الإسلام أصوله و مبادؤه

فهرس الكتاب

مكانة المرأة

بلغت المرأة في الإسلام منزلة عالية، لم تبلغها ملة ماضية، ولم تدركها أمة تالية، إذ إن تكريم الإسلام للإنسان تشترك فيه المرأة والرجل على حد سواء، فهم أمام أحكام الله في هذه الدنيا سواء، كما أنهم أمام ثوابه وجزائه سواء في الدار الآخرة، قال تعالى: ﴿۞وَلَقَدۡ كَرَّمۡنَا بَنِيٓ ءَادَمَ [الإسراء: 70]، وقال عز من قائل: ﴿لِّلرِّجَالِ نَصِيبٞ مِّمَّا تَرَكَ ٱلۡوَٰلِدَانِ وَٱلۡأَقۡرَبُونَ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٞ مِّمَّا تَرَكَ ٱلۡوَٰلِدَانِ وَٱلۡأَقۡرَبُونَ [النساء: 7]، وقال جل ثناؤه: ﴿وَلَهُنَّ مِثۡلُ ٱلَّذِي عَلَيۡهِنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِ [البقرة: 228]، وقال سبحانه: ﴿وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٖ [التوبة: 71]، وقال تعالى: ﴿۞وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنًاۚ إِمَّا يَبۡلُغَنَّ عِندَكَ ٱلۡكِبَرَ أَحَدُهُمَآ أَوۡ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفّٖ وَلَا تَنۡهَرۡهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوۡلٗا كَرِيمٗا ٢٣ وَٱخۡفِضۡ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحۡمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرۡحَمۡهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرٗا٢٤ [الإسراء: 23-24]، وقال تعالى: ﴿فَٱسۡتَجَابَ لَهُمۡ رَبُّهُمۡ أَنِّي لَآ أُضِيعُ عَمَلَ عَٰمِلٖ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ [آل عمران: 195]، وقال جل ثناؤه: ﴿مَنۡ عَمِلَ صَٰلِحٗا مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَلَنُحۡيِيَنَّهُۥ حَيَوٰةٗ طَيِّبَةٗۖ وَلَنَجۡزِيَنَّهُمۡ أَجۡرَهُم بِأَحۡسَنِ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ٩٧ [النحل: 97]. وقال عز من قائل: ﴿وَمَن يَعۡمَلۡ مِنَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ مِن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَأُوْلَٰٓئِكَ يَدۡخُلُونَ ٱلۡجَنَّةَ وَلَا يُظۡلَمُونَ نَقِيرٗا١٢٤ [النساء: 124].

وهذا التكريم الذي حظيت به المرأة في الإسلام لا يوجد له مثيل في أية ديانة أو ملة أو قانون فقد أقرت الحضارة الرومانية أن تكون المرأة رقيقاً تابعاً للرجل، ولا حقوق لها على الإطلاق، واجتمع في روما مجمع كبير وبحث في شؤون المرأة، فقرر أنها كائن لا نفْس له، وأنها لهذا- لن ترث الحياة الأخروية، وأنها رجس.

وكانت المرأة في أثينا تُعَدُّ من سقط المتاع، فكانت تباع وتشترى، وكانت تعد رجساً من عمل الشيطان.

وقررت شرائع الهند القديمة: أن الوباء والموت والجحيم وسم الأفاعي والنار خير من المرأة، وكان حقها في الحياة ينتهي بانتهاء أجل زوجها -الذي هو سيدها- فإذا رأت جثمانه يحرق ألقت بنفسها في نيرانه، وإلا حاقت عليها اللعنة.

أما المرأة في اليهودية فقد جاء الحكم عليها في العهد القديم ما يلي: (درت أنا وقلبي لأعلم ولأبحث ولأطلب حكمة وعقلاً، ولأعرف الشر أنه جهالة، والحماقة أنها جنون؛ فوجدت أمرّ من الموت: المرأة التي هي شباك، وقلبها شراك، ويداها قيود)[16].

تلك هي المرأة في العصور القديمة، أما حالها في العصور الوسطى والحديثة فتوضحها الوقائع التالية:

شرح الكاتب الدانمركي Wieth Kordsten اتجاه الكنيسة الكاثوليكية نحو المرأة بقوله: (خلال العصور الوسطى كانت العناية بالمرأة الأوربية محدودة جداً تبعاً لاتجاه المذهب الكاثوليكي الذي كان يعد المرأة مخلوقاً في المرتبة الثانية) وفي فرنسا عقد اجتماع عام 586م يبحث شأن المرأة وما إذا كانت تعد إنساناً أو لا تعد إنساناً؟ وبعد النقاش: قرر المجتمعون أن المرأة إنسان، ولكنها مخلوقة لخدمة الرجل. وقد نصت المادة السابعة عشرة بعد المائتين من القانون الفرنسي على ما يلي: (المرأة المتزوجة - حتى لو كان زواجها قائماً على أساس الفصل بين ملكيتها وملكية زوجها- لا يجوز لها أن تهب، ولا أن تنقل ملكيتها ولا أن ترهن، ولا أن تملك بعوض أو بغير عوض بدون اشتراك زوجها في العقد أو موافقته عليه موافقة كتابية).

وفي إنجلترا حرّم هنري الثامن على المرأة الإنجليزية قراءة الكتاب المقدس وظلت النساء حتى عام 1850م غير معدودات من المواطنين، وظللن حتى عام 1882م ليس لهن حقوق شخصية[17].

أما المرأة المعاصرة في أوربا وأمريكا وغيرها من البلاد الصناعية فهي مخلوق مبتذل مستهلك في الأغراض التجارية، إذ هي جزء من الحملات الإعلانية الدعائية، بل وصل بها الحال إلى أن تجرد من ملابسها لتعرض عليها السلع في واجهات الحملات التجارية وأبيح جسدها وعرضها بموجب أنظمة قررها الرجال لتكون مجرد متعة لهم في كل مكان.

وهي محل العناية مادامت قادرة على العطاء والبذل من يدها أو فكرها أو جسدها، فإذا كبرت وفقدت مقومات العطاء تخلى عنها المجتمع بأفراده ومؤسساته، وعاشت وحيدة في بيتها أو في المصحات النفسية.

قارن هذا -ولا سواء- بما جاء في القرآن الكريم من قوله تعالى: ﴿وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٖ [التوبة: 71]، وقوله جل ثناؤه ﴿وَلَهُنَّ مِثۡلُ ٱلَّذِي عَلَيۡهِنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِ [البقرة: 228]، وقوله عزوجل: ﴿۞وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنًاۚ إِمَّا يَبۡلُغَنَّ عِندَكَ ٱلۡكِبَرَ أَحَدُهُمَآ أَوۡ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفّٖ وَلَا تَنۡهَرۡهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوۡلٗا كَرِيمٗا ٢٣ وَٱخۡفِضۡ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحۡمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرۡحَمۡهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرٗا٢٤ [الإسراء: 23-24].

وحينما كرمها ربها هذا التكريم أوضح للبشرية قاطبة بأنه خلقها لتكون أماً وزوجة وبنتاً وأختاً، وشرع لذلك شرائع خاصة تخص المرأة دون الرجل.

[16] سفر الجامعة، الإصحاح 7: 25-26 ومن المعلوم أن العهد القديم يقدسه ويؤمن به اليهود والنصارى. [17] سلسلة مقارنة الأديان، تأليف د. أحمد شلبي جـ3 ص210،213.