توحيد العبادة

فهرس الكتاب

ومما كان أهل الجاهلية يتشاءمون منه، العطاس

ومما كان أهل الجاهلية يتشاءمون منه، العطاس

كان أهل الجاهلية يتطيَّرون من العطاس، فإذا سمعوا عطسةً ردَّهم ذلك عما عزموا على فعله، وكانوا إذا أرادوا الخروج إلى الصيد بكَّروا في الخروج قبل أن يستيقظ الناس خوفاً من أن يعطس أحدهم فيمنعهم ذلك من الذهاب!. وكانوا إذا عطس من يحبونه قالوا له : «عُمْراً وشبَاباً»، وإذا عطس من يكرهونه، قالوا له: «وَرْياً وقُحَاباً». (والوري كالرمي، داء يصيب الكبد فيفسدها، والقحاب كالسعال وزنًا ومعنى). فكأنَّ الرجلَ إذا سمع عطاسًا فتشاءم به، يقول: بك لا بي، أي أسأل الله أن يجعل شؤم عطاسك بك لا بي. وكان تشاؤمهم بالعطسة الشديدة أشد.

ولما أشرقت شمس النبوة في سماء الجزيرة العربية، أبطل الله تعالى برسوله ص هذه الأوهام الجاهلية، فنهى ص أمته عن التشاؤم، والتطيُّر بالعطسة، وشرع لهم أن يجعلوا مكان الدعاء على العاطس بالمكروه، الدعاء له بالرحمة، كما أمر العائن أن يدعو بالتبريك للمعين، ولما كان الدعاء على العاطس نوعًا من الظلم والبغي، جعل الدعاء له بلفظ الرحمة المنافي للظلم، وأمر العاطس عمداً أن يدعو لسامعه، ويُشَمِّتَه بالمغفرة، والهداية وإصلاح البال[148]. والمراد من تشميت العاطس أن يقال له: «يرحمك الله». (قرأ بعضهم: «التسميت» بالسين المهملة، يعني: التكريم والاحترام)[149].

وخلاصة الأمر، فإن التشاؤم من العطس الذي شائع اليوم بين الناس، من أمور الجاهلية، وقد أبطله الإسلام.

قال النبيُّ الأكرم ص: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ، وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ. فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتُرَه مَا اسْتَطَاعَ، فَإِنَّهُ إِنْ فَتَحَ فَاهُ فَقَالَ: آه آه، ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ»[150]. وعلَّةُ ذلك، أن العطسة تبعث على النشاط، وأما التثاؤب فعلامةٌ على الكسل والفتور.

[148] روى الكُلَيْنِيّ في «الكافي» (2/654) بسنده عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) فَأَحْصَيْتُ فِي الْبَيْتِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلا فَعَطَسَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (ع) فَمَا تَكَلَّمَ أَحَدٌ مِنَ الْقَوْمِ. فَقَالَ أَبُوعَبْدِ اللَّهِ (ع): «أَلا تُسَمِّتُونَ أَلا تُسَمِّتُونَ؟! مِنْ حَقِّ الْمُؤْمِنِ عَلَى الْمُؤْمِنِ إِذَا مَرِضَ أَنْ يَعُودَهُ وَإِذَا مَاتَ أَنْ يَشْهَدَ جَنَازَتَهُ وَإِذَا عَطَسَ أَنْ يُسَمِّتَهُ أَوْ قَالَ يُشَمِّتَهُ وَإِذَا دَعَاهُ أَنْ يُجِيبَه‏». وروى الحرّ العاملي في «وسائل الشيعة» (58- بَابُ كَيْفِيَّةِ التَّسْمِيتِ وَالرَّد، 12/ 88) بسنده عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي خَلَفٍ قَالَ: كَانَ أَبُو جَعْفَرٍ ÷ إِذَا عَطَسَ فَقِيلَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ. قَالَ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَيَرْحَمُكُمْ، وَإِذَا عَطَسَ عِنْدَهُ إِنْسَانٌ قَالَ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَل‏». وبسنده عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (ع) قَالَ: «إِذَا عَطَسَ الرَّجُلُ فَلْيَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ لا شَرِيكَ لَهُ، وَإِذَا سَمَّيْتَ الرَّجُلَ فَلْيَقُلْ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، وَإِذَا رَدَّ فَلْيَقُلْ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ وَلَنَا». وفي مصادر أهل السنة ورد في الصحيحين: البخاري (1182) ومسلم (2066) بسندهما عن الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ س قال: «أَمَرَنَا النَّبِىُّ ص بِسَبْعٍ، وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ أَمَرَنَا بِاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ، وَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، وَإِجَابَةِ الدَّاعِى، وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ، وَإِبْرَارِ الْقَسَمِ، وَرَدِّ السَّلامِ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ.... الحديث». [المصحح] [149] انظر: كتاب مفتاح دار السعادة للإمام ابن قيم الجوزية، (2/262). [المُصحح] [150] روى النوري الطبرسي في «مستدرك الوسائل» [50- بَابُ اسْتِحْبَابِ الْعُطَاسِ وَكَرَاهِيَةِ الْعَطْسَةِ الْقَبِيحَةِ وَمَا زَادَ عَلَى الثَّلاث‏، ح (9746)، 8/ 384] الجملتين الأوليين منه فقط نقلاً عن كتاب «الجعفريات» ولفظه: «حَدَّثَنِي مُوسَى حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ (ع) قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحِبُّ الْعُطَاسَ وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُب». وهو بتمامه في مصادر أهل السنة بألفاظ قريبة جداً مما ذكره المؤلف. انظر: صحيح البخاري (5869) وسنن أبي داود (5030) وسنن الترمذي (2746)، وصحيح ابن خزيمة 2/62، كلهم بأسانيدهم عن أبي‌هريرةس. [المصحح]