تقديم القرابين والأضاحي في الإسلام
لقد أزال الإسلام عن البشر جميع تلك الأوهام والخرافات المتعلقة بالقرابين، وأقرّ الأضحية بالأنعام، ونهى بشدة عن تضحية البشر. فقد كان المصريون يقومون مرَّةً في كل عام بإغراق فتاة جميلة في نهر النيل ويسمونها عروس النيل، وبقي ذلك الأمر حتى زمن الفتح الإسلامي وحكم «عمرو بن العاص» لمصر حيث توقفت هذه العادة الفظيعة الشنيعة ببركة الإسلام.
لقد أقرّ الإسلام الأضحية بالحيوانات، وبيّن الحكمة من ذلك، على أنها ليست إرضاء للأصنام، ولا تغذية للأموات ولا تفدية للأحياء، بل هي هدية من الأغنياء للفقراء؛ فالمقصود من الأضاحي إطعام الجائعين والفقراء والبؤساء، كما يقول تعالى: ﴿وَٱلۡبُدۡنَ جَعَلۡنَٰهَا لَكُم مِّن شَعَٰٓئِرِ ٱللَّهِ لَكُمۡ فِيهَا خَيۡرٞۖ فَٱذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ عَلَيۡهَا صَوَآفَّۖ فَإِذَا وَجَبَتۡ جُنُوبُهَا فَكُلُواْ مِنۡهَا وَأَطۡعِمُواْ ٱلۡقَانِعَ وَٱلۡمُعۡتَرَّۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرۡنَٰهَا لَكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ ٣٦ لَن يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَآؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ ٱلتَّقۡوَىٰ مِنكُمۡۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمۡ لِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَىٰكُمۡۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُحۡسِنِينَ ٣٧﴾ [الحج: 36].
ينبغي أن يقول المضحِّي عند الذبح: «اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهِ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، اَللَّهُمَّ مِنْكَ وَإِلَیْكَ»[108].
﴿ٱلۡقَانِعَ﴾: هو الفقير الذي يقتنع بما يُعطى له، وأما ﴿ٱلۡمُعۡتَرَّ﴾، فهو الفقير المحتاج الذي يتعفف عن السؤال. وقال بعضهم: ﴿ٱلۡقَانِعَ﴾ فقير مكة، و﴿ٱلۡمُعۡتَرَّ﴾ الفقير الآفاقي (أي القادم من خارج مكة).
لقد صرَّحت الآية الكريمة أن الأضاحي ليست مقصودة لذاتها، كما أنها لا تفيد ذات الحق تعالى، فـــ﴿إِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ ٱلۡعَٰلَمِينَ﴾ [آلعمران: 97]، كما أنها ليست ركناً من أركان الدين، ولكنها اعْتبِرَتْ صدقة للتوسعة على الفقراء والمحتاجين.
وينبغي أن يكون الذبح والقرابين لله تعالى وحده، ولا يذُكر اسم غير الله عند الذبح والنحر، كما قال تعالى: ﴿قُلۡ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحۡيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ١٦٢﴾ [الأنعام: 162].
قال مجاهد وسعيد بن جبير وقتادة والضحاك في قوله: ﴿وَنُسُكِي﴾: النُسك: الذبح في الحج والعمرة[109].
وصرحت هذه الآية المباركة أن القرابين تقدم لله تعالى فقط، لا ينبغي أن يشاركهُ فيها أحد.
ويقول تعالى أيضاً: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنۡحَرۡ ٢﴾ [الكوثر: 2].
ويقول تعالى أيضا: ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَيۡتَةَ وَٱلدَّمَ وَلَحۡمَ ٱلۡخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ بِهِۦ لِغَيۡرِ ٱللَّهِ﴾ [البقرة: 173].
والمراد من قوله: ﴿وَمَآ أُهِلَّ بِهِۦ لِغَيۡرِ ٱللَّهِ﴾ هو ما كان يُذبح باسم الأصنام والآلهة دون الله، فيقول أحدهم عند الذبح: أيها الصنم، أقدم لك هذه الشاة متقرِّباً بك إلى الله.
قال أمير المؤمنين علي ÷: حدّثني رسول الله ص بأربع كلمات: «لَعَنَ اللهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَیرِ الله، لَعَنَ اللهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَیهِ، لَعَنَ اللهُ مَنْ آوَى مُحْدِثًا، لَعَنَ الله مَنْ غَیَّرَ مَنَارَ الأرْضِ»[110]. وروى أبو عبيد في كتاب الأموال والبيهقي عن الزهري عن خاتم النبيين ص أنه: «نَهَى عَنْ ذَبَائِحِ الْجِنِّ، وَقَالَ: وَذَبَائِحُ الْجِنِّ أَنْ یشْتَرِي الرَّجُلُ الدَّارَ أَوْ یسْتَخْرِجَ الْعَینَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَیذْبَحَ لَهَا ذَبِیحَةً لِلطِّیَرَةِ، وَكَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ لَنْ يَضُرَّ أَهْلَهَا الْجِنُّ، فَأَبْطَلَ ص ذَلِكَ وَنَهَى عَنْهُ»[111].
فاتضح من هذه الآيات المباركة والأحاديث النبوية أن تقديم القرابين لغير الله شرك، وأن لحمها حرام.
يقول الفقهاء رضوان الله عليهم: كل ذبيحة ذُكر عليها اسم غير الله فلحمها حرام، ولو ضُمَّ اسم الله عزوجل إلى ذلك الاسم عند الذبح، بل إن هذا العمل شرك[112].
ومن هذا القبيل، ما يُذبح اليوم باسم صالح من ذرية الأئمة أو باسم أبي الفضل (ع) أو أئمة الهدى (ع). فيقول الشخص العامي: يا ابن الإمام، ذبحت هذه الشاة في سبيلك، أو يقول: يا أبا الفضل! أذبح باسمك هذا الخروف، كي تشفي لي مريضي.
يا ربّ! لقد ساد الشرك باسم التوحيد، وصار أكثر الناس يرتكبون أعمالاً شركيةً باسم الإسلام، واختلط الحابل بالنابل، [فاهدنا وإياهم إلى سواء الصراط].
حقّاً إنها مشكلة غريبة! ولا شكّ أن إثم ذلك يقع على عاتق الدجّالين الذين يبرّرون أفعال العوام الشركية بألف تبرير حتى يرتزقوا من وراء ذلك. وفي الواقع، أن هؤلاء هم المُقَلِّدون للعوام وليس العوام مُقلِّدين لهم، فحيثما ذهب العوام فهم يسيرون كالأنعام وراءهم. ولما كان أولئك الدجالون الذين يبيعون دينهم بعرض زائل من الدنيا يتحدثون بما يوافق أهواء ورغبات العوام الجهلة، فإن العوام الجهلة الذين لا يملكون القدرة على تشخيص الصواب من الخطأ والحق من الباطل يظنون أن أولئك الشيوخ مطاعون في الدين، فيطيعونهم طاعة تامة؛ فيدخل التابع والمتبوع كلاهما في النار! ﴿يَوۡمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمۡ فِي ٱلنَّارِ يَقُولُونَ يَٰلَيۡتَنَآ أَطَعۡنَا ٱللَّهَ وَأَطَعۡنَا ٱلرَّسُولَا۠ ٦٦ وَقَالُواْ رَبَّنَآ إِنَّآ أَطَعۡنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَآءَنَا فَأَضَلُّونَا ٱلسَّبِيلَا۠ ٦٧ رَبَّنَآ ءَاتِهِمۡ ضِعۡفَيۡنِ مِنَ ٱلۡعَذَابِ وَٱلۡعَنۡهُمۡ لَعۡنٗا كَبِيرٗا ٦٨﴾ [الأحزاب: 67].
ولو كانوا مؤمنين بالله والرسول حقاً، ويخافون يوم القيامة لردعتهم هذه الآية وحدها! ولكن مع الأسف ﴿إِنَّهُمۡ عَنِ ٱلسَّمۡعِ لَمَعۡزُولُونَ ٢١٢﴾ [الشعراء: 212].
[108] المراد من جملة «منك وإليك» أن هذه الأضحية عطاء من عندك ونحن نتقرب بهذا القربان إليك. (شريعت) [109] انظر: تفسير جامع البيان في تأويل آي القرآن (تفسير الطبري)، ج12، ص 284. [المصحح] [110] لم أجده في أيٍ من مصادر الحديث الإمامية، أما في مصادر أهل السنة، فقد أخرجه مسلم في صحيحه بتقديم وتأخير: 35-كتاب الأضاحي/8-باب تحريم الذبح لغير الله تعالى، رقم (1978). [المصحح]. [111] السنن الكبرى للبيهقي، ج9، ص527، ذكره أبو عُبيد القاسم بن سلاّم بن عبد الله الهروي البغدادي (المتوفى: 224هـ) في كتابه غريب الحديث، ج2، ص221، ولم أجده في كتابه الأموال. وكما ذكره الحرالعاملي، في وسائل الشيعة، ح (15386)، ج 11 / ص 507. [المصحح]. [112] انظر الانتصار للشريف المرتضى403.