نزاع الوعّاظ في قرية ورامين
وأذكر أنني في أحد الأعوام ذهبتُ قُبَيل رمضان إلى منطقة يُقال لها: ورامين[16]، ولم يكن فيها أحد من أهل العلم، وكان فيها مسجد متواضع مبنيٌّ من الطين لا بساط له إلا التراب، فُرِشت أرضعه بقطعة حصير بالية مُمَزَّقة، ولم يكن للمسجد أية نوافذ تسمح بدخول النور إليه. فدخلت المسجد لأقيم فيهم الجماعة، وألقيتُ بعض الخطب فجاءني عددٌ من المساكين فتکلمنا وعلمت منهم أنهم اعتادوا أن يأتيهم شخص آخر في رمضان يُقال له: السيد مرتضى تنکابنی، ولكنه تأخر هذا العام، ولم يبق على رمضان إلا يومان واقترحوا أن أبقى معهم في هذه القرية في الأيام القادمة وفترة شهر رمضان.
على كل حال قرَّرْتُ أن أبقى معهم، فلم نلبث إلا بشيخ آخر أتى إلى القرية يُقَالُ له: «سلطان الواعظين»، والأجدر به أن يُسَمَّى شيطان الواعظين، لأنه عندما جاء إلى المسجد وصلَّى بنا صعد المنبر وبدأ يختلق أموراً ليست في كتاب الله ولا سنة رسول الله ص وكان له صوت جميل، ومن قباحته أنه كان يقول: ما دامَ الكلبُ ينبحُ بصوت عالٍ في القرية فإن بني آوى[17] لا يأتون ناحيتها، وأنا هنا كالكلب ما دمت في هذا المسجد فلن يصعد على هذا المنبر غيري.
ولما كان ذلك في بدايات سفري وخروجي إلى الوعظ، وكنت لا أزال شخصاً حيياً، استحييت أن أُنازعه الصعودَ إلى المنبر، فقرَّرت الاكتفاء بتعليم الناس بعض المسائل علی الأرض.
وفي اليوم الثاني دخل إلى المسجد شيخٌ جديدٌ طويل القامة يُدْعى: «قُوّام الواعظين الشيرازي»، وذهب وأتى معه ببعض المسؤولين الرسميين في المنطقة ليُمَكِّنوه من صعود المنبر، فنشب خلاف بينه وبين «سلطان الواعظين».
وفي اليوم الثالث جاءنا شيخ ثالث يُدْعى: «محمد رضا كيلاني» ويُلَقَّب بالبرهان، وأخذ يصعد المنبر ذاته ويَعِظُ منه أمام ذينك الشيخين.
لقد كان المشهد غريباً، فرغم أنه لم يكن هناك أحدٌ يستمع للوُعَّاظ في ذلك المسجد، كان المشايخ الواعِظون يصعدون إلى منبره الواحد تلو الآخر، دون أن يدعوهم إلى ذلك أحد! فصرفتُ النظر كُلِّيَاً عن الصعود إلى منبر ذلك المسجد، إلى أن حلَّ شهر رمضان فعلمتُ أن السيد «مرتضى تنكابني» إمام الجماعة الذي يأتي كل سنة إلى هذا المسجد في رمضان قد أتى هذه السنة أيضاً لِيَؤُمَّ المُصَلِّين فيه، فعرفت أنه لم يَعُدْ لي مَكانٌ في المسجد، فقرَّرتُ مُغادرةَ القريةِ في اليوم الأول ذاته من شهر رمضان.
[16] ورامين: مدينة تقع إلى جنوب شرقي طهران بنحو 30 ميلاً. [17] جمع ابن آوى: حيوان من فصيلة الكلبيّات ورتبة اللّواحم وهو أصغر حجمًا من الذِّئب، ويُقال له بالفارسية: «شغال». (المُحَقِّق)