عبادة الأموات
لم يمض زمن على تلك العقائد المذكورة حتى ترتبت عليها تكاليف وواجبات أخرى، فلما كان الأموات في نظرهم يحتاجون باستمرار إلى الأكل والشرب، اعتبر الأحياء أن تأمين حاجة الأموات من واجباتهم، ومن هنا ظهرت عبادة الأموات.
لقد كان الأموات من جملة المقدسات، وكان القدماء يصفون الأموات بأحسن الصفات وأعلاها، فكانوا يعتبرون الأموات صالحين ومطهرين وسعداء وكانوا يقدمون لهم كل صنوف التعظيم التي يقدمها البشر لربهم المحبوب القدير. ولم تكن تلك طقوس التبجيل والتعظيم مختصة بالشخصيات الكبيرة بل كانت تشمل جميع الأموات دون فرق.
كان اليونانيون يعتبرون الأموات آلهة تحت الأرض، وكانت معابدهم هي قبور الموتى. وكانت هذه الطريقة رائجة في الهند أيضاً كما كانت رائجةً لدى الرومان واليونانيين، حيث كان الهنود يصنعون لأمواتهم طعاماً يطلقون عليه اسم «سرادها»، وكان على كل صاحب بيت أن يصنع هذا الطعام من الأرز والحليب وجذور الأشجار والفاكهة كي تعطف الأرواح عليه. وكانت الشعوب الأفريقية البدائية مثلها مثل الشعوب القديمة في الهند واليونان، يعتقدون أن أمواتهم آلهة سعيدة ومبتهجة، ولكن سعادتها منوطة بعدم تقصير الأحياء في أعمال البر والخير، وكانوا يعتقدون أنهم إذا لم يعدوا للأموات طعام الـ«سرادها»، خرجت أرواحهم من مراقدها وتاهت وصارت سبباً لإيذاء الأحياء، وبالتالي فإله الأرواح كان مسالماً طالما كان الأحياء يؤدون طقوس الدين الرائجة تجاهها.
يبدو أن ديانة عبادة الأموات كانت أقدم أديان البشرية.
كانت معابد الناس في البداية مقتصرة على القبور التي كانوا يؤدون لها أنواع العبادات، مثل النذور وذبح وتقديم القرابين وأمثال ذلك، ويطلبون بذلك من صاحب القبر قضاءَ حوائجهم وتفريج كُرَبِهِم.