من أنواع الشرك: الذبح وتقديم القرابين لغير الله
والمقصود بالقربان، هو كل ما يتقرب به الإنسان إلى الله، سواء كان دماً أم غيره. وفي العرف هو اسم للذبيحة التي تُقدم قرباناً. كما ذُكر في تاريخ بني إسرائيل أن قربان قابيل كان من ثمار الحقل، وكان قربان هابيل من الحيوانات.
وفي زمن نوح÷، بنى الناس مذبحاً يذبحون عنده الحيوانات ويُحرقونها. وفي زمن إبراهيم÷، كانت قرابين الناس إلى أصنامهم من الخبز والخمر والبشر. وقد مَنَع إبراهيم÷ ذبح البشر وتقديمه كالقربان؛ (وهو ما تشير إليه قصة ذبح إسماعيل ÷ ومجيء الفدية بدلاً عنه).
وفي عصر موسى÷، كانت القرابين على نوعين: الدموية وغير الدموية، فكانوا يذبحون القرابين الدموية و يتركون غير الدموية في الصحراء. وقد تعلّم العرب في الجاهلية هذه العادة من قوم موسى فكانوا يسيبون الحيوانات تقرّباً للأصنام؛ وهي ما يسميها القرآن بــ«البحيرة» و«السائبة»، كما قال تعالى: ﴿مَا جَعَلَ ٱللَّهُ مِنۢ بَحِيرَةٖ وَلَا سَآئِبَةٖ وَلَا وَصِيلَةٖ وَلَا حَامٖ وَلَٰكِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَفۡتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَۖ وَأَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡقِلُونَ ١٠٣﴾[المائدة: 103].
البحيرة: كان من عادة العرب أنه إذا نتجت الناقة خمسة أبطن، فإذا كان الخامس ذكراً بحروا (أي شقوا) أذنها، وخلوا سبيلها، وكانوا يمتنعون عن نحرها وركوبها، ولا تُمنع عن ماء ولا كلاء[103].
السائبة: كانت العرب في الجاهلية ينذرون أنه إذا رجع مسافرهم [سالماً) أو شُفي مريضهم أن يسيبوا [أي يحرروا] ناقة من ملكه كمن يعتق رقبة[104].
الوصيلة: كانت الشاة إذا ولدت سبعة أبطن، فإن كان بطنها السابع جدياً ذبحوه قرباناً لأصنامهم، وإن ولدت في البطن السابع جدياً وعناقاً كانوا يقولون: وصلت أخاها، فلا يذبحون الجدي لأجل أخته[105].
الحام: وهو الفحل [الذكر من الإبل] إذا نتج من صلبه سبعة أبطن[106]، كل واحد منها يصلح للركوب. وقيل: إذا رُكب ولد ولده، كانوا يقولون: حمى ظهره من الركوب، فخلوا سبيله، ولا يُمنع من كلاء ولا ماء [107].
وهذه العادة لدى المشركين قد أصبحت سائدة لدى بعض المسلمين، حيث يطلقون عنزة أو خروفاً أو جملاً لبيت السقاية أو لقبر أحد الصالحين. ومن الأمثال السائرة أنهم يقولون: إن عِجْل الإمام الرضا لا يؤكل في الضحى؛ وأن أمر العجل يرجع إلى زمن الشاه السلطان حسين الصفوي، فإنهم كانوا يزينونه بالذهب والمرايا، ثم تركوه طليقاً في الأزقَّة والأسواق، فكان الناس يتبرّكون به. ولقد رأيت بنفسي أنهم أطلقوا عنزةً تقرّباً إلى بيت السقاية وجعلوا قرنها من ذهب وكانوا يتبرّكون بها!
وبنو إسرائيل كانوا يقسمون الذبائح الدموية على ثلاثة أقسام: الذبيحة المحرقة، وذبيحة كفارة الذنوب، ذبيحة السلامة. فكانوا يحرقون الذبيحة الأولى ما عدا جلدها؛ وأما الذبيحة الثانية، فيقسمونها على نصفين، فيعطون النصف الأول للكاهن، ويحرقون النصف الثاني. وكانوا يأكلون الذبائح من القسم الثالث.
وأما قرابين المسيحيين، فكانت منحصرة بالخبز والخمر ويعتبرونهما لحم المسيح ودمه.
وكان بعض الأمم السابقين كالمصريين والرومان والفينيقيين والكنعانيين يبالغون في أمر القرابين إلى درجة أنهم كانوا يضحون بالبشر؛ وقد استمرت هذه العادة المشئومة في أوروبا إلى القرن السابع الميلادي.
وأما في سبب نشأة قرابين الحيوانات؛ فقيل: إن أصلها كان ضيافة يقدمها بعض تلك الأمم لآلهتهم، فكانوا يجتمعون في معابد الأوثان ويذبحون الحيوانات ثم يأكلون لحومها؛ وكذلك كانوا يذبحون أسرى الحروب قرباناً للأصنام.
وقال بعضهم: اُتخذت القرابين لسببن: 1- الإهداء للآلهة تعظيماً وتشريفاً لها [كما سبق]. 2- لتكفير الذنوب وإرضاء الآلهة وتسكين غضبها.
وأما الأمم المتوحشة، فكانت تقدم القرابين لثلاثة أسباب:
1- لروح الميت، لأنهم كانوا يعتقدون بأن الميت يجوع في قبره، ويحتاج إلى غذاء، حتى أنهم كانوا يذبحون فرس الميت وغلمانه ليخدموه في قبره.
2- إرضاء للآلهة، فيقدمون لها القرابين حتى ترضى عنهم.
3- لتكفير ذنوبهم وذنوب قبيلتهم. والأصل في هذا القربان، أنهم كانوا يعتقدون أنهم بذبحهم لحيوان قرباناً ينتقل المرض من الإنسان المريض إلى الحيوان المذبوح، ثم تطور هذا الاعتقاد فنشأ عنه اعتقاد آخر، وهي انتقال إثم الأمة إلى الحيوان المذبوح؛ كما أن بعض القبائل الأفريقية تضحي كل سنة برجل وامرأة، وتعتقد أن آثام القبيلة تنتقل إلى هذين الشخصين، وبذبحهما تتطهّر القبيلة من ذنوبها. وكان الأثينيون يضحون بإنسان في أوقات انتشار الأوبئة العامة أو الكوارث الطبيعية مثل القحط والغلاء ويعتقدون أن البلاء يرتفع عنهم وتنجو أمتهم بالتضحية بذلك الشخص.
وإن هذه العقيدة هي الأساس لنشأة عقيدة الفداء لدى النصارى الذين يدعون أن المسيح فدى البشر بنفسه [بموته على الصليب] كي يطهِّر الناس من ذنوبهم، وتوجد مثل هذه العقيدة لدى أراذل الشيعة وجهلتهم الذين يرون أن الحسين بن علي (ع) استشهد ليطهِّرَ الشيعة بذلك من ذنبوهم.
[103] تفسير «مجمع البيان»، أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي، ج3، ذيل تفسيره الآية المذكورة (103) من سورة المائدة. [المصحح] [104] المصدر السابق. «فإن الرجل إذا نذر القدوم من سفر، أو البرء من علة، أو ما أشبه ذلك، قال: ناقتي سائبة، فكانت كالبحيرة في أن لا ينتفع بها، وأن لا تخلى عن ماء، ولا تمنع من مرعى، وقيل: هي التي تسيب للأصنام أي: تُعْتَقُ لها». [المصحح] [105] المصدر السابق ملخصاً. [المصحح] [106] هكذا ذكره المؤلف، والذي في كتب التفسير كتفسير الطبرسي وغيره عشرة أبطن وليس سبعة. [المصحح] [107] المصدر السابق.