(6) في بيان حقيقة الواسطة والوسيلة بين الحقِّ والخَلْقِ
مِنْ مُسَلَّمات العقل وضروريات الدين، أن الأنبياء والرسل سلام الله عليهم وسائط بين الخلق والحقّ، وأنه لا بد للبشر من وجود هذه الوسائط، وإلا فسدت دنياهم وأُخراهم.
ولما كان هذا الموضوع من المسائل الدقيقة الصعبة، إذ إنه يتخذ أحياناً ذريعةً للشرك، وقد يقع كثير من المسلمين في الشرك بسبب عدم دقتهم في هذا المعنى، لذا فإننا بحاجة ماسة إلى التحقيق في هذه المسألة، حتى نبيّن لإخوتنا في الإيمان ما يرشد إليه كتاب الله وسنة الرسول الأكرم ص في هذا الموضوع:
إن أريد بالواسطة أنه لا بد أن يُبعث شخص من قبل الله تعالى لهداية العباد وإرشادهم [إلى طريق الصواب والحق]، فهذا أمر حق وعين الحقيقة، لأن الناس لا يعلمون ما يحبه الله من أعمال، وما لا يُحبه، كما لا يعلمون ما الذي يأمر به وما الذي ينهى عنه، وكذلك لا يدرك الناس أي أعمال وأقوال توصلهم إلى سعادة الدنيا والآخرة، وأي أعمال تسبب شقاوتهم في الدارين. كما أن العقل البشري عاجز عن وصف الله تعالى ولا يدري أي صفة تليق بجلاله، ولا الأسماء التي ينبغي أن يدعوه بها، كما ليس للعقل البشري طريقٌ لمعرفة كيفية المعاد وحشر الأجساد. فمن المُسلَّم به أن الإنسان يحتاج إلى واسطة تهديه إلى الطريق المستقيم، وتبيِّن له الأمور التي ذكرناها. وإذا كان الله غيباً لا يظهر للعيان، فإن هؤلاء الأنبياء هم نوّاب الحق[162] فإذا ثبتت الحاجة إلى الرسل لزم أن يبعث رب العالمين هُداةً ومُرشدين إلى الناس.
إن الإيمان بالرسل هو جوهر الهداية وحقيقة الفلاح، وعصيانهم أصل الضلال وبعد عن الحق، ولا يمكن لإنسان أن ينال الفوز والنجاة دون طاعتهم واتِّباع أوامرهم. وقد قيل: إن لم تكن نبيّا فكن من أمته، قال تعالى: ﴿قُلۡ إِن كُنتُمۡ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحۡبِبۡكُمُ ٱللَّهُ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ ٣١﴾ [آل عمران: 31]. فالأنبياء والرسل واسطة للهداية ووسيلة لها والإعراض عن أوامرهم سبب للضلالة والشقاوة.
يقول الله تعالى: ﴿يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ إِمَّا يَأۡتِيَنَّكُمۡ رُسُلٞ مِّنكُمۡ يَقُصُّونَ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتِي فَمَنِ ٱتَّقَىٰ وَأَصۡلَحَ فَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ ٣٥ وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بَِٔايَٰتِنَا وَٱسۡتَكۡبَرُواْ عَنۡهَآ أُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ ٣٦﴾ [الأعراف: 35-36].
ويقول الله تعالى: ﴿فَإِمَّا يَأۡتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدٗى فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشۡقَىٰ ١٢٣ وَمَنۡ أَعۡرَضَ عَن ذِكۡرِي فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَةٗ ضَنكٗا وَنَحۡشُرُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ أَعۡمَىٰ ١٢٤ قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرۡتَنِيٓ أَعۡمَىٰ وَقَدۡ كُنتُ بَصِيرٗا ١٢٥ قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتۡكَ ءَايَٰتُنَا فَنَسِيتَهَاۖ وَكَذَٰلِكَ ٱلۡيَوۡمَ تُنسَىٰ ١٢٦﴾ [طه: 123-126].
وقال سبحانه على لسان أهل النار: ﴿كُلَّمَآ أُلۡقِيَ فِيهَا فَوۡجٞ سَأَلَهُمۡ خَزَنَتُهَآ أَلَمۡ يَأۡتِكُمۡ نَذِيرٞ ٨ قَالُواْ بَلَىٰ قَدۡ جَآءَنَا نَذِيرٞ فَكَذَّبۡنَا وَقُلۡنَا مَا نَزَّلَ ٱللَّهُ مِن شَيۡءٍ إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا فِي ضَلَٰلٖ كَبِيرٖ ٩﴾ [الملك: 8-9].
وقال تعالى أيضاً: ﴿وَسِيقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَرًاۖ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءُوهَا فُتِحَتۡ أَبۡوَٰبُهَا وَقَالَ لَهُمۡ خَزَنَتُهَآ أَلَمۡ يَأۡتِكُمۡ رُسُلٞ مِّنكُمۡ يَتۡلُونَ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتِ رَبِّكُمۡ وَيُنذِرُونَكُمۡ لِقَآءَ يَوۡمِكُمۡ هَٰذَاۚ قَالُواْ بَلَىٰ وَلَٰكِنۡ حَقَّتۡ كَلِمَةُ ٱلۡعَذَابِ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ ٧١﴾ [الزمر: 71].
ويقول الله تعالى أيضاً: ﴿وَمَا نُرۡسِلُ ٱلۡمُرۡسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَۖ فَمَنۡ ءَامَنَ وَأَصۡلَحَ فَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ ٤٨ وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بَِٔايَٰتِنَا يَمَسُّهُمُ ٱلۡعَذَابُ بِمَا كَانُواْ يَفۡسُقُونَ ٤٩﴾ [الأنعام: 48-49]
وكما يقول الله تعالى: ﴿إِنَّآ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ كَمَآ أَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ نُوحٖ وَٱلنَّبِيِّۧنَ مِنۢ بَعۡدِهِۦۚ وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَ وَٱلۡأَسۡبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَٰرُونَ وَسُلَيۡمَٰنَۚ وَءَاتَيۡنَا دَاوُۥدَ زَبُورٗا ١٦٣ وَرُسُلٗا قَدۡ قَصَصۡنَٰهُمۡ عَلَيۡكَ مِن قَبۡلُ وَرُسُلٗا لَّمۡ نَقۡصُصۡهُمۡ عَلَيۡكَۚ وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكۡلِيمٗا ١٦٤ رُّسُلٗا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةُۢ بَعۡدَ ٱلرُّسُلِ﴾ [النساء: 163-165].
ونظير هذه الآيات في القرآن كثير، حيث يبين الله تعالى حال مكذبي الرسل الذين أُهلكوا بسبب تكذبيهم لرسل الله، كما أن هناك آيات أخرى تدل على أن الله ولي أنبيائه وناصر رسله، كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدۡ سَبَقَتۡ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا ٱلۡمُرۡسَلِينَ ١٧١ إِنَّهُمۡ لَهُمُ ٱلۡمَنصُورُونَ ١٧٢ وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلۡغَٰلِبُونَ ١٧٣﴾ [الصافات: 171-173]. ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَيَوۡمَ يَقُومُ ٱلۡأَشۡهَٰدُ ٥١﴾ [المؤمن: 51].
وقد أمر الله تعالى في آيات أخرى أمراً صريحاً بطاعة الرسل، فقال تعالى: ﴿وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذۡنِ ٱللَّهِ﴾ [النساء: 64]. ﴿مَّن يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدۡ أَطَاعَ ٱللَّهَ﴾ [النساء: 80]. ﴿قُلۡ إِن كُنتُمۡ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحۡبِبۡكُمُ ٱللَّهُ﴾ [آلعمران: 31]. ﴿فَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِهِۦ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَٱتَّبَعُواْ ٱلنُّورَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ مَعَهُۥٓ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ ١٥٧﴾ [الأعراف: 157] ﴿لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ لِّمَن كَانَ يَرۡجُواْ ٱللَّهَ وَٱلۡيَوۡمَ ٱلۡأٓخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيرٗا ٢١﴾ [الأحزاب: 21].
وأما إذا أريد بالواسطة، أن يكون الأنبياء والرسل وسطاء ووسائل لجلب النفع أو دفع الضُرّ كأن تقول: إن الأنبياء وسطاء في جلب الرزق ومنح الحياة وشفاء المرضى، ثم تطلب منهم حوائجك أو تعتبرهم أبواب حوائجك، فإن هذا الاعتقاد من أكبر أنواع الشرك، لأنك قد جعلت غير الله ولياً وطلبت عنه جلب النفع ودفع الضُرّ. يقول الله تعالى: ﴿ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ مَا لَكُم مِّن دُونِهِۦ مِن وَلِيّٖ وَلَا شَفِيعٍۚ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ ٤﴾ [السجدة: 4]. وقال تعالى أيضاً: ﴿قُلِ ٱدۡعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمۡتُم مِّن دُونِهِۦ فَلَا يَمۡلِكُونَ كَشۡفَ ٱلضُّرِّ عَنكُمۡ وَلَا تَحۡوِيلًا ٥٦ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ يَبۡتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلۡوَسِيلَةَ أَيُّهُمۡ أَقۡرَبُ وَيَرۡجُونَ رَحۡمَتَهُۥ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُۥٓۚ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحۡذُورٗا ٥٧﴾ [الإسراء: 56-57]، وقال سبحانه أيضاً: ﴿قُلِ ٱدۡعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمۡتُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ لَا يَمۡلِكُونَ مِثۡقَالَ ذَرَّةٖ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلَا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا لَهُمۡ فِيهِمَا مِن شِرۡكٖ وَمَا لَهُۥ مِنۡهُم مِّن ظَهِيرٖ ٢٢ وَلَا تَنفَعُ ٱلشَّفَٰعَةُ عِندَهُۥٓ إِلَّا لِمَنۡ أَذِنَ لَهُۥۚ حَتَّىٰٓ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمۡ﴾ [سبأ: 22-23]. سبب نزول هذه الآية، أن ناساً كانوا يدعون المسيح والملائكة لكشف الكربات ودفع البليّات ويستغيثون بهم، فرد الله تعالى عليهم أن الملائكة والأنبياء غير قادرين على إزالة الضرر وتغييره.
وقال تعالى أيضاً: ﴿مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤۡتِيَهُ ٱللَّهُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحُكۡمَ وَٱلنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادٗا لِّي مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَٰكِن كُونُواْ رَبَّٰنِيِّۧنَ بِمَا كُنتُمۡ تُعَلِّمُونَ ٱلۡكِتَٰبَ وَبِمَا كُنتُمۡ تَدۡرُسُونَ ٧٩ وَلَا يَأۡمُرَكُمۡ أَن تَتَّخِذُواْ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةَ وَٱلنَّبِيِّۧنَ أَرۡبَابًاۗ أَيَأۡمُرُكُم بِٱلۡكُفۡرِ بَعۡدَ إِذۡ أَنتُم مُّسۡلِمُونَ ٨٠﴾ [آل عمران: 79-80].
فكل من جعل الأنبياء والملائكة وأئمة الهدى واسطة يطلب منهم الرزق والحياة ويتوكل عليهم ويسألهم جلب النفع ودفع الضرّ، كغفران الذنوب ورفع الشقاء وسد الحاجات ودفع الفقر والفاقة، فهو كافرٌ بنص القرآن الكريم وإجماع أمة سيد المرسلين ص.
يقول الله تعالى: ﴿وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحۡمَٰنُ وَلَدٗاۗ سُبۡحَٰنَهُۥۚ بَلۡ عِبَادٞ مُّكۡرَمُونَ ٢٦ لَا يَسۡبِقُونَهُۥ بِٱلۡقَوۡلِ وَهُم بِأَمۡرِهِۦ يَعۡمَلُونَ ٢٧ يَعۡلَمُ مَا بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُمۡ وَلَا يَشۡفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ٱرۡتَضَىٰ وَهُم مِّنۡ خَشۡيَتِهِۦ مُشۡفِقُونَ ٢٨ ۞وَمَن يَقُلۡ مِنۡهُمۡ إِنِّيٓ إِلَٰهٞ مِّن دُونِهِۦ فَذَٰلِكَ نَجۡزِيهِ جَهَنَّمَۚ كَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلظَّٰلِمِينَ ٢٩﴾ [الأنبياء: 26-29].
وقال تعالى أيضاً: ﴿لَّن يَسۡتَنكِفَ ٱلۡمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبۡدٗا لِّلَّهِ وَلَا ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ ٱلۡمُقَرَّبُونَۚ وَمَن يَسۡتَنكِفۡ عَنۡ عِبَادَتِهِۦ وَيَسۡتَكۡبِرۡ فَسَيَحۡشُرُهُمۡ إِلَيۡهِ جَمِيعٗا ١٧٢﴾ [النساء: 172].
وأيضاً قال سبحانه: ﴿وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحۡمَٰنُ وَلَدٗا ٨٨ لَّقَدۡ جِئۡتُمۡ شَيًۡٔا إِدّٗا ٨٩ تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرۡنَ مِنۡهُ وَتَنشَقُّ ٱلۡأَرۡضُ وَتَخِرُّ ٱلۡجِبَالُ هَدًّا ٩٠ أَن دَعَوۡاْ لِلرَّحۡمَٰنِ وَلَدٗا ٩١ وَمَا يَنۢبَغِي لِلرَّحۡمَٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا ٩٢ إِن كُلُّ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ إِلَّآ ءَاتِي ٱلرَّحۡمَٰنِ عَبۡدٗا ٩٣ لَّقَدۡ أَحۡصَىٰهُمۡ وَعَدَّهُمۡ عَدّٗا ٩٤ وَكُلُّهُمۡ ءَاتِيهِ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ فَرۡدًا ٩٥﴾ [مريم: 88-95].
ويقول تعالى أيضاً: ﴿وَيَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمۡ وَلَا يَنفَعُهُمۡ وَيَقُولُونَ هَٰٓؤُلَآءِ شُفَعَٰٓؤُنَا عِندَ ٱللَّهِۚ قُلۡ أَتُنَبُِّٔونَ ٱللَّهَ بِمَا لَا يَعۡلَمُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ ١٨﴾ [يونس: 18].
وقال تعالى أيضاً: ﴿وَكَم مِّن مَّلَكٖ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ لَا تُغۡنِي شَفَٰعَتُهُمۡ شَيًۡٔا إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ أَن يَأۡذَنَ ٱللَّهُ لِمَن يَشَآءُ وَيَرۡضَىٰٓ ٢٦﴾ [النجم: 26]. ويقول أيضاً: ﴿وَإِن يَمۡسَسۡكَ ٱللَّهُ بِضُرّٖ فَلَا كَاشِفَ لَهُۥٓ إِلَّا هُوَۖ وَإِن يُرِدۡكَ بِخَيۡرٖ فَلَا رَآدَّ لِفَضۡلِهِۦ﴾ [يونس: 107]، وأيضاً يقول: ﴿مَّا يَفۡتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحۡمَةٖ فَلَا مُمۡسِكَ لَهَاۖ وَمَا يُمۡسِكۡ فَلَا مُرۡسِلَ لَهُۥ مِنۢ بَعۡدِهِۦ﴾ [فاطر: 2].
***
وقد يقول قائل: إننا نجعل الأنبياء والأولياء وسطاء، كما يكون الوزراء وسطاء بين المَلِكِ والرعية؟ فكما أن الوزراء يعرضون حوائج الناس على المَلِكِ ويطلبون منه قضاءها، فكذلك الأنبياء والأولياء يعرضون حوائج العباد على الله؛ والله يرزق ويحيي ويشفي ويعين ويمنح المال والجاه للعباد بوسيلة الأنبياء، لأن الأنبياء والأولياء أقرب إلى الله تعالى بخلاف عامة العباد، كما أن الوزراء أقرب للمَلِكِ بخلاف عامة الناس الذين هم بعيدون عنه، فعلى الناس أن يطلبوا حاجاتهم بكل أدب وتواضع من الوزراء وحجّاب المَلِك، وهذا أنفع لهم من السؤال مباشرةً من الملِك.
فأقول: إن جعل الأنبياء والأولياء واسطة بين الرب والخلق على هذا النحو، كفر وشرك محض، ولا يمكن للإنسان أن يُطِّهر نفسَه من رجسها إلا بماء التوبة!
أيها المسكين الجاهل!... إن المَلِكَ لا يعلم الجزئيات، ويجهل ما يحدث في أطراف مملكته وأكنافها، ولا يعرف تفاصيل أحوال الرعية، فلا بدَّ له من أشخاص يخبرونه بأحوالهم ويوصلون إليه عرائضهم. ولكن أليس الله بعالم بجميع الجزئيات وخبير بقلوب الناس: ﴿يَعۡلَمُ مَا بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُمۡ﴾ [البقرة: 255]، ﴿وَمَا تَسۡقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعۡلَمُهَا﴾ [الأنعام: 95].
إن الناس بعيدون عن المَلِك وهو بعيد عنهم، ولكن الله تعالى أقرب إلى العباد من حبل وريدهم ﴿وَنَحۡنُ أَقۡرَبُ إِلَيۡهِ مِنۡ حَبۡلِ ٱلۡوَرِيدِ ١٦﴾ [ق: 16] ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌۖ أُجِيبُ دَعۡوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِۖ فَلۡيَسۡتَجِيبُواْ لِي وَلۡيُؤۡمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمۡ يَرۡشُدُونَ ١٨٦﴾ [البقرة: 186].
[162] ترجمة لبيت شعر نقله المؤلف من كتاب المثنوي لمولانا جلال الدين الرومي. [المصحح] چونکه حق غیب است و ناید در عیان نایب حق اند این پیغمبران