نقاط يجب ذكرها في قضية مناظرة إبراهيم÷
أولاً: قول إبراهيم ÷: ﴿بَلۡ فَعَلَهُۥ كَبِيرُهُمۡ هَٰذَا فَسَۡٔلُوهُمۡ إِن كَانُواْ يَنطِقُونَ ٦٣﴾ [الأنبياء: 63]، ظاهر هذا الكلام كَذِب، لأن تكسير الأصنام لم يكن من فعل الصنم الكبير، ولا يليق بمقام إبراهيم÷ الذي قال الله تعالى عنه: ﴿وَٱذۡكُرۡ فِي ٱلۡكِتَٰبِ إِبۡرَٰهِيمَۚ إِنَّهُۥ كَانَ صِدِّيقٗا نَّبِيًّا ٤١﴾ [مريم: 41].
والجواب: أن إبراهيم÷ كان قد قال: ﴿وَتَٱللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصۡنَٰمَكُم بَعۡدَ أَن تُوَلُّواْ مُدۡبِرِينَ ٥٧﴾ [الأنبياء: 57]، وبعد هذا التهديد لم يكن هناك مجال للإنكار. كما قال القوم: ﴿قَالُواْ مَن فَعَلَ هَٰذَا بَِٔالِهَتِنَآ إِنَّهُۥ لَمِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ ٥٩ قَالُواْ سَمِعۡنَا فَتٗى يَذۡكُرُهُمۡ يُقَالُ لَهُۥٓ إِبۡرَٰهِيمُ ٦٠ قَالُواْ فَأۡتُواْ بِهِۦ عَلَىٰٓ أَعۡيُنِ ٱلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ يَشۡهَدُونَ ٦١﴾ [الأنبياء: 59-61]. أي: لعل الناس يشهدون أنه كان يذم الأصنام. فلما أحضروا إبراهيم للاعتراف بذلك، سألوه بصيغة الاستفهام التقريري: ﴿قَالُوٓاْ ءَأَنتَ فَعَلۡتَ هَٰذَا بَِٔالِهَتِنَا يَٰٓإِبۡرَٰهِيمُ ٦٢﴾ [الأنبياء: 62]. فرد عليهم إتماماً للحجة وتنبيهاً لهم: ﴿بَلۡ فَعَلَهُۥ كَبِيرُهُمۡ هَٰذَا فَسَۡٔلُوهُمۡ إِن كَانُواْ يَنطِقُونَ ٦٣﴾ [الأنبياء: 63]. فألقى مسؤولية تحطيم الأصنام الصغيرة على عاتق الصنم الكبير بشرط نُطْقِهَا، ولقد أثَّر هذا الكلام في نفوس القوم كما قال تعالى: ﴿فَرَجَعُوٓاْ إِلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ فَقَالُوٓاْ إِنَّكُمۡ أَنتُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ ٦٤﴾ [الأنبياء: 66].
الأمر الثاني: أن إبراهيم ÷ قال في المواضع الثلاثة: ﴿هَٰذَا رَبِّي﴾، إذا كان قد قال هذا عن حقيقة واعتقاد، لزم من ذلك أن يكون معتقداً بمذهب الصابئة، وإن كان لا يزال في مرحلة البحث والاجتهاد، ولم يصل بعد إلى مقام التوحيد واليقين؛ وعندئذ كيف يمكن أن يكون رسولاً هادياً لقومه، وإن كان قالها لا عن اعتقادٍ حقيقيٍّ بمضمونها فإن هذا يوهم الكذب.
والتحقيق أن يقال إنه قال ذلك من باب المماشاة مع قومه والتظاهر بالدخول في دينهم، واستدل بعد ذلك بأفول الكواكب كي يكون أقرب إلى الإنصاف معهم، كما قال تعالى:
ونجيب عن هذا الإشكال: إن كلام إبراهيم ÷ كان على سبيل الاستفهام الإنكاري، حيث أنكر كون النجوم ربًّا حقيقياً. والتحقيق في ذلك أن يقال: إنه قال ذلك من باب المماشاة مع قومه والتظاهر بالدخول في دينهم، واستدل بعد ذلك بأفول الكواكب حتى يكون أقرب للاستجابة، كما قال الله تعالى: ﴿وَتِلۡكَ حُجَّتُنَآ ءَاتَيۡنَٰهَآ إِبۡرَٰهِيمَ عَلَىٰ قَوۡمِهِۦ﴾ [الأنعام: 83]. "والدليل إنما هو للسائر في الطريق، الذي أما الواصلون فليس لهم سوى العين والسـراج، فلو أن رجلاً من الواصلين ذكر أحد الأدلة، إن الأب يصطنع أصوات الطفولة لوليده الجديد، فمن اللازم للشيخ في وقت النصح هو -في كل لحظة- عرضة للضلال في البيداء وقد استراحوا من (هم) الدليل والطريق فإنه يفعل ذلك ليفهم أصحاب الجدال مع أن عقله قد يبدع هندسة الدنيا! أن يعتبر جميع الخلق مثل أطفاله"[128] ممَّا تقدَّم من المقدِّمات تبيَّن أن القول بتأثير الكواكب في سعد ونحس الأيام مأخوذٌ من ديانة الصابئة، ولذلك لما كان خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم خاتم الحنفاء فإنه نهى بشدة عن هذه العقيدة واعتبر أن الإيمان بالتنجيم حرام وشرك بالله تعالى. يتضح من تلك المقدمات، أن الاعتقاد بتأثير الكواكب في سعد الأيام ونحسها مأخوذٌ من ديانة الصابئة، ولذلك لما كان خاتم النبيين ص خاتم الحنفاء فإنه نهى بشدة عن هذه العقيدة واعتبر أن الإيمان بالتنجيم حرام وشرك بالله تعالى. روى [الْـمُحَقِّقُ الحلي] فِي «الْـمُعْتَبَرِ» عن النبي الأكرمص قال: «مَنْ صَدَّقَ كَاهِناً أَوْ مُنَجِّماً فَقَد كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ»[129].
وروى نضر بن قابوس عن الإمام الصادق ÷: «الْـمُنَجِّمُ مَلْعُونٌ وَالْكَاهِنُ مَلْعُونٌ وَالسَّاحِرُ مَلْعُونٌ...»[130].
وفي نهج البلاغة: «ومن كلام له ÷ قاله لبعض أصحابه لما عزم على المسير إلى الخوارج، وقد قال له: إن سرت يا أمير المؤمنين، في هذا الوقت، خشيت ألا تظفر بمرادك، من طريق علم النجوم، فقال ÷: أَتَزْعُمُ أَنَّكَ تَهْدِي إِلَى السَّاعَةِ الَّتِيْ مَنْ سَارَ فِيهَا صُرِفَ عَنْهُ السُّوءُ وَتُخَوِّفُ مِنَ السَّاعَةِ الَّتِي مَنْ سَارَ فِيهَا حَاقَ بِهِ الضُّرُّ، فَمَنْ صَدَّقَكَ بِهَذَا فَقَدْ كَذَّبَ الْقُرْآنَ وَاسْتَغْنَى عَنِ الاسْتِعَانَةِ بِاللَّهِ فِي نَيْلِ الْمَحْبُوبِ وَدَفْعِ الْمَكْرُوهِ، وَتَبْتَغِي فِي قَوْلِكَ لِلْعَامِلِ بِأَمْرِكَ أَنْ يُولِيَكَ الْحَمْدَ دُونَ رَبِّهِ لأنَّكَ بِزَعْمِكَ أَنْتَ هَدَيْتَهُ إِلَى السَّاعَةِ الَّتِي نَالَ فِيهَا النَّفْعَ وَأَمِنَ الضُّرَّ.
ثم أقبل عليه السلام على الناس فقال: أَيُّهَا النَّاسُ إِيَّاكُمْ وَتَعَلُّمَ النُّجُومِ إِلاَّ مَا يُهْتَدَى بِهِ فِي بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ فَإِنَّهَا تَدْعُو إِلَى الْكَهَانَةِ وَالْمُنَجِّمُ كَالْكَاهِنِ وَالْكَاهِنُ كَالسَّاحِرِ وَالسَّاحِرُ كَالْكَافِرِ وَالْكَافِرُ فِي النَّارِ، سِيرُوا عَلَى اسْمِ اللَّهِ»[131].
وقريب من هذا الحديث ما وقع بعينه بين الإمام علي ÷ وبين منجم آخر نهى عن المسير، فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْـمُؤْمِنِينَ عليه السلام: «أَتَدْرِي مَا فِي بَطْنِ هَذِهِ الدَّابَّةِ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى؟ قَالَ: إِنْ حَسَبْتُ عَلِمْتُ! قَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ÷: مَنْ صَدَّقَكَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَقَدْ كَذَّبَ بِالْقُرْآنِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُۥ عِلۡمُ ٱلسَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ ٱلۡغَيۡثَ وَيَعۡلَمُ مَا فِي ٱلۡأَرۡحَامِۖ وَمَا تَدۡرِي نَفۡسٞ مَّاذَا تَكۡسِبُ غَدٗاۖ وَمَا تَدۡرِي نَفۡسُۢ بِأَيِّ أَرۡضٖ تَمُوتُۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرُۢ ٣٤﴾ [لقمان: 34]. مَا كَانَ مُحَمَّدٌ ص يَدَّعِي مَا ادَّعَيْتَ، أَتَزْعُمُ أَنَّكَ تَهْدِي إِلَى السَّاعَةِ الَّتِي مَنْ سَارَ فِيهَا صُرِفَ عَنْهُ السُّوءُ وَالسَّاعَةِ الَّتِي مَنْ سَارَ فِيهَا حَاقَ بِهِ الضُّرُّ؟؟ مَنْ صَدَّقَكَ بِهَذَا اسْتَغْنَى بِقَوْلِكَ عَنِ الاسْتِعَانَةِ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ وَكَانَ أَحْوَجَ إِلَى الرَّغْبَةِ إِلَيْكَ فِي دَفْعِ الْمَكْرُوهِ عَنْهُ...»[132].
وكما رُوِيَ عَنْ عَبْدِ الْـمَلِكِ بْنِ أَعْيَنَ قَالَ: قُلْتُ لأبِي عَبْدِ اللَّـهِ ÷: «إِنِّي قَدِ ابْتُلِيتُ بِهَذَا الْعِلْمِ فَأُرِيدُ الْحَاجَةَ، فَإِذَا نَظَرْتُ إِلَى الطَّالِعِ وَرَأَيْتُ الطَّالِعَ الشَّرَّ جَلَسْتُ وَلَمْ أَذْهَبْ فِيهَا وَإِذَا رَأَيْتُ الطَّالِعَ الْخَيْرَ ذَهَبْتُ فِي الْحَاجَةِ. فَقَالَ لِي: تَقْضِي؟ قُلْتُ: نَعَمْ! قَالَ: أَحْرِقْ كُتُبَك»[133].
هذه الأحاديث الصحيحة تُبيِّن أن الاعتقاد بالتنجيم شرك وكفر؛ ولما كان هذا الموضوع في غاية الدقة، وابتلى الناس بهذا الشرك، وهذه العقيدة هي سبب للشقاء واليأس والخوف من غير الله والرجاء بغير الحق سبحانه، كان لا بد من أن نفصَّل الكلام عن هذا الشرك كي يتضح الموضوع أكثر.
النجوم على أقسام: الطبيعيات، الحسابيات، والوهميات.
التأثيرات الطبيعية للنجوم: وهي عبارة عن التأثير الطبيعي للشمس والكواكب على وجه الأرض وعلى مواليد هذا العالَم، وهذا أمر لا يمكن إنكاره أبداً، فكما هو مشاهد أن للشمس تأثيراً في إنبات النبات وحياة الحيوان وفي المدن وطبيعة أهاليها؛ فإذا كان تعرضها على ناحية قليلاً كان مزاج أهلها ضعيفاً ولون بشرتهم أسود أو أصفر مثل أهل النوبة والحبشة؛ وإذا كان تعرضها على الناحية كثيراً كان لون بشرة أهالي تلك النواحي أبيضَ وشعرهم أشقرَ كأهالي تركستان. فتأثير الشمس والقمر والنجوم الطبيعي أمر محقق، وهذا لا علاقة له أبداً ببحثنا، والاعتقاد به ليس شركاً.
الحساب الفلكي (الحسابيات): والتأثيرات الحسابية للنجوم هي قيام المنجم بحسابات فلكية لتحديد وقت الكسوف والخسوف، وفي غالب الأحيان يكون تحديده صحيحاً، والاعتقاد والإيمان بهذه الحسابات لا يوجب شركاً.
التأثيرات الوهمية للنجوم (الوهميات): هو الاعتقاد بالتأثير الوهمي للنجوم، مثل قول المنجم: بحسب النجوم الفلانية أن عمر الشخص الفلاني كذا، أو أن ثروته ستزداد أو سيفقر، أو سيصبح وزيراً، أو أن الجنين الذي في بطن هذه المرأة سيكون سعيداً أو شقياً، أو يصير عالماً أو جاهلاً، أو أن اليوم كذا جيد للقاء الملك، أو الساعة الفلانية مباركةٌ بالنسبة للزواج، أو أن اليوم الفلاني مناسبٌ لتناول الدواء أو للسفر أو للخضاب أو للاستحمام أو لوضع الكرسي وتغيير المنزل، أو أمثال هذه الأوهام، أو يحدد بحكم النجوم يوم السفر أو يوم البناء؛ فكل هذا مما نُهي عنه وحُرِّم في شرع خاتم النبيين ص، واعتُبِر شركاً. وهذا النوع الأخير من التأثيرات الوهمية للنجوم، هو المراد لما ذُكر في الأخبار الصحيحة.
والعقل أيضاً يؤيد هذا المعنى بشكل كامل، لأنه من الممتنع أن يستطيع البشر أن يطلع على أحوال جميع النجوم وتأثيراتها، لأن النجوم لا حد لها والعلم بغير المحدود ممتنع. ورغم وجود المراصد الفلكية القوية اليوم، يقول علماء الفلك إن فوق مجرتنا المشاهدة هذه، هناك مجرات عديدة لا يمكن رؤيتها بشكل جيد بأدواتنا البصريّة الحاليّة. فعجباً، كيف يمكن للبشر رغم عدم اطلاعهم على أحوال جميع النجوم، أن يحكموا بشأن مستقبل العالم والأفراد الموجودين فيه من خلال رؤيتهم ورصدهم لبضعة نجوم؟ مَا هَذَا إلاَّ ضَلالٌ مُبِينٌ.
ومن جهة ثانية، يشتمل علم التنجيم على أصول يضحك منها العقل. فالبداهة العقلية تحكم أنه لا يوجد في السماء حمل وثور وحيّة وعقرب ودب وكلب وتنين. والقدماء لما قسّموا الفلك إلى اثني عشر قسماً، وأرادوا وضع علامة معيَّنة لكل قسم، شبهوها بحيوانات مع أن التشبيه بعيدٌ جداً، ولكن علماء النجوم فرَّعوا عن هذه الأسماء والعلامات الوهمية تفريعات، وقالوا: إن الصور السفلية مطيعة للصور العلوية، فالعقارب تابعة لصورة العقرب الفلكي والأفاعي مطيعة لصورة التنين الفلكي والأسد تابع للأسد الفلكي الموهوم. فالذي يعرف كيف وُضعت هذه الأسماء يضحك من هذه الأحكام ويتبيّن له كذب كذب المنجِّمين.
إضافة إلى ذلك، ليس لهذا العلم منهج خاص بل هو مبني على التقليد المحض، وهذا التقليد أيضاً غير متّسق: فلكل طائفة مقالة تختلف عن مقالة الطوائف الأخرى، فللبابليين مذهب خاص بهم وللفرس مذهب آخر، وللهنود أحكام للنجوم من نوع ثالث، وتوجد مذاهب عديدة أخرى غيرها أيضاً.
ولو رجعنا إلى التاريخ، لرأينا أن المنجِّمين قد تنبؤوا في حوادث، ثم انكشف كذبهم سريعاً:
- في سنة 37 هجرية، تحرك أمير المؤمنين ÷ لمحاربة أهل الشام، فتنبأ جميع المنجمين أن علياً سيُقتل في هذه الحرب، وسيتعرض لهزيمة كبيرة. فاتضح كذبهم حيث انتصر جيش علي÷ على أهل الشام، ولم ينجُ أهل الشام إلا بحيلة عمرو بن العاص، عندما حملوا القرآن على أسنَّة الحراب.
- وكذلك عندما أراد عليٌّ ÷ الخروج لحرب الخوارج قال له المنجمون: إذا انطلقت يا أميرالمؤمنين في هذا الوقت ستُهزَم لأن القمر الآن في برج العقرب. فقال الإمام: سأنطلق متوكلاً على الله، وانطلق فكان نصيبه الفتح والنصر الكامل.
- وفي سنة 67 هجرية، قال المنجمون لعبيد الله بن زياد إذا حاربت المختار انتصرت عليه، فانطلق عبيد الله بن زياد بثمانين ألف رجل، وتقدم إبراهيم بن مالك أيضاً بألف محارب من طرف المختار، والتقى الجيشان في أرض «نُصَيْبين»، وقُتل من أصحاب عُبَيد الله ثلاثة وسبعون ألف شخص، ولم يتجاوز من قُتِل من جند إبراهيم بن مالك مائة شخص، وَقَـتَلَ «ابنُ مالك» «عبيدَ الله» في تلك المعركة.
- وفي سنة 146 هجرية، عندما انتهى بناء بغداد اتفق المنجمون على أن طالع هذا البناء يحكم أنه لن يموت في هذه المدينة أي خليفة، وشاعت هذه العقيدة إلى درجة أن الشعراء هنؤوا بها «المنصور» -باني بغداد- وباركوا له. ولما مات «المنصور» في طريق مكة و«المهدي» في «ماسبدان»[134] والهادي في «عيساباذ» والرشيد في «طوس»، تأكدت تلك العقيدة وزاد نفوذها شيئاً فشيئاً، ولكن عندما قُتل «الأمين» في بغداد على يد «طاهر بن الحسين» تبين بطلان ذلك الأصل وظهر كَذِب النجوم، ومات بعد ذلك جماعة من الخلفاء في بغداد مثل الواثق والمتوكل والمعتضد والمكتفي والناصر.
وهناك الكثير من مثل هذه الدلائل والشواهد على كذب المنجمين.
فإن قيل: إن أهل التنجيم استدلوا على صحة عملهم بالآية الكريمة: ﴿إِنَّآ أَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ رِيحٗا صَرۡصَرٗا فِي يَوۡمِ نَحۡسٖ مُّسۡتَمِرّٖ ١٩﴾ [القمر: 19]، والآية الشريفة: ﴿فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ رِيحٗا صَرۡصَرٗا فِيٓ أَيَّامٖ نَّحِسَاتٖ﴾ [فصلت: 16]. فقالوا: في هاتين الآيتين إشارة إلى يوم نحس، فيُعلم أن في الأيام سعد ونحس.
قلنا في الجواب:
أولاً: ﴿يَوۡمِ نَحۡسٖ﴾ يعني: يوم شديد البرد، كما صرح بذلك الراغب الأصفهاني في مفرداته، حيث قال: ﴿أَيَّامٖ نَّحِسَاتٖ﴾ يعني: شديداتِ البَرْد[135].
ثانياً: الزمان معلول للحركة، وهو موجود، أُخِذَ في ذاته التصرُّم والانقضاء، وبعبارة أوضح: الزمان موجود سيّال غير باق، وقد افتُرِض وجود قطع من الزمن في هذا الموجود غير الباقي مثل الدقيقة والساعة والنهار والليل والأسبوع والشهر والسنة والقرن والدهر، وكل قطعة من الزمن لن توجد بعد ذهابها ولن تعود بعد انقضائها:
ما فاتَ مضى وما سيأتيك فَأَيْن قُمْ فاغْتنم الفرصةَ بين العَدَمَين[136]
وما لم تنعدم القطعة الأولى من الزمان لن توجد القطعة الثانية، مثلا ما لم ينعدم يوم السبت لن يوجد يوم الأحد، ففي ذات الزمان الذي هو حقيقة سيالة لا يتصوّر فيه النحس والسعد بأن نقول هذه القطعة نحس وهذه القطعة سعد أو مباركة أو غير مباركة. ولكن أجزاء الزمان تصبح سعداً ونحساً بسبب الحوادث التي تقع فيها، فمثلاً أن شهر رمضان أصبح مباركاً وسعداً بسبب نزول القرآن فيه.
والحاصل، أن الموجودات والحوادث تكون أحياناً سعداً وأحياناً نحساً، والموجودات الزمانية تقع في أفق الزمان، ولهذا السبب ينسبون سعدها ونحسها إلى الزمان، مع أن الزمان ذاته ليس علة للسعد أو النحس [أو للخير أو الشر]، ولا يمكن أن يُقال: إن اليوم الفلاني نحس أو اليوم الفلاني سعد، أو أن الأيام لها تأثير في الحوادث. [فمن قال به،] فمَا هَذَا [القول] إلاَّ ضَلالٌ مُبِينٌ.
ومعنى الآية الكريمة: ﴿إِنَّآ أَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ رِيحٗا صَرۡصَرٗا فِي يَوۡمِ نَحۡسٖ مُّسۡتَمِرّٖ ١٩﴾ [القمر: 19] أي إنا أرسلنا عليهم العذاب في يوم نحس؛ وهذا النحس أمر ملازم دائم لمكذِّبي الرسل، فكلمة مستمر صفة للنحس لا لليوم. ومن يظن أن النحس صفة لليوم، وأن ذلك اليوم يوم الأربعاء من آخر شهر صفر، وأنه نحس دائماً، فقد أخطأ في فهم القرآن.
فسعد الأيام ونحسها سببه سعادة الأعمال ونحسها، فأعمال السعيدة هي موافقة الرسل، والأعمال المنحوسة هي مخالفة الرسل، فاليوم الذي يصدر فيه عن الإنسان عمل صالح فذلك يومُ سعدٍ، وإذا صدرت فيه عنه أعمال رذيلة فهو يوم نحسٍ، كما أن يوم بدر كان سعداً للمؤمنين ونحساً للمشركين. فأي يوم يصدر فيه عن الإنسان عمل صالح فهو سعد ولو كان يوم الثالث عشر أو يوم الأربعاء الأخير من شهر صفر. وكما أن أي يوم صدر فيه عن الإنسان عمل سيِّئ فذاك يوم نحس، حتى لو كان يوم عيد النيروز. أَعَاذَنَا اللهُ مِنْ شُرُوْرِ أَنْفُسِنَا.
[128] این دلیل راه، رهرو را بود کو بهر دم در بیابان گم شود واصلانرا نیست جز چشم و چراغ ج از دلیل و راهشان باشد فراغ گر دلیلی گفت آن مرد وصال گفت بهر فهم اصحاب جدال بهر طفلی نو، پدر تی تی کند گرچه فهمش هندسه گیتی کند پس همه خلقان چو طفلان ویند لازمست این پیر را در وقت پند أبيات من كتاب المثنوي لجلال الدين الرومي. [المصحح] [129] المعتبر في شرح المختصر للمحق الحلي 2/688، وسائل الشيعة للحر العاملي، بَابُ عَدَمِ جَوَازِ تَعَلُّمِ النُّجُومِ وَالْعَمَلِ بِه، 17/144، ح (22205) رواه عن صاحب المعتبر. وفي مصادر أهل السنة: مسند أحمد 2/429، البيهقي في السنن الكبرى، 8/135. [المصحح] [130] وسائل الشيعة، 17/ 143، ح (22201)، ومنهاج الفقهاهة لمحمد صادق الروحاني 1/315. [المصحح] [131] نهج البلاغة، الخطبة رقم 79، ص202 (ط: مؤسسة المعارف). [المصحح] [132] «الأمالي»، للشيخ الصدوق، الرواية رقم 16، ص 415. ونقله الحرّ في «الوسائل»، 11/371-372، ح (15044). [المصحح] [133] «من لا يحضره الفقيه»، الشيخ الصدوق، 2/ 267، ح (2402)؛ وسائل الشيعة، 11/370. [المصحح] [134] قرية قريبة هيت من توابع الكوفة. [135] المفردات في غريب القرآن، للراغب الأصفهاني، ص794، (ط. دار القلم، الدار الشامية - دمشق بيروت 1412هـ). [المصحح] [136] انظر: نهج السعادة للشيخ سعدي 3/17. وقد نسب المظاهري هذا البيت إلى علي بن أبي طالب س. (انظر: الفضائل والرذائل 71). [المترجم]