وبعد يا أيها الإنسان:
إذا كان كل هذا الكون سخر من أجلك، وإذا انتصبت آياته وأعلامه شواهد أمام ناظريك تشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وإذا علمت أن بعثك وحياتك بعد موتك أهون من خلق السموات والأرض، وأنك ملاق ربك فمحاسبك على عملك، وإذا علمت أن هذا الكون كله عابد لربه فكل مخلوقاته تسبح بحمد ربها قال تعالى: ﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ﴾ [الجمعة: 1]، وتسجد لعظمته قال جل ثناؤه: ﴿أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَسۡجُدُۤ لَهُۥۤ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلۡأَرۡضِ وَٱلشَّمۡسُ وَٱلۡقَمَرُ وَٱلنُّجُومُ وَٱلۡجِبَالُ وَٱلشَّجَرُ وَٱلدَّوَآبُّ وَكَثِيرٞ مِّنَ ٱلنَّاسِۖ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيۡهِ ٱلۡعَذَابُ﴾ [الحج: 18]، بل هذه الكائنات تصلي لربها صلاة تناسبها قال عز اسمه: ﴿أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُۥ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱلطَّيۡرُ صَٰٓفَّٰتٖۖ كُلّٞ قَدۡ عَلِمَ صَلَاتَهُۥ وَتَسۡبِيحَهُۥ﴾ [النور: 41].
وإذا كان جسمك يسير في نظامه وفق تقدير الله وتدبيره فالقلب والرئتان والكبد وسائر الأعضاء مستسلمة لربها، مسلمة قيادها لربها.. أفيكون قرارك الاختياري الذي خيّرت فيه بين أن تؤمن بربك، وبين أن تكفر به، أفيكون هذا القرار هو النشاز والشذوذ عن هذه المسيرة المباركة في الكون من حولك بل وفي بدنك.
إن الإنسان العاقل الكامل يربأ بنفسه أن يكون هو الشذوذ والنشاز في خضّم هذا الكون العظيم الفسيح.