من أنواع الشرك الأصغر: الرياء
يقول الله تعالى: ﴿فَوَيۡلٞ لِّلۡمُصَلِّينَ ٤ ٱلَّذِينَ هُمۡ عَن صَلَاتِهِمۡ سَاهُونَ ٥ ٱلَّذِينَ هُمۡ يُرَآءُونَ ٦﴾ [الماعون: 4-6].
ويقول تعالى في ذمّ المرائين: ﴿يُرَآءُونَ ٱلنَّاسَ وَلَا يَذۡكُرُونَ ٱللَّهَ إِلَّا قَلِيلٗا ١٤٢﴾ [النساء: 142].
ويقول الرسول الأكرم ص: «إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ الشِّرْكُ الأصْغَرُ. قَالُوا: وَمَا الشِّرْكُ الأصْغَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الرِّيَاءُ. يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا جُزِيَ النَّاسُ بِأَعْمَالِهِمْ: اذْهَبُوا إِلَى الَّذِينَ كُنْتُمْ تُرَاءُونَ فِي الدُّنْيَا فَانْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ عِنْدَهُمْ جَزَاءً؟!»[170].
كإظهار الضعف والإعياء ليفهم الناس أنه قليل الطعام قليل النوم في الليل، أو أن يمشي المرائي مشية المتماوت الفاقد للحال ويلبس الألبسة المتسخة وأمثال ذلك من الأعمال ليجعل الناس البسطاء والجهلاء يستدلون من ذلك على زهده وإعراضه عن الدنيا.
الرياء: مشتق من الرؤية، والمراد من الرياء: طلب المنزلة والجاه في قلوب الناس، بِإِيرَائِهِمْ خِصَالَ الخير، مثل العبادات والشمائل الحسنة، أو التظاهر بالآثار التي تدل على الصفات الحميدة، أي أن ما يقوم به المرائي ليس عمل خير، بل يمكن أن يُستدَلّ به على عمل خيِّرٍّ، كإظهار الضعف والتذلل والإعياء من أجل أن يفهم الناس أنه قليل الطعام وقليل النوم في الليل، أو أن يمشي المرائي مشية المتماوت الفاقد للحال، أو يلبس لباساً متسخاً، وأمثال ذلك من الأعمال التي تدل على الزهد والإعراض عن الدنيا عند العوم الجهلة.
والرياء في العبادة من كبائر الذنوب وصاحبه مغضوبٌ عليه من الله ومحرومٌ من الوصول إلى السعادة، إضافةً إلى أن رياءه يبطل عبادته سواء كان الرياء في أصل العبادة أم في صفاتها اللازمة، ولا فرق في بطلان عبادة المرائي بين أن يكون قصده منها الرياء المحض دون أي نية للتقرُّب إلى الله أو أن يكون الرياء ممتزجاً بنيَّة القربة بل حتى لو كان قصد القربة أرجح وشابه شيءٌ قليلٌ من الرياء كان ذلك كافياً في إفساد العبادة وعدم سقوط التكليف عن صاحبها بل يكون حاله أسوء من حال من ترك العبادة.
والرياء في العبادة من كبائر الذنوب، وصاحبها ممقوت عند الله، ومحروم من الوصول إلى السعادة، إضافة إلى ذلك، أنه يحبط العبادة ويبطلها سواء كان الرياء في أصل العبادة أم في صفاتها اللازمة، ولا فرق في بطلان عبادة المرائي بين أن يكون قصده منها الرياء المحض مجرد عن قصد القربة والثواب، أو أن يكون الرياء ممتزجاً بنيَّة القربة بل حتى لو كان قصد القربة أرجح وشابه شيءٌ قليلٌ من الرياء كان ذلك كافياً في إفساد العبادة وعدم خروج صاحبه عن عهدة التكليف، بل يكون أسوأ حالاً ممن ترك العبادة رأساً. تلك الصلاة التي تطيلها أمام أنظار الناس إذا اتَّجهت إلى طريق غير الله، هي مفتاحٌ لباب جهنم! فاطرح سجَّادتك (سجَّادة الصلاة) في النار![171] كما أنه لا فرق في فساد العبادة التي تُؤدَّى رياءً أن يكون الرياء في ابتداء العبادة أو يعرض أثناءها. دموع الزهاد التي تنهمر رياءً في المسجد كالطفل الذي يولد من الفاحشة في مسجد[172] هناك رياء جائز، وذلك في المعاصي، بمعنى أن يستر العاصي ذنوبه عن الناس ويكره أن يطلعوا عليها، فهذا النوع من الرياء جائز، لأن إظهار المعاصي قبيح وحرام. وأما ما قيل من أن مقتضى الإخلاص أن يكون باطن الإنسان وسريرته على نحو إذا ظهر للعيان لم يكن فيه أي قبح، وهو معنى ما قاله بعض الأكابر: «عليك بعمل العلانية»، أي اعمل عملاً إذا ظهر لم تستح منه، فلا شك أنَّه مرتبة عالية من الفضيلة ومقام رفيع لا يصل إليها إلا المعصومون، وقليل من المصطفين المقربين من رب العالمين. وأما سائر الناس، فلا يخلون من ظاهر الإثم وباطنه، لا سيما ما يختلج ببالهم من الأفكار الباطلة والوساوس الشيطانية، والأماني الكاذبة، والله مطلع عليها، إذْ لا تخفى عليه منها خافية، وهي مخفية عن الناس، فالسعي في إخفائها واجبٌ وإظهارها حرامٌ.
وقد رُوي عن الرسول الكريم ص أنه قال: «مَنْ ارْتَكَبَ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَات، فَلْيَسْتُرْهُ بِسِتْرِ اللَّهِ تَعَالَى»[173].
اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ خِزْيِ الدُّنْيَا وَعَذَابِ الآخِرَةِ، وَأَعُوذُ بِوَجْهِكَ الْكَرِيمِ وَسُلْطانِكَ الْعَظِيمِ وَعِزَّتِكَ الَّتِي لا تُرَامُ وَقُدْرَتِكَ الَّتِي لا يَمْتَنِعُ مِنْهَا شَيْءٌ مِنْ شَرِّ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَشَرِّ الأوْجَاعِ كُلِّهَا[174]. وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيْمِ.
[170] بحار الأنوار، 69/266، وص303 و304، و«مستدرك الوسائل»، النوري الطبرسي، 1/ 106، نقلا عن الشَّهِيدُ الثَّانِي فِي مُنْيَةِ الْـمُرِيدِ، كلهم عن النبيّ ص بدون سند. وأصله من مصادر الحديث السُّنِّيَّة كما في مسند أحمد (5/428). [المصحح] [171] ترجمة بيت شعر للشاعر سعدي الشيرازي في كتابه «بوستان». [المصحح] کلید در دوزخ اسـت آن نماز که در چشم مردم گذاری دراز اگر جز به حق میرود جادهات در آتـش فشـانند سـجادهات [172] اشک ریای زاهدان ریخت به خانهی خدا قحبه به مسجد آورد طفل حرامزاده را [173] ذكره الشيخ محمد مهدي النراقي في جامع السعادات (2/296) ولم ينسبه إلى مصدر حديثي معين، وهو في موطأ الإمام مالك (2/8258) بلفظ: «مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا. فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ». [المصحح] [174] ذكر المجلسي في بحار الأنوار (83 / 44) متن الدعاء نقلاً عن مصباح المتهجّد للشيخ الطوسي، وليس فيه جملة: «وَسُلْطانِكَ الْعَظِيمِ». [المصحح]