حقيقة الإسلام
من المعلوم أن كل شيء في هذا الكون، منقاد لقاعدة معينة، وسنة ثابتة، فالشمس والقمر والنجوم والأرض مسخرات تحت قاعدة مطردة، لا قبل لها بالحراك عنها والخروج عليها ولو قيد شعرة، حتى إن الإنسان نفسه إذا تدبرت شأنه تبين لك أنه مذعن لسنن الله إذعاناً تاماً، فلا يتنفس ولا يحس حاجته إلى الماء والغذاء والنور والحرارة إلا وفقاً للتقدير الإلهي الله المنظم لحياته، وتنقاد لهذا التقدير جميع أعضائه، فالوظائف التي تؤديها هذه الأعضاء لا تقوم بها إلا بحسب ما قرر الله لها.
فهذا التقدير الشامل، الذي يستسلم له ولا ينفك عن طاعته شيء في هذا الكون، من أكبر كوكب في السماء، إلى أصغر ذرة من الرمل في الأرض، هو من تقدير إله ملك جليل مقتدر. فإذا كان كل شيء في السموات وما بينهما منقاداً لهذا التقدير، فإن العالم كله مطيع لذلك الملك المقتدر الذي وضعه، ومتبع لأمره، ويتبين من هذه الوجهة، أن الإسلام دين الكون أجمع. لأن الإسلام معناه الانقياد والامتثال لأمر الآمر ونهيه بلا اعتراض كما عرفت آنفاً. فالشمس والقمر والأرض مستسلمة، والهواء والماء والنور والظلام والحرارة مستسلمة، والشجر والحجر والأنعام مستسلمة، بل إن الإنسان الذي لا يعرف ربه ويجحد وجوده وينكر آياته، أو يعبد غيره، ويشرك به سواه، هو مستسلم من حيث فطرته التي فطر عليها.
إذا أدركت هذا فتعال ننظر في أمر الإنسان، فستجد أن الإنسان يتنازعه أمران:
الأول: الفطرة التي فطر الله عليها الإنسان من الاستسلام لله ومحبة التعبد له، والتقرب إليه، ومحبة ما يحبه الله من الحق والخير والصدق، وبغض ما يبغضه الله من الباطل والشر والجور والظلم، وما يتبع ذلك من دواعي الفطرة من محبة المال والأهل والولد، والرغبة في الأكل والشرب والنكاح، وما يتطلبه ذلك من قيام أعضاء الجسم بوظائفها اللازمة لها.
الثاني: مشيئة الإنسان واختياره وقد أرسل الله إليه الرسل وأنزل الكتب ليميز بين الحق والباطل والهدى والضلال والخير والشر، وأمده بالعقل والفهم ليكون على بصيرة في اختياره؛ فإن شاء سلك طريق الخير فقاده إلى الحق والهدى وإن شاء سلك سبل الشر فقادته إلى الشر والبوار.
فإذا نظرت إلى الإنسان باعتبار الأمر الأول وجدته مجبولاً على الاستسلام، مفطوراً على التزامه ولا محيد له عنه شأنه شأن غيره من المخلوقات.
وإذا نظرت إليه باعتبار الأمر الثاني وجدته مختاراً يختار ما يشاء فإما أن يكون مسلماً وإما يكون كافراً ﴿إِمَّا شَاكِرٗا وَإِمَّا كَفُورًا٣﴾ [الإنسان: 3].
ولذا تجد الناس على نوعين:
إنسان يعرف خالقه، ويؤمن به رباً ومالكاً وإلها يعبده وحده، ويتبع شريعته في حياته الاختيارية. كما هو مفطور على الاستسلام لربه لا محيد له عنه تابع لتقديره، وهذا هو المسلم الكامل الذي قد استكمل إسلامه، وقد أصبح علمه صحيحاً؛ لأنه عرف الله خالقه وبارئه الذي أرسل إليه الرسل وأولاه قوة العلم والتعلم، وأصبح عقله صحيحاً ورأيه سديداً؛ لأنه أعمل فكره ثم قضى ألا يعبد إلا الله الذي أكرمه بموهبة الفهم والرأي في الأمور، وأصبح لسانه صحيحاً ناطقاً بالحق لأنه لا يقر الآن إلا برب واحد هو الله تعالى الذي أنعم عليه بقوة النطق والكلام.. فكأن حياته ما بقي فيها الآن إلا الصدق؛ لأنه منقاد لشرع الله فيما له الخيرة فيه من أمره، وامتدت بينه وبين سائر المخلوقات في الكون آصرة التعارف والتآنس، لأنه لا يعبد إلا الله الحكيم العليم، الذي تعبده وتذعن لأمره وتنقاد لتقديره المخلوقات كلها وقد سخرها من أجلك أيها الأنسان.