توحيد العبادة

فهرس الكتاب

[مقدمة لبيان حقيقة الشفاعة]

[مقدمة لبيان حقيقة الشفاعة]

إن التوصل إلى النتيجة الصحيحة من الآيات المذكورة في مسألة الشفاعة يحتاج إلى بيان المقدمة التالية:

من تعاليم الإسلام السامية المسلَّم بها أن الإنسان لا يجوز له أن يتوكَّل إلا على الله، ولا يعتقد بوجود مُؤثِّر سواه. ومن جهة ثانية، فإن سعادة الإنسان المادية والمعنوية رهينة بأعماله، كما قال تعالى: ﴿كُلُّ نَفۡسِۢ بِمَا كَسَبَتۡ رَهِينَةٌ ٣٨ [المدثر: 38]، فينبغي للإنسان أن يتوكل على الله ويسعى دائماً لاكتساب الأعمال الصالحة ليرتقي بها في درجات الرقي والتكامل: اللهُ في عون العبد ومدده معه، ومن جَدَّ في طلب الشيء وجده[175]. وقال تعالى: ﴿إِنۡ أَحۡسَنتُمۡ أَحۡسَنتُمۡ لِأَنفُسِكُمۡۖ وَإِنۡ أَسَأۡتُمۡ فَلَهَا [الإسراء: 7].

هوية الإنسان عمله؛ والعمل الصالح مع التسليم لله أصل سعادة الإنسان ونجاحه. قال تعالى: ﴿بَلَىٰۚ مَنۡ أَسۡلَمَ وَجۡهَهُۥ لِلَّهِ وَهُوَ مُحۡسِنٞ فَلَهُۥٓ أَجۡرُهُۥ عِندَ رَبِّهِۦ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ ١١٢ [البقرة: 112].

فالنجاة من الشقاء والمصائب والنكبات لا تكون إلا من خلال العمل الصالح، كما أن كل ما يحل بالإنسان من مصائب، سببه أعماله السيئة: «إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ تُرَدُّ إِلَيْكُم»[176].

وقال تعالى: ﴿لَّيۡسَ بِأَمَانِيِّكُمۡ وَلَآ أَمَانِيِّ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِۗ مَن يَعۡمَلۡ سُوٓءٗا يُجۡزَ بِهِۦ وَلَا يَجِدۡ لَهُۥ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّٗا وَلَا نَصِيرٗا ١٢٣ [النساء: 123].

ذكروا في سبب نزول هذه الآية، أن المسلمين جادلوا أهل الكتاب واحتجوا على بعضهم، فقال أهل الكتاب للمسلمين: نبيّنا قبل نبيكم، وكتابنا قبل كتابكم، ونحن أولى بالله منكم! وقال المسلمون: نحن أولى بالله منكم، نبيُّناسيد المرسلين وخاتم النبيين، وشرعنا ناسخ للشرائع قبله، فنزلت هذه الآية المباركة.

ومعنى الآية الكريمة، أن ما وعد الله المؤمنين به من الأجر والثواب لا يُنالُ بأمانيكم (فمجرد كوننا أمة خير المرسلين أو شيعة أمير المؤمنين غير كاف)، كما أن ذلك الأجر والثواب لا يُنالُ بأماني أهل الكتاب الذين يقولون: ﴿لَن يَدۡخُلَ ٱلۡجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُودًا أَوۡ نَصَٰرَىٰ [البقرة: 105].

والحاصل، لا يصحّ أي أمر بالأمل والتمني، بل السعادة الأخروية موكولة بالعلم والعمل الصالح.

لا يُنالُ الفلاح بالتمنِّي والتشهِّي بل بسكب الدموع وبذل المُهَج [177].

﴿مَن يَعۡمَلۡ سُوٓءٗا يُجۡزَ بِهِۦ وَلَا يَجِدۡ لَهُۥ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّٗا وَلَا نَصِيرٗا ١٢٣.

قال الشاعر سعدي:

«إذا سابق الناس يوم القيامة بدخول الجنة، فسيفوز صاحب الأعمال الصالحة بمنازل الجنة وقصورها.

ستحصل على البضاعة بمقدار الثمن الذي معك، وإن كنت مفلساً فسترجع بالحسرة والندم.

من زاد عمله الصالح، ازداد منزلة عند الحق سبحانه»[178].

في الحديث الشريف عن الإمام الباقر (ع) أنه قال: «قَامَ رَسُولُ اللَّهِ ص عَلَى الصَّفَا فَقَالَ: يَا بَنِي هَاشِمٍ! يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ! إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ وَإِنِّي شَفِيقٌ عَلَيْكُمْ وَإِنَّ لِي عَمَلِي وَلِكُلِّ رَجُلٍ مِنْكُمْ عَمَلَهُ، لا تَقُولُوا إِنَّ مُحَمَّداً مِنَّا وَسَنَدْخُلُ مَدْخَلَهُ، فَلا وَاللَّهِ مَا أَوْلِيَائِي مِنْكُمْ وَلا مِنْ غَيْرِكُمْ يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إِلا الْمُتَّقُونَ، أَلا فَلا أَعْرِفُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَأْتُونَ تَحْمِلُونَ الدُّنْيَا عَلَى ظُهُورِكُمْ وَيَأْتُونَ النَّاسُ يَحْمِلُونَ الآخِرَةَ. أَلا إِنِّي قَدْ أَعْذَرْتُ إِلَيْكُمْ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَفِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِيكُمْ»[179].

فلا شك أن الذين بعثهم الله لتربية الناس كان ينبغي عليهم أن يسلكوا هذا الطريق بأن يدعوا للعمل ويجعلوا السعادة والشقاوة نتيجة مباشرة لأعمال الناس.

[175] سایه‌ی حق بر سر بنده بود عاقبت جوینده یابنده بود [176] متن حديث نبوي، كما في بحار الأنوار، ج3/ص90. وفي مصادر أهل السنة جاءت الجملة ضمن حديث قدسي معروف ولفظها: «إِنَّمَا هِىَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا»، انظر مثلا: صحيح مسلم، (6737). [المصحح] [177] به آروز و هوس بر نیاید این معنی به آب دیده و خون جگر‬ ‬ ‫تواند بود [178] قیامت که بازار مینو نهند منازل به اعمال نیکو‬ دهند بضاعت به چندان‌که آری‬ ‫بری اگر مفلسی شرمساری‬ ‫بری کسی را که حسن عمل‬ ‫بیشتر به درگاه حق منزلت پیشتر [179] الكافي 8/182. [المترجم]