توحيد العبادة

فهرس الكتاب

[أنواع العبودية]

[أنواع العبودية]

العبودية على نوعين: عبودية عامة، وعبودية خاصة.

فالعبودية العامة: هي عبودية جميع أهل السماوات والأرض، سواء كان صالحاً أو طالحاً، مؤمناً أو كافراً، وتُسمَّى هذه العبودية بالعبودية القهرية. قال الله تعالى: ﴿وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحۡمَٰنُ وَلَدٗا ٨٨ لَّقَدۡ جِئۡتُمۡ شَيۡ‍ًٔا إِدّٗا ٨٩ تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرۡنَ مِنۡهُ وَتَنشَقُّ ٱلۡأَرۡضُ وَتَخِرُّ ٱلۡجِبَالُ هَدًّا ٩٠ أَن دَعَوۡاْ لِلرَّحۡمَٰنِ وَلَدٗا ٩١ وَمَا يَنۢبَغِي لِلرَّحۡمَٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا ٩٢ [مريم: 88-92].

فهذه العبودية تشمل المؤمن والكافر والصالح والطالح جميعاً. ﴿وَيَوۡمَ يَحۡشُرُهُمۡ وَمَا يَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَقُولُ ءَأَنتُمۡ أَضۡلَلۡتُمۡ عِبَادِي هَٰٓؤُلَآءِ [الفرقان: 18]. ففي هذه الآية المباركة، اعتبر الحق تعالى الضالين المشركين عباداً له أيضاً، ومثل ذلك ما جاء في موضع آخر من الذكر الحكيم بشأن العصاة والمذنبين حيث خاطبهم الله بعباده، فقال: ﴿۞قُلۡ يَٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسۡرَفُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ لَا تَقۡنَطُواْ مِن رَّحۡمَةِ ٱللَّهِ [الزمر: 54].

العبودية الخاصة: هي عبارة عن الطاعة والمحبة الإرادية للحق تعالى، واتباع أوامره، وقال تعالى في شأن أهل هذه العبودية: ﴿يَٰعِبَادِ لَا خَوۡفٌ عَلَيۡكُمُ ٱلۡيَوۡمَ وَلَآ أَنتُمۡ تَحۡزَنُونَ ٦٨ [الزخرف: 68]، وقال تعالى عنهم أيضاً على لسان إبليس: ﴿لَأُغۡوِيَنَّهُمۡ أَجۡمَعِينَ ٨٢ إِلَّا عِبَادَكَ مِنۡهُمُ ٱلۡمُخۡلَصِينَ ٨٣ [ص: 85].

وفي آية أخرى، اختص الله تعالى عباده المخلصين العقلاء بالبشارة التامة: ﴿فَبَشِّرۡ عِبَادِ ١٧ ٱلَّذِينَ يَسۡتَمِعُونَ ٱلۡقَوۡلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحۡسَنَهُۥٓۚ [الزمر: 20].

والخلاصة، أن جميعُ المخلوقات عبيد مقهورون لربوبية الحق تعالى، أما أهل الله وأهل الطاعة فهم عبيد ألوهيته تعالى.

وسبب تقسيم العبودية إلى العامة والخاصة، أو القهرية والإرادية، هو أن أصل لفظ العبادة معناه الذل والخضوع. تقول العرب: «طريق مُعَبَّد»، إذا أصبح الطريق مذلّلاً، ومستوياً ممهداً تحت أقدام الناس. وتقول أيضاً: «فلان عبَّده الحب»، إذا كان المحب ذليلاً وخاضعاً لحبيبه؛ وهذا المعنى يشمل التذلل والخضوع الإراديين وغير الإراديين، غير أن أولياء الله تعالى يخضعون لله تعالى ويتذللون له باختيارهم وإرادتهم، ويطيعونه في جميع أوامره إطاعة كاملة، في حين أن خضوع أعداء الله وذلهّم له تعالى قهري، يتم خلافاً لميلهم وإرادتهم.