المصلح الديني الكبير آية الله شريعت سنكلجي - مؤسس المدرسة الإصلاحية التوحيدية في إيران

فهرس الكتاب

مرور سريع على أهم مضامين الكتاب

مرور سريع على أهم مضامين الكتاب

بعد تلك الاقتباسات التمهيدية أقول:

يُعتبر كتاب «كليد فهم قرآن» [مفتاح فهم القرآن]، الذي ألفه «شريعت» بعد كتاب «توحيد العبادة» وكان من آخر ما ألفه قبل أن ينتقل إلى جوار ربه، من أهم كتب «شريعت» التي تعكس اتجاهه القرآني ونهجه الإصلاحي بكل أبعاده، وقد طُبِع الكتاب برفقة رسالة «براهين القرآن» للمؤلف ذاته أيضًا ضمن كتاب واحد عنوانه «كليد فهم قرآن بانضمام براهين القرآن» [أي: مفتاح فهم القرآن مع براهين القرآن]، وضم الكتاب 249 صفحة من القطع الصغير، وقد أعيدت طباعته مرات عديدة. وفيما يأتي تلخيص أهم النقاط والأفكار التي طرحها «شريعت» في الكتاب:

بدأ «شريعت» كتابه بتوطئة مهمة تحدِّد المنهج الصحيح لفهم القرآن وهو أن نفهم كتاب الله كما فهمه السلف، لا كما فسره الخلف الذين فسروا آيات الكتاب على ضوء ما يحملونه من أفكار مسبقة أتوا بها من الفلسفة أو التصوّف أو الاعتزال، وفيما يلي نص عبارته، قال:

«﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلۡقُرۡءَانَ أَمۡ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقۡفَالُهَآ ٢٤؟! [محمد: 24]. لقد نبَّهتني هذه الآية وأيقظتني قبل أربعة عشر عامًا إلى ضرورة التدبُّر في كتاب اللهِ والدستور السماوي وأن فهم الدين والعمل بشريعة سيد المرسلين مرهونٌ بتدبُّر آيات القرآن والتعمُّق في كلام الله سبحانه؛ فالقرآن كتابٌ دينيٌّ وفلسفيٌّ واجتماعيٌّ وأخلاقيٌّ وحقوقيٌّ ولا يجوز الاكتفاء بقراءة ظاهرية له، بل لابد أن يتعلم الإنسان جميع شؤون الحياة من القرآن، لأن فلاح الدنيا والآخرة منوط بتعلُّم القرآن، لذا فتدبُّر القرآن واجبٌ على كل مسلم. لكن القرآن أصبح في زماننا مهجورًا ومتروكًا تمامًا، وهذا هو السبب في شقاء المسلمين وهو عدم أخذهم دينَهُم من القرآن وعدم تعمُّقهم في آياته بل اتَّخذَ كلُّ فريق منهم عقائده وآراءه من مصادر غير القرآن مما أوقع خلافات عجيبة بين المسلمين.

والتدبُّر في القرآن يعتمد على تحصيل مقدمات مثل البحث في أحوال الرسول الأكرمص ومعرفة لغة العرب زمن الجاهلية ومعرفة أسباب نزول الآيات والاطلاع على أحوال العرب في عصر الرسالة والرجوع إلى تفاسير السلف الصالح، وقد بذلتُ جهودًا مُضنيةً في تحصيل هذه المقدمات وطالعتُ الكتب المدونة التي تتعلق بهذه الموضوعات، فرأيت أن هذه المقدمات لا تكفي لفهم القرآن بل لا بد من أن يبتعد الإنسان بنفسه عن كل تقليد وأن يدع كل تعصب جانبًا وأن لا يتلقَّى فهم القرآن وتفسيره من مفسري الفرق الذين اتخذ كل منهم عقيدة ومذهبًا ورأيًا وذلك لأن مذاهب الإسلام المختلفة إنما نشأت بعد القرن الثاني وفسَّر كل واحد من أتباعها القرآنَ بما يوافق مذهبه وهواه، فإذا أراد الإنسان أن يفهم القرآن من هذه التفاسير المختلفة وقع في حيرة وضياع، فواحد منهم معتزليّ وآخر أشعريّ وثالث باطنيّ وآخر من الغلاة وَمُفسِّـِرٌ جَهْمِيّ وآخرُ ظاهريٌّ ومفسِّـرٌ زيديٌّ وآخرُ إسماعيليٌّ وَمُفسِّـِرٌ أخباريٌّ وآخرُ أصوليٌّ، وَمُفسِّـِرٌ صوفيٌّ وآخرُ فلسفيٌّ وَمُفسِّـِرٌ قاديانيٌّ وآخر مُرجئيُّ وغير ذلك وبينهم اختلافات كثيرة في فهم الآيات وتفسيرها إلى درجة أنه لو أراد أحد أن يبني عقيدته ورأيه على هذه التفاسير لتاه واحتار وضاع في متاهات الضلال، وربما جرّه هذا الضياع -نعوذ بالله- إلى الإلحاد والخروج من الدين!.

ثم إن الجمود على التفاسير والتعبُد بأقوال المفسِّرين هو في حدِّ ذاته نوع من التقليد في الدين والعقيدة وهو حرام بنص القرآن الذي قال: ﴿إِنَّا وَجَدۡنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰٓ أُمَّةٖ وَإِنَّا عَلَىٰٓ ءَاثَٰرِهِم مُّقۡتَدُونَ ٢٣ [الزخرف:23]. ولما كان الفرار من التقليد والتخلي عن الأفكار المسبقة أمرًا صعبًا، لذا توجهت إلى مسبب الأسباب ومسهل الأمور الصعاب، فوفَّقني الله بحمده لكشف أمر هام وفتح أمامي طريقًا لفهم الدين وتدبر القرآن المبين وهو وجوب أخذ الدين من السلف لا من الخلف، وبعبارة أوضح لابد أن نرى كيف كان فهم مسلمي الصدر الأول للقرآن وأي دين كان لدى المسلمين قبل أن تنشأ الفلسفة والتصوف والأشعرية والاعتزال؟ أما لو قام من يريد أن يتدبر القرآن بفهم القرآن من كتابات الخلف - لا سمح الله- ولم يولِ أي عناية لفهم السلف الصالح فإنه سيقع أسيرًا بلا ريب لإحدى تلك الفرق، نعوذ بالله من الضلال.

بعد أن تفطنت لهذا المعنى وهداني الله إلى طريق الصواب قَطَعْتُ -بحول الله وقوَّته- بالمرة وإلى الأبد قيود التقليد ومزَّقْتُ حُجُبُ التعصُّب والأوهام، وألقيتُ عن كاهلي حِمْلَ الخرافات الثقيل، وأخذتُ -بعناية الله -الدينَ عن السلف الصالح واهتديتُ بخير الحديث كتابِ اللهِ تعالى واهتديت بهداية القرآن، وقلتُ ﴿ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي هَدَىٰنَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهۡتَدِيَ لَوۡلَآ أَنۡ هَدَىٰنَا ٱللَّهُ... [الأعراف:43]»[114].

بعد ذلك، أول ما افتتح به «شريعت» كتابه إثبات أن النص القرآني غير محرّف، فذكر أدلّته القاطعة القوية على ذلك ورَدَّ بشدة على القائلين بتحريف القرآن، وأورد نصوصًا واضحةً لأعلام الشيعة الإمامية الأصوليين - كالشيخين الصدوق والمفيد والسيد المرتضى والشيخ الطوسي والشيخ الطَّبْرَسي صاحب تفسير مجمع البيان والفاضل الجواد الكاظمي والمولى صالح المازندراني والمحدث البحراني والقاضي نور الله الشوشتري والمقدّس البغداديّ والمحقق الكركي والشيخ البهائي .... الخ - ينفون فيها وقوع أي تحريف أو زيادة أو نقيصة في كتاب الله، رادًّا بذلك على جمهور الأخباريين وبعض الأصوليين الغلاة أيضًا من الإمامية الذين يثبتون وقوع ذلك!

النقطة التالية المهمة هي فصل بعنوان «القرآن قابلٌ للفهم» بيَّن «شريعت» فيه بأدلة ممتازة أن القرآن كتاب بيِّنٌ واضحٌ قابلٌ للفهم تمامًا، لا يحتاج إلى غيره، يمكن لكل إنسان أن يفهم معانيه ويتدبَّر آياته بل يجب على كل مسلم أن يتدبره، ويذكر «شريعت» في هذا الصدد 12 آية تفيد هذا المعنى كقوله تعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلۡقُرۡءَانَ أَمۡ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقۡفَالُهَآ ٢٤؟! [محمد:24]. وقوله سبحانه: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلۡقُرۡءَانَۚ وَلَوۡ كَانَ مِنۡ عِندِ غَيۡرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخۡتِلَٰفٗا كَثِيرٗا ٨٢ [النساء:82]، وعلَّق «شريعت» قائلًا: «أمرنا الله تعالى في هذه الآية بتدبر القرآن فلو كان في القرآن آية غير مفهومة فكيف يأمرنا الله بالتدبر فيها؟»[115]. وذكر من الآيات أيضًا قوله تعالى: ﴿وَإِنَّهُۥ لَتَنزِيلُ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ١٩٢ نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلۡأَمِينُ ١٩٣ عَلَىٰ قَلۡبِكَ لِتَكُونَ مِنَ ٱلۡمُنذِرِينَ ١٩٤ بِلِسَانٍ عَرَبِيّٖ مُّبِينٖ ١٩٥ [الشعراء:192-195]، وقوله عزَّ مِنْ قائل: ﴿قَدۡ جَآءَكُم مِّنَ ٱللَّهِ نُورٞ وَكِتَٰبٞ مُّبِينٞ ١٥ [المائدة:15]، وقوله: ﴿وَلَقَدۡ يَسَّرۡنَا ٱلۡقُرۡءَانَ لِلذِّكۡرِ فَهَلۡ مِن مُّدَّكِرٖ ١٧ [القمر: 17]... إلى آخر الآيات التي ذكرها. ويذكر بعدها عددًا من الأحاديث النبوية والأدلة العقلية الممتازة البديعة أيضًا التي تدل على هذا الموضوع.

وردَّ «شريعت» بذلك على غلاة الأخباريين من الإمامية الذين ينكرون حجية ظواهر القرآن ويصورون للناس أن القرآن لا يمكن للعامة فهمه، بل عليهم الرجوع إلى الأحاديث والأخبار والروايات المنسوبة للأئمة لفهم المراد من آياته، مع أن معظمها موضوع مكذوب من مفتريات الغلاة وأكثرها يفسر الآيات بأمور لا تمت لمعانيها بصلة بل تشرق وتغرب بعيدًا عن معاني ألفاظ الآيات الواضحة! كما ردَّ بذلك على كثير من شيوخ الشيعة الأصوليين أيضًا الذي يقولون إنه لا يمكن فهم القرآن إلا بعد إتقان علوم العربية من نحو وصرف وبلاغة، وعلم أصول الفقه بكل تعقيداته وعلم العقائد والكلام... الخ، ونتيجة لذلك حرموا عامة الناس بما في ذلك طلاب العلوم الدينية أنفسهم من تعلم القرآن وتدارسه، وَصَدُّوهم عن تدبره وتعلّم تفسيره، فترى طالب العلوم الدينية يمضي سنوات من الدراسة في الحوزات الدينية في قم والنجف وغيرها دون أن يكون له إلمام بتفسير القرآن أو نصيب من علومه.

وفي الفصول اللاحقة بيِّن شريعت الأدوات المعينة على فهم القرآن فهمًا صحيحًا فذكر منها: معرفة أسباب النزول ومعرفة أحوال العرب في الجاهلية، وعقد لكل واحد من هذين الأمرين فصلاً خاصًّا به.

بعد ذلك عقد شريعت فصلاً بعنوان «القرآن يتضمّن كلّ ما يتعلّق بالدين والشريعة» أعقبه بفصل عنوانه: «أحكام الشريعة في القرآن مجملة وتحتاج إلى السنة»، وبيَّن فيه أننا بحاجة إلى السنة في فهم الشـريعة والأحكام، أما في المسائل الاعتقادية مثل إثبات صانع العالم والتوحيد والنُبُوَّة والمعاد فلما كان القرآن قد تعرَّض لإثباتها بكل تفصيل وأقام عليها براهين ساطعة لم نعد بحاجة إلى الرجوع إلى السنة في هذا المجال. ثم ردَّ على منكري السنة واعتبرهم خارجين عن جماعة المسلمين وقال:

«فإذا عرفنا أن مباحث القرآن كلّيّة ومجملة وأنه لا يمكننا أن نفهمها دون الرجوع إلى السنة اتضح لنا بطلان قول من يسعون إلى تخريب الإسلام وليس لهم في الآخرة نصيب وهم خارجون عن جماعة المسلمين الذين يقولون: إن في القرآن بيانًا لكل شيء وأننا لسنا بحاجة إلى السنة، ثم قاموا بتأويلات باردة للقرآن واتبعوا أهواءهم وآراءهم في فهم كتاب الله. والمراد من السنة فعل النبي ص وقوله وتقريره، قال تعالى: ﴿لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ [الأحزاب:21]»[116].

[114] شريعت سنكلجي، كليد فهم قرآن بانضمام براهين قرآن، ص 3 - 5. [115] المصدر نفسه، ص 17. [116] المصدر نفسه، ص 17.