لاحظوا كيف راج الغلو بين المسلمين!...
والذي دفع العوام والجُهَّال إلى ذلك الغلوّ، تلك الصفات الرفيعة والخصال العالية والعلم الوافر التي كان النبي ص والأئمة الطاهرون يتمتعون بها.
ومن بشاعة الغلاة، أنهم غالوا في حق ذراري الأئمة أيضاً، بل إن بعض أراذل الخلق قالوا بمثل ذلك الغلو في حق مرشديهم الجهلة من رأسهم إلى أخمص أقدامهم! فنسبوا إليهم صفات الربوبية والخالقية وقضاء الحوائج وتفريج الكُرَب؛ ووصل الجهل والشرك بهؤلاء الأراذل إلى قولهم بوجوب تصوُّر صورة المرشد عند ذكر الله وعبادته! وقالوا: يجب أن يكون المخاطب بجملة ﴿إِيَّاكَ نَعۡبُدُ﴾ المرشد! بل وصل الأمر بهم إلى السجود للمرشد وعبادته. نعوذ بالله من الضلال ومن حماقة الأراذل والجهَّال.
وتتميماً للكلام وَتبصرةً للأنام ننقل فيما يلي عدداً من الأحاديث التي رواها الكشي [في رجاله]، وهو من أبرز علماء الإمامية:
عن أبي حمزة الثماليّ، قال: قال علي بن الحسين سلام الله عليه: «لَعَنَ اللهُ مَنْ كَذَبَ عَلَيْنَا، إِنِّيْ ذَكَرْتُ عَبْدَ اللهِ بْنِ سَبَأ، فَقَامَتْ كُلُّ شَعْرَةٍ فِيْ جَسَدِيْ، لَقَدْ ادَّعَى أَمْراً عَظِيْماً [مَا لَهُ لَعَنَهُ اللهُ؟]، كَانَ عَلِيٌّ÷ وَاللهِ عَبْداً للهِ صَالِحاً، أَخُو رَسولِ اللهِ، مَا نَالَ الْكَرَامَةَ مِنَ اللهِ إِلاَّ بِطَاعَتِهِ للهِ وَرَسُولِهِ، وَمَا نَالَ رَسُولُ اللهِ ص الْكَرَامَةَ مِنَ اللهِ إلاَّ بِطَاعَتِهِ»[165].
عن هشام بن الحكم أنه سمع أبا عبد الله ÷ يقول: «كَانَ الْمُغِيْرُةُ بْنِ سعيدٍ يَتَعَمَّدُ الكَذِبَ عَلى أبي، وَيأْخذُ كتبَ أَصْحابِه، وَكان أصحابُه المستترونَ بِأَصحابِ أبي يَأْخُذونَ الكتبَ مِن أصحابِ أبي فَيَدْفَعُونَها إلى المُغيرة، فَكان يدُسُّ فيها الكفرَ والزندقةَ، [ويَسنِدُها إلى أبي] ثم يَدْفعُها إلى أصحابِه، فَيَأْمُرُهم أن يَبَثُّوهَا في الشيعةِ، فَكُلَّمَا كان في كُتُبِ أصحابِ أبي من الغُلُوِّ فذاكَ مما دَسَّهُ المغيرةُ بن سعيد في كُتبِهِم»[166].
عن عبد الرحمن بن كثير، قال: قال أبو عبد الله ÷ يوماً لأصحابه: «لعنَ اللهُ المغيرةَ بن سعيدٍ ولعن يهوديةً كان يختلف إليها، يتعلم منها السحرَ والشعبذةَ والمخاريقَ، إنَّ المغيرةَ كذبَ على أبي÷ فَسَلَبَهُ اللهُ الإيمانَ، وإن قوماً كذبوا عليَّ [ما لهم؟ أذاقهم اللهُ حرَّ الحديد]، فو الله ما نحن إلاَّ عبيدُ الذي خَلَقَنا واصْطفانَا ما نقدر على ضر ولا نفع، إن رَحِمَنَا فَبِرَحْمَتِهِ وإنْ عَذَّبَنَا فبذنوبنا، والله ما لنا على اللهِ من حُجَّةٍ، ولا معنا من الله براءة، وإنَّا لَمَيِّتون ومقبورون ومنشرون ومبعوثون وموقوفون ومسئولون، وَيْلَهُم مَا لَهُم لعنهم اللهُ فلقد آذَوا اللهَ وآذَوا رسولَه في قبرِه وأميرَ المؤمنين وفاطمةَ والحسنَ والحسينَ وعليَّ بن الحسين ومحمدَ بن علي... إلى آخر الحديث»[167].
عن ابن المغيرة قال: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي الْحَسَنِ [أي الإمام موسى الكاظم عليه السلام] أَنَا وَيَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحُسَيْنِ، فَقَالَ يَحْيَى: جُعِلْتُ فِدَاكَ! إِنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّكَ تَعْلَمُ الْغَيْبَ؟! فَقَالَ: «سُبْحَانَ اللَّهِ! ضَعْ يَدَكَ عَلَى رَأْسِي فَوَ اللَّهِ مَا بَقِيَتْ فِي جَسَدِي شَعْرَةٌ وَلا فِي رَأْسِي إِلا قَامَتْ. قَالَ: ثُمَّ قَالَ: لا، وَاللَّهِ مَا هِيَ إِلا رِوَايَةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ص»[168].
عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ: قُلْتُ لأبِي عَبْدِ اللَّهِ ÷: إِنَّهُمْ يَقُولُونَ [قَالَ: وَمَا يَقُولُونَ؟ قُلْتُ: يَقُولُونَ] يَعْلَمُ قَطْرَ الْمَطَرِ وَعَدَدَ النُّجُومِ وَوَرَقَ الشَّجَرِ وَوَزْنَ مَا فِي الْبَحْرِ وَعَدَدَ التُّرَابِ؟ فَرَفَعَ يَدَهُ إِلَى السَّمَاءِ! فَقَالَ: «سُبْحَانَ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ! لا وَاللَّهِ مَا يَعْلَمُ هَذَا إِلا اللَّه!»[169].
[165] رجال الكشي، (ص 108) (من الطبعة القديمة)، وبحار الأنوار25/287. [المصحح] [166] رجال الكشي، (ص 196) (من الطبعة القديمة) أو في (ص 225) (من طبعة مشهد الحديثة، نشر مؤسسة النشر في جامعة مشهد/إيران، 1348 هـ)، وبحار الأنوار 25/250. [المصحح] [167]رجال الكشي، ص 196، (من الطبعة القديمة)، أو في ص 225 – 226، (من طبعة مشهد الحديثة)، واختيار معرفة الرجال للطوسي 2/419. [المصحح] [168] رجال الكشي، ص 298، وبحار الأنوار، 25/ 293. [المصحح] [169] رجال الكشي، ص 299، وبحار الأنوار، 25/ 294، واختيار معرفة الرجال للطوسي 2/588. [المصحح]