعد:

تعلمون أني أرسلت إليكم رسالة ذكرت فيها شكواي، وبحمد الله أمرتم بإنهاء حبسي وإيقاف إبعادي وأنا في هذا السن المتقدم والمرض والضعف، وأرى من اللازم أن أشكركم على ذلك، ولكن بعد إطلاق سراحي مباشرة هجم مجموعة من المسلحين على منزلنا الواقع في شارع آزادي مقابل وزارة العمل في زقاق بامدادان رقم 43 وقالوا: إن السيد البرقعي هرب وقد جئنا لكي نعيده، وقد أيقنت أنهم جاؤوا لقتلي، ولكن بفضل الله لم أكن في المنزل، وهؤلاء الأشخاص ما زالوا يتعقبونني، واتصلوا مراراً على منزلي وبحثوا عني وهددوا.. والآن أنا في حال الشيخوخة ومصاب بأمراض متعددة أتنقل حيراناً لا أستطيع الذهاب إلى منزلي ولا إلى المستشفى، وأقضي أيامي متخفياً، فأرجو من معاليكم أن توصوا المسؤولين ذوي الاختصاص أن يجتهدوا في تهيئة الجو الآمن لي، وأن يتعرفوا على هؤلاء الأشخاص المسلحين ومن وراءهم.

وأختم القول بما روي عن رسول الله ص في الكافي: (من أعان مؤمناً نفى الله عنه ثلاثاً وسبعين كربة، واحدة في الدنيا، وثنتان وسبعون كربة عند الكربة العظمى).

والسلام عليكم. نحن في انتظار إجابتكم عاجلاً

(في الرابع من محرم الحرام 1410) / هاتف 621337

السيد أبو الفضل البرقعي

***

مضت مدة ثم رجعت إلى طهران وذهبت إلى منزل ابني السيد محمد حسين الواقع في قرية (كن)[306] وكان له أربعة أولاد، وبيته ضيق جداً ومتواضع، ولا يوجد فيه مكان للحركة، إلا أنني في أتم السعادة لاحترامه وأدبه معي. لطَفَ الله به وسهّل له حياته.

أنا أكتب هذه السطور اليوم ولا أعلم هل ستكون آخر أيامي في هذه القرية (قرية كن) أو لا؟ ولكن مما سرني أن أهل (كن) أسلم من غيرهم وأحسن؛ ولهذا أوصيت أن أدفن فيها، ولي مع هذه القرية ذكريات كثيرة؛ لأنني عندما كنت أعلم في الحوزة أيام شبابي كنت آتي إلى هذه القرية في شهر رمضان لتعليم الناس ووعظهم، وإقامة صلاة الجماعة فيهم هنا في (كن)، وكانت مساجدها بدون أثاث ولا سجاد، وكانت جدرانها من الطين، وأذكر عندما رغّبت الناس في الاعتناء بالمساجد بأن يبيضوا جدرانه بالجصّ، وساعدتهم بنفسي يومها في تبييضها وإصلاحها.. ثم بمساعدة الناس قمنا بوضع بُسط وفُرش مناسبة في المسجد.

هذه القرية كانت قليلة الماء في فصل الشتاء، حتى أنه لا يوجد فيها ماء للوضوء والغسل، وإذا وجدت بعض الماء فهو ملوث مليء بالأوساخ!

في إحدى ليالي شهر رمضان المبارك كنت مشغولاً بالصلاة في أحد مساجد هذه القرية وإذا بشاب يدخل علينا المسجد وهو ملطخ بالدم، فعلمنا بأنه تقاتل مع آخرين على بعض الماء، وقد تأثرت كثيراً واغتممت بسبب ذلك، عندها قمت بحثّ الناس على حل هذه المشكلة بحفر بئر، وقلت: أنا مستعد لأن أكون أول العاملين بنفسي في هذا الأمر، واستطعنا أن نجمع مبلغاً لذلك من بعضهم، ثم أخذت معولاً بيدي وذهبت مع بعض الأشخاص قريباً من الجبل وبدأت الحفر معهم.

وبعد الحفر فار الماء بغزارة بفضل الله ورحمته حتى صعب التحكم به؛ فقاموا بحفر جدول.. ولا يزال ذاك الجدول يجري ويستفيد منه الناس في بيوت ومزارع (كن) وسموا هذه العين «حجت آباد» وأشكر المولى سبحانه الذي منّ عليّ أن بدأت هذا العمل بيدي، وأنا أحمد الله وله المنة والفضل أن وفقني في ترغيب الناس لما فيه صلاح دينهم ودنياهم.

الحاصل: أنني رجعت إلى (كَن) وأنا في وضع سيئ لا آمن فيه على نفسي، وفوق هذا ابتليت هذه الأيام بشاب اسمه (شيخ وند) كان بجوار منزلي في طهران، وكان يطلب العلم عندي، فعلمته شيئاً من مقدمات اللغة العربية والفقه والأصول، ودرس شيئاً من حاشية ملا عبد الله، وشيئاً من المغني والمعالم، والمجلد الأول من اللمعة، ومسائل من فقه الزيدية وغيرها، لكنه وللأسف تغير حاله وأخذ يقول كلاماً غير صحيح، وقد ابتُلي بالإفراط والتفريط، وأصبحت أخاف أن يكون سبباً لنفرة الناس البسطاء عن التوحيد والإسلام الصحيح، وأخذت أتخوف من أن يُحسب كلامه على منهجنا القائم على الإسلام الأصيل، فصارت هذه القضية سبباً لهمّي وغمّي، وخاصة أنني كنت زكيته في بعض السطور مع أنني لم أصفه إطلاقاً بأنه مجتهد، وإنما قصدت ترغيبه وتأليف قلبه، لأن بينه وبين الاجتهاد مسافة طويلة، والذي غمّني أنني سمعت بأنه يعتمد على تزكيتي له في ادّعاء بلوغه الاجتهاد!

وقد كتبت له رسالة في أواسط عام 1366هـ.ش. (1987م) لأنه كتب مقالاً حول أحداث مكة والقتل الذي وقع فيها، وذكرت له بعض مواضع الخطأ والإفراط والتفريط، لكنه كان يمشي على هواه، وللأسف بلغني أنه يأخذ أموال الناس بهذه الورقة، فأنا نادم على ما كتبت له، وأرجو من الله تعالى أن يهديه إلى الصراط المستقيم، وأن يبعده عن الإفراط والتفريط، وأن ينجيه من فتن الدنيا، وأن يعفو عني ويغفر لي.

على كل حال وبغض النظر عن كلامه وإفراطه وتفريطه في مسائل دينية فقد علمت أنه يطعن في عرض كبير الموحدين والمفسرين المجتهد الكبير والعالم القدير معالي السيد مصطفى الطباطبائي -دامت بركاته- مع أنني تعلمت كثيراً من مسائل الإسلام والتوحيد من خلال المباحثة مع هذا العلامة القدير.

الحاصل مع هذا المرض وضعف الشيخوخة وفقدان الأمن والغربة وعدم الاستقرار لم يكن لي عمل إلا إصلاح مؤلفاتي - وخاصة التي كتبتها بعد الثورة - لأنني كتبتها في أوضاع صعبة، وفي وقت تشتت الخاطر، وفقدان كثير من المصادر، فكنت متى سنحت الفرصة أصحح وأزيد ما أستطيع، آملاً أن يأتي يوم تطبع فيه هذه الكتب وهي في أحسن صورة.

وعلى سبيل المثال قمت بتحديث ترجمتي لنفسي، ولها قصة عجيبة وأهمية خاصة بين مؤلفاتي، وذلك أنني كتبت من قبل ترجمة مقتضبة استجابة لطلب أحد الفضلاء، ولم يدفعني للاستجابة له إلا خوفي من اختلاق الكذب علي بعد مماتي، ومع أن الظروف كانت غير مناسبة إلا أنني استعجلت وكتبت ترجمة غير مفصلة في نفس الدفتر الذي أتيت به إلى ذلك الأخ العزيز، ثم قام ابني بطبعه وترتيبه لكي أقرأه وأصححه، ولكن أحد الأصدقاء تحمس وأخذ النسخة ووزعها وهي لا تزال مسودة وفيها بعض الخلل، وقد وقعت إحدى هذه النسخ في يد الجواسيس من أحد مشايخ الدولة، وهو المعروف بـ «طاهري» وكانت النتيجة هي استدعائه لهذا الضعيف للتحقيق عام 1369هـ.ش. (1990 م) عندها هيأت نفسي للسجن للمرة الرابعة.

سألوني في التحقيق في محكمتهم الخاصة برجال الدين (العلماء): لماذا تغسل يدك في الوضوء من الأصابع إلى المرفقين؟

قلت: لعنة الله على الكاذبين، مع أنني أعتقد بأن من توضأ بهذه الطريقة فوضوؤه ليس بباطل، لكنني لم أتوضأ هكذا طول عمري.

كما سألوني: هل كتبت ترجمة لحياتك؟!

قلت: نعم، فإن كان فيها خطأ فبينوا لي لكي أصلحه.

فهددوني بالقتل. فقلت: حسناً اقتلوني حتى أستريح من شركم، أو اتركوني الآن أذهب إلى المصلى لأنام، وإذا صدر حكمكم بقتلي فاقتلوني.

كما قلت لهم: أنا ليس لدي إلا القلم فقط، أما الطباعة والنشر والراديو والتلفزيون والمنابر وغيرها من الوسائل فهي بأيديكم، فلماذا تخافون إلى هذا الحد من أمثالي؟!

ونسيت أسئلتهم الأخرى.

وبعد التحقيق قالوا لي: انتظر في الخارج، عندها خرجت وذهبت إلى المصلى فنمت، وبعد قليل أحسست بأحدهم يوقظني ويقول: تستطيع أن تذهب. وهكذا حفظني الله تعالى من شرهم مرة أخرى.

[305] انظر الوثيقة في الملحق رقم 27. [306] كن: قرية قريبة من طهران من ناحية الشمال.