المصلح الديني الكبير آية الله شريعت سنكلجي - مؤسس المدرسة الإصلاحية التوحيدية في إيران

فهرس الكتاب

5 رحلة الحج وإشراق نور التوحيد الخالص في صدر سنكلجي

5 رحلة الحج وإشراق نور التوحيد الخالص في صدر سنكلجي

«قبل خمس سنوات من وفاته[58]، تشرَّف شريعت بالحج إلى بيت الله الحرام وَعَهِدَ بإدارة أمور دار التبليغ في غيبته إلى أخيه الشيخ محمد سنكلجي»[59]. يقول حسينقلي مستعان: إن شريعت، خلال أدائه مناسك الحج، التقى بكثير من العلماء من الحجاز ومصر وغيرهما فلما عاد إلى طهران عاد بحماس أكبر ونشاط أشد في الدعوة والتربية في دار التبليغ تلك[60].

ويُنْقَل عن الأستاذ الدكتور محمد جواد مشكور - ابن أخت الشيخ شريعت وممن تتلمذوا عليه[61] - أن خاله الشيخ «شريعت» لما ذهب إلى الحج مِنْ قِبَل الميرزا حسين خان مؤتمن المُلك، قرأ هناك بعض كتب ومؤلَّفات علماء الوهابية فتأثر بها وأعجبته ومال إلى الوهابية واعتنق أفكارها [62].

وأقول: إن تأليف الشيخ «شريعت» بعد عودته من الحج لكتابه «توحيد العبادة» الذي لا يخفى أنه يتطابق في جزء كبير منه - من ناحية عناوين المباحث ومن ناحية المتن - مع كتاب أو رسالة «التوحيد الذي هو حق الله على العبيد» للشيخ محمد بن عبد الوهاب التميمي (ت 1206هـ)، بل إن بعض أقسام كتاب «توحيد العبادة» لشريعت لا تعدو نقلاً وترجمةً فارسيةً حرفيةً من كتاب «التوحيد» المشار إليه، يؤكد على ذلك التأثُّر ويثبته. أضِف إلى ذلك، ما صرَّح به الشيخ «شريعت» ذاته، في أحد فقرات كتابه «توحيد العبادة» - الذي سنتحدث عنه لاحقًا - وهي الفقرة التي عنوانها: (من أنواع الشرك لبس الخاتم أو الخيط وأمثالها لرفع البلاء أو دفعه)، من أنه قرأ أثناء سفره من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة كتابًا في الحديث فأثَّر في روحه تأثيرًا عميقًا إلى درجة جعلته يرمي الخاتم - الذي كان يضعه في يده ليتبرك به ويحفظه في البيادي والبحار!– في الصحراء، وهو في الحافلة في طريقه من المدينة إلى مكة، ويستغفر الله عما كان مبتلى به مما رآه متنافيًا مع التوحيد الخالص، وفيما يلي نص كلامه في ذلك، قال:

«لقد كان لي خاتم من حديد صيني، قرأت في الكتب أن له خواصًا، من جملتها أنه يحفظ من يضعه في يده في الصحاري والبحار من الآفات. لذا عندما عزمت السفر إلى حج بيت الله الحرام وضعت الخاتم في يدي، ولما كنت في طريقي من المدينة المنوّرة إلى مكّة المكرّمة؛ بدأت بقراءة كتاب في الحديث وأنا في الحافلة، وإذ بي أُفاجأ برؤية هذه الأخبار التي نقلتُها [في هذا الفصل]، فلما دققت النظر فيها؛ قلت: يا ويح نفسي! كم أنا جاهل بتوحيد الإسلام! أنا مُحْرِم وحاج إلى بيت الله وفي يدي صنم! لماذا لا أعتبر اللهَ رب العالمين حافظي فقط؟ كيف أعتبر حجرًا يحفظني مع أنني أنا الذي أحفظه؟! لقد أحدث هذا الأمر انقلابًا في نفسي يستحيل عليَّ شرحه. فشرعت بالاستغفار ونزعت الخاتم من يدي، ورميته في الصحراء، وأرجعته إلى عالمه، عالم أحجار البادية وحصاها يا ويح نفسي! وقرأتُ هذا البيت:

رسم عاشق نيست با يک دل دو دلبر داشتن

وكعبه دل را از بت انگشتر پاک كردم

أي: ليس من شأن العاشق أن يكون له محبوبان في قلبه، لقد طهَّرْتُ كعبة القلب من صنم الخاتم»[63].

فمن الواضح أن ما قرأه الشيخ شريعت في الحج من كتب حول التوحيد والشرك ومحاربة البدع في بلاد الحرمين قد لقي لديه أرضًا خصبةً ونفسًا مستعدةً، لأنه كان منذ شبابه من دعاة الإصلاح والعودة للقرآن الكريم والمهتمين بمحاربة الخرافات ونبذها - كما مر معنا فيما سبق - فازداد رسوخًا في هذا الأمر، وعاد إلى بلاده إيران بهمة عالية ونشاط أشد في الدعوة إلى التوحيد الخالص ونبذ كل ما يتنافى معه من أعمال شركية وبدع عقائدية.

[58] إذا كان تاريخ وفاة شريعت - كما ذكر تلميذه المقرب حسينقلي مستعان - هو 1322 هـ.ش (1363 هـ.ق/1944م) يكون تاريخ ذهابه للحج إِذَن: سنة 1317 هـ.ش (1358 هـ.ق/1939م). [59] نور الدين چهاردهي، وهابيت و ريشه‌هاى آن [الوهابية وجذورها]، ص 162. [60] انظر: حسينقلي مستعان، مقدمة كتاب محو الموهوم لشريعت سنكلجي، ص 6. [61] انظر: مرتضى مُدَرِّسي چهاردهي، شيخ هادي نجم ‌آبادي و داستانهايي از زندگي او [الشيخ هادي نجم آبادي وقصص من حياته]، مجله «وحيد»، العدد 19، الصادر بتاريخ ارديبهشت 1352هـ.ش (1393هـ.ق/1973م)، ص 59؛ وانظر أيضًا: گلزار مشاهير، زندگينامه درگذشتگان مشاهير ايران، انجمن آثار و مفاخر فرهنگي، [روضة أزهار المشاهير، تراجم الراحلين من مشاهير إيران، جمعية المؤلفات والمفاخر الثقافية]، ص 216. [62] انظر: رسول جعفريان، جريانها وسازمان‌هاي مذهبي-سياسي إيران [التيارات والمنظمات الدينية-السياسية في إيران]، ص 1016. [63] شريعت سنكلجي، توحيد عبادت «يكتاپرستى» [توحيد العبادة]، الطبعة الثالثة، ص 46.