سوانح الأيام - ايام من حياتي

فهرس الكتاب

في مدينة قوجان ومع أهلها الأبطال

في مدينة قوجان ومع أهلها الأبطال

أذكر أني سافرت إلى قوجان[71] في أحد فصول الشتاء فدعاني أهلها للإقامة في تلك المدينة أياماً لإمامتهم وإلقاء المواعظ عليهم، وطلب مني الشيخ الموّحد الفاضل: السيد جلال الجلالي بنفسه أن أبقى لإرشاد الناس، فلم أتعلل وقبلت دعوتهم.

وكنت أعظ الناس في الليالي على المنبر في مسجد ومدرسة عوضيّة، فكان أهل المدينة يحضرون فيملؤون المسجد والشوارع من حوله، وكنت أبين لهم فساد بعض خرافات الصوفية والعرفاء والدراویش، فلجأت الصوفية إلى السافاك (إدارة المخابرات) وإلى إدارة الشرطة، فجاء مسؤول الشرطة وقت الظهر ونحن على مائدة طعام الغداء فلم يتركني أُنهي غدائي، ووضعوني بكل وحشية كالجلادين في سيارة الشرطة وذهبوا بي إلى إدارة السافاك. كان رئيس الشرطة شاباً جاهلاً مغروراً، عندما دخلت عليه سلّمت، فرد بكلام فاحش وأخذ يضربني..

على كل حال كان هذا وضع الدولة المتسلطة على الرعية الضعاف.

نقلوني إلى مشهد[72] وأدخلوني إدارة الشرطة وبتّ عندهم ليلة، وفي الصباح ذهبوا بي إلى رئيس الشرطة، فقلت له: بهذا أنتم تنشرون سمعة سيئة عنكم بين الناس، فبسبب مبلغ يسير أعطته الصوفية في قوجان لرئيس إدارة الشرطة - ذلك الشاب الجاهل- تُهينون عالماً مجتهداً، وقد تبيَّن لي أنهم لا يفهمون الكلام والمنطق، ويجب أن تعلموا أن تسلط الدولة خطر على الرعية.

الحقيقة أن الأمر قد اختلف مع رئيس المخابرات في مشهد، لأنه أخذ يناقشني برفق، فاعتقدت أنه رجل طيب، وأنه أحسن من رئيس المخابرات في قوجان، ولكن تبيَّن لي أن السبب هو أن أهل قوجان لما سمعوا بإهانة مدير شرطة قوجان لي غضبوا وهبّوا دفعة واحدةً فعطلوا الأسواق، وأن جماعة كبيرة منهم جاؤوا إلى مشهد لمناصرتي والوقوف معي، وهذا ما دفع رئيس مخابرات مشهد للرفق معي أخيراً.

على كل حال: في وقت الظهيرة أطلقوا سراحي، فخرجت من إدارة الشرطة فرأيت أهالي قوجان ينتظروني في الخارج؛ ففرحوا بخروجي واستقبلوني استقبالاً حاراً.

عندها علمت أن أهل قوجان رجال ذوو غيرة وحميّة وشهامة.. ولكن مع الأسف فإن أغلب مشايخ منطقتهم جُهَّال وحقراء وطفيليين.

وعلى سبيل المثال: كان اسم أحد المشايخ هناك «غين علي» كان يقول لي: أنا كلما أريد أن أجامع زوجتي أجامع بحول وقوة عليّ (ع)!! كان هذا الشيخ الأحمق المشرك يدَّعي أنه أمضى ثلاثين سنة في النجف يدرس العلوم الدينية في مرحلتي السطح والخارج؟! فوا أسفاه على شعب شيوخه أمثال هؤلاء!

على كل حال: عندما خرجت من إدارة شرطة مشهد أحاط بي الناس وأخبروني أن الناس في قوجان ينتظرونني وطلبوا مني أن أرجع معهم، فقلت: اتصلوا بالهاتف وأخبروا الناس بأننا سنتحرك عند الساعة الخامسة بعد الظهر، وعندما أتينا قوجان رأينا الناس من أهل قوجان والقری التي حولها قد اجتمعوا من نحو عشرين فرسخاً، وعندما قربت المدینة رأیت أنهم قد أتوا بكثير من الأبقار والخراف ليذبحوها، وقد بدا لي أن هذا العمل مشوباً بالشرك فمنعتهم من أن يذبحوا لأجلي أي شيء.. وکما أخبروني هذا الاستقبال لم يسبق له نظير عندهم.

وعندما دخلت المدينة حملوني فوق أكتافهم إلى المسجد، وصعدت على المنبر تلك الليلة وشكرتهم ثم بيَّنت لهم بعض الحقائق القرآنية عدة ليال ثم رجعت إلى طهران.

[71] قوجان: إحدى مدن محافظة خراسان (شمال شرق إيران) تبعد عن طهران نحو 700 كيلومتر. [72] أبرز مدن محافظة خراسان (شمال شرق إيران)، وفيها قبر الإمام الرضا رحمه الله.