11 ردّ فعل علماء الشيعة التقليديين على سنكلجي ودعوته الإصلاحية
تعرَّض «شريعت سنكلجي»، بعد أن جهر بدعوته الإصلاحية التصحيحية، التي تحدثنا عنها، إلى محاربة المغالين من علماء الشيعة من قومه، الذين لم يجدوا سوى كلمة «الوهّابي» لإطلاقها عليه، وذلك بعد أن عجزوا عن مناقشته بطرق علمية. وقد أصبحت تهمة «الوهابية» -كما هو معروف - تُوَجَّه في الأدبيات الشيعية المغالية، إلى كل من يرفض الاعتقاد بالخرافات والبدع التي تلازم الفكر الطائفي، ويدعو إلى إعادة النظر في العقائد الشيعية الموروثة.
لنستمع إلى الشيخ «شريعت» نفسه يصف لنا ما لقيه من أذى وعنت من شيوخ قومه، ومحاربة وتسليط للعوام عليه وتهم باطلة له. قال في مقدمته على الطبعة الثانية لكتاب «توحيد عبادت» [توحيد العبادة]:
«.... إن تأليف ونشر هذا الكتاب [أي كتاب توحيد العبادة] وكتاب «كليد فهم قرآن» [مفتاح فهم القرآن] ومحاضرات مساء الخميس، قد كلفني الكثير من المتاعب إذْ قام عددٌ من الأراذل والجهلة الذين لم يشمُّوا رائحة التوحيد بشنّ حملات مسعورةٍ ضدّ مؤلف الكتابين ولم يتوانوا عن كل ما أَمَرَتْهم به أنفسهم الأمارة بالسوء من الافتراء والبهتانٍ بحقِّي.
ولا غرو فمن الطبيعي أن طرحَ ما يخالف عقائد جماهير الناس وآراء العوام وأوهامهم أمرٌ صعبٌ للغاية وخطيرٌ جدًا وقد ابتليت بهذا الأمر منذ قرابة 15 سنة فليس هذا بالأمر الجديد بالنسبة لي.....
وفي اعتقادي أن هذه الفضائح والتهم التي يرميني بها الجهلة وأدعياء الباطل بسبب الإصلاحات التي أقوم بها لا تساوي شيئًا ولا وزن لها، لأنني في هذا الكتاب وسائر كتبي ومحاضراتي التي أبيِّنُ فيها إسلام السلف الصحيح وأعرِّف به إنما أضرب بفأس تُجْتث الخرافات من جذورها وأهدم معابد الأصنام فوق رؤوس أصحابها .....
فلا عجب أن ترتفع أصوات المرتزقين من تلك الأوهام عندما يرون أن منافعهم ومصالحهم أصبحت مهدَّدة بالخطر، لذا تجدهم يستخدمون كل سلاح ممكن لمحاربة هذه الدعوة التوحيدية. وينبغي أن نعلم أن حرب هؤلاء ضدنا ليست حربًا دينيةً بل حربًا مادية واقتصادية. فيا ليتهم كانوا يعتقدون فعلاً بما يقولون لأن الدفاع عن العقيدة أمرٌ محمود، ولو كانوا متدينين حقيقةً ويعملون لخدمة الدين فلماذا يهاجمونني باستمرار مع أنني لا أقوم إلا بدعوة الناس إلى الله الواحد رب العالمين وإلى ختم نبوة سيد المرسلين وإلى اليوم الآخر وإلى العلم والتقوى؟!
إن مجتمعنا يغصُّ بالمنكرات والبدع وفيه كثير من الزنادقة الذين يحاربون القرآن والإسلام تحت عناوين مختلفة ويقومون بأعمال متنوعة وعديدة تهدم الأخلاق والقيم وتعاليم الدين، فلماذا لا يقوم هؤلاء الذين يحاربوننا بمحاربة أولئك الفجار والتصدي لهم، لماذا لا يحاربون من يذهب إلى المراقص والخمارات ويمارسون أكل الربا والاحتكار وأمثالهم، ولماذا لا يجاهدون لمنع الكتب الضالّة والمقالات الضارّة التي تؤدي إلى زوال الدين من أساسه وإلى القضاء على أعراض المسلمين ونواميسهم، وبدلاً من ذلك نجد أن كلَّ همِّهم هو منع الناس من قراءة كتابي هذا وكتاب «مفتاح فهم القرآن» ومن سماع دروسي ومحاضراتي!
إن أسباب ذلك واضحةٌ:
أولاً: إنه الحسد الذي يكنّه بعض الأمثال والأقران تجاهي فلما كان الحسود لا يملك القدرة على الوصول إلى مرتبة محسوده فإنه يسعى بكل جهده لكي يحط من شأن المحسود في أنظار الناس....
ثانيًا: لما أحدثت كتاباتنا ومحاضراتنا -بحول الله وقوته- تأثيرًا كبيرًا في الناس المثقفين وساهمت في تعريف الناس بتعاليم القرآن الكريم؛ ومن المؤكد أن الذين عرفوا تعاليم القرآن لن يضرهم بعدئذٍ كل ما يقوله مدعو الباطل ولن يطيعوا بعد ذلك الدجالين والشياطين من الإنس؛ من هنا أدرك الحُسَّاد أن مصالحهم أصبحت في خطر فلجؤوا إلى كل وسيلةٍ للحفاظ على مصالحهم ومنافعهم المهددة بالزوال، فقاموا أحيانًا بالتهديد بقتلي وأثاروا العوام ضدِّي؛ وليعلموا أنهم لا يستطيعون أن يهزموا كلمة الحق بالجَلَبَة والضوضاء، لأن الغلبة والدولة تكون في نهاية المطاف للحق، وأن جولة الباطل أيام وإلى الزوال»[138].
وقال أيضًا في مقدمته لكتابه «كليد فهم قرآن» [مفتاح فهم القرآن]:
«فلقد أُوذيت مِنْ قِبَلِ أبناء الزمان وتحمَّلت من أذاهم الكثير من العناء، وسَبَبُ ذلكَ أنَّني أُصِبْتُ بحسد الأقران لما أكرمني الله به من بعض نعمه ومن علم وعمل، فقام بعض الحُسَّاد بإيذائي بكل نوع من أنواع الأذى، وكالوا لي كلَّ تُهْمَةٍ وافْتِرَاء وإهانة لم يقع مثلها لـ«يزيد» و«شِمْر»! بل حاولوا قتلي مرتين لكن الله حفظني من شرهم، وكانوا يظنون أن الله يسلم عباده إلى أيدي الحساد ولم يدروا أن القلوب بيد مقلّب القلوب وأن العزَّ والذلّ والحياة والموت بيد قدرته وحده: ﴿قُلِ ٱللَّهُمَّ مَٰلِكَ ٱلۡمُلۡكِ تُؤۡتِي ٱلۡمُلۡكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلۡمُلۡكَ مِمَّن تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُۖ بِيَدِكَ ٱلۡخَيۡرُۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ ٢٦﴾ [آل عمران:26].
والسبب الآخر لعداء الأقران وأبناء الزمان لي أن الله تعالى هداني لمعرفة دينه، فرأيت أن هناك خرافات كثيرة دخلت الدين وأن هناك أباطيل وأوهام كثيرة أُلصقت بالقرآن، ورأيتُ أن مبادئ الأديان الباطلة وخرافات الأمم السالفة قد حلَّتْ في مجتمعنا محلَّ تعاليم دين الإسلام، حتى لم يعد هناك امتياز بين الإسلام والخرافات، وازدهرت آلاف الأنواع من الشـرك وعبادة الأصنام باسم الدين والتوحيد! وراجت آلاف الأنواع من البدع والخرافات باسم سنة النبي ص! .... لذا رأيت لزامًا عليّ، طبقًا لأمر الرسول الأكرم ص الذي قال: «إِذَا ظَهَرَتِ الْبِدَعُ فِي أُمَّتِي فَعَلَى الْعَالِمِ أَنْ يُظْهِرَ عِلْمَه وَ إِلَّا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ»[139]، أن أقوم ببيان ما علَّمني الله من أمر الدين وأن أفصل بين الخرافات والقرآن الكريم، وأن أُعَرِّفَ المسلمين بالدين الحقيقي، ... لا تأخذني في ذلك لومة لائم:
أجدُ الملامة في هواك لذيذةً حبًا لذكرِكَ فلْيَلُمْنِي اللُّوَّمُ
لكن لما وجد أنصار الخرافات والجهل أنهم لا يستطيعون مواجهتي بالدليل والقرآن، أخذوا يثيرون العوام ضدِّي، ولم يتوانوا عن أي افتراء وإهانة في حقي، ونسبوا إلي مذاهب وآراء باطلة، بل سعوا بالوشاية ضدي، ولولا حفظ الله لي لكانت مساعيهم كفيلة بالقضاء عليّ وعلى حياتي وأسرتي.
والخلاصة لقد فعلوا كل ما استطاعوا فعله ولم يكن لي في كل ذلك أي مدد ونصير سوى الله: ﴿وَمَن يَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسۡبُهُۥٓ﴾! [الطلاق:3]»[140].
[138] شريعت سنكلجي، توحيد عبادت، مقدمة الطبعة الثانية، الصفحات: ج - د. [139] محمد بن يعقوب الكُلَيْنِيّ (ت 329هـ)، الكافي، ج 1، ص 54، النعمان بن محمد المغربي (ت 363هـ)، دعائم الإسلام وذكر الحلال والحرام والقضايا والأحكام، تحقيق وتصحيح آصف الفيضي، قم، مؤسسة آل البيت عليهم، الطبعة الثانية، 1427هـ.ق، ج 1، ص 2. وفي مصادر أهل السنة: ابن عساكر، تاريخ دمشق الكبير، والديلمي، مسند الفردوس، كلاهما بلفظ مشابه فيه زيادة، وبسند ضعيف عن طريق معاذ بن جبل. [140] شريعت سنكلجي، كليد فهم قرآن [ مفتاح فهم القرآن]، المقدمة، ص 6 - 7.