مقدمة المؤلف
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمدُ لِـلَّهِ وكفى، وسلامٌ على عبادِهِ الذين اصطفى، لا سيما خاتم أنبيائه وأشرف رسله محمدٍ الهادي المجتبى وآله أعلام التُّقى ومصابيح الهُدَى، وصَحْبِهِ النجباء أهل الوفاء الذين هاجروا وجاهدوا ونصروا وأعلوا راية التوحيد والتُّقى، وعلى مَنْ بِنَهْجِهِم اهْتَدَى ولآثارهم اقْتَفَى، وبعد،
فلقد شهد القرن الميلادي العشرين منذ بداياته (أوائل القرن الهجري الرابع عشر) ظهور عدد من المصلحين المجدِّدين الجريئين بين علماء الشيعة الإمامية الاثني عشرية في إيران، دعوا إلى النقد الذاتي وإعادة النظر في كثير من العقائد والممارسات الشيعية الموروثة، التي أوجدتها النزاعات المذهبية والصراعات الطائفية عبر القرون، وإلى العودة إلى الإسلام الأصيل النقي من البدع الطارئة والخالي من العقائد المذهبية الغالية والأعمال الشركية، كما نادوا برفض الأحاديث الخرافية والآثار والكتب الموضوعة التي تخالف روح القرآن الكريم، وأن الإسلام يقتصر على القرآن الكريم وما وافقه من الصحيح المقطوع به من السنة المحمدية الشريفة فقط.
وكان من أعلام هذا الخط التجديدي الإصلاحي التصحيحي ومن أبرز المنادين بالعودة إلى القرآن الكريم والسلف الصالح وترك كل ما يتنافى مع القرآن الكريم من بدع وممارسات مذهبية، آية الله الشيخ شريعت سنكلجي، الذي اعتبره بعض الأساتذة المعاصرين من الشيعة: «مؤسّس المدرسة السلفية القرآنية الشيعية الحديثة»[1]. وقد تأثّر به وواصل دعوته وخطَّه الإصلاحي التصحيحي من بعده عشرات العلماء والأساتذة الفضلاء في إيران، الذين كسروا طوق المذهبية والأطر الشيعية وعادوا بدرجات متفاوتة إلى الإسلام القرآني المحمدي السلفي الأصيل، نذكر منهم -على سبيل المثال لا الحصر-: تلميذَي المرحوم سنكلجي: الشيخ عبدالوهاب فريد تنكابني مؤلف كتاب «الإسلام والرجعة»، والأستاذ الفاضل الحاج يوسف شُعَار التبريزي صاحب كتاب «تفسير الآيات المشكلة» (وسار على نهجه من بعده ابنه الدكتور جعفر شعار)، ومن قبلهما أستاذ سنكلجي: السيد أسد الله خرقاني صاحب كتاب «محو الموهوم وصحو المعلوم» والكثير من الكتب الإصلاحية التجديدية الأخرى، ثم من بعدهم: أحمد كسروي صاحب كتاب «شيعيگري» (الشيعة والتشيع)، الأستاذ علي أكبر حَكَمي زاده صاحب كُتَيِّب «اسرار هزار ساله» (أسرار ألف عام)، والسيد علي أكبر برقعي وآية الله الشيخ المجاهد محمد مهدي الخالصي... وصولاً إلى آية الله السيد أبو الفضل بن الرضا البرقعي والأستاذ حيدر علي قلمداران القُمِّيّ والشيخ إسماعيل آل إسحاق الخوئيني وآية الله السيد محمد جواد الموسوي الغروي الأصفهاني وآية الله الدكتور محمد صادقي الطهراني والأستاذ العلامة السيد مصطفى الحسيني الطباطبائي ومؤخّرًا الأستاذ أحمد الكاتب وحجة الإسلام محسن كديور... الخ، وكلهم أدلوا بدلوهم في هذا المجال وكتبوا عددًا من الرسائل أو الكتب والمؤلفات التي يطول ذكر عناوينها.
وقد أطلق بعض الباحثين والمؤرخين الإيرانيين على هذا التيَّار الإصلاحي بين الشيعة لقب: «نوگرائي ديني» أي تيار التجديد الديني، في حين سماه آخرون - كالمؤرخ المعاصر رسول جعفريان - بـ«التيارات المطالبة بإعادة النظر في عقائد الشيعة»[2]. وهناك من أطلق على رجال هذا التيار وأتباعه لقب: «القرآنيون الشيعة»، لأن أصحابه اهتموا كثيرًا بترسيخ المرجعية القرآنية، بعد أن أحسُّوا بتغييب القرآن وتعاليمه في الثقافة الشيعية لصالح الروايات والأخبار، فأكد أعلام هذا التيار جميعهم على أن النص القرآني بيِّنٌ بذاته ولا حاجة للحديث لفهمه، نعم قد يحتاج للحديث لتفصيل أحكامه لا أكثر، فالقرآن واضح مفهوم يمكن لجميع الناس أن يفهموا معانيه ويدركوا تعاليمه، كما سعوا ـ من الجهة الأخرى ـ إلى إعادة النظر في التراث الروائي الشيعي ونقده والتشكيك بمكانة معظم الأخبار والأحاديث الشيعية، وإثبات بطلانها ومخالفتها للقرآن الكريم.
أما المتعصبون من علماء الشيعة التقليديين الذين لم يعجبهم هذا التيار الإصلاحي فنعتوه بالتيار الوهابي بين الشيعة (!) وأطلقوا على أتباعه لقب الوهابيين (!) مع أنه لا توجد أي علاقة تاريخية بين أنصار هذا التيار ورجاله وبين دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية في نجد وما حولها.
والكتاب الحالي ترجمة لحياة وسيرة أحد أبرز رجال هذا التيار الإصلاحي بين الشيعة ومن كان له فيه فضل الريادة والقدحُ المعلَّى، ألا وهو آية الله الشيخ شريعت سنكلجي. وقد استقينا سيرته من عدد من المصادر الموثوقة؛ أهمها كتبه التي هي مرآة أفكاره ورسالته ودعوته، ثم عدد من المقالات التي كتبها عنه بعض أصحابه المقربين وتلاميذه المحبين ونشروها في عدد من المجلات الإيرانية قديمًا وحديثًا. كما رجعنا إلى بعض الكتب التي كتبها أعداؤه ومخالفوه من الشيعة التقليديين المتعصبين لأنها أيضًا تساعد - بشكل غير مباشر- على معرفة أفكاره وحقيقة دعوته.
نسأل الله العلي القدير أن نكون قد وفَّينا هذا المصلح الكبير شيئًا من حقه، والله من وراء القصد وهو ولي التوفيق، والحمد لله رب العالمين.
كتبه العبد الفقير الراجي رحمة ربه القدير
د. سعد رستم
[1] انظر: حيدر حب الله، نظرية السنة في الفكر الإمامي الشيعي، التَكَوُّن والصيرورة، بيروت، مؤسسة الانتشار العربي، 2006م، ص 612 فما بعد. [2] انظر: رسول جعفريان، جريانها وسازمانهاي مذهبي-سياسي إيران [التيارات والمنظمات الدينية-السياسية في إيران]، طهران، دار نشر عَلَم، الطبعة الثالثة عشرة، 1389هـ.ش/2010م، الفصل الثامن، ص 1011 فما بعد.