توطئة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق، والحمد لله الذي جعلنا من أتباع محمد ﷺ، والحمد لله الذي منّ علينا فجعلنا من المتمسكين بهديه، الداعين إلى سبيله.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، إله الأولين والآخرين، وقيوم السموات والأرضين، أذعن له البر والفاجر، وشهدت بعدله وفضله الأبصار والبصائر، هدى من شاء -بفضله- إلى صراطه المستقيم، وصرف عن سبيله -بعدله- من استحق العذاب المقيم، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله ﷺ، أفنى عمره جهاداً ومجاهدة وصبراً ومصابرة، ودعا إلى سبيل ربه في كل ساحة وواد، ونادى: حي على الفلاح حي على الجهاد، خصه الله بخصائص عظيمة تجل عن الحصر، وجعل شريعته باقية إلى يوم القيامة، ودعاته من خلفه يحملون راياته إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فلا تزال طائفة منهم على الحق منصورة لايضرها من خذلها أو خالف أمرها، إذ هم على بصيرة من أمرهم، يقتفون أثر نبيهم محمد ﷺ: ﴿قُلۡ هَٰذِهِۦ سَبِيلِيٓ أَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا۠ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِي﴾ [يوسف: 108]، يدعون من ضل إلى الهدى، ويحذرون الخلق من الهلاك والردى، رغبة فيما عند الله، ولئلا يتشبهون بأهل الكتاب الذين أخذ عليهم الميثاق فنبذوه وراء ظهورهم قال تعالى: ﴿وَإِذۡ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَٰقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ لَتُبَيِّنُنَّهُۥ لِلنَّاسِ وَلَا تَكۡتُمُونَهُۥ فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمۡ وَٱشۡتَرَوۡاْ بِهِۦ ثَمَنٗا قَلِيلٗاۖ فَبِئۡسَ مَا يَشۡتَرُونَ١٨٧﴾ [آل عمران: 187].
أما بعد فإن كل من عمل في ميدان طباعة الكتب الإسلامية ونشرها وترجمتها يدرك عِظم الحاجة إلى كتاب يدعو غير المسلمين إلى الإسلام؛ لأن الكتب التي تناولت الإسلام كثيرة جداً، سواءًا كانت مجملة أم مفصلة، ولكن قد لا تجتمع فيها الشروط المطلوبة في دعوة غير المسلمين؛ لأن بعضها ألف للمسلمين ولم يقصد به غير المسلمين، وبعضها فيه تفصيل في مسائل العبادات لا يناسب بسطه أمام غير المسلمين، وبعضها اشتمل على ملاحظات تمنع الإفادة منه.
وقد عنيت بذا الأمر -منذ مدة- وكالة شؤون المطبوعات بوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد ولم تجد ذلك الكتاب الذي تطمح إليه، ولم يتيسر لنا في الوكالة الاتفاق مع مؤلف لكتابته، وإن كنا عرضنا ذلك على بعض المختصين، ولكن حال دون ذلك عقبات لعل مردها إلى كثرة الذنوب، والتقصير في حق علام الغيوب.
وبين آونة وأخرى يرد إلينا كتاب من مهتد جديد أو من مركز إسلامي يطلب منا أن نرشح له كتاباً ليترجمه إلى أبناء أمته، مما يناسب أن تخاطب به أمم الكفر، فنلتمس يميناً وشمالاً فلا نجد ذلك الكتاب، ونشعر بالضيق والحرج في عجزنا أن نبلغ شرع الله من خلال كتاب مختصر موجز.
وبعد ذلك رأيت أن التسويف آفة لاتنتهي، وأن رجاء المعدوم وانتظاره سفه، وأنه لاعذر لنا في تقصيرنا، فاستخرت الله وسألته العون والتوفيق على كتابة كتاب يسد تلك الثغرة -ولو مؤقتاً-، ويحقق شيئاً من ذلك الحلم الذي طالما راودنا، ولا أدعي أنني حققت تلك الغاية التي كنا نطمح إليها، ولكنني أحاول أن اختط الطريق ليعمره من بعدي، وأضع البذرة، ليسقيها غيري.
وقد حاولت قدر المستطاع أن أعرض الإسلام في هذا الكتاب عرضاً موجزاً من خلال التعريف بأركان الإسلام ومبادئه العظام، وما يتطلبه البيان من ذكر بعض المسائل والقضايا التي لابد من التعريف بها عند الدعوة إلى الإسلام.
وقد اعتمدت في هذا المنهج على الأحاديث الجامعة مثل خبر بعث معاذ رضي الله عنه إلى اليمن حينما قال له النبي ﷺ: (إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم..)[1]، وعلى حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث قال: (بينما نحن عند رسول الله ﷺ ذات يوم، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي ﷺ، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع يديه على فخذيه، وقال يا محمد: أخبرني عن الإسلام؟ فقال رسول الله ﷺ: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤدي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً. قال: صدقت. قال: فعجبنا له يسأله ويصدقه. قال فأخبرني عن الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره قال: صدقت. قال: فأخبرني عن الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك... إلى أن قال: ياعمر! أتدري من السائل؟ قلت الله ورسوله أعلم. قال: فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم) [2].
ففي هذين الحديثين بين النبي ﷺ أصول الإيمان والإسلام والإحسان، ولم يتجاوز ذلك إلى فروع المسائل، بل في الحديث الأول لم يذكر ﷺ لمعاذ الصيام والحج، وعلل العلماء ذلك بتعليلات ليس هذا أوان بسطها.
كما حاولت - قدر المستطاع - أن استشهد لكل مسألة من مسائل العقيدة بآية أو أكثر من كتاب الله، استئناساً بقوله تعالى: ﴿وَإِنۡ أَحَدٞ مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ٱسۡتَجَارَكَ فَأَجِرۡهُ حَتَّىٰ يَسۡمَعَ كَلَٰمَ ٱللَّهِ﴾ [التوبة: 6]، فينبغي أن يُسمعوا كلام الله، لأن له طلاوة تسلب العقول، وتأخذ بالألباب، كما أن كثيراً ممن أسلم يذكر أنه قرأ آيات من القرآن الكريم فكانت سبب هدايته، وقد حاولت -جاهداً- أن اتجنب بعض المسائل التي قد تستدعي التساؤلات والاعتراضات إلى ذهن القارئ، كذلك آثرت عدم الرد على بعض الشبهات واكتفيت بذكر الأدلة والأصول التي تنفي هذه الشبهة أو تلك.
واجتهدت أن يكون خفيفاً لطيفاً كالأدلة الإرشادية، بعيداً عن الأبواب والفصول، وثقل الكتب المنهجية.
وهذا العمل جهد بشري مطبوع بطابع البشر فيه من الضعف والنقص والخطأ، فما كان فيه من صواب وسداد فمن الله، وأسأل الله أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم، وأن يتقبله مني، وأن يكتب له القبول، وما كان فيه من خطأ فمني ومن الشيطان، والله سبحانه وتعالى منزه عن الخطأ والتقصير، وأسأل الله أن يبدل خطأ هذا الكتاب صواباً، وضلاله رشاداً.
وأشكر في نهاية هذا التمهيد كل من سعى لإخراج هذا الكتاب وطبعه وترجمته ونشره وأسأل الله أن يضاعف لهم الأجر والمثوبة، وأن يجعله من العمل الصالح والعلم النافع، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
المؤلف
د. محمد بن عبدالله بن صالح السحيم
ص ب 1032الرياض 11342