توحيد العبادة

فهرس الكتاب

من أنواع الشرك: التبرك بالشجر والحجر ونحوهما

من أنواع الشرك: التبرك بالشجر والحجر ونحوهما

قال الله تعالى: ﴿أَفَرَءَيۡتُمُ ٱللَّٰتَ وَٱلۡعُزَّىٰ ١٩ وَمَنَوٰةَ ٱلثَّالِثَةَ ٱلۡأُخۡرَىٰٓ ٢٠ [النجم: 19- 20]. (وكلمة ﴿ٱلۡأُخۡرَىٰٓ هنا صفة ذمٍّ، أي مناة المتأخرة والسافلة).

(اللاَّت)[94]: -كما يقول ابن كثير- كانت صخرة بيضاء منقوشة، وعليها بيت بالطائف له أستار وسدنة، أمر رسول الله ص المغيرة بن شعبة فحطم الصنم وأحرق معبدها [وجعل مكانه مسجد الطائف][95].

(العزى): وكانت شجرة عليها بناء وأستار بمنطقة نخلة، وهي بين مكة والطائف، [كانت قريش يعظمونها]، فبعث رسول الله ص خالد بن الوليد، قاقتلع تلك الشجرة وأحرقها. وقال البعض: كانت العزى على ثلاث سمُرات [أي نخلات][96].

(مناة): كانت صنماً بين مكة والمدينة، فبعث رسول الله ص عام الفتح علياً(ع) فحطّمها وهدم معبدها[97].

يقول أبو واقد الليثي: «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ الله ص إِلَى حُنَيْنٍ وَنَحْنُ حُدَثَاءُ عَهْدٍ بِكُفْرٍ، ولِلْمُشْرِكِينَ سِدْرَةٌ يَعْكُفُونَ عِنْدَهَا، ويَنُوطُونَ بِهَا أَسْلِحَتَهُمْ يُقَالُ لَهَا: ذَاتُ أَنْوَاطٍ[98]، قَالَ: فَمَرَرْنَا بِسِدْرَةٍ[99]، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ الله! اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّـهِ ص: اللهُ أَكْبَرُ، إِنَّهَا السُّنَنُ، قُلْتُمْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ كَمَـا قَالَتْ بنو إِسْرَائِيلَ: ﴿ٱجۡعَل لَّنَآ إِلَٰهٗا كَمَا لَهُمۡ ءَالِهَةٞۚ قَالَ إِنَّكُمۡ قَوۡمٞ تَجۡهَلُونَ ١٣٨[الأعراف: 138]، لَتَرْكَبُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ»[100].

نبّه الرسول الكريم ص أمَّته في هذا الحديث إلى أنهم سيتَّبعون سَنَن من كان قبلهم؛ ولو دققنا النظر فسنرى بوضوح تبعية المسلمين لسنن من كان قبلهم، بحيث أصبح في كل مدينة أو قرية أو حيّ، حجرة أو شجرة أو بيت للسقاية أو مئات من أمثالها، يطلب منها الناس حوائجهم.

فهل يمكننا أن نطلق وصف الإسلام والتوحيد على أناس يعتقدون بمثل هذه الأوهام ويطلبون منها حوائجهم؟ أليس هؤلاء مشركين؟

والعجيب أنهم يقولون إن الشجرة أو الحجرة أو بيت السقاية أو موضع القدم أو قِدْر «سمنو» (نوع طعام) وغيرها التي نطلب منها حوائجنا ليست إلا بسبب أن الصالح من «ذرية الإمام» نظر إليها. وهذا لعمري عذر أقبح من ذنب، فهم بكلامهم الجاهل هذا يريدون أن يلبّسوا شركاً بشركٍ آخر!! فهل هذا الصالح من «ذرية الإمام» قاضي الحاجات حتى تصبح شجرة بسبب نظره شجرةً قاضيةً للحاجات؟!

ولقد رأيت بنفسي شجرة تسمى بـ«ملا جغندر» التي كانت خلف مدرسة سيد ناصر الدين، وقد اجتمعت حولها النساء، وكان هناك رجل يقرأ مرثية، وكانت النساء يطلبن حوائجهن من تلك الشجرة، وقد عُلِّق عليها من الخرق والأقمشة ما لا يعدّ ولا يحصى، وجُعلت لها عيوناً من فضة، ولكثرة ما وُضع عليها من شموع مشتعلة قد تحوّلت هذه الشجرة إلى خشبةٍ جافَّةٍ محترقةٍ متعفِّنةٍ. والأعجب من ذلك، أن هذا الصنم كان خلف مدرسة دينية يدرس فيها حوالى مائة طالب للعلوم الشرعية، فلم يكن أحد منهم يتجرأ على نهي ذلك المنكر. ونحمد الله تعالى أن حوادث الزمن أدت إلى شق طريق في موضع تلك الشجرة مما أدى إلى إزالتها، ولكن للأسف الشديد تمت إزالة تلك المدرسة الجميلة معها أيضاً.

وكذلك كانت هناك «شجرة دُلب» في القصر الملكي، يُقال لها: «شجرة دُلب عباس علي»، وكان سكان هذه المنطقة يتوجهون إليها ويتبركون بها، فنحمد الله، أنها اقتُلِعَت من جذورها.

وقد بلّغ خاتم الأنبياء ص الرسالةَ، وأبعد المسلمين عن مظاهر الشرك، إلى حد أن «عمر» مع تعصبه الشديد في الجاهلية لعبادة الأصنام إلا أنه لما تشرف في خلافته بزيارة الكعبة، لما وصل إلى الحجر الأسود، خاطبه قائلاً: «أيها الحجر، لست إلا جماداً، ولولا أني رأيت رسول‌اللهص يستلمك ويحترمك لما اهتممت بك أبداً»[101]. فانظر الاختلاف الكبير بين ذلك الزمن وهذا الزمن!

جدير بالذكر، أنه لا ينبغي أن يُعبد الحجر الأسود، بل يُستحب استلامه فقط. وقد وُضع هذا الحجر، لتحديد نقطة بدء الطواف، أو أنه حجر لتعيين عدد الطواف. وبعبارة أوضح، فإن الحاج يبدأ الطواف بمحاذاة الحجر الأسود، لأن الطائفين ينبغي لهم أن يتحركوا باتجاه واحد، فلو ابتدؤوا الطواف من جهات مختلفة [وتحرك كل منهم في جهة مخالفة للآخر] لاصطدموا ببعضهم، وسيصعب الطواف في هذه الحالة، ولهذا شُرع لهم أن ينووا بمحاذاة الحجر، ويبدؤوا الطواف من عنده.

هذه هي تربية الرسول ص، ولكن مع الأسف الشديد! بعد فترة يسيرة من رحيله، وقع كثير من الأمة في الشرك، وانغمسوا فيه إلى حدّ أن بعض العادات الشركية لديهم صارت من ضروريات الدين، ومسلّمات شريعة سيد المرسلين ص.

انظروا كيف رجعوا إلى الجاهلية من جديد! كم اختلقوا من رؤيا كاذبة! وكم علّقوا من خِرَق على الأشجار! وكم اخترعوا من مواضع للأقدام! وكم أشعلوا من شموع على بيوت السقاية ونحوها حتى في وسط النهار!.

لِكَثرة ما ألصقوا به من أمور وأشياء فإنك لو جئت ورأيته لم تعْرِفْه[102].

[94] قال ابن عباس: «هو رجل كان يلت السويق للحجاج فمات فعكفوا على قبره». وقال هشام بن الكلبي: «اللات ليست صنما على هيئة إنسان أو حيوان بل صخرة مربعة ذات لون أبيض... بَنتْ ثقيفٌ عليها بيتاً وله كسوة وحَجَبَة ويضاهون به الكعبة». (كتاب الأصنام ص16) [المترجم] ويوضح سبب تقديسهم لهذه الصخرة الرواية التي نقلت عن ابن عباس: «أن اللات (رجل) لما مات قال لهم عمرو بن لحي: إنه لم يمت ولكنه دخل صخرة فعبدوها وبنوا عليها بيتاً». (فتح الباري8/478). [المترجم] [95] انظر: تفسير ابن كثير 6/453. [المترجم] [96] اختلف المتقدمون في وصف هذه الصنم، فبعضهم قال: هو صنم منحوت على شكل امرأة، وقال آخرون: ثلاث شجرات من سمر. وقال آخرون: هي شيطانه. (انظر: معجم الأوثان والأصنام عند العرب 66-67). [المترجم] [97] قال ابن جرير: سميت بذلك لأن دم الذبائح يمنى عندها. (انظر: جامع البيان27/35). [المترجم] [98]ذات أنواط: قَالَ ابن الأثير فِي النِّهَايَةِ: «هِيَ اِسْمُ شَجَرَةٍ بِعَيْنِهَا كَانَتْ لِلْمُشْرِكِينَ يَنُوطُونَ بِهَا سِلاحَهُمْ أَيْ يُعَلِّقُونَهُ بِهَا وَيَعْكُفُونَ حَوْلَهَا فَسَأَلُوهُ أَنْ يَجْعَلَ لَهُمْ مِثْلَهَا فَنَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ». [المُصحح] [99] سدرة: قال ابن الأثير في النِّهَايَةِ: «السِدْر: شجرُ النبِق». [المصحح] [100] نقله الشيخ الطوسي في تفسيره «التبيان»، ج1/ص400، والشيخ الطبرسي في تفسيره «مجمع البيان»، ج3/ص351، كلاهما لدى تفسيرهما لقوله تعالى: ﴿أَمۡ تُرِيدُونَ أَن تَسۡ‍َٔلُواْ رَسُولَكُمۡ كَمَا سُئِلَ مُوسَىٰ مِن قَبۡلُۗ وَمَن يَتَبَدَّلِ ٱلۡكُفۡرَ بِٱلۡإِيمَٰنِ فَقَدۡ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ ١٠٨ [البقرة: ١٠٨]. أما في مصادر أهل السنة، فقد أخرجه - بهذا اللفظ - الطبراني في المعجم الكبير، ح (3291)، ج3/ص 244. وبلفظ قريب جداً: أحمد في مسنده (5/218)، وقال شعيب الأرنؤوط: (إسناده صحيح على شرط الشيخين). وهو في سنن النسائي الكبرى (11185) ومسند الطيالسي (1346) وَصحيح ابن حبان (6702). وأخرجه الترمذي في سننه (2180) بلفظ فيه اختلاف يسير وذكر أن الخروج كان إلى خيبر، وقَالَ بعده: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ... وَفِى الْبَابِ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ وَأَبِى هُرَيْرَةَ». [المُصحح] [101] الخبر مرويٌ في مصادر أهل السنة؛ إذ رواه الشيخان: البخاري (1520) ومسلم (1270) في صحيحيهما وغيرهما عن عُمَر بن الخطاب س أنه جاء إلى الحجر الأسود فقبَّلَهُ وقال: «وَاللَّـهِ إِنِّي لأقَبِّلُكَ، وَإِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ وَأَنَّكَ لا تَضُرُّ وَلا تَنْفَعُ، وَلَوْلا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّـهِ ص قَبَّلَكَ مَا قَبَّلْتُكَ». [102] بس‌که ببستند بر او برگ و ساز گر تو بیائی نشناسیش باز!