[أسباب الهجوم]
إن أسباب ذلك واضحةٌ:
3أولاً: إنه الحسد الذي يكنّه بعض الأقران والأمثال تجاهي، فالحاسد إذا لم يستطع أن يبلغ مرتبة محسوده، فإنه يسعى ليحط من شأن المحسود في أنظار الناس، ولكن ليعلم الحاسد «أن الحسود لا يسود»، وأن الشخص طالما يعمل ابتغاء مرضاة الله فلن يؤثر فيه حسد الحُسَّاد.
قيل لشيخه: أريد أن أنهى عن المنكر في الأرض ولكنني أخاف من أهل الحسد أن يصيبوني بأذى في معيشتي، فقال له الشيخ: إن عملت ذلك ابتضاء مرضاة الله، فأنت مأمون من بلايا الدنيا والآخرة [27].
4ثانياً: لِما أحدثت كتاباتنا ومحاضراتنا -بحول الله وقوته- تأثيراً كبيراً في المثقفين، وساهمت في تعريف الناس بتعاليم القرآن؛ فمن المؤكد أن الذي تعرّف على حقائق القرآن فسينفكّ عن أهل الدعاوى الباطلة، ولن يطيع بعد ذلك الدجالين وشياطين الإنس، ومن هنا أدرك الحُسَّاد أن مصالحهم أصبحت في خطر، فلجؤوا إلى كل وسيلةٍ للحفاظ عليها، فهددوني أحياناً بالقتل، وأثاروا عامة الناس ضدي؛ ﴿أَتَقۡتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ ٱللَّهُ وَقَدۡ جَآءَكُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ مِن رَّبِّكُمۡۖ وَإِن يَكُ كَٰذِبٗا فَعَلَيۡهِ كَذِبُهُۥۖ وَإِن يَكُ صَادِقٗا يُصِبۡكُم بَعۡضُ ٱلَّذِي يَعِدُكُمۡۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي مَنۡ هُوَ مُسۡرِفٞ كَذَّابٞ﴾ [غافر: 28]. إن أولئك الذين يثيرون الشبهات على آرائي ويحاولون زوراً وافتراءً أن يلبّسوها بالباطل، لا يعلمون أن ما كان لله يبقى وينمو، وأن الله عزوجل ينمي ما كان لمرضاته سبحانه وتعالى، قال تعالى: ﴿أَلَمۡ تَرَ كَيۡفَ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلٗا كَلِمَةٗ طَيِّبَةٗ كَشَجَرَةٖ طَيِّبَةٍ أَصۡلُهَا ثَابِتٞ وَفَرۡعُهَا فِي ٱلسَّمَآءِ ٢٤﴾ [إبراهیم: 24]. وليعلموا أنهم لا يستطيعون أن يهزموا كلمة الحق بالجَلَبَة والضوضاء، لأن الغلبة والدولة تكون في نهاية المطاف للحق، وأن جولة الباطل أيام وإلى الزوال.
يستغل أراذل الناس دائماً الأوضاع المضطربة في المجتمعات، ويظنّون أن الدنيا ستبقى على منوال واحد، لكن الواقع أنه لا بد أن يأتي يوم تنطفئ فيه نيران هذه الحروب الدموية المخربة، وعندئذٍ سيكون ذلك اليوم يوم شقاء وندم للمفسدين.
5إن جميع حوادث العالم وخاصة الحوادث التي نشهدها في هذا العصر -حيث لم يشهد التاريخ مثل هذه الثورات والاضطرابات- امتحانٌ إلهي للناس، فَلْنحذر من اجتياز الامتحان بصورة سيئة. ولكن مع الأسف فإن معظم أهل زماننا يجتازون الامتحان بشكل سيِّء جداً، وكأنَّ شيطان الجهل والرذائل الأخلاقية قد أحكمت سيطرتها عليهم، فأصبحوا لا يتورعون عن ارتكاب أي رذيلة وكأنه ليس في قاموسهم شيء اسمه الفضيلة والتقوى! لقد شاع - كما نرى - النفاق والقتل والسرقة وهتك الأعراض والاحتكار وانعدام الرحمة والظلم والشتم والافتراء وأمثالها إلى درجة تُوجب على الإنسان أن يفر إلى الله. ولكن لا يظنَّنَّ الأعداء أن الأمرَ سيبقى على هذه الحالة دائماً، أو أن بإمكانهم أن يطفئوا نور حقائق القرآن أو يحجبوا كلام الله عن الناس بأكاذيبهم ومفترياتهم، وليعلموا أن الله معنا وأننا سنواصل -بحول الله وقوته- بيان الحقائق وكتابتها، ولن تأخذنا في ذلك لومة لائم ولن ترعبنا هجمات الأراذل والسفلة، سائلين العون والتأييد من الله تعالى.
إن الخوف من الناس يكون لأحد سببين: إما بسبب الطمع في أموالهم، أو مخافة ضررهم وآذاهم، وقد وجدنا علاج هذين المرضين في مستشفى أمير المؤمنين [علي ÷] الذي يقول: «وإِنَّ الأمْرَ بِالْمَعْرُوفِ والنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ لا يُقَرِّبَانِ مِنْ أَجَلٍ ولا يَنْقُصَانِ مِنْ رِزْقٍ»[28]. فلن يمنَعَنَا أبداً هَمّ الرزق أو الخوف على أرواحنا من إظهار غيرتنا الإيمانية.
يقول سعدي[29]: «إن الأجدر بنصيحة الملوك هو الذي لا يخاف قطع رأسه ولا يطمع في أموالهم»[30].
غاية الأمر، أنه يجب علينا أن نقتنع بالطعام قليل الدسم، وأن نقطع أُلفتنا بالفجرة اللئام؛ لأن كل من قطع آفة الطمع وأزال من نفسه علة الحاجة أصبح أسداً في الشجاعة وباسلاً في إقامة الدين.
إن هذه المشقَّات والمتاعب التي نتحمَّلُها نعدُّها ذخيرةً لنا ليومٍ تُبلى فيه السرائر، وسوف يحكم الله بيننا في ذلك اليوم في حضور خاتم الأنبياء في محكمة عدله الإلهية، وعندئذٍ سيُدان هؤلاء الأعداء وسنكلهم للمنتقم الحقيقي.
6لا شكَّ أن هذه البذرة التي نزرعها اليوم ستؤتي ثمارها يوماً ما، فنأمل الهداية للشباب المتعلّم المثقّف الذين أَمَلِي فيهم كبير، عسى الله تعالى أن يُسعدهم في المجتمع القادم تحت لواء التوحيد ويوفّقهم لإنشاء المدينة الفاضلة.
وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّـهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيْمِ، وَصَلَّى اللَّـهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِينَ.
شريعت سنگلجي
1362 هـ ق.
[27] آن یکی با شیخ خود گفتا که من لیک میترسمکه از اهل حسد گفت اگر اینکار بهر حق کنی نهی منکر اندر زمن فتی بر روزگار من رسد از بلاهای دو عالم ایمنی [28] نهج البلاغة / الحكمة 374. [29] هو مشرف بن مصلح المشهور بـ(سعدي شيرازي) ولد في أوائل القرن السابع الهجري (الثالث عشر ميلادي) في مدينة شيراز، وهو ينتمي لعائلة اشتهرت بالعلم والفضل. وفي شبابه الباكر سافر إلى بغداد لتلقي العلم حيث التحق بالمدرسة النظامية الشهيرة، التي بناها الوزير السلجوقي المعروف خواجة نظام الملك، وأهم كتابي سعدي، هما معلمتاه الشهيرتان (كتاب گلستان)-أي حديقة الورود وهو نصوص نثرية، و(كتاب بوستان)- يعني الحديقة، وهو نصوص شعرية-. توفي عام 694هـ الموافق 1294م. [30] «نصیحت پادشاهان کسی را مسلّم است که بیم سَر ندارد و امید زَر».