مناظرة إمام الحنفاء إبراهيم عليه الصلاة والسلام للصابئة:
قال تعالى: ﴿وَتِلۡكَ حُجَّتُنَآ ءَاتَيۡنَٰهَآ إِبۡرَٰهِيمَ عَلَىٰ قَوۡمِهِۦۚ نَرۡفَعُ دَرَجَٰتٖ مَّن نَّشَآءُۗ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٞ ٨٣﴾ [الأنعام: 84].
في البداية أقام إبراهيم ÷ الحجة على أصحاب الأشخاص. كان أبوه – وعلى قولٍ: عمُّه - «آزر» أعلم هذه الفرقة، وكانت آداب وطقوس عبادة الأصنام وشؤون معبد الأصنام، كلها بيده. لذلك كان إبراهيم ÷يناظره في أغلب الأوقات: ﴿وَإِذۡ قَالَ إِبۡرَٰهِيمُ لِأَبِيهِ ءَازَرَ أَتَتَّخِذُ أَصۡنَامًا ءَالِهَةً إِنِّيٓ أَرَىٰكَ وَقَوۡمَكَ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ ٧٤﴾ [الأنعام: 75]. ويقول تعالى في سورة مريم: ﴿إِذۡ قَالَ لِأَبِيهِ يَٰٓأَبَتِ لِمَ تَعۡبُدُ مَا لَا يَسۡمَعُ وَلَا يُبۡصِرُ وَلَا يُغۡنِي عَنكَ شَيۡٔٗا ٤٢﴾ [مريم: 42].
يخاطب إبراهيم÷ أباه قائلاً له: يا أبي، لم لا تنظر ببصيرتك إلى خِلْقتك، كيف جُعلْتَ من أشرف المخلوقات، وكيف صُرت معتدلاً في خلِقتك، وفطرتك، وقد ظهرت فيك الآثار السماوية، والأنوار العلوية والأسرار الملكوتية، وكيف خُلقت سميعاً بصيراً، نافعاً، ضاراً، في حين أن هذا الذي صنَعْتَه بيدك لا يسمع ولا يبصر، فكيف يستطيع أن يتصرف فيك، ينفعك أو يضرك، أو يغني عنك شيئاً؟! ﴿أَتَعۡبُدُونَ مَا تَنۡحِتُونَ ٩٥ وَٱللَّهُ خَلَقَكُمۡ وَمَا تَعۡمَلُونَ ٩٦﴾ [الصافات: 95-96]. فاقد الشيء لا يعطيه.
الذات التي لم تنل نصيباً من الوجود = كيف يمكنها أن تصبح مانحةً للوجود؟
السحابة القديمة التي غدت خاليةً من الماء = لا يمكنها أن تملك صفة إعطاء الماء [125]
وبعد أن بيَّن إبراهيم ÷ لأبيه بالدلائل الواضحة والحجج الساطعة أن هذه الأصنام التي يصنعها بيديه لا يمكنها أن تكون واسطته وشفيعه عند رب الأرباب، قال له: ﴿يَٰٓأَبَتِ إِنِّي قَدۡ جَآءَنِي مِنَ ٱلۡعِلۡمِ مَا لَمۡ يَأۡتِكَ فَٱتَّبِعۡنِيٓ أَهۡدِكَ صِرَٰطٗا سَوِيّٗا ٤٣ يَٰٓأَبَتِ لَا تَعۡبُدِ ٱلشَّيۡطَٰنَۖ إِنَّ ٱلشَّيۡطَٰنَ كَانَ لِلرَّحۡمَٰنِ عَصِيّٗا ٤٤﴾ [مريم: 43-44].
لم يقبل «آزر» أبداً هذه البراهين الساطعة، وقال: ﴿أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنۡ ءَالِهَتِي يَٰٓإِبۡرَٰهِيمُۖ لَئِن لَّمۡ تَنتَهِ لَأَرۡجُمَنَّكَۖ وَٱهۡجُرۡنِي مَلِيّٗا ٤٦﴾ [مريم: 48].
ولما لم تؤثر الحجة العلمية في آزر وأتباعه، شرع إبراهيم ÷ بإقامة برهان علميّ، فقام بكسر الأصنام، يقول تعالى: ﴿قَالُوٓاْ ءَأَنتَ فَعَلۡتَ هَٰذَا بَِٔالِهَتِنَا يَٰٓإِبۡرَٰهِيمُ ٦٢ قَالَ بَلۡ فَعَلَهُۥ كَبِيرُهُمۡ هَٰذَا فَسَۡٔلُوهُمۡ إِن كَانُواْ يَنطِقُونَ ٦٣﴾ [الأنبیاء: 62-63].
بهذا العمل ألزم إبراهيم÷ جماعةَ «آزر» الحجَّةَ، فأُفحِموا وانقلبوا أذلاء صاغرين، وعجزوا عن الإجابة على دليله، فلجؤوا إلى التعدي والتهديد، وهي سنة الجاهلين، فإنهم عندما يعجزون أمام حجة الخصم يسلكون طريقة «آزر» صانع الأصنام الذي لما لم يجد جواباً لحجة ابنه، شرع بمعاداته، فقال: ﴿لَئِن لَّمۡ تَنتَهِ لَأَرۡجُمَنَّكَ﴾ [مريم: 48].
إبراهيم÷ الذي أطلعه الله على ملكوت الكونَين وأسرار العالمين كما يقول تعالى: ﴿وَكَذَٰلِكَ نُرِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلِيَكُونَ مِنَ ٱلۡمُوقِنِينَ ٧٥﴾ [الأنعام: 75]، قام أيضاً بمناظرة أصحاب الهياكل ومجادلتهم، لكن بطريق الإلزام ومماشاة الخصم، والمجادلة بالتي هي أحسن وأتم، فقال في البداية إن هذا الكوكب معبودي: ﴿فَلَمَّا جَنَّ عَلَيۡهِ ٱلَّيۡلُ رَءَا كَوۡكَبٗاۖ قَالَ هَٰذَا رَبِّيۖ فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لَآ أُحِبُّ ٱلۡأٓفِلِينَ ٧٦﴾ [الأنعام: 76]، أي كل ما هو عرضة للتغيير والانتقال لا يستحق أن تُطْلق عليه صفة الربوبية، لأنه لما كان متغيراً احتاج إلى مُغيِّر، كما لا يصح أن يكون شفيعاً لأن الأفول والزوال يخرجه أيضاً عن حدّ الكمال.
ونظراً إلى أن جماعة من الصابئة كانوا يعتقدون أن عبادة الكواكب ممتنعة في حال أفولها، لذا أقاموا أشخاصاً مقام الهياكل -كما مرَّ شرحه-، لذا استدلَّ إبراهيم ÷ عليهم بما يعترف به بعضهم بالجملة؛ وذلك أبلغ في الاحتجاج أن يستند المناظر إلى مسلمات الخصم ويُدينهُ بها.
ولمَّا صرف إبراهيم÷ نظره عن الكوكب ورأى القمر القمر بازغاً مضيئاً في غاية الضوء، قال هذا ربي. ﴿فَلَمَّا رَءَا ٱلۡقَمَرَ بَازِغٗا قَالَ هَٰذَا رَبِّيۖ فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمۡ يَهۡدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلضَّآلِّينَ ٧٧ فَلَمَّا رَءَا ٱلشَّمۡسَ بَازِغَةٗ قَالَ هَٰذَا رَبِّي هَٰذَآ أَكۡبَرُۖ فَلَمَّآ أَفَلَتۡ قَالَ يَٰقَوۡمِ إِنِّي بَرِيٓءٞ مِّمَّا تُشۡرِكُونَ ٧٨﴾[الأنعام: ٧٧- ٧٨].
وفي آخر الأمر أغلق أمامهم جميع أبواب العذر وقال:
آخر الأمر، لما أغلق إبراهيم ÷ أمامهم جميع أبواب العذر وقال: ﴿إِنِّي وَجَّهۡتُ وَجۡهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ حَنِيفٗاۖ وَمَآ أَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ٧٩﴾ [الأنعام: 79]. والمحدود فانٍ أمام لا حد له، إنكم تعبدون شمس الفلك، إن الشمس (تقوم لنا بعمل) الطباخ بأمر الحق، وماذا تصنع إذا أصاب الكسوف شمسك؟! ألست تصـرخ على الأعتاب الإلهية داعياً: وإذا هم أحد بقتلك في منتصف الليل، فأين الشمس وأغلب الحادثات إنما تقع بليل، وكل شيء غير وجه الله إلى الفناء وأرخصتم الروح التي هي غالية الثمن ومن البله أن نقول إنها الإله وكيف تطرد عنها ذلك السواد؟ اكشف السواد (يا إلهي) وأعد الشعاع لكي تجأر إليها بالشكوى أو تطلب منها الغوث؟! وفي ذلك الزمان يكون معبودك غائباً
وإنك إذا انحنيت بصدق أمام الله، لتخلصت من (عبادة) الكوكب وصرت من المسموحين لهم (بالسـر)[126] وهكذا قرر إبراهيم الخليل÷ التوحيد الحقيقي، [وأبطل مذهب الصابئة]، وبيَّن أن الفطرة هي الحنيفية، وأن الكائنات السماوية والأرضية ليست فاعلاً حقيقياً، وأن واهب الوجود (الله) هو الحق ولا مُؤثِّر في الخلق سواه.
ولما كان «حبّ الشيء يُعمي ويُصمّ»، فإن قوم إبراهيم÷ رغم عجزهم عن الجواب، وإقرارهم بعدم نطق أصنامهم لم يستطيعوا أن يقلعوا عن عاداتهم المذمومة التي مارسوها سنين طوال: ﴿ثُمَّ نُكِسُواْ عَلَىٰ رُءُوسِهِمۡ لَقَدۡ عَلِمۡتَ مَا هَٰٓؤُلَآءِ يَنطِقُونَ ٦٥﴾ [الأنبياء: 65]. قالوا: فلماذا تأمرنا بالسؤال؟ فقال لهم إبراهيم ÷: ﴿قَالَ أَفَتَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكُمۡ شَيۡٔٗا وَلَا يَضُرُّكُمۡ ٦٦ أُفّٖ لَّكُمۡ وَلِمَا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ ٦٧﴾ [الأنبياء: 66-67]،
ولما لم يبق لهم مجال للكلام، رجعوا إلى شيمة الجاهلين، فحكم علماء الدين الجاهلين بتكفير إبراهيم÷ وحَرْقه كي لا يكتشف المريدون السِرَّ، ويخرجوا عن اتِّباعهم. ﴿قَالُواْ حَرِّقُوهُ وَٱنصُرُوٓاْ ءَالِهَتَكُمۡ إِن كُنتُمۡ فَٰعِلِينَ ٦٨﴾ [الأنبياء: 68].
وأقر نمرود حكم القضاة، فأُوقدتْ النار ووأُلقي نبيُّ الله فيها، ولكن الله المنان لم يدع نبيه أن يحترق بها بل جعلها برداً وسلاماً عليه. قال تعالى: ﴿قُلۡنَا يَٰنَارُ كُونِي بَرۡدٗا وَسَلَٰمًا عَلَىٰٓ إِبۡرَٰهِيمَ ٦٩ وَأَرَادُواْ بِهِۦ كَيۡدٗا فَجَعَلۡنَٰهُمُ ٱلۡأَخۡسَرِينَ ٧٠ وَنَجَّيۡنَٰهُ وَلُوطًا إِلَى ٱلۡأَرۡضِ ٱلَّتِي بَٰرَكۡنَا فِيهَا لِلۡعَٰلَمِينَ ٧١﴾ [البقرة: 69-71] إن النار لم تمس إبراهيم ÷ بأسنانها، وألم تكن النار حصناً لإبراهيم فالنار لا تكون خطراً على إبراهيم فلا بد من روح إبراهيم، لكي يبصـر ويرقى درجة درجة إلى القمر ثم الشمس، ثم يتجاوز السماء السابعة مثل الخليل، أيها الخليل، لا شرر هناك ولا دخان، إذا كنت أريباً ذكياً كخليل الله، إنه مختار من الحق، فكيف تعضه؟ حتى حطمت قلب النمرود تحطيماً؟ أما كل من كان تابعاً للنمرود، فادعه إلى أن يحذرها المرءُ بنورها الفردوسَ والقصورَ في صميم النار! ولا يبقى مثل الحلقة أسير الباب قائلاً: ﴿لَآ أُحِبُّ ٱلۡأٓفِلِينَ﴾ ليس ما تراه هنا إلا سحر النمرود وخداعه فالنار ماء بالنسبة لك، وأنت فراشة تلك النار[127]
[125] ذات نایافته از هستی بخش چون تواند که شود هستی بخش کهنه ابریکه شد از آب تهی ناید از وی صفت آب دهی! [126] پیش بیحد هر چه محدود است لاست کل شیء غیر وجهالله فناست * * * میپرستید آفتاب چرخ را خوار کرده جان عالی نرخ را آفتاب، از امر حق طباخ ماست ابلهی باشد، که گوئیم او خداست آفتابت گر بگیرد چون کنی آن سیاهی زو، تو چون بیرون کنی؟ نی به درگاه خدا آری صداع؟ که سیاهی را ببر، واده شعاع گر کُشندت نیمه شب، خورشید کو؟ تا بنالی، یا امان خواهی از او حادثات اغلب به شب واقع شود و آن زمان معبود تو غائب بود! سوی حق، گر ز آستانه خم شوی وا رهی از اختران مَحرم شوی أبيات من كتاب المثنوي لجلال الدين الرومي، المجلد الرابع. [المصحح] [127] آتش ابراهیم را دندان نزد چون گزیده حق بود چونش گزد آتش ابراهیم را نی قلعه بود تا برآورد از دل نمرود دود؟ آتش ابراهیم را نبود زيان هر که نمرودیست گو میترس از آن جان ابراهیم باید تا بنور بیند اندر نار فردوس و قصور پایه پایه بر رود بر ماه و خور تا نماند همچو حلقه بند در چون خلیل از آسمان هفتمین بگذرد که ﴿لَآ أُحِبُّ ٱلۡأٓفِلِينَ﴾ ای خلیل اینجا شرار و دود نیست جز که سحر و خدعهی نمرود نیست چون خلیل حق اگر فرزانهای آتش آب توست و، تو پروانهای أبيات متفرقة من كتاب المثنوي لجلال الدين الرومي. [المصحح]