تحريم صنع التماثيل ورسم الصور حمايةً للتوحيد
من الصنايع والحِرف التي منع عنها الإسلام، نحت التماثيل ورسم صور [ذوات الأرواح]، والأحاديث التي ذكرناها في الفصل السابق خير شاهد على ذلك، مثل حديث: «... وَلا تِمْثَالاً إِلا طَمَسْتَهُ..»[214]. أو حديث «مَنْ مَثَّلَ مِثَالاً فَقَدْ خَرَجَ مِنَ الإسْلام»[215]. وكذلك مثل حديث: «أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُصَوِّرُونَ»[216]. وحديث: «كلُّ مُصَوِّرٍ في النَّارِ»[217].
وسبب النهي عن هذا العمل، -كما بيّنا- أن عبادة الأصنام والأوثان كان مبدؤها عبادة الأموات، حيث كانوا يحنطون الموتى، كي تبقى أجسادهم مدَّةً من الزمن حتى يقوموا بعبادتها؛ ولما رأوا أن التحنيط لا يحفظ جسد الميت بشكل دائم، قاموا بنحت صورة الميت على حجر أو رسم صورته على صخر، ثم بعد ذلك، عبدوا تلك التماثيل أو الأحجار وتبركوا بها. وكما ذكرنا في عقائد الصابئة، أنهم كانوا ينحتون صوراً وتماثيل للروحانيات والكواكب ويعبدونها.
لذلك منع النبي ص عن صنع التماثيل ورسم الصور سداً لذريعة عبادة الأصنام والأوثان وحمايةً للتوحيد، أي فحرمة تلك الأعمال ليست ذاتها بل لحماية التوحيد [وسد ذريعة الشرك].
والعجب أننا أمة التوحيد، استقبلنا برحب جميع أعمال عباد الأصنام، ولم نلق بالاً ما بذله الإسلام من مشقات ومتاعب في هذا المجال، ونسينا فطرتنا التوحيدية، ولم نترك لأنفسنا الاعتزاز بالتوحيد، فأصبحنا نعتقد مكانة ومنزلة بالأحجار والأخشاب ونتقرب بها إلى الله، وأصبحنا نقدم النذور والقرابين لـ(النخل) – وهو صنم مصنوع على شكل جنازة مهيبة -، ولـ(العلامة)- التي هي على شكل صليب النصارى-[218]، وعظّمنا كل صورة مزوَّرة تُنسَب لأحد عظماء الدين. فبالنتيجة، أعرضنا عن حقائق الدين مع أن تعظيم صورة الرسول ص والتبرك بها أو بملامح عظماء الدين حرام، وقَصْد الشارع في تحريم هذين الأمرين هو ما ذكرناه من قبل[219].
ولكن مع الأسف أصبح كثير من الناس يتبركون بكل صورة مُتخَيَّلة مزوَّرة تُنسَب لأحد عظماء الإسلام حتى أن بعض الناس يعلقون هذه الصور في غرف بيوتهم، ويعاملونها بكل أدب وإجلال. مع أن هذا الصنيع وثنية واضحة لا تأت بخير، في حين أنهم لو علَّقوا بدلاً من تلك الصور بعض النصائح أو المواعظ القرآنية أو أقوال أئمة الإسلام لكان أنفع بكثير، إذ كل من يلقي نظرة إليها سيطلع على جوانب من الأخلاق والفضائل.
إذاً فما الفرق بيننا وبين الوثنيين والنصارى؟! الوثنيون يتبرَّكون بالأخشاب والأحجار، ونحن نتبرَّك بمجسَّمة «النخل» ومجسَّمة «موطئ القدم» وأمثالها، والنصارى يتبرَّكون بصورة المسيح ومريم ونحن نتبرَّك بالصور المزوَّرة لأئمَّة الدين!.
ومن الأمور المخزية، أن كل رسام يرسم صورة الرسول الأكرم ص وأئمة الهدى حسب تخيله، فمرة يرسمون النبي ص بصورة شاب وسيم، وأخرى بصورة درويش من دراويش الصوفية، وقد يرسمونه بصورة عربي بدوي، وأحياناً بصورة شيخ زاهد، وكذلك الأمر بالنسبة إلى بقية الأئمة. والغرابة المخزية الأخرى التي تدل على الحماقة والجهل وهي فاضحة للجميع، أنهم يرسمون سيف ذي الفقار الذي بيد عليٍّ (ع) بصورة سيف ذي رأسين ولا يعرفون ما هي فائدة السيف ذي الرأسين، وهل له أثر في الحرب؟! وكيف يمكن لمثل هذا السيف أن يُدخل في غمده. (ذو الفقار كان سيف العاص بن منبِّه الذي قُتل يوم بدر، فأعطى النبي ص ذلك السيف لأميرالمؤمنين. ومعنى: «ذو الفقار» السيف الذي في شفرته حزوز[220]).
يا رب! إن هؤلاء الناس لم يعرفوا سيف علي فكيف يعرفونك ويعرفون حال نبيك وأئمة الدين، ويدركون حقائق الدين؟!
يا ربي! هل سيأتي يوم يفهم هؤلاء الجهلة معاني القرآن ومعاني سنة الرسول؟
يا رب! هؤلاء القوم الذين لا علم لهم بالتوحيد ولم يعرفوا النبي ولا عليا ولا الأئمة الهداة حق المعرفة، هل سيأتي عليهم يوم يعرفون فيه القرآن وسنَّة الرسول ويفهمون القرآن حق الفهم ويتمثلون أخلاق الإنسانية وآدابها.
يا رب! أولئك الذين لا علم لهم بالتوحيد ولم يعرفوا النبي ولا عليا ولا الأئمة الهداة حق المعرفة، ولا يفهمون القرآن، فهل نتوقع منهم أن يتحلوا بالأخلاق والآداب الإنسانية.
وخلاصة الكلام، لقد نهى خاتم النبيين عن رسم الصور على الستائر ونحت التماثيل والمجسمات التي تُعظَّم وتُبَجَّل، لأن ذلك من شأنه أن يزلزل أركان التوحيد ويبعد الناس عن طريق عبادة الله وحده.
وَصَلَّى اللَّـهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِينَ.
[214]«بحار الأنوار»، ج79/ص18، سبق تخريجه مفصلاً في صفحة 157. [المصحح] [215] معاني الأخبار للصدوق 181، وسائل الشيعة 16/430، بحار الأنوار 69/220. [المصحح] [216] لم أجده في مصادر الحديث الشيعية بهذا اللفظ، وأقرب ما يوجد إليه هو ما رواه البرقي في المحاسن (2/616) عن أبي جعفر الباقر قال: «إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ هُمُ الْمُصَوِّرُونَ يُكَلَّفُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ يَنْفُخُوا فِيهَا الرُّوح». والحديث مشهور في مصادر أهل السنة، مثل صحيح البخاري (5606) وصحيح مسلم (2109) وغيرهما عن عبد الله بن مسعود مرفوعاً. [المصحح] [217] بحار الأنوار 80/245. وفي مصادر أهل السنة، صحيح مسلم (3/1670)، ح(2110)، ومسند أحمد (5/23)، ح(2809). [المصحح] [218] «النخل» و«العلامة»: عبارة عن مجسمات معدنية أو من الخشب ذات شكل خاص تعلق عليها الأعلام وأسماء الأئمة وأجسام معدنية بشكل راحة اليد إشارة للخمسة، أصحاب الكساء يحملها الشيعة في مقدّمة مواكب العزاء الحسيني التي يسيرون بها يوم عاشوراء. [المصحح] [219] أي قطع الطريق الموصل إلى الشرك. [220] الفقار: هو المُفْتَقَر من السيوف الذي فيه حزوز مطمئنة عن متنه، يقال: سيف مُفَقَّر، وكل شيء حُزَّ أو أُثِّر فيه فقد فُقِّر، وفي الحديث: كان سيف النبي ص ذا الفقار.. شبهوا تلك الحزوز بالفقار، قال أبو العباس: سمي سيف رسول الله ص ذو الفقار لأنه كانت فيه حفر صغار حسان. (لسان العرب5/63).