(4) الشرك نوعان: الأكبر، والأصغر
الشرك الأكبر هو أن يعبد مخلوقٌ مخلوقاً آخر، والشرك الأصغر هو إثبات الأفعال الخاصة بذات الله وحده لغير الله، كأن يعتبر غير الله شافياً رازقاً أو أن يتصور أنَّ غير الله تعالى يدفع البلاء ويرفع الشقاء والضراء.
وأما الشرك الأكبر، فكما ذكرنا مراراً: أن يشرك مع الله أحداً في العبادة، ويُحب ذلك المعبود الباطل كما يحب المعبود الحق أو أشد، وهذا هو تسوية الخلق برب العالمين. كما يخاطب المشركون يوم القيامة في نار جهنم آلهتهم: ﴿تَٱللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٍ ٩٧ إِذۡ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ٩٨﴾ [الشعراء: 98].
مع أن أولئك المشركين كانوا يعترفون بأن خالق العالم والكائنات هو الله تعالى وحده، ويقرون بأن آلهتهم الوهمية لا يرزقون ولا يُحيون ولا يُميتون، فما المراد بالتسوية في الآية إذن؟
المقصود بتسوية آلهتهم بالله رب العالمين هو التسوية في المحبة والتعظيم والعبادة، فقد كان المشركون يحبون آلهتهم كحب الله أو أشد. ﴿يُحِبُّونَهُمۡ كَحُبِّ ٱللَّهِۖ﴾ [البقرة: 165] يصرح الله تعالى في هذه الآية أن المشركين يحبون آلهتهم الباطلة مثل حب الله رب العالمين. و [في آية أخرى يذكر الله تعالى] أن المشركين يفرحون ويستبشرون عند ذكر معبوداتهم أكثر من فرحهم بذكر الله وحده، بل يشمئزون عند ذكر الله تعالى. ﴿وَإِذَا ذُكِرَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِۦٓ إِذَا هُمۡ يَسۡتَبۡشِرُونَ ٤٥﴾ [الزمر: 45].
كما أنهم إذا سمعوا من موحد يذكر آلهتهم بأدنى سوء، ويقلل أدنى تقليل من شأن مشايخهم وأوليائهم من دون الله يهجمون عليه كالكلاب المسعورة ويريدون أن يقتلوا ذلك الموحد. أما إذا أُهينت حرمات الله أو بُدلت أحكامه وتشريعاته فلا تجد أحداً منهم ينتفض ولا يحرك ساكناً، لاسيما إذا كان ذلك الشخص الذي انتهك أحكام الدين وغيّر سنة خير المرسلين ص ممن يرجون منه شيئاً من المال أو الجاه.
يا للعجب! لو قلت لهم إن الأولياء من دون الله لا يقضون الحاجات، ولا هم أبواب الحوائج ولا تحصيل الشفاء، وبيّنت لهم أن الله وحده هو قاضي الحاجات، وقابل التوب، وغافر الذنب، وهو النافع وهو الضارّ، وهو القادر، وأنه لا ينبغي أن تطلب الحاجات من البشر، فتراهم يضربون الخدود ويشقون الجيوب، ويصيحون «واديناه»! وقام الدجالون المتاجرون بالدين، باختلاق تأويلات ومحامل وتبريرات للعقائد الشركية، تماماً كما كان يفعله الكهنة ورؤساء المشركين. ولا شك أنه بمثل هذه التبريرات والتأويلات التي يذكرها هؤلاء الدجالون مع جهل الناس بالقرآن، لن تفتح أبواب الفلاح وسيزداد عدد المشركين يوماً بعد يوم: ﴿ذَرۡهُمۡ يَأۡكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلۡهِهِمُ ٱلۡأَمَلُۖ فَسَوۡفَ يَعۡلَمُونَ ٣﴾ [الحجر: 3].
وإذا قلت بأن «إمام زاده» (أي الصالح من أبناء أحد الأئمة أو من أحفادهم وذريتهم) لا يشفي الأعمى، و«السيدة شهر بانو» لا تعمي أبصار زائري قبرها، وقِدْر سمنو (نوع طعام) لا يقضي الحاجات، فسيقولون: نعم [أنهم لا يستقلون بفعل ذلك] ولكنهم شفعاء ووسطاء لنا عند الله. وهذا الجواب هو عين جواب المشركين لرسول الله ص حين قالوا: ﴿هَٰٓؤُلَآءِ شُفَعَٰٓؤُنَا عِندَ ٱللَّهِۚ﴾ [يونس: 18]، وقد رد الله تعالى عليهم جوابهم هذا بقوله: ﴿وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِۦٓ أَوۡلِيَآءَ مَا نَعۡبُدُهُمۡ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلۡفَىٰٓ إِنَّ ٱللَّهَ يَحۡكُمُ بَيۡنَهُمۡ فِي مَا هُمۡ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَۗ﴾ [الزمر: 2]، وقال تعالى في مقام آخر: ﴿مَثَلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوۡلِيَآءَ كَمَثَلِ ٱلۡعَنكَبُوتِ ٱتَّخَذَتۡ بَيۡتٗاۖ وَإِنَّ أَوۡهَنَ ٱلۡبُيُوتِ لَبَيۡتُ ٱلۡعَنكَبُوتِۚ لَوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ ٤١﴾ [العنكبوت: 41]، ﴿أَفَحَسِبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَن يَتَّخِذُواْ عِبَادِي مِن دُونِيٓ أَوۡلِيَآءَۚ إِنَّآ أَعۡتَدۡنَا جَهَنَّمَ لِلۡكَٰفِرِينَ نُزُلٗا ١٠٢﴾ [الكهف: 102].
ونحن بدورنا سنبيّن ونرشد إخواننا المسلمين إلى صور الشرك وحالاته ونماذجه، لعل الله يهدي بذلك ضالاً ويرشده إلى قواعد الدين وأحكامه الصحيحة.