الإسلام أصوله و مبادؤه

فهرس الكتاب

السادس: الإيمان بالقضاء والقدر

السادس: الإيمان بالقضاء والقدر

أن تؤمن بإن الله علم ما كان وما سيكون، وعلم أحوال العباد وأعمالهم وآجالهم وأرزاقهم قال تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ٦٢ [العنكبوت: 62]، وقال جل ثناؤه: ﴿۞وَعِندَهُۥ مَفَاتِحُ ٱلۡغَيۡبِ لَا يَعۡلَمُهَآ إِلَّا هُوَۚ وَيَعۡلَمُ مَا فِي ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِۚ وَمَا تَسۡقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعۡلَمُهَا وَلَا حَبَّةٖ فِي ظُلُمَٰتِ ٱلۡأَرۡضِ وَلَا رَطۡبٖ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَٰبٖ مُّبِينٖ٥٩ [الأنعام: 59][107]، وكتب كل ذلك في كتاب عنده قال تعالى: ﴿وَكُلَّ شَيۡءٍ أَحۡصَيۡنَٰهُ فِيٓ إِمَامٖ مُّبِينٖ١٢ [يس: 12]، وقال سبحانه: ﴿أَلَمۡ تَعۡلَمۡ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِۚ إِنَّ ذَٰلِكَ فِي كِتَٰبٍۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٞ٧٠ [الحج: 70]، فإذا شاء الله أمراً قال له: كن فيكون. قال تعالى: ﴿إِنَّمَآ أَمۡرُهُۥٓ إِذَآ أَرَادَ شَيۡ‍ًٔا أَن يَقُولَ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ٨٢ [يس: 82]، والله سبحانه كما أنه قدر كل شيء فهو الخالق لكل شيء قال جل ثناؤه: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيۡءٍ خَلَقۡنَٰهُ بِقَدَرٖ٤٩ [القمر: 49]، وقال عز من قال: ﴿ٱللَّهُ خَٰلِقُ كُلِّ شَيۡءٖ [الزمر: 62]، فخلق العباد لطاعته، وبينها لهم، وأمرهم بها، ونهاهم عن معصيته، وبينها لهم، وجعل لهم القدرة والمشيئة التي يتمكنون بها من فعل أوامر الله؛ فيحصل لهم الثواب، ومن ارتكاب معاصيه، فيستحقون العذاب.

فإذا آمن الإنسان بالقضاء والقدر تحقق له ما يلي:

1- اعتماده على الله عند فعل الأسباب؛ لأنه يعلم أن السبب والمسبب كلاهما بقضاء الله وقدره.

2- راحة النفس وطمأنينة القلب؛ لأنه متى علم أن ذلك بقضاء الله وقدره، وأن المكروه المقدر كائن لا محالة ارتاحت نفسه ورضي بقضاء الله، فلا أحد أطيب عيشاً وأريح نفساً وأقوى طمأنينة ممن آمن بالقدر.

3- طرد الإعجاب بالنفس عند حصول المراد؛ لأن حصول ذلك نعمة من الله بما قدره من أسباب الخير والفلاح؛ فيشكر الله على ذلك.

4- طرد القلق والضجر عند فوات المراد أو حصول المكروه؛ لأن ذلك بقضاء الله الذي لا راد لأمره، ولا معقب لحكمه، وهو كائن لامحالة، فيصبر ويحتسب الأجر من الله تعالى: ﴿مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٖ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فِيٓ أَنفُسِكُمۡ إِلَّا فِي كِتَٰبٖ مِّن قَبۡلِ أَن نَّبۡرَأَهَآۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٞ ٢٢ لِّكَيۡلَا تَأۡسَوۡاْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمۡ وَلَا تَفۡرَحُواْ بِمَآ ءَاتَىٰكُمۡۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخۡتَالٖ فَخُورٍ٢٣ [الحديد: 22-23][108].

5- التوكل التام على الله سبحانه؛ لأن المسلم يعلم أنه سبحانه بيده -وحده- النفع والضر، فلا يرهب قوياً لقوته، ولا يتوانى عن فعل خير مخافة أحد من البشر، قال ﷺ لابن عباس رضي الله عنهما: (واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك)[109].

[107] سورة الأنعام، الآية 59. لو لم يكن في القرآن الكريم إلا هذه الآية لكانت دليلاً واضحاً وحجة قاطعة على أنه من عند الله؛ ذلك لأن البشرية في كل عصورها -حتى في هذا العصر الذي شاع فيه العلم، واستكبر فيه الإنسان - لا تفكر في هذه الإحاطة الشاملة، فضلاً عن أن تقدر عليها، وقصارى جهدها أن ترصد شجرة أو حشرة في بيئة معينة لتكشف لنا شيئاً من أسرارها، وما خفي عليهم منها أعظم. أما التفكير الشامل والإحاطة الشاملة فهذا أمر لم تألفه البشرية ولا تقدر عليه. [108] انظر العقيدة الصحيحة وما يضادها، ص 19، وعقيدة أهل السنة والجماعة، ص 39، ودين الحق، ص 18. [109] رواه الإمام أحمد في مسنده، جـ 1، ص 293، والترمذي في سننه في أبواب القيامة، جـ 4، ص 76.