دراسة علمية لأحاديث المهدي

فهرس الكتاب

18 - باب ما فيه من سنن الأنبياء والاستدلال بغيباتهم على غيبته

18 - باب ما فيه من سنن الأنبياء والاستدلال بغيباتهم على غيبته

ذكر المجلسيّ وغيره من المحدثين هنا أخباراً كثيرةً ليثبتوا أن المهدي كان يمتلك خصائص الأنبياء وأوصافهم وأحوالهم. وقد أورد المجلسي هنا روايات لا تقوم بها أي حجة، إذْ فضلاً عن أنها من رواية أشخاص مجهولين، مرويةٌ عن أشخاصٍ كذَّابين مثل: «محمد بن جمهور» و«معلَّى بن محمَّد» و«أحمد بن هلال» و«سليمان بن داود» و«محمد بن بحر الشيباني» الذي قال عنه ابن الغضائري والعلامة الحلي: إنه كان من الغلاة والضعفاء، أو مثل بعض الرواة من الواقفة مثل «أبي حمزة البطائني» أو «عثمان بن عيسى» اللذَيْن لم يكونا يُؤمنان بإمامة الأئمَّة بعد حضرة الكاظم ÷، فكيف روى عن مثل هؤلاء أحاديث لإثبات المهدي!!

ومن المفارقات الطريفة أن «عبد الله بن جعفر الحميري» و «أبا بصير» رويا رواية عدم موت المهدي قبل قيامه، ورواية موته أيضاً (الفصل الثاني، الحديث 13)؟! فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ!

لقد حاولوا في معظم روايات هذا الباب أن يُشبّهوا المهدي بالأنبياء، فقالوا مثلاً: إن في المهدي سنة من موسى ÷ الذي خاف من فرعون وفرّ هارباً. وفيه سنة من عيسى ÷ الذي اتّهمه الناس بتُهم مختلفة. وفيه سنة من يوسف ÷ الذي دخل السجن. وفيه سنة من محمدص الذي نهض بالسيف والمهدي سيقتل من أعداء الله حتى يرضى الله!!

وينبغي أن نقول: أولاً: لقد ذهب موسى ÷ إلى مدين، أما مهديكم فلم يذهب من مكان إلى مكان آخر بل غاب بشكل تام وكلي. ثانياً: لم يدخل المهدي السجن أبداً فلماذا شبهتموه بيوسف ÷؟ أَفَلَا تَعْقِلُونَ؟

ثالثاً: كثير من عباد الله يتّصفون بهذه الأوصاف ذاتها أيضاً فمثلاً يخافون من حكام زمانهم ويهربون من البلاد التي تقع تحت سيطرة الحاكم ونفوذه، وكثيراً من السادات والأجلة قاموا بالسيف لإقامة الحكم العادل، وكثير من الناس تعرّضوا إلى التهم الباطلة من قِبَل الناس الجهلة أو العالمين العامدين، فمثلاً لما قام كاتب هذه السطور ببيان حقائق الإسلام تعرّض لآلاف التهم والافتراءات من قبل تجار الدين وبائعي الخرافات وسُجنتُ أكثر من مرّة في سجون حكومة المشايخ الحالية! وفي إحدى الاستجوابات فهمت أنني كنت ملاحقاً ومراقباً خارج السجن بشكل كامل وكان مأمورو الحكومة يأخذون جميع الرسائل التي كنت أرميها في صندوق البريد المجاور لمنزلي وكانوا يضعونها في ملفِّي ولا يسمحون بوصولها إلى من أرسلتها إليهم!

رابعاً: في الإسلام لا إكراه ولا إجبار في الدين وَمِنْ ثَمَّ فلا يُمكن قتل الأعداء لمجرّد عدم إسلامهم!

خامساً: نسأل: هل تُفيد هذه الروايات إلا في التمهيد للفتن وثورات المُدَّعين؟ فمثلاً يقول الحديث السادس: إن والدة المهدي كانت أمة سوداء أصلحها الله في ليلة! فماذا تفعلون إذن بالروايات التي تقول إن والدة المهدي كانت ابنة سلطان الروم وكانت بيضاء وجميلة؟ ثم لماذا تقولون لا بُدَّ أن تتهيأ الظروف تدريجياً كي يظهر المهدي مع أن هذه الرواية تقول إن الله يُصلح الأوضاع في ليلة!

وروى في الرواية التاسعة[258] نقلاً عن عدة رواة مجهولي الحال عن سَدِيرٍ الصَّيْرَفِيِّ قَال‏: "دَخَلْتُ أَنَا والْمُفَضَّلُ بْنُ عُمَرَ وأَبُو بَصِيرٍ وأَبَانُ بْنُ تَغْلِبَ عَلَى مَوْلَانَا أَبِي عَبْدِ الله جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ÷ فَرَأَيْنَاهُ جَالِساً عَلَى التُّرَابِ وهُوَ يَبْكِي بُكَاءَ الْوَالِهِ الثَّكْلَى ذَاتَ الْكَبِدِ الْحَرَّى قَدْ نَالَ الْحُزْنُ مِنْ وَجْنَتَيْهِ وشَاعَ التَّغَيُّرُ فِي عَارِضَيْهِ وأَبْلَى الدُّمُوعُ مَحْجِرَيْهِ وهُوَ يَقُولُ: سَيِّدِي غَيْبَتُكَ نَفَتْ رُقَادِي وضَيَّقَتْ عَلَيَّ مِهَادِي وأَسَرَتْ مِنِّي رَاحَةَ فُؤَادِي .... الخ". فلما سألوا الصادق عن سبب بكائه وحزنه قال: "... إِنِّي نَظَرْتُ فِي كِتَابِ الـجَفْرِ (؟!) صَبِيحَةَ هَذَا الْيَوْمِ وَهُوَ الْكِتَابُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى عِلْمِ الْمَنَايَا وَالْبَلَايَا وَالرَّزَايَا وَعِلْمِ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ الَّذِي خَصَّ اللهُ بِهِ مُحَمَّداً وَالْأَئِمَّةَ مِنْ بَعْدِهِ وَتَأَمَّلْتُ فِيهِ مَوْلِدَ قَائِمِنَا وَغِيبَتَهُ وَإِبْطَاءَهُ وَطُولَ عُمُرِهِ وَبَلْوَى الْمُؤْمِنِينَ بِهِ مِنْ بَعْدِهِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ وَتَوَلُّدَ الشُّكُوكِ فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ طُولِ غَيْبَتِهِ .... الخ".

فأقول: إن ذِكْرَ الكتابِ الموهومِ المُسَمَّى «الجَفْر» دليلٌ على كذب هذا الحديث! ولقد تكلمنا في كتابنا «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، في الباب 98 من أصول الكافي (ص 552 إلى 555) عن الكتب مثل كتاب «الجَفْر» و «الجامعة» و .... الخ، فلا نُعيد الكلام هنا وَلْيُرَاجَعْ ثَمَّةَ. بناءً على ذلك كيف يُمكن للإمام الذي لا علم له بالمستقبل أن يبكي ويفزع ويحزن على هذا النحو على إمام سينجح -حسب قولكم- في تحقيق أهدافه خلافاً للأئمة السابقين؟! ثم إنه استشهد في هذا الحديث بـ «الخضر» الذي لا دليل عندنا على وجوده بل هو شخصية اشتهرت بين الناس ولكن لا أثر لها ولا ذكر في القرآن الكريم.

وجاء في هذه الرواية: "كَذَلِكَ بَنُو أُمَيَّةَ وَبَنُو الْعَبَّاسِ[259] لَمَّا وَقَفُوا عَلَى أَنَّ زَوَالَ مُلْكِهِمْ وَالْأُمَرَاءِ وَالْجَبَابِرَةِ مِنْهُمْ عَلَى يَدِ الْقَائِمِ مِنَّا نَاصَبُونَا الْعَدَاوَةَ وَوَضَعُوا سُيُوفَهُمْ فِي قَتْلِ آلِ بَيْتِ رَسُولِ اللهِ ص"!! ولم يعلم الراوي أن الذين قضوا على مُلك بني أُميَّة وأزالوه هم بنو العبّاس وليس قائم آل محمد، كما أن بني العبَّاس أنفسهم انقرضوا ولم يبقَ لهم أثر مع أن المهدي لم يظهر بعد!!

والروايات الأربعة الأخيرة[260] في هذا الباب تتوافق مع عقيدة الفرقة التي ذُكرت تحت رقم 3 في كتاب «شَاهْرَاه اتِّحَاد» [طَرِيق الاتِّحاد]، (ص 288) وتتعارض تماماً مع الروايات التي تقول إن المهدي حيٌّ لم يمت وسيبقى حيَّاً حتى يظهر ويملأ الأرض عدلاً.

[258] اعتبر السيد «محمد باقر البهبودي» المحترم، مصحح كتاب بحار الأنوار، أن هذه الرواية معلولة ومردودة سنداً ومتناً. [259] راجعوا الكتاب الحاضر ص 135 فقرة «مقدّمة لقراءة أخبار المهدي» (النقطة الأولى). [260] جاء في هذه الروايات: "مَثَلُ أَمْرِنَا فِي كِتَابِ اللهِ تَعَالَى مَثَلُ صَاحِبِ الْحِمَارِ أَمَاتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ‏". (المُتَرْجِمُ)