وساطة الوزراء لدى المَلِكِ لا تخرج عن ثلاثة أقسام:
الأول: لما كان المَلِكُ غير مطلع على جزئيات أحوال الرعية، فإن الوزراء يخبرونه عن هذه الجزئيات، فإذا اطلع الملك على ذلك، قام بإصلاح حال الرعية وتلبية حاجاتهم.
فإذا تصورت للأنبياء وساطة من هذا النوع فقد جَعَلْتَ الله تعالى -نعوذ بالله- جاهلاً بأحوال العباد. ولا ريب أن هذه العقيدة تخالف أصول التوحيد، وهي كفر صريح.
الثاني: أن المَلِكُ لا يستطيع أن يباشر أمور الرعية بنفسه مباشرةً، وكما لا يستطيع دفع العدو بنفسه، لذا فهو بحاجة إلى وسائط وأعوان ليساعدوه في إدارة شؤون المُلْك.
فلا ريب أن مَنْ جَعَلَ الأنبياء واسطة على هذا النحو، فقد وقع في كفر وشرك محض، لأن الله تعالى غنيٌّ عن المعين والظهير: ﴿وَمَا لَهُمۡ فِيهِمَا مِن شِرۡكٖ وَمَا لَهُۥ مِنۡهُم مِّن ظَهِيرٖ ٢٢﴾ [سبأ: 22]، ويقول الله تعالى: ﴿وَقُلِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي لَمۡ يَتَّخِذۡ وَلَدٗا وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ شَرِيكٞ فِي ٱلۡمُلۡكِ وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ وَلِيّٞ مِّنَ ٱلذُّلِّۖ وَكَبِّرۡهُ تَكۡبِيرَۢا ١١١﴾ [الإسراء: 111].
كل ما يُشاهد من الأسباب في عالم الوجود، فإن الله تعالى خالقه وربّه ومالكه، فالحق تعالى غنيٌّ صمدٌ وما سواه فقير إليه، بخلاف الملوك، فإنهم محتاجون إلى الخَدَم والجنود والحشم ،وإذا دقَّقت في الأمر، رأيت أن الجنود والخَدَم والوزراء شركاء للسلاطين في ملكهم وحكمهم، وأما الحق تعالى، فهو كما قال: ﴿لَهُ ٱلۡمُلۡكُ وَلَهُ ٱلۡحَمۡدُۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ ١﴾ [التغابن: 1]
الثالث: أن يُتصور أن الملك لا يُحسن إلى الرعية ولا يرحمهم إلا بمحرك خارجي لينصحه ويعظه، فينشأ لدى الملك بفضل هذا الوعظ، الخوف من الظلم والرغبة بالإحسان، فيقوم بالاعتناء الخاص بالمشفوع له، والإحسان إليه.
إن بطلان تصور وساطة الأنبياء على هذا النحو أوضح من أن يحتاج إلى برهان، ولا شك أن مثل هذا الاعتقاد في الله كفرٌ وشركٌ صريح، لأن الحق تعالى رب الموجودات وأرحم بعباده من الأم بطفلها، وكل شيء تابع لمشيئته الإلهية: ما شَاءَ اللهُ كان وما لم يشأ لم يكن، فكيف يمكن أن يكون رب العالمين غير مشفق ورحيم بعباده ويحتاج إلى واعظ يعظه وناصح ينصحه.
﴿سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّٗا كَبِيرٗا ٤٣﴾ [الإسراء: 43].
اللهم إلا أن تطلب وتَلتمس الدعاء لك من الرسل والأئمة، وتقول عند مقام الرسل والأئمة: أيها النبي، أو أيها الإمام، أسألك أن تدعو لي اللهَ، وتسأله أن يشفي لي مريضي أو يغنيني من فضله أو يوفقني في دراستي، أو غير ذلك، فهذا النحو من السؤال لن يكون شركاً بل هو طريق مستقيم وصحيح. ولما كان الأنبياء والأئمة مستجابي الدعوة ودعواتهم مقبولة عند الله، فلا شك أن الله تعالى سيلبِّي حاجتك[163].
أسأل الله تعالى أن يوفِّق الأمة المرحومة للتوحيد، وأن يستجيب دعاء النبيِّ والأئمّة في حق الجميع.
فحاصل ما ذُكر، أن مَنْ جعل الأنبياء والأولياء وسائط بين الله وخلقه مثل الوسائط بين الملك ورعيته، كان مشركاً وخارجاً عن دين الإسلام الحنيف.
وقد ذم الله تبارك وتعالى النصارى لممارستهم هذا النحو من الشرك فقال: ﴿ٱتَّخَذُوٓاْ أَحۡبَارَهُمۡ وَرُهۡبَٰنَهُمۡ أَرۡبَابٗا مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَٱلۡمَسِيحَ ٱبۡنَ مَرۡيَمَ وَمَآ أُمِرُوٓاْ إِلَّا لِيَعۡبُدُوٓاْ إِلَٰهٗا وَٰحِدٗاۖ لَّآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۚ سُبۡحَٰنَهُۥ عَمَّا يُشۡرِكُونَ ٣١﴾ [التوبة: 31].
وقال تعالى أيضاً: ﴿أَمَّن يُجِيبُ ٱلۡمُضۡطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكۡشِفُ ٱلسُّوٓءَ﴾ [النمل: 62].
وقال سبحانه: ﴿يَسَۡٔلُهُۥ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ كُلَّ يَوۡمٍ هُوَ فِي شَأۡنٖ ٢٩﴾ [الرحمن: 29].
ولقد وضع القرآن الكريم تاج التوحيد على رؤوس المسلمين واقتلع الشرك والوثنية من جذورهما كي لا يخاف العباد إلا من رب العباد، ولا يتوكلوا إلا عليه.
قال تعالى: ﴿فَلَا تَخۡشَوُاْ ٱلنَّاسَ وَٱخۡشَوۡنِ وَلَا تَشۡتَرُواْ بَِٔايَٰتِي ثَمَنٗا قَلِيلٗا﴾ [المائدة: 44].
وقال سبحانه: ﴿إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ يُخَوِّفُ أَوۡلِيَآءَهُۥ فَلَا تَخَافُوهُمۡ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ ١٧٥﴾ [آل عمران: 175].
وقال تعالى أيضاً: ﴿إِنَّمَا يَعۡمُرُ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَى ٱلزَّكَوٰةَ وَلَمۡ يَخۡشَ إِلَّا ٱللَّهَ﴾ [التوبة: 18].
ويقول سبحانه أيضاً: ﴿وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَيَخۡشَ ٱللَّهَ وَيَتَّقۡهِ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَآئِزُونَ ٥٢﴾ [النور: 52].
وأيضاً يقول تعالى: ﴿وَلَوۡ أَنَّهُمۡ رَضُواْ مَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَقَالُواْ حَسۡبُنَا ٱللَّهُ سَيُؤۡتِينَا ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦ وَرَسُولُهُۥٓ﴾ [التوبة: 59]
وقالى أيضاً: ﴿ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدۡ جَمَعُواْ لَكُمۡ فَٱخۡشَوۡهُمۡ فَزَادَهُمۡ إِيمَٰنٗا وَقَالُواْ حَسۡبُنَا ٱللَّهُ وَنِعۡمَ ٱلۡوَكِيلُ ١٧٣﴾ [آل عمران: 168].
***
فإن قلتَ: يجوز التوسل بالأنبياء والأولياء في غير أمور الهداية بل في الأمور التكوينية، مثل الرزق والحياة والشفاء وغيرها، واستدللت بالآية المباركة ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱبۡتَغُوٓاْ إِلَيۡهِ ٱلۡوَسِيلَةَ وَجَٰهِدُواْ فِي سَبِيلِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ ٣٥﴾ [المائدة: 35]، وقُلْتَ: إننا عندما نجعل الأنبياء والأولياء وسيلة لحاجاتنا، فإننا نطيع أمر الله، لأن الله أمرنا في هذه الآية المباركة باتخاذ الوسيلة إليه، فالاستغاثة بالأنبياء والأولياء والصالحين والتوسل بهم أي جعلهم واسطة بين الخلق والحق في الأمور التكوينية مشروع وصحيح.
نقول في الجواب على ذلك: إن المراد من ابتغاء الوسيلة إلى الله، التوسل إليه بالعلم والعمل الصالح لأن حقيقة التقرّب إلى الله الزلفى إنما تكون بتحلي العقيدة الصحيحة والأعمال الصالحة، فيجب إذن التوسل إلى الله بالعلم والعمل. وأما ذوات الرسل، -كما ذكرنا- فما هم إلا واسطة في الهداية، وأن طاعتهم وسيلة للقرب من الله تعالى، فكل من أطاع الأنبياء وعلم وعمل عملاً صالحاً كان قريباً من الله، وكلما زاد علماً وعملاً بالشريعة زاد قرباً إلى الله، فكما أن قرب المتعلم من المعلم، هو أن تتجلى فيه كمالات المعلم، وكلما كان التلميذ أكثر فضلاً وعلماً واستفاد من الأستاذ أكثر اقترب منه أكثر. [أي كلما أخذ الطالب من علم معلمه وتخلق بأخلاقه كان أقرب إلى قلب معلمه. فالحاصل، أن الوسيلة هنا معناها الطاعة والعمل الصالح].
وفيما يلي بعض الشواهد أن «الوسيلة» هي الطاعة والعمل الصالح:
أولاً: لقد نصَّ المفسرون واللغويون على أن الوسيلة بمعنى ما يُتوسَّل به من الطاعات والعلم، وهذا ما صرح به الراغب الأصفهاني في كتاب المفردات.
ثانياً: نص الكتاب الكريم، حيث قال تعالى: ﴿قُلِ ٱدۡعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمۡتُم مِّن دُونِهِۦ فَلَا يَمۡلِكُونَ كَشۡفَ ٱلضُّرِّ عَنكُمۡ وَلَا تَحۡوِيلًا ٥٦ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ يَبۡتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلۡوَسِيلَةَ أَيُّهُمۡ أَقۡرَبُ وَيَرۡجُونَ رَحۡمَتَهُۥ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُۥٓۚ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحۡذُورٗا ٥٧﴾ [الإسراء: 56-57].
لقد ابتُلِيتْ قريش بالقحط والغلاء، فأنزل الله تعالى هذه الآية على رسوله ص، ليقول لهم: ادعوا هؤلاء الذين زعمتم أنهم آلهة وأنهم يقضون حاجاتكم!.. [ليرفعوا عنكم القحط والغلاء، فإنكم إن فعلتم ذلك]، فإنهم غير قادرين على إزالته عنكم، كما لا يستطيعون أن يغيِّروا حالكم، وإن هذه الآلهة التي تعبدونها (أي عيسى ومريم وعزير والملائكة والجن) هم أنفسهم يبتغون وسيلةً يتقرّبون بها إلى الله أيهم يكون أقرب إليه، ويأملون رحمته ويخافون من عذابه. أي أن هؤلاء الذين تدعونهم بحجة أنهم من المقربين إلى الله كالمسيح والملائكة والجن هم أنفسهم يتوسلون إلى الحق سبحانه ويرجون عطاءه.
إذن فهؤلاء المدعوُّون هم كسائر العباد يعيشون بين الخوف والرجاء، فلا ينبغي أن يُطلب منهم كشف الضر وقضاء الحاجات. فالحاصل، أنه لا يمكن أن يكون المراد من الوسيلة -في الآية الكريمة- الأنبياء والأولياء، لأن الله تعالى سلب عنهم في هذه الآية الأخيرة هذه الصفة (بالاستدلال الذي مَرَّ).
كان من دعاء سيد الساجدين الإمام زين العابدين سلام الله عليه في دَفْع كَيْدِ الأعْدَاءِ وَرَدِّ بَأْسِهِمْ – كما في الصحيفة السجادية-: «وَوَسِيلَتِي إِلَيْكَ التَّوْحِيدُ، وَذَرِيعَتِيْ أَنِّي لَمْ أُشْرِكْ بِكَ شَيْئاً، وَلَمْ أَتَّخِذْ مَعَكَ إِلَهاً...»[164].
فاتضح من الآية الكريمة ودعاء الصحيفة السجادية وتحقيق المفسرين، أن الوسيلة ليس معناها ذات النبي أو الولي، وأنه لا يجوز أن يجعل الإنسان شخصاً بذاته وسيلةً، بل الوسيلة إلى الله منحصرة في العلم والعمل الصالح وطاعة الرسول ص، وأن العقيدة الصحيحة والأعمال الصالحة هي التي تقرب العبد إلى ربه سبحانه.
إن من مصائب المسلمين وشقاوتهم، جهلهم بأسس دينهم؛ لقد كان في عصر النبي ص وفي عصر كل واحد من الأئمة الهداة -سلام الله عليهم أجمعين- جماعة من الكذابين والزنادقة يَكْذبون عليهم وينسبون إلى النبي ص وإلى الأولياء صفات الله تعالى، ويدَّعون النبوة، وكان أولئك الأجلاء الكرام يتبرؤون من أولئك الكذابين ويلعنونهم.
الغلاة في الأصل تسع فرق، كلهم يقولون ببطلان الشرائع. ففرقة منهم تقول: إن الله تعالى يظهر في صورة بعض الخلق وينتقل من صورة إلى صورة، ويزعمون أن معرفة مثل هذا الشخص (الذي يتجلى الله بصورته) يوجب سقوط التكليف! وفرقة أخرى تقول: إن الأئمة خالقون ورازقون ومحيون ومميتون، وأن المراد من الصلاة والصوم والزكاة أشخاص صالحون، والمقصود من الخمر والميسر والزنا رجال طالحون، وكل من عرفهم سقط عنه التكليف.
[163] إن طلب الدعاء من الأنبياء والصالحين يجب أن يكون في حياتهم لا بعد موتهم وفي مغيبهم؛ ومَنْ دَعى نبيًّا من الأنبياء أو صالحاً من الصالحين بأن يقول: يا نبي الله، يا رسول الله، يا إمام، يا ولي الله... ادع الله لي، سل الله لي، استغفر الله لي، سل الله لي أن يغفر لي أو يهديني أو ينصرني أو يعافيني وغير ذلك... فإن عمله هذا بدعة محرمة ومخالف لشرع الله، وذريعة إلى الشرك، لعدة أدلة، منها: 1- أنه دين لم يشرعه الله، ولا ابتعث به رسولاً، ولا أنزل به كتاباً، ولا فعله أحد من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولا أمر به إمام من أئمة المسلمين. 2- أن الدعاء عبادة، ولا يُعبد الله تعالى إلا بما شرعه في كتابه أو على لسان رسوله ص، لم يرد ذلك لا في الكتاب ولا في السنة. 3- وكان الصحابة والتابعون والصالحون من بعدهم يُبتلون بأنواع البلاء بعد موت النبي ص، فتارة بالجدب، وتارة بنقص الرزق، وتارة بالخوف وقوة العدو، وتارة بالذنوب والمعاصي، ولم يكن أحد منهم يأتي إلى قبر النبي ص ولا قبر الخليل ولا قبر أحد من الأنبياء والصالحين، فيقول: نشكو إليك جدب الزمان، أو قوة العدو، أو كثرة الذنوب، ولا يقول: سل الله لنا أو لأمتك أن يرزقهم، أو ينصرهم، أو يغفر لهم. 4- أن هذا الفعل وسيلة وذريعة إلى الشرك، وهو دعاء الميت مباشرة وطلب الحاجات منه التي لا يقدر عليها إلا الله، وأصل الشرك في البشرية لم تنشأ إلا عن ذلك، فإنهم فقد أسقطوا الله في هذا الدعاء ودعوا الأموات مباشرة. ثم إن القلوب تتعلق بهم دون الله، فإذا تعلقتْ القلوب بدعائهم وشفاعتهم أفضى ذلك إلى الشرك أيضاً، ويقصد الداعي دائماً أماكن قبورهم أو تماثيلهم أو غير ذلك، كما قد وقع فيه المشركون ومن ضاهاهم من أهل الكتاب ومبتدعة المسلمين، فإن عبادتهم لهم لم تنشأ إلا عن اتخاذهم وسائل أو وسائط في الدعاء بأن يدعو لهم عند الله تعالى. 5- أن الميت قد انقطع عمله، كما فقال ص: «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ». [صحيح مسلم، 3/1255، ح(1631)]، فتبيّن من الحديث أن الميت هو المحتاج لمن يدعو الله له ويستغفر له، وليس الحي هو الذي بحاجة إلى دعاء الميت، وإذا كان الحديث يقرر انقطاع عمل ابن آدم بعد موته، فكيف نعتقد أن الميت حي في قبره حياة تمكنه من الدعاء لغيره. 6- أن هذا النوع من الدعاء يتعارض مع الآيات القرآنية التي تذكر أن الأموات لا يسمعون، كقوله تعالى: ﴿إِنَّكَ لَا تُسۡمِعُ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَلَا تُسۡمِعُ ٱلصُّمَّ ٱلدُّعَآءَ إِذَا وَلَّوۡاْ مُدۡبِرِينَ﴾. [النمل: 80]. وقوله تعالى: ﴿وَمَآ أَنتَ بِمُسۡمِعٖ مَّن فِي ٱلۡقُبُورِ﴾. [فاطر: ٢٢]. 7- وعقلياً، وإذا دعا الناس النبيَّ أو إماماً من الأئمَّة الميت أو الغائب أن يدعو اللهَ لهم، هل بإمكانهم أن يستمعوا إليهم جميعاً؟ وهل هم حاضرون في كل مكان؟ ألا تختلط عليهم الأصوات؟ هل هم يتمتعون بصفات الله أو هم شركاء له في كونهم مثله، لا يشغلهم شأن عن شأن ولا صوت عن صوت؟ ثم هل الرسول أو الأئمة مُجبرون على سماع كل من ناداهم وتلبية ندائه على الفور وأن يتوسطوا لكل أحد؟ لهذا وذاك، فإن دعاء الصالحين الأموات من البدع المحدثة التي لم يشرعه الله، ولا ابتعث به رسولاً، ولا أنزل به كتاباً، ولا فعله أحد من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولا أمر به إمام من أئمة المسلمين، بل هو ذريعة إلى الشرك، وما الشرك الموجود في البشرية إلا مصدره ومنشأه من هذا النوع من الدعاء. [المُصحح] [164] الصحيفة السجادية، ص 288.