3- انتشار البدع والخرافات والأعمال الشركية بشكل واسع
لعل أفضل من يصف لنا الحالة الدينية السيئة التي كان المجتمع الإيراني غارقًا فيها في العهد الذي نشأ فيه الشيخ شريعت وعاش فيه، هو الشيخ شريعت نفسه الذي عايش تلك الأحوال وكان يراقبها عن كثب، ورأى مدى ابتعاد الناس فيها عن تعاليم الإسلام الصحيحة، وكانت تلك الجاهلية الجديدة هي التي دفعته لتكريس حياته للدعوة إلى العودة إلى رحاب الإسلام الأصيل والرجوع إلى القرآن الكريم وإحياء تعاليمه. لقد أشار «شريعت» إلى تلك الأحوال الدينية المتردية في أكثر من موضع من كتابه القيم توحيد عبادت «يكتاپرستي» [توحيد العبادة]، وفيما يأتي بعض ما قاله في ذلك، قال:
«إن مجتمعنا يغصُّ بالمنكرات والبدع وفيه كثير من الزنادقة الذين يحاربون القرآن والإسلام تحت عناوين مختلفة ويقومون بأعمال متنوعة وعديدة تهدم الأخلاق والقيم وتعاليم الدين، فلماذا لا يقوم هؤلاء الذين يحاربوننا بمحاربة أولئك الفجار والتصدي لهم، لماذا لا يحاربون من يذهب إلى المراقص والخمارات ويمارسون أكل الربا والاحتكار وأمثالهم، ولماذا لا يجاهدون لمنع الكتب الضالّة والمقالات الضارّة التي تؤدي إلى زوال الدين من أساسه وإلى القضاء على أعراض المسلمين ونواميسهم، وبدلاً من ذلك نجد أن كلَّ همِّهم هو منع الناس من قراءة كتابي هذا وكتاب «مفتاح فهم القرآن» ومن سماع دروسي ومحاضراتي!»[5]
وقال بعد صفحات مواصلاً وصف حال الناس في عصره:
«إن جميع حوادث العالم خاصةً الحوادث التي نشهدها في هذا العصر -حيث لم يشهد التاريخ مثل هذه الثورات والاضطرابات- امتحانٌ إلهي للناس، فينبغي أن نحذر من تقديم الامتحان بشكل سيء. إننا نجد لسوء الحظ أن معظم أهل الدنيا يقدِّمون الامتحان بشكل سيِّء جدًّا، وكأنَّ شيطان الجهل والرذائل الأخلاقية قد أحكمت سيطرتها على الناس فأصبحوا لا يتورعون عن أي رذيلة وكأنه ليس في قاموسهم شيء اسمه الفضيلة والتقوى! لقد شاع - كما نرى - النفاق والقتل والسرقة وهتك الأعراض والاحتكار وانعدام الرحمة والظلم والشتم والافتراء وأمثالها إلى درجة تُوجب على الإنسان أن يفر إلى الله. ولكن لا يظنَّنَّ الأعداء أن الأمر سيبقى على هذه الحال دائمًا، أو أن بإمكانهم أن يطفئوا نور حقائق القرآن أو يحجبوا كلام الله عن الناس بأكاذيبهم ومفترياتهم، وليعلموا أن الله معنا وأننا سنواصل بحول الله وقوته قول الحقائق وكتابتها ولن تأخذنا في ذلك لومة لائم ولن ترعبنا هجمات الأراذل والسفلة، سائلين العون والتأييد من الله تعالى»[6].
وقال في موضع آخر أيضًا من الكتاب يصف مدى بعد الناس عن الإسلام وضلالاتهم وشدة انتشار البدع بينهم ويصف التفرق والتحزُّب وسيطرة رؤوس الضلال:
«سبحان الله! لقد زالت تعاليم الإسلام وأهداف نبي آخر الزمان ص من بين المسلمين وضاعت ولم يعد بالإمكان وجدانها ولو بواسطة أي مشعل أو مصباح. لقد أحاطت ظلمات الجهل والوثنية بعالم الإسلام وتراكم غبار البدع فوق القرآن فلم يعد من الممكن غسله بأي ماء ولا بيان أهداف ومرامي القرآن المقدسة بأي لسانٍ واستفاد مدعو الباطل والضالون المضلون من جهل الناس بالقرآن والدين وضياع مقاصد سيد المرسلينص، فانقضوا على جماعات من المسلمين الجاهلين وقدموا أنفسهم بوصفهم هداةً ومرشدين لهم فأوقعوا النفاق والبغضاء بين المسلمين وقادوا أولئك الناس الجاهلين المساكين إلى أودية الظلمات وبيادي الضلالات المخيفة وأوصلوهم في النهاية إلى مصير هلاك الدنيا والآخرة. قال الله تعالى: ﴿قُلِ ٱللَّهُمَّ فَاطِرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ عَٰلِمَ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ أَنتَ تَحۡكُمُ بَيۡنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُواْ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَ ٤٦﴾ [الزمر/46].
لمثل هذا فليبكِ المسلم دمًا! لقد حُرِّف الإسلام وحلَّت الخرافات والأباطيل محل حقائق الدِّين إلى درجة أنه إذا قام شخص بتعريف الناس بالدين الحقيقي، سارع الذين لم يقرؤوا سطرًا من علوم الدين ولا علم لهم بالقرآن ولا بسنة النبي ص ولا بآثار أئمة الدين، والذين تفصلهم عن علوم الإسلام الحقة اليقينية وعن تعاليم خاتم النبيين وعلومه اليقينية مسافات بعيدة، وهم مقيدون بسلاسل الكفر وأغلال الخرافات، بل هم خارجون حقيقةً عن الدين وكافرون بشريعة سيد المرسلين ص، سارعوا إلى تكفير هذا الذي عَرَفَ حقيقة الدين، وحسب أولئك العوام الجهلة أنهم من دعاة الدين وحَمَلَة شريعة سيد المرسلين ص!! (ويلٌ لنا إذا كان لهذا اليوم غدٌ).
كيف يمكن لأناسٍ نسوا التعاليم السماوية واتخذوا القرآن ظهريًا وافتروا بحقه آلاف الافتراءات فقالوا هو محرفٌ أو قالوا هو غير قابل للفهم وله سبعون معنى. أقول: كيف يمكن لأمثال هؤلاء أن يهتدوا إلى الحق؟
يا رب! لماذا يقومون بتخريب دينك؟! يا رب! لماذا يتلاعبون بتعاليمك؟! أيها المسلمون! افتحوا أعينكم ولا تنخدعوا بمثل تلك الكلمات، ولا يبعدنَّكم شيءٌ عن القرآن واستعيذوا بالله المتعال من شرِّ هؤلاء الشياطين!
إنها مقالات زنادقة الإسلام، تلك التي يتفوه بها من يقول إن القرآن أصابه التحريف وهو غير قابل للفهم. هؤلاء يريدون أن يسلبوا منكم مصدر الإسلام الأساسي ليحلوا محله بدعهم وخرافاتهم.
ماذا حل بتاج فخار التوحيد الذي وضعه نبي آخر الزمان ص على رأس أمته؟ لقد تعرض ذلك التاج اليوم إلى لكمات وركلات المال والأوهام والخرافات والوثنيات التي ازدهرت باسم دين الإسلام!
لقد أصبح الإسلام اليوم أشد غُربةً من يوم ظهوره، وهكذا أصبح المسلم الحقيقي اليوم غريبًا وحيدًا بين الناس، وكيف لا يكونون غرباء وقد اتبع الناس في عقائدهم وعاداتهم عشرات الفرق والمذاهب وَالمسالك والطرق؟ بل أكثر من ذلك، أصبح كل جماعة تابعين لشخصٍ أحدث مذهبًا ونشر بدعةً أضيفت إلى البدع الأخرى. وقام أدعياء الباطل بإلباس جسد الإسلام المقدس ألبسةً مختلفةً، وأصبحنا نسمع من كل حدبٍ لحنًا ومن كل صوبٍ نغمةً مرتفعةً فواحدٌ يدعي الألوهية وآخر يدعي النبوة وثالث مسكين يدعي الولاية والإمامة ولكل منهم مريدون وأتباع يضيِّعون عمر العامة من الناس في تقبيل الأيادي والأرجل والسجود لغير الله.
ولا يزدهر سوق هؤلاء إلا إذا خالفوا اللهَ ورسولَه لأن القرآن يخالف مقاصدهم وهواهم فالقرآن ليس له هدف سوى دعوة الناس إلى طاعة الله وإلى إصلاح أنفسهم وإلى التقوى والفضيلة، لذا كان عليهم – كي يتمكنوا من ترويج طريقتهم وتسويق بضاعتهم - أن يسقطوا القرآن من الحُجِّيَّة كي يفتح لهم الطريق أمام نشر بدعهم وضلالاتهم وأوهامهم وخرافاتهم وبيعها للناس، هؤلاء هم الذين سيشتكي منهم الرسول الأكرمص غدًا يوم القيامة في محضر العدل الإلهي: ﴿وَقَالَ ٱلرَّسُولُ يَٰرَبِّ إِنَّ قَوۡمِي ٱتَّخَذُواْ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ مَهۡجُورٗا ٣٠﴾ [الفرقان/30]»[7].
وحول وقوع عامة المتدينين بورطات الشرك بالله والانحراف عن التوحيد الخالص، قال «شريعت» يصف حال كثير من الناس في زمانه بنبرة متألمة مشفقة على ضياع التوحيد أساس دعوات الأنبياء:
«سبحان الله! ماذا حلَّ بعناء وجهود النبي ص وأئمة الدين (ع)؟ أين ذهبت تعاليم سيد المرسلين؟! لقد أريقت دماء كثيرة حتى استقر التوحيد الحقيقي! فلماذا لا يهتم المسلمون بالحفاظ على هذا التوحيد؟! لماذا لا يقرؤون كتاب الله وسيرة رسوله ص؟! إن الشرك الذي نهى عنه القرآن والسنة أصبح منتشرًا بشكل أكثر بروزًا اليوم بين كثير من المسلمين: عبادة القبور، عبادة الأحجار، عبادة الأشجار، عبادة المرشدين، التبرك بحجر موضع القدم والسبيل والآلاف من أمثال هذه الأمور... يا أيها النبي يا رحمةً للعالمين! يا أهل لا إلـه إلا الله! أيها البدريون! أيها الأحديون! يا شهداء التوحيد! يا أئمة الدين ويا حملة القرآن! انهضوا من قبوركم وانظروا حال المسلمين! انظروا مدى الانحطاط الذي وقع فيه عالم الإسلام اليوم وأين وصل أمر التوحيد فيه! لقد أثَّر الجهل وانحطاط الأخلاق ونشأة البدع وانتشار الخرافات فيه تأثيرًا أصبح من الصعب أن تتعرّفوا عليه إذا رأيتموه! ﴿رَبَّنَا ٱفۡتَحۡ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَ قَوۡمِنَا بِٱلۡحَقِّ وَأَنتَ خَيۡرُ ٱلۡفَٰتِحِينَ ٨٩﴾ [الأعراف:89]»[8].
[5] شريعت سنكلجي، توحيد عبادت «يكتاپرستى»، الطبعة الثالثة بهمة محمد باقر سنكلجي، مقدمة المؤلف شريعت سنكلجي على الطبعة الثانية للكتاب بتاريخ 1362هـ.ق/ 1943م، الصفحة «ج». [6] المصدر نفسه، مقدمة الطبعة الثانية، الصفحة «هـ». [7] شريعت سنكلجي، توحيد عبادت «يكتاپرستى» [توحيد العبادة]، مقدمة المؤلف على الطبعة الأولى بتاريخ شوال المكرم 1361 هـ.ق/1942م، صص 4 - 5. [8] شريعت سنكلجي، توحيد عبادت «يكتاپرستى»، ص 24.