من أنواع الشرك: دعاء غير الله والاستغاثة بغيره
الاستغاثة: طلب الغوث لإزالة الشدة، وطلب العون.
وقال بعضهم: الاستغاثة تكون من المكروب، والمصاب بالغم، والدعاء غير الاستغاثة وهو أعم منها، فالنسبة بين الدعاء والاستغاثة نسبة عموم وخصوص مطلق، فكل استغاثة دعاء، وليس كل دعاء استغاثة.
والدعاء على نوعين: دعاء العبادة، ودعاء المسألة والطلب.
فدعاء المسألة هو أن يطلب الداعي ما ينفعه من جلب منفعة أو دفع مضرة؛ وقد خطّأ الله تعالى في القرآن الكريم مَنْ دعا غير الله في جلب النفع أو كشف الضر، فقال سبحانه: ﴿قُلۡ أَتَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَمۡلِكُ لَكُمۡ ضَرّٗا وَلَا نَفۡعٗاۚ وَٱللَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ ٧٦﴾ [المائدة: 79]، وقال: ﴿قُلۡ أَنَدۡعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَنفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَىٰٓ أَعۡقَابِنَا بَعۡدَ إِذۡ هَدَىٰنَا﴾ [الأنعام: 71]، وقال أيضاً: ﴿وَلَا تَدۡعُ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَۖ فَإِن فَعَلۡتَ فَإِنَّكَ إِذٗا مِّنَ ٱلظَّٰلِمِينَ ١٠٦﴾ [يونس: 106].
وإن كل دعاء العبادة يستلزم دعاء المسألة، كما أن كل دعاء المسألة يستلزم دعاء العبادة، كما قال الله تعالى: ﴿ٱدۡعُواْ رَبَّكُمۡ تَضَرُّعٗا وَخُفۡيَةًۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُعۡتَدِينَ ٥٥﴾ [الأعراف: 55]
﴿قُلۡ أَرَءَيۡتَكُمۡ إِنۡ أَتَىٰكُمۡ عَذَابُ ٱللَّهِ أَوۡ أَتَتۡكُمُ ٱلسَّاعَةُ أَغَيۡرَ ٱللَّهِ تَدۡعُونَ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ ٤٠ بَلۡ إِيَّاهُ تَدۡعُونَ فَيَكۡشِفُ مَا تَدۡعُونَ إِلَيۡهِ إِن شَآءَ وَتَنسَوۡنَ مَا تُشۡرِكُونَ ٤١﴾ [الأنعام: 40-41] ﴿وَأَنَّ ٱلۡمَسَٰجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدۡعُواْ مَعَ ٱللَّهِ أَحَدٗا ١٨﴾ [الجن: 18].
وأمثال هذه الآيات كثيرة في القرآن وكلها تدل على أن دعاء المسألة يستلزم دعاء العبادة، فعلى السائل أن يكون سؤاله خالصاً لله سبحانه وتعالى.
والاستغاثة جائزة في الأسباب الطبيعية والأمور الحسية [التي يقدر عليها الإنسان]، كأن تقول في القتال: يا فلان! أغثني؛ أو إذا هاجمك حيوان مفترس فتقول: يا فلان، أدركني؛ أو واجهتك مصيبة كأن يحترق بيتك أو هجم عليك عدو، فتصرخ وتستغيث وتقول: يا مسلمون! أغيثوني، أدركوني؛ فكل هذه الاستغاثات ليست شركاً بإجماع أمةسيد المرسلينص.
أما الاستغاثة بالقوة والتأثير بالأمور المعنوية، والأمور التي لا يقدر عليها إلا الله تعالى مثل شفاء المريض ووفاء الدين من غير الأخذ بالأسباب الطبيعية، أو طلب الرزق والهداية وغفران الذنوب وطلب دخول الجنة، والنجاح في الدراسة، ونحو ذلك، فهذا النوع من الاستغاثة مختصة بالذات الربوبية، فطلبه من غيره شرك. فلا يجوز أن تستغيث بالنبي أو الولي كأن تقول: اشفني، أو اغفر لي، أو تقول: أستغيث بك يا فلان، أو أغثني يا فلان، بل يجب أن تقول: أغثني يا غياث المستغيثين.
روى الطبراني أنه كان في زمن النبي ص منافقٌ يؤذي المؤمنين، فقال بعضُهم: قوموا بنا نستغيث برسول الله ص من هذا المنافق، فقال النبي ص: «إِنَّهُ لَا يُسْتَغَاثُ بِي، إِنَّمَا يُسْتَغَاثُ بِاللَّهِ»[119].
لا حظوا أن رسول الله ص نهى عن الاستغاثة به في الأمور الحسية، مع أنها جائزة؛ وسبب النهي هو صيانة التوحيد والتحذير عن الشرك، وقطع الطريق الموصل إلى التوسل بغير الحق تعالى حتى لا يتعوّد الناس على الاستغاثة بغير الله.
وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّـهِ الْعَلِيِّ الْعَظِیمِ، وَصَلِّى اللهُ عَلَى سَیدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِینَ.
[119] لم أجده في مصادر الحديث الشيعية، وفي مصادر أهل السنة، روى نحوه الهيثمي في مجمع الزوائد ج10/ص159، ح(17276)، وقال: «رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير ابن لهيعة وهو حسن الحديث».