الإسلام أصوله و مبادؤه

فهرس الكتاب

الحكمة من ذلك

بعد هذا التطواف والتأمل في خلق هذا الكون، يحسن بنا أن نذكر بعض الحكم التي من أجلها خلق الله هذه الكائنات العظيمة والآيات الباهرة فمن ذلك:

1- التسخير للإنسان: لما قضى الله أن يجعل في هذه الأرض خليفة يعبده فيها، ويعمر هذه الأرض؛ خلق لأجله كل ذلك، لتستقيم حياته، ويصلح له أمر معاشه ومعاده قال تعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا مِّنۡهُ [الجاثية: 13]. وقال جل ثناؤه: ﴿ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَخۡرَجَ بِهِۦ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ رِزۡقٗا لَّكُمۡۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلۡفُلۡكَ لِتَجۡرِيَ فِي ٱلۡبَحۡرِ بِأَمۡرِهِۦۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلۡأَنۡهَٰرَ ٣٢ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَ دَآئِبَيۡنِۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَ ٣٣ وَءَاتَىٰكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلۡتُمُوهُۚ وَإِن تَعُدُّواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ لَا تُحۡصُوهَآۗ إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَظَلُومٞ كَفَّارٞ٣٤ [إبراهيم: 32-34].

2- أن تكون السموات والأرض وسائر ما في الكون شواهد على ربوبيته وآيات على وحدانيته: ذلك أن أعظم أمر في هذا الوجود هو الإقرار بربوبيته والإيمان بوحدانيته، ولأنه أعظم أمر؛ فقد أقام عليه أعظم الشواهد، ونصب له أكبر الآيات، واحتج له بأبلغ الحجج، فأقام سبحانه السموات والأرض وسائر الموجودات لتكون شاهدة على ذلك؛ ولذا يكثر في القرآن ورود: ﴿وَمِنۡ ءَايَٰتِهِ كما في قوله تعالى: ﴿وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦ خَلۡقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ ﴿وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦ مَنَامُكُم بِٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ ﴿وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦ يُرِيكُمُ ٱلۡبَرۡقَ خَوۡفٗا وَطَمَعٗا ﴿وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَن تَقُومَ ٱلسَّمَآءُ وَٱلۡأَرۡضُ بِأَمۡرِهِۦ [الروم: 22-25].

3- أن تكون شاهدة على البعث: لما كانت الحياة حياتين، حياة في الدنيا، وحياة في الدار الآخرة، وحياة الدار الآخرة هي الحياة الحقيقية قال تعال: ﴿وَمَا هَٰذِهِ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَآ إِلَّا لَهۡوٞ وَلَعِبٞۚ وَإِنَّ ٱلدَّارَ ٱلۡأٓخِرَةَ لَهِيَ ٱلۡحَيَوَانُۚ لَوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ٦٤ [العنكبوت: 64]؛ لأنها دار الجزاء والحساب، ولأن فيها الخلود الأبدي في النعيم لأهله، والخلود الأبدي في العذاب لأهله.

ولما كانت هذه الدار لا يصل إليها الإنسان إلا بعد ما يموت ويبعث بعد موته؛ أنكر ذلك كل من انقطعت صلته بربه، وانتكست فطرته، وفسد عقله؛ فلأجل ذلك نصب الله الحجج وأقام البراهين، حتى تؤمن بالبعث النفوس، وتوقن به القلوب؛ لأن إعادة الخلق أهون من إيجاده أول مرة، بل خلق السموات والأرض أعظم من إعادة خلق الإنسان. قال تعالى: ﴿وَهُوَ ٱلَّذِي يَبۡدَؤُاْ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥ وَهُوَ أَهۡوَنُ عَلَيۡهِ [الروم: 27]، وقال تعالى: ﴿لَخَلۡقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ أَكۡبَرُ مِنۡ خَلۡقِ ٱلنَّاسِ [غافر: 57]، وقال جل ثناؤه: ﴿ٱللَّهُ ٱلَّذِي رَفَعَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ بِغَيۡرِ عَمَدٖ تَرَوۡنَهَاۖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ وَسَخَّرَ ٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَۖ كُلّٞ يَجۡرِي لِأَجَلٖ مُّسَمّٗىۚ يُدَبِّرُ ٱلۡأَمۡرَ يُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ لَعَلَّكُم بِلِقَآءِ رَبِّكُمۡ تُوقِنُونَ٢ [الرعد: 2].