(8) سبب ظهور الأوثان وعبادتها
سبق وأن بينا في طيات صفحات هذا الكتاب، أنّ المعابد في بداية الأمر كانت منحصرة بالمقابر ثم بعد ذلك وُجدت الأصنام، وكان الصنم في البداية، جسد الميت الذي يتم تحنيطه (وقد أطلق على تلك الجثة اسم مومياء). حيث كانت أمعاء الميت وأحشاؤه تستخرج من جسده ويملأ بطنُهُ ببعض المواد مثل الكمُّون والمسك والعنبر والكافور والقصب الهندي والصندل، ليحفظوه من التحلل والتفسخ، كما كانوا يضعون مكان عينية حجرتين لامعتين كالياقوت، ولما رأوا أن التحنيط لا يحفظ الجسة تماماً من البلي، قاموا بنحت تمثال للميت من الحجر أو الخشب، فعبدوه أو كانوا ينحتون صورته على تابوت أو على قبر الميت فيعبدونه، وقد أخبر الله تعالى في القرآن الكريم عن هذا الأمر فقال: ﴿وَقَالُواْ لَا تَذَرُنَّ ءَالِهَتَكُمۡ وَلَا تَذَرُنَّ وَدّٗا وَلَا سُوَاعٗا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسۡرٗا ٢٣﴾ [نوح: 23]. أي: قال سدنة المعابد وكهنتها للعوام والسفلة: لا تتركوا عبادة آلهتكم ولا تتخلَّوْا عن وُدّ وسُوَاع ويَغُوث ويَعُوق ونَسْر.
وقد ذكر المحققون من السلف أن هذه الأسماء كانت أسماء خمسة رجال صالحين كانوا قبل نوح ÷ وكان الناس يحبونهم ويجلونهم غاية الإجلال، وبعد موتهم صنعوا تماثيل على صورهم من الأخشاب أو الأحجار فكانوا يعظِّمُونها ثم عبدوها مع مرور الزمان[213].
فتبيَّن من هذه الآية المباركة أن بداية عبادة الأصنام كان عبادة الأموات.
[213] انظر: علل الشرائع للشيخ الصدوق، ، (1/3 – 4)، وتفسير القمي لعلي بن إبراهيم القمي، (2 / 387 – 388)، «تفسير مجمع البيان» للشيخ الطبرسي (10/137– 138) . وفي صحيح البخاري (6/ 160): عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «.... أَسْمَاءُ رِجَالٍ صَالِحِينَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ، فَلَمَّا هَلَكُوا أَوْحَى الشَّيْطَانُ إِلَى قَوْمِهِمْ، أَنِ انْصِبُوا إِلَى مَجَالِسِهِمُ الَّتِي كَانُوا يَجْلِسُونَ أَنْصَابًا وَسَمُّوهَا بِأَسْمَائِهِمْ، فَفَعَلُوا، فَلَمْ تُعْبَدْ، حَتَّى إِذَا هَلَكَ أُولَئِكَ وَتَنَسَّخَ العِلْمُ عُبِدَتْ».