الشيخ هادي نجم آبادي
يُعتبر الشيخ هادي نجم آبادي (أستاذ الشيخ حسن سنكلجي وأسد الله خرقاني) من الرجال الذين تركوا أثرًا واضحًا في تاريخ إيران المعاصر، وهذا الأثر يمكن تلمسه من الروايات التاريخية للذين عرفوه عن كثب. يقول ميرزا محمد خان القزويني - الذي أدرك الشيخ وحضر دروسه[40] : «كان الشيخ هادي نجم آبادي عالمًا مجتهدًا، ولكنه كان في باطن الأمر رجلاً متحرِّر الفكر ومُثقَّفًا عصريًّا متنوّرًا.... كان يُبطل العقائد الوهمية التي يؤمن بها الناس وكان سببًا في يقظة جمع غفير من الناس ووعيهم»[41].
واعتبر مهدي مَلِك زاده -الذي كان أبوه مَلِك المتكلمين من أصحاب الشيخ هادي نجم آبادي-[42] أيضًا أن أكثر المثقفين المتنورين في عهد حكم الملك ناصر الدين شاه القاجاري تَرَبَّوا في مدرسة العالم الديني الكبير الشيخ هادي نجم آبادي[43].
كما يعتقد السيد محمد تقي زاده، أحد نشطاء الثورة الدستورية المعروفين، أن الشيخ نجم آبادي كان من المطالبين بشدَّة، بالحرية شأنه في ذلك شأن جمال الدين، وأنه ترك أثرًا كبيرًا في إيران[44].
الكتاب الوحيد الذي تبقى من الشيخ هادي نجم آبادي هو كتاب «تحرير العقلاء» الذي يمكننا أن نقف فيه على آراء الشيخ وأفكاره. لقد طرح في مواضع عديدة من كتابه هذا أبحاثًا اجتماعيةً وبيَّن فيها أسباب الانحطاط الاعتقادي للأمم السابقة ولمجتمعه[45]. وركز في جزء من الكتاب على تحليل وضع الشيعة فقط وعدد بعض مصاديق ميلهم للشرك[46]. كثير من مصاديق الانحطاط التي ذكرها الشيخ يمكن تلخيصها تحت عبارة «الغُلُوّ». في نظر الشيخ أحد أهم الاعتقادات الباطلة التي أبعدت الشيعة عن أساس الإسلام مغالاتهم وتجاوزهم الحد في تعظيمهم لأولياء الله.
كتب الشيخ هادي نجم آبادي في أحد أقسام كتابه تحرير العقلاء: إن كثيرًا من الشيعة يعتبرون أنهم لن يُعَذَّبوا يوم القيامة وستنالهم شفاعة الأئمة لكونهم من شيعة علي ÷ أو لأنهم يبكون على الإمام الحسين ÷. واعتبر مثل هذا الاعتقاد من «الأوهام» المخالفة للقرآن[47]. ومثل كثير من دعاة الإصلاح الديني كان الشيخ نجم آبادي يرى أن الشيعة يعتقدون أن القرآن ناقض ومحرف وأن القرآن الأصلي والكامل والمرتب حسب ترتيب النزول هو لدى الإمام الغائب فقط. ويرى نجم آبادي أن الشيعة لا يرون أن القرآن كتابٌ مُبَيِّنٌ ومُبِيْنٌ بل اقنعوا أنفسهم بأن ولاية الأئمة تكفيهم للنجاة وأن إقامة مجالس العزاء والبكاء والإبكاء على الإمام الحسين ÷ أعمال عبادية راجحة، ولذلك بدلًا من إنفاق أموالهم على الأعمال المفيدة يقومون بإنفاقها على تلك الأعمال، وهم مسرورو الخاطر بالبكاء والإبكاء معتبرين ذلك دليلاً على أن ولايتهم صحيحة وأنهم مهما عملوا من سيئات فَسَتُغْفَر لهم يوم القيامة بفضل ولائهم للأئمة!
وينفي الشيخ نجم آبادي روايات مثل «حُبُّ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ حَسَنَةٌ لَا تَضُرُّ مَعَهَا سَيِّئَةٌ»[48] ويكتب قائلاً: «إنه الشرك في أعلى درجاته أن تبذل جهدك وعناءك وتثبت بالأدلة والبراهين والآيات أن هذه هي حقيقة التوحيد»[49]. وفي موضع آخر من الكتاب يعتبر الشيخ نجم آبادي أن الذين يعتقدون بالشفاعة «غافلون عن حقيقة التوحيد» ويأمر أن يكون الإيمان بالله إيمانًا «بغير شفعاء»[50]. ويقول في موضع آخر: «إن الذين يميلون للمعصية يختارون عقيدةً تؤمِّن لهم العفو والخلاص من عذاب الآخرة؛ ومن نماذج هذه الاعتقادات الإيمان بالتطهر من الذنوب بسبب البكاء على الحسين والاعتقاد بأن «حب علي لا تضر معه السيئة»[51].
ما ذُكر كان نماذج وجيزة للإصلاحات الدينية التي كان ينادي بها الشيخ هادي نجم آبادي والتي يمكن أن نجد نظائر لها في سائر أنحاء كتابه تحرير العقلاء. والنقطة الجديرة بالذكر أن هذا الكتاب تم تجميعه من مدونات الشيخ التي كان يمليها على تلاميذه في دروسه[52].[53].
[40] المصدر نفسه، ص 261، نقلاً منه عن: محمد قزويني، بيست مقاله قزويني، صص 8 - 9. [41] المصدر نفسه، ص 262، نقلاً عن: مذكرات الميرزا محمد خان قزويني، في كتاب: ادوارد براون، انقلاب إيران، ص 400. [42] المصدر نفسه، ص 262، نقلاً عن: ابراهيم صفائي، رهبران مشروطه [زعماء الثورة الدستورية]، ص 356. [43] المصدر نفسه، ص 262، نقلاً عن مهدي ملكزاده، تاريخ انقلاب مشروطيت ايران [تاريخ الثورة الدستورية في إيران]، ص 170 - 171. [44] المصدر نفسه، ص 262، نقلاً عن: السيد حسن تقي زاده، زندگى طوفانى [حياة عاصفة]، ص 113. [45] المصدر نفسه، ص 262، نقلاً عن: الشيخ هادي نجم آبادي، تحرير العقلاء، ص 1 - 49. [46] المصدر نفسه، ص 262، نقلاً عن تحرير العقلاء، ص 49 - 53. [47] المصدر نفسه، نقلًا عن تحرير العقلاء، ص 82. [48] ابن شاذان القمي، أبو الفضل شاذان بن جبرئيل (توفي حدود 600هـ.ق)، الفضائل لابن شاذان، قم، منشورات الرضي، ط2، 1404هـ.ق، ص 96؛ علي بن عيسى الإربلي (ت 692هـ.ق)، كشف الغمة في معرفة الأئمة، تحقيق هاشم رسولي المحلاتي، طبع تبريز، نشر بني هاشمي، 1423هـ.ق، ج1، ص 93؛ محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار، طبع بيروت، ج 39، ص 248. [49] المصدر نفسه، ص 263، نقلاً عن تحرير العقلاء، ص 133 - 135. [50] المصدر نفسه، نقلاً عن تحرير العقلاء، ص 267 - 268. [51] المصدر نفسه، نقلاً عن المصدر ذاته، ص 294. [52] كتب نور الدين چهاردهى حول هذا الأمر يقول: «طُبِعَت تقريرات الشيخ [هادي نجم آبادي] - الذي كان من الأفاضل الأعلام في إيران - التي كان يلقيها على تلاميذه، في كتاب عنوانه تحرير العقلاء» (نور الدين چهاردهى، سلسلههاى صوفيه در ايران، [سلاسل الصوفية في إيران]، ص17). وقال نور الدين چهاردهى في كتاب آخر له أيضًا: «تم جمع جزء من تقريرات هذا العالم الرباني وطُبعت تحت عنوان تحرير العقلاء». (نور الدين چهاردهى، وهابيت وريشههاى آن [الوهابية وجذورها]، ص117). [53] سيد مقداد نبوي رضوي، «نگاهى تحليلى به تكاپوهاى فكرى شريعت سنگلجى» [نظرة تحليلية إلى مجاهدات شريعت سنكلجي الفكرية]، مجلة «امامت پژوهى» [مباحث الإمامة] الفصلية، العدد 4 من السنة الأولى، ص 263.