الخامس: الإيمان باليوم الآخر
ذلك أن نهاية كل مخلوق في الدنيا الموت! فما مصير الإنسان بعد الموت؟ فما مآل الظَلَمة الذين سلموا من العذاب في الدنيا هل يسلمون من طائلة ظلمهم؟ والمحسنون الذين فاتهم نصيبهم وجزاء إحسانهم في الدنيا هل تضيع أجورهم؟
إن البشرية تتابع إلى الموت، جيلاً بعد جيل، حتى إذا أذن الله بانقضاء الدنيا، وهلك كل مخلوق على ظهرها، بعث الله جميع الخلائق في يوم مشهود، يجمع الله فيه الأولين والآخرين، ثم يحاسب العباد على أعمالهم من خير أو شر كسبوه في الدنيا، فالمؤمنون يساقون إلى الجنة، والكفار يقادون إلى النار.
والجنة هي: النعيم الذي أعده الله لأوليائه المؤمنين، فيها من أصناف النعيم ما لا يقدر أحد على وصفه، فيها مائة درجة، لكل درجة سكان على قدر إيمانهم بالله وطاعتهم له، وأدنى أهل الجنة منزلة من يعطى من النعيم مثل مُلْك مَلِكٍ من ملوك الدنيا وعشرة أضعافه.
والنار هي العذاب الذي أعده الله لمن كفر به، فيها من ألوان العذاب ما يهول ذكره، ولو أذن الله بالموت لأحد في الآخرة لمات أهل النار بمجرد رؤيتها.
وقد علم الله - بسابق علمه - ما سوف يقوله ويعمله كل إنسان من خير أو شر سراً كان أم علانية، ثم وكل بكل إنسان ملكين أحدهما يكتب الحسنات، والآخر يكتب السيئات، لا يفوتهما شيء قال تعالى: ﴿مَّا يَلۡفِظُ مِن قَوۡلٍ إِلَّا لَدَيۡهِ رَقِيبٌ عَتِيدٞ١٨﴾ [ق: 18]، وتدون هذه الأعمال في كتاب يعطى للإنسان يوم القيامة، قال تعالى: ﴿وَوُضِعَ ٱلۡكِتَٰبُ فَتَرَى ٱلۡمُجۡرِمِينَ مُشۡفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَٰوَيۡلَتَنَا مَالِ هَٰذَا ٱلۡكِتَٰبِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةٗ وَلَا كَبِيرَةً إِلَّآ أَحۡصَىٰهَاۚ وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِرٗاۗ وَلَا يَظۡلِمُ رَبُّكَ أَحَدٗا٤٩﴾ [الكهف: 49]، فيقرأ كتابه لا ينكر منه شيئاً ومن أنكر شيئاً من أعماله أنطق الله سمعه وبصره ويديه ورجليه وجلده بجميع عمله قال تعالى: ﴿وَيَوۡمَ يُحۡشَرُ أَعۡدَآءُ ٱللَّهِ إِلَى ٱلنَّارِ فَهُمۡ يُوزَعُونَ ١٩ حَتَّىٰٓ إِذَا مَا جَآءُوهَا شَهِدَ عَلَيۡهِمۡ سَمۡعُهُمۡ وَأَبۡصَٰرُهُمۡ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ٢٠ وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمۡ لِمَ شَهِدتُّمۡ عَلَيۡنَاۖ قَالُوٓاْ أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِيٓ أَنطَقَ كُلَّ شَيۡءٖۚ وَهُوَ خَلَقَكُمۡ أَوَّلَ مَرَّةٖ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ ٢١ وَمَا كُنتُمۡ تَسۡتَتِرُونَ أَن يَشۡهَدَ عَلَيۡكُمۡ سَمۡعُكُمۡ وَلَآ أَبۡصَٰرُكُمۡ وَلَا جُلُودُكُمۡ وَلَٰكِن ظَنَنتُمۡ أَنَّ ٱللَّهَ لَا يَعۡلَمُ كَثِيرٗا مِّمَّا تَعۡمَلُونَ٢٢﴾ [فصلت: 19-22].
والإيمان باليوم الآخر -وهو يوم القيامة، يوم البعث والنشور- جاءت به جميع الأنبياء والمرسلين. قال تعالى: ﴿وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنَّكَ تَرَى ٱلۡأَرۡضَ خَٰشِعَةٗ فَإِذَآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡهَا ٱلۡمَآءَ ٱهۡتَزَّتۡ وَرَبَتۡۚ إِنَّ ٱلَّذِيٓ أَحۡيَاهَا لَمُحۡيِ ٱلۡمَوۡتَىٰٓۚ إِنَّهُۥ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ٣٩﴾ [فصلت: 39]، وقال سبحانه وتعالى: ﴿أَوَ لَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَلَمۡ يَعۡيَ بِخَلۡقِهِنَّ بِقَٰدِرٍ عَلَىٰٓ أَن يُحۡـِۧيَ ٱلۡمَوۡتَىٰ﴾ [الأحقاف: 33]، وهو ما تقتضيه الحكمة الإلهية؛ فإن الله لم يخلق خلقه عبثاً، ولم يتركهم سدى، إذ أضعف الناس عقلاً لا يمكن أن يعمل عملاً -ذا بال- دون غاية معلومة لديه، ودون قصد منه، فكيف لا يتصور هذا من الإنسان، ثم يظن الإنسان بربه أنه خلق خلقه عبثاً، وسيتركهم سدى، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً، وقال تعالى: ﴿أَفَحَسِبۡتُمۡ أَنَّمَا خَلَقۡنَٰكُمۡ عَبَثٗا وَأَنَّكُمۡ إِلَيۡنَا لَا تُرۡجَعُونَ١١٥﴾ [المؤمنون: 115]، وقال جل شأنه: ﴿وَمَا خَلَقۡنَا ٱلسَّمَآءَ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَا بَٰطِلٗاۚ ذَٰلِكَ ظَنُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۚ فَوَيۡلٞ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنَ ٱلنَّارِ٢٧﴾ [ص: 27].
وشهد على الإيمان به جميع العقلاء، وهو الذي يقتضيه العقل، وتسلم له الفطر المستقيمة؛ لأن الإنسان إذا آمن بيوم القيامة؛ أدرك لماذا يترك الإنسان ما يترك، ويعمل ما يعمل رجاء ما عند الله، ثم أدرك -أيضاً- أن من يظلم الناس لابد أن يأخذ نصيبه، وأن يقتص الناس منه في يوم القيامة، وأن الإنسان لابد أن يأخذ جزاءه إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، لتجزي كل نفس بما تسعى، ويتحقق العدل الإلهي قال تعالى: ﴿فَمَن يَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٍ خَيۡرٗا يَرَهُۥ ٧ وَمَن يَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٖ شَرّٗا يَرَهُۥ٨﴾ [الزلزلة: 7-8][106].
ولا يعلم أحد من الخلق متى يأتي يوم القيامة، فهذا يوم لا يعلمه نبي مرسل ولا ملك مقرب بل اختص الله ذلك بعلمه قال تعالى: ﴿يَسَۡٔلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرۡسَىٰهَاۖ قُلۡ إِنَّمَا عِلۡمُهَا عِندَ رَبِّيۖ لَا يُجَلِّيهَا لِوَقۡتِهَآ إِلَّا هُوَ﴾ [الأعراف: 187]. وقال سبحانه: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُۥ عِلۡمُ ٱلسَّاعَةِ﴾ [لقمان: 34].
[106] انظر دين الحق، ص 19.