المصلح الديني الكبير آية الله شريعت سنكلجي - مؤسس المدرسة الإصلاحية التوحيدية في إيران

فهرس الكتاب

14 تساؤلان حول شريعت سنكلجي والإجابة عنهما

14 تساؤلان حول شريعت سنكلجي والإجابة عنهما

هناك تساؤلان كثيًرا ما يطرحهما الذين تحدثوا عن شريعت سنكلجي ودعوته الإصلاحية أو كتبوا عنه، وأعتقد أنه لابد، في هذا الكتاب المخصص لسيرة ذلك المصلح الكبير، من الإشارة إليهما وتوضيح حقيقة الأمر بشأنهما:

السؤال الأول: لماذا فسح الملك المستبد المتغرِّب رضا خان بهلوي المجال لشريعت سنكلجي ليقوم بالدعوة ونشر أفكاره بحرية في الوقت الذي كان يضيِّق فيه بشدة على علماء الدين الآخرين، وَيُحدُّ من نشاطهم، وفي الوقت الذي كان يعادي فيه التيار الديني والشعائر الدينية بشكل عام؟ وهل يدل ذلك على أن شريعت كان على صلة بالشاه أو تابعًا له كما اتهمه بعض معارضيه؟

يحلل الكاتب والمُفكِّر الإيراني إحسان طبري - ضمن حديثه عن تيار شريعت في عهد رضا شاه- هذا الأمر ويقول:

«... في أيام الملِك "رضا شاه" [بهلوي]، التي لم يكن فيها أثرٌ لحرية العقيدة وحرية البيان، كان شريعت ينشر أفكاره من منبره بكل حرية. وقد فسَّر معارضو شريعت هذا التسامح لجهاز الشرطة والأمن تجاهه بأنه يدل على نوع من تعاون شريعت مع نظام الشاه، لكن واقع الأمر لم يكن كذلك. لقد اصطدم رضا شاه بالدين بصورته التقليدية القديمة، أي الدين الذي كان يمثّله شخص مثل السيد حسن مدرِّس، فكان يريد أن يتعامل مع دين يوافق ميله، ويصب في صالح سياساته بشكل أفضل»[149].

ويقول المؤرخ الإيراني المعاصر الأستاذ رسول جعفريان:

«رغم الضغوطات التي كانت تمارس في ذلك العصر [أي عصر رضا شاه بهلوي] على علماء الدين، كان مسموحًا لشريعت بممارسة نشاطه الثقافي ولم تكن دولة رضا شاه تمارس أي تضييق على دروسه المنبرية في مسجد حيّ سنگلج ثم في دار التبليغ.....»[150].

ويذكر رسول جعفريان أنه لما انتشر كتاب «اسلام ورجعت» [الإسلام والرجعة]، كُتِبَت عدَّة ردود عليه، ولكنها مُنِعَت من الطباعة[151].

وهذا يدل على أن نظام رضا شاه كان يظن أن نشر الفكر التجديدي والعصري للدين يتناسب مع سياساته وبرامجه التغريبية العصرية الحديثة، فكان يسمح به، ويُضيِّق على من يعارض ذلك الفكر.

يقول الباحث سيد مقداد نبوي رضوي:

«إن عدم مواجهة حكومة رضا شاه لشريعت سنكلجي جعلت الكثيرين يعتقدون أنه كان يحظى بتأييد الشاه. أحد العلامات الدالة على هذه الحماية منع نشر كتاب أُلِّف في الرد على كتاب «اسلام و رجعت»؛ كان وزير المعارف في حينه (علي أصغر حكمت) هو الذي أعطى تعليماته بعدم السماح بطباعة ذلك الردّ. ولهذا السبب كان بعض المطلعين يعتقدون أن شريعت رغم استطاعته القيام بأي عمل تجاه معارضيه، لم يُقْدِم على أي خطوة ضدهم.

وإلى جانب موقف حكومة رضا شاه الذي كان يبدو محاميًا عن شريعت سنكلجي، كان الملك رضا شاه نفسه لا يخفي إعجابه بشخصية شريعت، وكان يعتبره عالمًا حقيقيًّا. وعندما جاء طاغور، الفيلسوف الهندي المشهور، إلى إيران عام 1311 هـ.ش (1932م)، وتقرّر أن يحاوره أحد علماء الدين في إيران ويناظره، قال الملِك رضا شاه: «الوحيد الذي يمكنه مناقشته، هو ابن حيِّنا شريعت!». ولما انتهت جلسة الحوار بخروج طاغور من الجلسة قبل انتهاء المناظرة واعتذاره عن مواصلة النقاش، الأمر الذي حُسِبَ لصالح الشيخ شريعت واعتُبِر انتصارًا له، وسمع الملك رضا شاه بذلك، أعاد التأكيد على كلامه السابق بشأن شريعت.

وأيًّا كان الأمر فإن عدم وقوف حكومة رضا شاه في وجه الإصلاحات الدينية لشريعت سنكلجي، كان أمرًا واضحًا وينبغي تفسيره - على أقل تقدير - بوجود توافق في موقفهما من الطقوس المذهبية الشيعية التقليدية»[152].

ويقول الأستاذ نور الدين چهاردهي في معرض حديثه عن خصال شريعت وسيرته العلمية:

«.... وقد وَجَّه له بعض الناس تهمًا، وقمت بالتحقيق فيها وبعد تقصٍّ وتحقيق كثير في تلك التهم، تبيَّن لي أن [الشاه] رضا خان عندما كان ما يزال رجلاً مغمورًا غير معروف، وأراد الزواج، قام حمْوُهُ بالرجوع إلى «شريعت» لكي يعقد زواج ابنته عليه. ومع كوني لا أؤمن بآراء شريعت العقائدية لكنني أدركت أن شريعت لم يكن تابعًا للقصر الملكي ولا مرتبطًا به رغم أنه كان يستطيع فعل ذلك»[153].

نخلص من كل ما سبق إلى أن السر في ذلك الموقف المتساهل من قبل مَلِك إيران المستبدّ رضا شاه بهلوي تجاه شريعت ودعوته الإصلاحية يعود لأمرين:

الأول: أن الشاه الذي كان ميالاً للغرب والعصرنة وكان في هذا الإطار يكره الطقوس الشيعية التقليدية كالمآتم الحسينية وقراءة مصائب آل البيت التي يتم فيها البكاء والتباكي ولطم الصدور والرؤوس، وكان قد أصدر تعليماته بمنع إقامتها ومنع ضرب الرؤوس بالسيوف والأبدان بالسلاسل ومنع إقامة الاحتفالات بيوم الخامس عشر من شعبان[154] (يوم ولادة إمام الزمان المهدي المنتظر حسب عقيدة الشيعة الإمامية)، وجد في دعوة سنكلجي الإصلاحية الدينية ومناداته بتصحيح المذهب الشيعي وتنقية الأعمال والممارسات المذهبية من البدع والخرافات وعصرنة الإسلام ليتماشى مع العصر الحديث والتقدم العلمي، وجد في ذلك ما يصب في صالح سياساته فسمح له بممارسة نشاطه الدعوي هذا.

الثاني: سبب شخصي وهو أن الشاه رضا خان كان شخصيًّا على معرفة قديمة بشريعت، فكان شريعت ابن حيِّه، وكان شريعت هو الذي أجرى عقد زواج رضا خان على زوجته قديمًا قبل أن يكون لرضا خان أي شأن، وكان الشاه يقدِّر في شريعت سعة معارفه العلمية وإحاطته بعلوم العصر، فكان ذلك سببًا في موقفه الإيجابي منه الذي انعكس في السماح له بدعوته ونشر فكره.

أما السؤال الثاني الذي يرد إلى أذهان البعض حول «شريعت» فهو:

لماذا اتَّسَم موقف علماء الشيعة الرسميين ضد «شريعت» ودعوته الإصلاحية ببعض اللين، إلى حدٍّ ما، حتى تجد أن كثيرين منهم كانوا يقرون بعلمه مع نقدهم لبعض أفكاره، خلافًا لموقفهم من بعض أعلام التصحيح والإصلاح المذهبي الذين تلوا شريعت، كالأستاذ حيدر علي قلمداران والعلامة أبي الفضل البرقعي وأمثالهما، الذين اتَّسموا بالمعارضة الشديدة لهم والتضليل والتهديد لهم؟

والإجابة: هي أن شريعت -رحمه الله- كان داعية للإصلاح والتصحيح داخل المذهب ولم يعلن خروجه من إطار التشيع بشكل كامل، أو على الأقل كان محتاطًا ولم يفصح عن ذلك. يقول المؤرخ الأستاذ رسول جعفريان ضمن كلامه عن الشيخ «شريعت»:

«كان ادعاء أمثال أولئك الأفراد [كشريعت سنكلجي] أنهم يرون وجوب تنقية الدين والمذهب من أمثال تلك الخرافات، مع حفظهم لأصول التشيع، وذلك لأن تلك الخرافات أمور دخيلة لا تستمد جذورها من التشيع»[155].

هذا بعكس بعض أعلام التصحيح والإصلاح المذهبي الذين جاؤوا بعد شريعت، كآية الله البرقعي والعلامة قلمداران وأمثالهما الذين ألفوا كتبًا في نقد عقائد الشيعة الأساسية وفنَّدوها بأدلة علمية قاطعة؛ ومن هذه العقائد، الإمامة بالنص والوصية لعلي بن أبي طالب (ع) خليفةً وحاكمًا للمسلمين بلا فصل بعد رسول‌اللهص، والعصمة ومراسم العزاء والشفاعة وعلم الغيب للأئمة وخمس أرباح المكاسب وحتى صرحوا بإنكار عقيدة المهدي عند الشيعة. فخرجوا بذلك تمامًا عن المذهب، فكان الهجوم عليهم حادًّا لهذا السبب.

وهناك سبب آخر لهذا التفاوت بين موقفهم من شريعت وموقفهم من غيره من الإصلاحيين لا سيما من البرقعي وقلمداران على وجه الخصوص، يتعلق بطبيعة اللهجة المستخدمة في الدعوة إلى التصحيح والإصلاح المذهبي، فلا يخفى أن آية الله البرقعي وكذلك العلامة قلمداران كانا شديدي اللهجة في نقدهما لكثير من عقائد الشيعة وممارساتهم. خلافًا لشريعت سنكلجي الذي كانت انتقاداته هادئة تقتصر على ذكر الأدلة القرآنية ثم الحديثية والعقلية على ما يقول[156].

[149] إحسان طبري، مقال: راه توده - جامعه ايران در دوران رضا شاه [طريق الجماهير - المجتمع الإيراني في عصر رضا شاه]. وهو منشور على شبكة الإنترنت وعنوانه: http://www.rahetudeh.com/rahetude/Tabari/iran-rezashah/html/jameehiran-11.html [150] رسول جعفريان، جريانها وسازمان‌هاي مذهبي-سياسي إيران [التيارات والمنظمات الدينية-السياسية في إيران]، ص 1016. [151] المصدر نفسه، ص 1017، الحاشية رقم 3. [152] سيد مقداد نبوي رضوي، نگاهى تحليلي به تكاپوهاى شريعت سنگلجى [نظرة تحليلية إلى جهود شريعت سنكلجى الفكرية]، فصلنامه امامت پژوهى، [مجلة «مباحث الإمامة» الفصلية] السنة الأولى، العدد 4، ص 258 - 259. [153] نورالدين چهاردهي، وهابيت وريشه‌هاى آن [الوهابية وجذورها]، ص 160 – 161. [154] انظر: سيد مقداد نبوي رضوي، نگاهى تحليلي به تكاپوهاى شريعت سنگلجى [نظرة تحليلية إلى جهود شريعت سنكلجى الفكرية]، ص 258 ، نقلاً منه عن: عين السلطنة، قهرمان ميرزا، صحيفة خاطرات عين السلطنة، صص 7966 - 7967 و 8001. [155] رسول جعفريان، جريانها وسازمان‌هاي مذهبي-سياسي إيران [التيارات والمنظمات الدينية-السياسية في إيران]، ص 1020. [156] والأمر ذاته ينطبق على مواجهة مؤسسة علماء الدين الرسمية المعتدل إلى حدٍّ ما ونقد بعضهم اللين نسبيًّا للأستاذ مصطفى الحسيني الطباطبائي، رغم تحوله الجذري، وذلك لأسلوبه العلمي الهادئ البعيد تمامًا عن أي هجومية أو تشنج في طرحه لفكره التصحيحي، فضلاً عن سعة تبحره العلمي وكتبه العلمية المفيدة المنافحة عن أصل الدين وأساسه، وعدم اقتصاره على بحث المسائل الخلافية بين الشيعة والسنة، مما يجبر الجميع على تقدير علمه والإقرار بفضله.