17 آثار دعوة شريعت سنكلجي الإصلاحية في إيران ومآلها بعد رحيله
يقول المؤرخ المعاصر الإيراني رسول جعفريان متحدثًا عن الأثر الذي تركته حركة شريعت سنكلجي وجهوده الإصلاحية في الأوساط الثقافية الفكرية والدينية في إيران بعد وفاته:
«بمناسبة السنة الأولى لوفاة شريعت قام أبو الحسن بيكدلي بطباعة ونشر كتاب عنه. وذكر في هذا الكتاب معلومات وافرة عن شريعت سنكلجي وتأثير أفكاره ووجهات نظره في المجتمع الإيراني في ذلك العهد، كما ذكر فيه ما يريد مريدوه والمتشوقون لأفكاره أن يعرفوه عنه. كما نشر أبو الحسن بيكدلي ذاته، الذي كان من مريدي الشيخ شريعت، ترجمةً لشيخه شريعت سنكلجي في مجلة رواق التي كان يملكها أخو شريعت، أي محمد شريعت سنكلجي (ونُشِرَت في شهر خرداد عام 1331 هـ.ش فما بعد)، ويبدو أن تلك الترجمة تضمنت أجزاءً من كتابه ذاك الذي أشرنا إليه آنفًا والذي طبعه بيكدلى في الذكرى السنوية الأولى لوفاة شريعت»[165].
ويتابع رسول جعفريان - بعد صفحتين - كلامه في الموضوع ذاته قائلاً:
«لا شك أن حركة سنكلجي، وحركة كسروي أيضًا، تركتا بصماتهما وتأثيرهما الخاص في الأوساط الدينية المثقفة والمتنوّرة [في إيران] وأنهما تواصلتا واستمرتا. ويخطئ صاحب الزماني في قوله إن شريعت لم يكن له خلفاء في إيران[166]. لقد أسلفنا أن سنكلجي توفي في يوم 15/10/1322 هـ.ش [1363هـ.ق/1944م]. وقد روى مريده أبو الحسن بيكدلي في مجلة «رواق» آخر لحظات حياته وما كان يعانيه - على حد قول مريديه- من العوام الجاهلين، وهي المعاناة التي أدت إلى وفاته المبكرة في سن 53 عامًا بعد أن أصبح جسمه كجسم عجوز ابن ثمانين سنة -كما يظهر من صوره-. كان لشريعت أخ آخر يدعى محمد مهدي شريعت سنكلجي مرض بعد وفاة أخيه ولزم الفراش وما لبث أن تُوُفِّي بعد بضعة أيام فقط من وفاة أخيه. واصل أخوه الآخر محمد سنكلجي، الذي خلفه في بناء دار التبليغ، أعماله، ونشرت صحيفة «رواق» الصادرة عام 1331هـ.ش [1371هـ.ق] مقالاً عن أعماله وأعمال أنصار شريعت ومحبيه.
كان محمد باقر «شهاب الدين» ابن شريعت سنكلجي وكان يساعد عمله في إدارة دار التبليغ وكان ينشر كتيبات تتضمن دروس أبيه وعمه. في الرسالة الخاصة التي طُبِعَت وَنُشِرَت بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لوفاة شريعت، نظم عدد من الشعراء قصائد في رثائه، واستخدموا فيها أحيانًا بعض الجمل التي تشير إلى أفكاره. وجاء في قصيدة لشاعر يدعى ارونگ: «شريعت الذي نفض غبار الشرك بالمرة وإلى الأبد عن شريعة الدين»[167]. كما جاء في صحيفة قيام إيران، العدد 12 (الصادر بتاريخ 19 شهر دي، 1322هـ.ش) شرحٌ مفصّلٌ بقلم حسن الصدر حول آراء شريعت ومحاربته للخرافات. كما كتب رئيس تحرير صحيفة إيران مقالاً مفصلاً حول شريعت. وكذلك ذكرت صحف إقدام، ونجاة، وكوشش، وكيهان (التي قامت هيئة التحرير في إدارة التبليغ والدعوة العامة فيها بكتابة مقال مفصَّل في هذا الصدد) وعشرات الصحف والمجلات الأخرى خبر وفاة شريعت وأوردت عرضًا سريعًا لمؤلفاته وآرائه. وهذا كله يدل على أن شريعت سنكلجي كان قد لقي التأييد والقبول منذ سنوات عديدة قبل وفاته، وأنه كان له في هذه الديار مريدون ومحبون وأنصار.
وكتب أحمد فرامرزي في صحيفة مهر إيران، العدد 547 (الصادر بتاريخ الاثنين، 19 شهر دي 1322 هـ.ش) [الموافق لـ 1363هـ.ق] مقالاً مفصلاً حول شريعت وذكر خلال كلامه عن المصلحين اسْم كلاَّ من شيخ الإسلام ابن تيمية وثورته ضد الخرافات، ثم الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ثم ذكر الشيخ محمد عبده ثم شريعت سنكلجي وقال: «كان المرحوم شريعت سنكلجي من نمط ومرتبة أولئك المصلحين أيضًا الذين وقفوا حياتهم وكرَّسوها لإعلاء كلمة الحق والجهاد ضد البدع والخرافات... وأذكر أنني كنت أتكلم يومًا مع جناب السيد تقي زاده حول المذاهب والأديان فوصلنا إلى طرح السؤال: هل الدين ضروري لإيران أم لا؟ فقال: «لا يمكن لأي شعب من الشعوب أن يعيش دون دِين ويبقى عزيزًا مرفوع الرأس، ولا يمكن لأي شخص عاقل أن يريد لشعبه الإلحاد وانعدام الدين، ولكنني أعتقد أن هناك حاجة إلى إصلاحات وتصحيحٍ للدين في إيران وهذه الإصلاحات الدينية تعني العودة إلى حقيقة الإسلام»[168]. وقارن عبدالرحمن فرامرزي أيضًا، في مقالة أخرى كتبها في صحيفة «بهرام»، شريعت سنكلجي بالشيخ محمد عبده بل اعتبر سنكلجي أعظم شأنًا من محمد عبده[169]. وأثنى حسينقلي خان مستعان وشخصٌ آخر يُدعى مطيعي في كَلِمَتَيْهما اللتين ألقياها عبر المذياع، على شريعت وَمَدَحَاه[170]. كما كتب «علي جواهر كلام» مقالةً أيضًا في صحيفة «رعد امروز» تحت عنوان «الشيخ محمد عبده - شريعت سنكلجي[171]»[172].
و يقول الباحث اللبناني المعاصر الأستاذ الشيخ حيدر حب الله بعد حديثه عن شريعت سنكلجي ومنهجه القرآني وموقفه الإصلاحي الناقد من الحديث:
«لقد تحوّل سنكلجي إلى تيار في إيران، إذ وقع تحت تأثيره جماعة، واستمرّ تياره في النفوذ والتنامي داخل الوسط الديني في إيران حتى نهاية الخمسينات من القرن العشرين حين طغت عليه الأحداث السياسية للثورة الإيرانية، فغاب عن الواجهة. لكن عديدًا من المثـقَّفين المتنوِّرين لا يزالون يهتمّون بكتاباته وكتابات المجدِّدين ودعاة تصحيح العقائد أمثاله وينشرونها خاصّة في العقدين الأخيرين»[173].
و في مقال له بعنوان «شريعت سنكلجي و تَفَکُّر سلفيگري» [أي شريعت سنكلجي والفكر السلفي]، يحلل المتجدد المعاصِر الأستاذ الشيخ حسن يوسفي إشکوري منهج سنكلجي في الإصلاح والتجديد الديني، ويبيِّن الأثر الذي تركه في إيران بعد رحيله، لاسيما في أوساط المثقفين والشباب، قديمًا وحديثًا ويقول:
«لقد واصل شريعت سنكلجي، خلال 23 عامًا من نشاطه الدعوي في طهران، المدرسةَ الفكريةَ للشيخ هادي نجم آبادي. كان محور أعماله القرآن مع اتجاه عقلاني ونقدي تجاه الروايات الدينية والخرافات والعقائد والطقوس المذهبية. أهم كتب شريعت سنكلجي كتابه الشهير «مفتاح فهم القرآن». لقد تركت أفكار شريعت وتعاليمه أثرها في عدد كثير من الشباب والمثقفين العصريين في عصره. كانت جلساته عامرة بحضورهم ومزدهرة بهم. لقد تربَّى تلاميذ كُثُر في مدرسة شريعت سنكلجي، وقاموا -بدورهم- بتأليف كتب عديدة في العشرينيات والثلاثينيات من هذا القرن (الأربعينيات والخمسينيات من القرن العشرين الميلادي) تُرَوِّج أفكاره وتعاليمه. يمكننا في هذا المجال أن نشير إلى كتاب «اسلام و رجعت» [الإسلام والرجعة]، تأليف تلميذه عبدالوهاب فريد تنكابني.
باختصار يمكننا أن نلخِّص محاور إصلاح التيار السلفي، أي كسروي و شريعت سنكلجي وكل الذين يتفقون معهما في الفكر والاتجاه، على النحو التالي: العودة إلى الإسلام الأصيل النقي الخالص وإلى السلف مع محورية القرآن والعقل النقدي و تنقية الدين وتصفيته (من الخرافات والإضافات والبدع الدخيلة). هذا التيار لم يكن أبدًا تيارًا سياسيًّا لذا لم يكن لديه ميل إلى الإسلام السياسي والاجتماعي. كما أن هذا التيار لم يكن على اتفاق مع الفلسفة والعرفان (التصوف) والكلام والفقه، وكان يعتبر هذه الأمور حُجبًا تحول دون معرفة الدين الأصيل على حقيقته. ومن خصائص هذا التيار عدم الاهتمام بالحداثة والعصرنة أو معارضته ونقده لها.
بالتزامن مع حركة شريعت سنكلجي الفكرية وجهاده الدَّعَوي، كان هناك أشخاص آخرون أيضًا في بعض مدن [إيران] الأخرى قد بدؤوا نشاطاتهم في نفس الاتِّجاه، وكانوا متأثرين إلى حدٍّ ما، قليلاً أو كثيرًا، بأفكار شريعت سنكلجي ودعوته. يمكننا أن نشير من بينهم إلى الحاج يوسف شُعار في تبريز الذي ابتدأ منذ عام 1304 هـ.ش (1343 هـ.ق/1925م) بعقد جلسات لتفسير القرآن وكان على صلة بشريعت سنكلجي وبينهما تزاور ولقاءات» [174].
[165] رسول جعفريان، جريانها وسازمانهاي مذهبي-سياسي إيران [التيارات والمنظمات الدينية-السياسية في إيران]، ص 1020 - 1021.
[166] صاحب الزماني، ديباچهاى بر رهبري [مقدمة على الزعامة]، ص 140.
[167] به مناسبت يكمين سالگرد شريعت [بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لوفاة شريعت]، ص 9.
[168] به مناسبت يكمين سالگرد شريعت [بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لوفاة شريعت]، ص 51-52.
[169] المصدر نفسه، ص 71.
[170] المصدر نفسه، صص 72-79، 83-87.
[171] المصدر نفسه.
[172] رسول جعفريان، جريانها وسازمانهاي مذهبي-سياسي إيران [التيارات والمنظمات الدينية-السياسية في إيران]، ص 1022 - 1023.
[173] حيدر حب الله، نظرية السنة في الفكر الإمامي الشيعي التَكَوُّن والصيرورة بيروت: مؤسسة الانتشار العربي، 2006م، ص 612 فما بعد.
[174] حسن يوسفي الإشکوري، «شريعت سنگلجي و تَفَکُّر سلفيگري» [شريعة سنكلجي، والفكر السلفي]، موقع گويا على الشبكة النعنكبوتية:
http://akhbar.gooya.com/culture/archives/019778.php
والمقال نشر بتاريخ : الثلاثاء 10 آذر 1383 هـ.ش الموافق لسنة 1425 هـ.ق/2004م.