الإسلام أصوله و مبادؤه

فهرس الكتاب

المرتبة الثالثة: الإحسان وهو ركن واحد

المرتبة الثالثة: الإحسان وهو ركن واحد

وهو أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك. فيعبد الإنسان ربه على هذه الصفة، وهي استحضار قربه، وأنه بين يديه، وذلك يوجب الخشية والخوف والهيبة والتعظيم، ويوجب النصح في أداء العبادة، وبذل الجهد في تحسينها وإتمامها.

فالعبد يراقب ربه في أداء العبادة، ويستحضر قربه منه حتى كأنه يراه، فإن شق عليه ذلك فليستعن على تحقيقه بإيمانه بأن الله يراه ويطلع على سره وعلانيته، وباطنه وظاهره، ولا يخفى عليه شيء من أمره[110].

فالعبد الذي بلغ هذه المنزلة يعبد ربه مخلصاً، لا يلتفت إلى أحد سواه، فلا ينتظر ثناء الناس، ولا يخشى ذمهم، إذ حسبه أن يرضى عنه ربه، ويحمده مولاه.

فهو إنسان تساوت علانيته وسره، فهو عابد لربه في الخلوة والجلوة، موقن -تمام اليقين- أن الله مطلع على ما يكنه قلبه وتوسوس به نفسه، هيمن الإيمان على قلبه، واستشعر رقابة ربه عليه؛ فاستسلمت جوارحه لبارئها، فلا يعمل بها من العمل إلا ما يحبه الله ويرضاه، مستلم لربه.

وحيث تعلق قلبه بربه فلا يستعين بمخلوق؛ لاستغنائه بالله، ولا يشتكي لإنسان، لأنه أنزل حاجته بالله سبحانه وكفى به معيناً، ولا يستوحش في مكان، ولا يخاف من أحد؛ لأنه يعلم أن الله معه في كل أحواله، وهو حسبه ونعم النصير، ولا يترك أمراً أمره الله به، ولا يقترف معصية لله؛ لأنه يستحيي من الله، ويكره أن يفقده حيث أمره، أو يجده حيث نهاه، ولا يعتدي أو يظلم مخلوقاً أو يأخذ حقه؛ لأنه يعلم أن الله مطلع عليه، وأنه سبحانه سيحاسبه على أفعاله. ولا يفسد في الأرض؛ لأنه يعلم أن مافيها من خيرات ملك لله تعالى سخرها لخلقه فهو يأخذ منها على قدر حاجته، ويشكر ربه أن يسرها له.

* * *

إن ما ذكرته لك، وعرضته أمامك في هذا الكتيب ما هو إلا الأمور المهمة، والأركان العظيمة في الإسلام، وهذه الأركان هي التي إذا آمن العبد بها، وعمل بها؛ أصبح مسلماً، والإ فإن الإسلام- كما ذكرت لك - دين ودنيا، عبادة ومنهج حياة، إنه نظام إلهي شامل كامل حوى في تشريعاته كل ما يحتاج إليه الفرد والأمة على حد سواء في جميع مجالات الحياة الاعتقادية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية.. ويجد فيه الإنسان قواعد وأصولاً وأحكاماً تنظم السلم والحرب، والحقوق الواجبة، وتحافظ على كرامة الإنسان والطير والحيوان والبيئة من حوله، وتبين له حقيقة الإنسان والحياة والموت، والبعث بعد الموت، ويجد فيه -أيضاً- المنهج الأمثل لمعاملة الناس من حوله من مثل قوله تعالى: ﴿وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسۡنٗا [البقرة: 83]، وقوله تعالى: ﴿وَٱلۡعَافِينَ عَنِ ٱلنَّاسِ [آل عمران: 134]، وقوله تعالى: ﴿وَلَا يَجۡرِمَنَّكُمۡ شَنَ‍َٔانُ قَوۡمٍ عَلَىٰٓ أَلَّا تَعۡدِلُواْۚ ٱعۡدِلُواْ هُوَ أَقۡرَبُ لِلتَّقۡوَىٰ [المائدة: 8].

ويحسن بنا وقد عرضنا مراتب هذا الدين، وأركان كل مرتبة من مراتبه أن نذكر نبذة يسيرة من محاسنه.

[110] انظر جامع العلوم والحكم، ص 128.