الإسلام أصوله و مبادؤه

فهرس الكتاب

المقدمة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد: فقد أرسل الله رسله إلى العالمين؛ لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، وأنزل الكتب هدى ورحمة ونوراً وشفاءً، فكان الرسل فيما مضى يبعثون إلى أقوامهم خاصة، ويستحفظون كتبهم؛ فلذلك اندثرت كتاباتهم، وحُرِّفَتْ وبُدِّلَتْ شرائعهم؛ لأنها أنزلت لأمة محدودة، في فترة معدودة.

ثم اختص الله نبيه محمداً ﷺ بأن جعله خاتم الأنبياء والمرسلين، قال تعالى: ﴿مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٖ مِّن رِّجَالِكُمۡ وَلَٰكِن رَّسُولَ ٱللَّهِ وَخَاتَمَ ٱلنَّبِيِّ‍ۧنَ [الأحزاب: 40] [3]، وأكرمه بخير كتاب أنزل، وهو القرآن العظيم، وتكفَّل سبحانه بحفظه، ولم يترك حفظه لخلقه فقال: ﴿إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا ٱلذِّكۡرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ٩ [الحجر: 9]، وجعل شريعته باقية إلى قيام الساعة، وبين سبحانه أن من لوازم بقاء شريعته الإيمان بها، والدعوة إليها، والصبر عليها، فكان منهج محمد ﷺ ومنهج أتباعه من بعده الدعوة إلى الله على بصيرة، قال تعالى موضحاً هذا المنهج: ﴿قُلۡ هَٰذِهِۦ سَبِيلِيٓ أَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا۠ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِيۖ وَسُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ وَمَآ أَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ١٠٨ [يوسف: 108]، وأمره بالصبر على الأذى في سبيل الله فقال تعالى: ﴿فَٱصۡبِرۡ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلۡعَزۡمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ [الأحقاف: 35]، وقال جل ثناؤه: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱصۡبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ٢٠٠ [آل عمران: 200]، واتباعاً لهذا المنهج الإلهي الكريم، كتبت هذا الكتاب دعوة إلى سبيل الله، مستبصراً بكتاب الله، ومسترشداً بسنة رسوله ﷺ، وبينت فيه بياناً موجزاً خبر خلق الكون، وخلق الإنسان وتكريمه، وإرسال الرسل إليه، وحال الديانات السابقة، ثم عرفت بالإسلام معنى وأركاناً، فمن أراد الهدى، فهاهي أدلته بين يديه، ومن أراد النجاة فقد أوضحت له طريقها، فمن رغب في اقتفاء آثار الأنبياء والمرسلين والمصلحين فهاهي سبيلهم. ومن رغب عنهم، فقد سفه نفسه، وسلك سبيل الضلال.

إن كل أصحاب ملة يدعون الناس إليها، ويعتقدون أن الحق فيها دون ما سواها، وكل أصحاب عقيدة يدعون الناس إلى اتباع صاحب عقيدتهم، وتعظيم قائد طريقهم.

أما المسلم فلا يدعو إلى اتباع طريقته؛ لأنه ليس له طريقة تخصه، إنما دينه دين الله الذي ارتضاه لنفسه قال تعالى: ﴿إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلۡإِسۡلَٰمُ [آل عمران: 19]، ولا يدعو إلى تعظيم بشر، فكل البشر في دين الله سواء لا فرق بينهم إلا بالتقوى، بل يدعو الناس إلى أن يسلكوا سبيل ربهم، ويؤمنوا برسله، ويتبعوا شرعه الذي أنزله على خاتم رسله محمد ﷺ وأمره أن يبلغه إلى الناس كافة.

ومن أجل ذلك فقد حررت هذا الكتاب دعوة إلى دين الله الذي ارتضاه لنفسه، وأنزل به خاتم رسله، وإرشاداً لمن أراد الهداية، ودليلاً لمن أراد السعادة، فوالله لن يجد مخلوق السعادة الحقيقية إلا في هذا الدين، ولن يعرف الطمأنينة إلا مَنْ آمن بالله رباً، وبمحمد ﷺ رسولاً، وبالإسلام ديناً، فقد شهد الآلاف من المهتدين إلى الإسلام -في قديم الدهر وحديثه- بأنهم لم يعرفوا الحياة الحقيقية إلا بعد إسلامهم، ولم يذوقوا السعادة إلا في ظلال الإسلام... ولأن كل إنسان يتطلع إلى السعادة، ويبحث عن الطمأنينة، ويتحرى الحقيقة، فقد أعددت هذا الكتاب، وأسأل الله أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه، داعياً إلى سبيله، وأن يكتب له القبول، وأن يجعله من العمل الصالح الذي ينفع صاحبه في الدنيا والآخرة.

وقد أذنت لمن أراد طبعه بأية لغة، أو ترجمته إلى أية لغة شريطة أن يلتزم الأمانه في نقله إلى اللغة التي سيترجمه إليها.

كما أرجو من كل من له ملاحظة أو استدراك سواء على أصل الكتاب باللغة العربية أو في أية ترجمة لهذا الكتاب أن يوافيني بها على العنوان المذكور هنا.

والحمد لله أولاً وآخراً، وظاهراً وباطناً، وله الحمد علانية وسراً، وله الحمد في الأولى والآخرة، وله الحمد ملء السموات وملء الأرض وملء ما شاء من شيء ربنا، وصلى الله على نبينا محمد وصحبه ومن سار على منهجه وسلك سبيله وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

المؤلف
د. محمد بن عبدالله بن صالح السحيم

الرياض 13/10/1420هـ ص.ب 1032 الرياض 1342
وص.ب 6249 الرياض 11442

[3] هذا نص من الكتاب العظيم "القرآن الكريم" الذي أنزله الله على محمد ﷺ، وفي كتابي هذا نصوص كثيرة من "القرآن الكريم" وهي تسبق دائماً بقوله: قال الله تعالى، أو قال تعالى، أو قال جل ثناؤه وتجد تعريفاً موجزاً بالقرآن العظيم في ص 95-100و114-117. من هذا الكتاب.