الخامس الحج[95]
إلى بيت الله الحرام في مكة المكرمة، ويجب على كل مسلم بالغ عاقل قادر، يملك وسيلة النقل أو أجرتها إلى البيت الحرام، ويملك ما يكفيه من النفقة في ذهابه وإيابه، على أن تكون هذه النفقة فاضلة عن قوت من يعولهم، وأن يكون آمناً على نفسه في طريقه، وآمناً على من يعولهم أثناء غيابه عنهم، ويجب الحج مرة واحدة في العمر لمن استطاع إليه سبيلاً.
وينبغي لمن أراد الحج أن يتوب إلى الله؛ لتتطهر نفسه من دنس الذنوب، فإذا بلغ مكة المكرمة والمشاعر المقدسة أدى شعائر الحج عبودية وتعظيماً لله، ويعلم أن الكعبة وسائر المشاعر لا تعبد من دون الله، وأنها لا تنفع ولا تضر، ولولم يأمر الله بالحج إليها لما صح للمسلم أن يحج إليها.
وفي الحج يلبس الحاج إزاراً ورداءً أبيضين، فيجتمع المسلمون من جميع أقطار الأرض في مكان واحد، يلبسون زياً واحداً، يعبدون رباً واحداً، لافرق بين رئيس أو مرؤوس، وغني أو فقير، أو أبيض أو أسود، الكل خلق الله وعباده، لا فضل لمسلم على غيره إلا بالتقوى والعمل الصالح.
فيحصل للمسلمين التعاون والتعارف، ويتذكرون يوم يبعثهم الله جميعاً، ويحشرهم في صعيد واحد للحساب، فيستعدون بطاعة الله تعالى لما بعد الموت[96].
العبادة في الإسلام[97]
هي العبودية لله معنى وحقيقة، فالله خالق وأنت مخلوق، وأنت عبد والله معبودك، وإذ كان ذلك كذلك فلا بد أن يسير المرء في هذه الحياة على صراط الله المستقيم متبعاً لشرعه، مقتفياً أثر رسله، وقد شرع الله لعباده شرائع عظيمة كتحقيق التوحيد لله رب العالمين والصلاة والزكاة والصيام والحج.
ولكن ليست هذه هي كل العبادات في الإسلام، فالعبادة في الإسلام أشمل إذ هي: كل ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة. فكل عمل أو قول عملته أو قلته مما يحبه الله ويرضاه فهو عبادة، بل كل عادة حسنة عملتها بنية التقرب إلى الله فهي عبادة، فمعاشرتك الحسنة لأبيك وأهلك وزوجك وأولادك وجيرانك إذا قصدت بها وجه الله فهي عبادة، ومعاملتك الحسنة في البيت والسوق المكتب وإذا قصدت بها وجه الله فهي عبادة، وأداء الأمانة والتزام الصدق والعدل وكف الأذى وإعانة الضعيف واكتساب الحلال والنفقة على الأهل والأولاد ومواساة المسكين وزيارة المريض وإطعام الجائع ونصرة المظلوم كل ذلك عبادة إذا قصد به وجه الله. فكل عمل تعمله لنفسك أو لأهلك أو لمجتمعك أو لبلدك تقصد به وجه الله فهو عبادة. بل حتى تحقيق شهوات نفسك في حدود ما أباح الله لك؛ تكون عبادة إذا قَارَنَتْها نية صالحة قال ﷺ: (وفي بضع أحدكم صدقة. قالوا: يا رسول الله! أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر)[98]. 4
وقال ﷺ: (على كل مسلم صدقة. قيل: أرأيت إن لم يجد! قال: يعتمل بيديه فينفع نفسه ويتصدق. قال: أرأيت إن لم يستطع؟ قال يعين ذا الحاجة الملهوف. قال: قيل له: أرأيت إن لم يستطع؟ قال: يأمر بالمعروف أو الخير. قال أرأيت إن لم يفعل؟ قال: يمسك عن الشر فإنها صدقة)[99].
[95] ينظر لمزيد من التوسع كتاب "دليل الحاج والمعتمر" تأليف مجموعة من العلماء، وكتاب "التحقيق والإيضاح لكثير من مسائل الحج والعمرة" تأليف سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله. [96] انظر المصدر السابق، جـ 2، ص 385، ودين الحق، ص 67. [97] ينظر لمزيد من التوسع كتاب "العبودية" تأليف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. [98] رواه مسلم في صحيحه في كتاب الزكاة، حديث 1006. [99] رواه البخاري في كتاب الزكاة، باب 29، ومسلم في كتاب الزكاة،حديث 1008، واللفظ له.