4- شهادة مرتضى مُدَرِّسي چهاردهي
وكتب مرتضى مُدَرِّسي چهاردهي، وهو أيضًا من تلاميذ الشيخ «شريعت» وأصحابه المقربين، مقالاً خاصًّا عن أستاذه وشيخه، نُشِرَ في العدد 116 من مجلة وحيد للغة والآداب، الصادر في الشهر الخامس من عام 1352هـ.ش (1392هـ.ق/1973م)، قال فيه:
«...... في هذه الظروف كان الشباب اليافعون والباحثون عن العلم والمعرفة ممن نالوا بين أهليهم تربيةً دينيةً، يبحثون عن شخصيةٍ متنوِّرةٍ مثقَّفةٍ من علماء الدين كي يتناقشوا معها ويبثوا إليها ما يجول في أذهانهم من تساؤلات ويُفْصِحُوا لها عن آلامهم القلبية والدينية، وكان هناك بعض علماء الدين من دعاة الإصلاح ممن أراد أن يتزعَّم هداية الناس إلى التجدُّد والإسلام لكنهم لم يكونوا يتمتعون بالشخصية المقبولة كما لم تساعدهم البيئة والظروف على أن ينالوا قبول الناس والتفافهم حولهم. ولكن واحدًا من العلماء المتنورين كان أكثر دعاة الإصلاح شجاعةً وشهامةً وعلمًا، إنه الشيخ «شريعت سنكلجي» الذي كان يصعد منبر مسجد سنكلج مرة في الأسبوع ويلقي خطبةً وموعظةً أو بالأحرى يلقي درسًا علميًّا وليس مجرد بيانات عاطفية، فكان يأسر بكلماته مستمعيه فلم يكونوا ممن يستمعون إلى المشايخ بشكل سطحي فيدخل ما يستعمونه من هذه الأذن ليخرج من الأذن الأخرى، بل كانوا يستمعون إليه وكأن على رؤوسهم الطير، لأنه كان يحلل كثيرًا من مسائل الإسلام العلمية والنفسية ويعرِّف الناس ومستمعيه بحقائق الدين؛ فكان يطرح خلاصة مطالعاته الأسبوعية على الناس على شكل عظة منبرية علمية جامعة. فكان الطلاب والعلماء الفضلاء والأدباء والكُتَّاب الذين كانوا يرغبون بالتعرف على معارف الإسلام الحقيقية يهرعون إلى مسجد سنكلج وينهلون من بياناته ويستفيدون من معلوماته. كان يحضر دروسه العامل والكاسب والتاجر والمعلِّم والتلميذ والمُمَثِّل النيابي في البرلمان، والصحفي والواعظ. وكانت دروسه على نحو يمكن لكل إنسان أن يستفيد منها حسب درجة معرفته، وكان بعض المستمعين يسجل كلماته ويدون دفاتر من محاضراته، لأن دروس وخطب «شريعت» كانت في الواقع دروسًا في التفسير والأخلاق والعقائد والملل والنحل فكان جميع المستمعين من الشباب والشيوخ يستفيدون من محاضراته وخطبه البليغة العذبة والعلمية المفيدة.
لما كان الشباب من طلاب الجامعات والمثقفون يشعرون باهتزاز عقيدتهم نتيجة شبهات الملاحدة والماديين التي يبثونها بين الناس، وتعتريهم الشكوك، كانوا يُهْرَعون إلى الشيخ «شريعت سنكلجي» ويشرحون له تلك الانتقادات والاعتراضات التي يوجهها الدهريون إلى الدين والشرع، ولا يشعرون بالحرج من طرح كل ما يجول في أذهانهم من شكوك، إلى درجة أنهم كانوا يذكرون له ما يقوله الملاحدة عن إنكار وجود الله تعالى. كقولهم إن الإنسان أصله من القرد وأن ما جاء به الأنبياء يصلح لأزمنتهم الخاصة بهم فقط. وأنه قد انتهى عصر الظلمات وجاء العصر الذهبي!! وأن الحج هو مهرجان الأغنياء! وأن الأنبياء كانوا أشخاصًا حاذقين أذكياء لا أكثر! وأن كل زمن يحتاج إلى قانون وإلى أحكام طبقًا لمقتضيات عصره وظروفه، ومئات من مثل هذه الكلمات والشكوك التي شاع طرحها في تلك الفترة الزمنية.
على إثر انقراض سلسلة الملوك القاجاريين وهجوم الأفكار الغربية على الشباب والمثقفين في إيران تمزَّق حجاب الحياء والسكوت وانتشرت الأفكار الغربية المنادية بالتحرَّر من كل قيد، ونبذ التقاليد والعقائد الدينية، فمن الذي كان بإمكانه أن يقدم الإجابة الصحيحة والعلمية ويعيد الناس إلى الله وإلى أحضان الإسلام؟ في مثل هذه الأحوال كان «شريعت» من علماء الدين الذين دخلوا معترك الآراء وساحة نصرة عقائد الدين، لقد رفع راية الكلمة الطيبة (لا إله إلا الله محمد رسول الله) خفاقة فكان حقًّا مجاهدًا في سبيل الدين؛ وكان بسلوكه الحسن وأدبه الرفيع مثل أب روحي للباحثين عن الحقيقة؛ وكان عالمًا وقورًا ومتواضعًا استطاع النفوذ إلى قلوب الشباب، فكان يستمع في البداية إلى اعتراضاتهم وانتقاداتهم ثم يقوم بتحليل وتفكيك كلامهم رويدًا رويدًا ويفنِّد تلك الأقاويل الباطلة، وبدلاً من العبوس والتهجُّم والضيق والحقد كان يبتسم وهو يستمع إلى تلك الاعتراضات على الدين ولا تنقضي بضع جلسات إلا ويعود أولئك المتشككون السائلون إلى الإسلام ويتعلَّمون طريق الله والدين الحقيقي.
ببركة سلوكه الـمَرْضِي وعلمه الوافر اتجهت مجموعات من الشباب والمثقفين إلى المسجد من جديد، وأخذوا يتكلَّمون عن القرآن المجيد والثقافة الإسلامية بدلاً من كلامهم عن الأفكار المادية والإلحادية، وعرفوا قيمة الديانة وسلكوا طريق التوحيد.
كثير من الشباب الذين لم يكونوا قد دخلوا المسجد في عمرهم، ولا عرفوا الصلاة ولا سجدوا لله ولا مرَّةً واحدةً في حياتهم، ولا كان لهم أي اهتمام بحقائق الدين، تعرفوا على الإسلام والقرآن المجيد من جديد، ورجعوا إلى رحابهما بعد تعرَّفهم على الشيخ «شريعت» واختلاطهم به وحضورهم دروسه، فعاشوا حياةً متديّنةً وشكَّلوا أُسَرًا إسلاميةً وخرجوا من حالة اللامبالاة والتحرّر من كل قَيْد التي كانوا عليها وتخلَّقوا بالأخلاق الإسلامية الإنسانية وسلكوا طريق الله، فتغمَّد الله ذلك العالم الجليل برحمته الواسعة»[147].
[147] مرتضى مُدَرِّسي چهاردهي، مقال «شريعت سنكلجي»، مجلة «وحيد» للغة والآداب، العدد 116 الصادر بتاريخ شهر مرداد، 1352هـ.ش (1392هـ.ق/ 1973م)، ص 517 - 518.