24- باب علة الغيبة و كيفية انتفاع الناس به في غيبته
ذكر المجلسيّ هنا عدداً من أسباب غيبة المهدي وعِلَلَ استتاره، ولكن أياً من هذه الأسباب لا يصح [أي لا يصح أن يبرِّر غيبته]. كما ذكر عدداً من الأخبار التي لا تتَّفق مع العقل ولا مع القرآن وبالتالي فلا يمكن أن تكون من كلام الأئمة لأنهم لا يتحدثون قطعاً بما يخالف كتاب الله وسنة رسوله ص؛ فهذه الأخبار من وضع الكذّابين والوضّاعين، وقد ألقى التعصُّب المذهبي غشاوة على أبصار الذين أخذوا بهذه الأخبار من العلماء فحال دون تفكرهم بحقيقتها [واكتشاف وضعها] وَحَمَلَهْم على الدِّفاع عنها، مع أنَّ الأئمَّةَ عليهم السلام أنفسهم قالوا: "لَاتُصَدِّقْ عَلَيْنَا إِلَّا مَا وَافَقَ كِتَابَ اللهِ وَ سُنَّةَ نَبِيِّهِ"[365] و "وَلَا تَقْبَلُوا عَلَيْنَا حَدِيثَنَا إِلَّا مَا وَافَقَ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّة"[366].
وسنستعرض فيما يلي ما ذكره المجلسيّ من علل وأسباب لتبرير غيبة المهدي ونزنها بميزان العقل والقرآن ونترك الحكم بعد ذلك للقارئ. و بدايةً نقول إن أكثر هذه الأخبار مرويةٌ عن رواة مجهولين أو كذابين أو غلاة!! لذا لن نتعرض لأسانيدها بل سنكتفي بفحص متونها.
قبل البدء يجب أن نتذكَّرأنَّ أصحاب كل إمام من الأئمة لا يعرفون الإمام الذي بعد إمامهم، وأن المعاصرين لكل إمام كانوا يسألون إمامهم لِمَن الأمر من بعدك؟ (وتوجد في الكافي أحاديث عديدة تدل على ذلك)، بالإضافة إلى مسألة وفاة «إسماعيل» الأخ الأكبر لحضرة الكاظم (ع) قبل وفاة أبيهما الإمام الصادق (ع)، و وفاة «السيد محمد» الأخ الأكبر لحضرة العسكري (ع) قبل وفاة أبيهما الإمام الهادي (ع)[367] والانشقاقات العديدة التي وقعت بين الشيعة بعد وفاة كل إمام منذ رحيل الإمام الباقر (ع) فما بعد، كل هذه الحقائق تشكل أدلَّة دامغة على أن الشارع لم يعرِّف للمسلمين اثنا عشر إماماً بأسمائهم بالصورة الشائعة بيننا وأن الأحاديث التي تتعلق بالاثني عشر إماماً وبالإمام القائم وضعت جميعُها على لسان حضرات الصادقَيْن أو غيرهما من الأئِمَّة في زمنٍ لاحق، ولذلك حتى لو كانت أسانيد أحاديث هذا الباب صحيحةً فإن متونها معلولة لمخالفتها لحقائق التاريخ القاطعة هذه. (فتأمَّل)
أورد المَجْلِسِيّ في هذا الباب 22 حديثاً كي يبيِّن لنا علة غيبة المهدي والحكمة من غيبته. ولقد بينا في الصفحات الماضية خطأ مثل هذه الاستدلالات الواهية ولكننا مضطرون هنا لدراسة الأحاديث الخاصة بها على نحو الاختصار.
تنقسم أحاديث هذا الباب إلى قسمين:
القسم الأول: عدد من الأحاديث يذكر أن علَّة وقوع الغَيْبَة غير معروفة، بل سرٌّ من أسرار الله لم يُؤْذَن الكشف عنه، لذا ينبغي عدم السؤال عنه!! (الحديثان 4 و7). وهذا يدل على أن واضعي الأحاديث لم يكونوا مطلعين على موضوعات وأكاذيب بعضهم بعضاً، إذْ لم يعلموا أن زملاءهم من الوضاعين قد وضعوا أحاديث تُبَيِّنُ عِلَّة الغَيْبَة! وَمِنْ ثَمَّ فإن موضوعات كل فريق تذهب بعناء ما وضعه الفريق الآخر!! لأنه إذا كانت عِلَّة الغَيْبَة معروفة - كما بيَّنَتْهُ أحاديث القسم الثاني - فلماذا تقولون إن علَّة الغَيْبَة وحكمتها مجهولان وأنهما سرٌّ من أسرار الله لا ينبغي السؤال عنه؟ وإن كان الشارع قد بيَّن عِلَّة الغَيْبَة، فلماذا قلتم إن السؤال عن العِلَّة لا لزوم له؟!
ولا شك أن الشريعة التي يقول كتابُها: ﴿قُلۡ هَٰذِهِۦ سَبِيلِيٓ أَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا۠ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِي﴾ [يوسف: ١٠٧] ويقول: ﴿هَٰذَا بَصَٰٓئِرُ لِلنَّاسِ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٞ لِّقَوۡمٖ يُوقِنُونَ٢٠﴾ [الجاثية : ٢٠] ويقول: ﴿وَلَا تَقۡفُ مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌۚ إِنَّ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡبَصَرَ وَٱلۡفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَٰٓئِكَ كَانَ عَنۡهُ مَسُۡٔولٗا ٣٦﴾ [الإسراء: ٣٦] لا تدعو الناسَ إلى الإيمان الأعمى بشيء لا سيما إذا كان أصلاً من الأصول الاعتقادية[368]. (فتأمَّل)
وقد جاء في بعض أحاديث هذا القسم الأول قياس عدم كشف وجه الحكمة من غَيبة المهدي على عدم انكشاف وجه الحكمة فيما فعله الخضر أمام حضـرة موسى (ع) عندما قام الخضـر بخرق السفينة أو قتل الغلام أو إقامة الجدار، إذْ لم يكن موسى (ع) يعلم الحكمة من تلك الأعمال ولا سبب القيام بها!!! ومن جملة ذلك الحديث الرابع الذي رواه «ابْنُ عُبْدُوسٍ» المجهول عَنْ مجهولٍ آخر يُدعى «أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ الـْمَدَائِنِيُّ» عَنْ مجهولٍ ثالثٍ باسم: «عَبْدِ اللهِ بْنِ الْفَضْلِ الْهَاشِمِيِّ»! ولكن الحقيقة هي أنه:
أولاً: قام الراوي بقياس مع الفارق ليخدع بذلك العوام، وذلك لأن تعلُّم حضرة كليم الله (ع) من العبد الذي آتاه الله من لدنه علماً واتِّباعه له يتعلَّق بحضرة موسى (ع) وحده لا بأمته، ولم يكن لذلك أيُّ علاقة بعقائد أمته بل لم يكن لذلك أيُّ علاقة حتى بحضرة هارون (ع). (فَلَا تَتَجَاهَلْ).
ثانياً: رغم أن العبْدَ العَالِمَ -كما جاء في سورة الكهف- اشترط على موسى وحذَّره أن الصبرَ على أمر مجهول الغاية أمرٌ في غاية الصعوبة واستبعد أن ينجح موسى في هذا الامتحان[369]، إلا أن حضرة موسى (ع) لم يكن موافقاً على الأعمال التي قام بها العبد العالم قبل أن يطَّلع على الهدف والحكمة منها، ثم بعد أن انكشفت له علّة تلك الأعمال وحكمتها قَبِلَهَا، ولكن الأكثر أهمية أن العبد العالم بيَّن لموسى (ع) ذاته عاقبة الأعمال التي قام بها والغرض والهدف منها ولم يُبيِّن ذلك لعشرات الأجيال بعده!
ثالثاً: كان حضرة موسى (ع) نَبِيَّاً وَقَدْ أَمَرَهُ اللهُ تعالى أن يتَّبعَ العبدَ العالمَ ويتعلَّمَ منه، ولكنَّ اللهَ لم يأمر أمَّةَ الإسلام أن تتَّبع الشيخ الطوسي ورواياته غير الموثوقة، وأنتم أيضاً لم تُقدِّموا لنا شيئاً سوى الروايات. لاحظوا كيف يروي لنا عددٌ من الخرافاتيين والجهلة قصصاً فيأتي كُتَّابُنا ويقبلون حكاياتهم تعصُّباً ويُصرُّون على التمسُّك بها!
تذكير: اعلم أنه لا يوجد في القرآن الكريم ذِكْرٌ للخضر، وما شاع بين الناس من أنه شخص شرب من ماء نبع الحياة (؟! خرافة أخرى) فنالَ حياةً أبديّةً، هو من المشهورات بين العامة، ولا علاقة له مطلقاً بالقرآن الكريم، وللأسف يتم أحياناً نسبة أسطورة العمر الخالد لحضرة إلياس (ع) أيضاً. وقد بذل الشعراء والصوفية - مع الأسف- سعياً بليغاً في الترويج لاسم الخضر وأسطورته، وتمكنوا ليس من خداع العوام فقط، بل من خداع بعض علمائنا وكُتَّابنا أيضاً، مع أنه لا يوجد أي دليل عقلي أو شرعي على وجود الخضر! وقد اعتبره الصوفية المظهر الكامل للولي والمُراد والمُرشد ومظهر العلم بالباطن (؟!) وأشربت قلوبهم حبّ هذا الكائن الخيالي!!
لكن هذه الخرافة تتعارض مع القرآن الكريم القائل: ﴿وَمَا جَعَلۡنَا لِبَشَرٖ مِّن قَبۡلِكَ ٱلۡخُلۡدَۖ أَفَإِيْن مِّتَّ فَهُمُ ٱلۡخَٰلِدُونَ ٣٤ كُلُّ نَفۡسٖ ذَآئِقَةُ ٱلۡمَوۡتِ﴾ [الأنبياء: ٣٤، ٣٥]، وينبغي أن نلاحظ أن كلمة «بشر» جاءت في الآية الكريمة بصيغة النكرة، والنكرة في سياق النفي تُفيد العموم، فالآية تدلُّ على أن جميع الأَنْبياء عليهم السلام قد رحلوا عن هذه الدُّنْيَا الفانية، سواءً كان ذلك موسى أم عيسى أم إلياس، فضلاً عن الخضر الموهوم! (فَلَا تَتَجَاهَلْ). كما ذُكر في الكتب المعتبرة أن رسول الله ص قال يوم بدر: «اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تُعبَد في الأرض»[370] ولو كان الخضر أو إلياس حيين و باقيين لكانا ممن يعبد الله في الأرض ولما قال خاتم النبيين ص تلك العبارة. بناء على ذلك فكل الأحاديث التي فيها ذكر للخضر مردودة. (فتأمَّل جدَّاً).
القسم الثاني لأحاديث هذا الباب هي الأحاديث التي تبيِّن علل الغَيْبَة. فبعضها اعتبر أن الغَيْبَة «سُنَّة من سنن الأنبياء»! (الحديث رقم 3) في حين أن هذه الحجَّة مردودةٌ تماماً إذْ لم يغب أيُّ نبيٍّ من الأنبياء. فبالنسبة إلى حضرة موسى:
أولاً: لم تكن ولادة موسى (ع) ولا وجوده مشكوكاً بهما. ثانياً: إن غاب عن مصر فقد ظهر في مدين. ثالثاً: إن ذهب إلى الميقات وتأخر عشرة أيام عن الموعد الذي أخبر عنه، فقد رجع بعد ذلك إلى قومه أنفسهم الذين وعدهم بعودته إليهم ولم يرجع إلى ذُريَّاتهم الذين جاؤوا بعد عشرات القرون! وإن غاب حضرة يوسف (ع) عن كنعان فقد كان ظاهراً للناس في مصر كما كان ظاهراً لصاحِبَيْهِ في السجن وللسجانين. وإن خرج حضرة إبراهيم (ع) من مدينته ودياره -وغاب حسب قولكم- فقد ذهب إلى مكة لأجل عمارتها وتطهير بيت الله وكان ظاهراً هناك، وإن استقر حضرة يونس (ع) في بطن الحوت فقد وقع ذلك منه بعد إنجازه مهمة تبليغ قومه لا قبل إبلاغ الرسالة، وقد عاقبه الله لأنه ترك قومه قبل أن يأذن الله له بذلك، وهذا لا يُسمَّى غيبة. لماذا لا يدرس كُتَّابنا تاريخ الأنبياء ويقرؤونه جيداً ويقبلون الروايات بدون تأمل؟!
وجاء في بعض أحاديث القسم الثاني أن عِلَّة الغَيْبَة هي «الخوف من القتل»!! كما في الأحاديث رقم 1 و2 و5 و10 و16 و18 و20 إلى 22 التي أوردها المَجْلِسِيّ حول هذه العِلَّة للغَيْبَة. هذا في حين أن هذه الحجَّة مردودةٌ تماماً. لأنه إذا وجب على من هو حجَّةُ اللهِ على خَلْقِهِ أن يغيب ويستتر عن الخَلْق خوفاً من القَتْل لوجب على جميع الأنبياء الذين كان أعداؤهم أكثر عدداً والذين لم يكن لهم أي ناصر ومعين في بداية دعوتهم أن يغيبوا ولا يُظْهِرُوا أنفُسَهم لأحد! هذا في حين أن الله تعالى قال عن مُبَلِّغِي رسالاته المؤمنين: ﴿ٱلَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَٰلَٰتِ ٱللَّهِ وَيَخۡشَوۡنَهُۥ وَلَا يَخۡشَوۡنَ أَحَدًا إِلَّا ٱللَّهَ﴾ [الأحزاب : ٣٩]. أضف إلى ذلك أن الله خير الحافظين وهو قادر على حفظ حجته على الخلق كما قال لآخر حججه ص: ﴿وَٱللَّهُ يَعۡصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ﴾ [المائدة: ٦٧]. ولو كان الموجب لغيبة الحجَّة خوفه من القتل، لوجب أن يبقى غائباً إلى يوم القيامة لأن هذه العلة موجودة دائماً بل إن الخوف من القتل يزداد يوماً بعد يوم لاسيما في زماننا الذي أصبحت الأسلحة فيه أكثر تطوُّراً وفتكاً وقوَّةً فيجب إذاً أن لا يظهر المهدي مطلقاً إلى يوم القيامة!
ثم إنه في زماننا هذا أصبح الحكم والرئاسة في بلادنا بيد نائب المهدي ـ حسب قولكم ـ والناس لدينا يدعون ليل نهار قائلين: "اللهم عجِّل في فرج مولانا القائم" فلماذا لا يظهر «القائم» إذاً؟! وهل يخاف من نائبه ولا يثق به؟!
وبعض الأحاديث - في هذا القسم - تذكر أن عِلَّة الغَيْبَة هي «أن لا يكون في عُنُق المَهْدِيّ بَيْعَةٌ لأحد»، كما نجد المَجْلِسِيّ ينقل لنا هذه العِلَّة في الروايات 11 و12 و13 و14 و15 من هذا الباب!!
وهذا التبرير أو الحُجَّة في غاية الضعف! وهو يُبيِّن أن صُنَّاع المهدي لم يكونوا على علم بالتشيع وأصوله لأنه من وجهة نظر الشيعة لا تكون البيعة مشروعة ومُعتدَّاً بها شرعاً إلا إذا كانت للإمام الحق أما بيعة الإمام غير الحق وغير المنصوص عليه فهي بيعة غير شرعية ولا تنعقد أصلاً ولا بُدَّ عند الإمكان من نقضها والعودة إلى الإمام المنصوص عليه. بناءً على ذلك، فإن البيعة غير المُعتبرة وغير المشروعة للحاكم الغاصب لا يُمكنها أن تحول دون خروج الإمام أو تمنع خروجه. وليت شعري! هل امتنع حضرة السجاد (ع) أو حضرة الصادق (ع) لهذا السبب عن الخروج، ولم يُشكّلا الحكومة الإسلامية لأنه كان في عنقهما بيعة لحاكم غاصب؟! ولو كان في عنق حضرة العسكري (ع) بيعة لأحد ولهذا السبب لم يكن قادراً على الخروج لمَا كان هناك من داعٍ لوضعه تحت الإقامة الجبرية والمراقبة الدقيقة في معسكر سامراء؟!! ثم إن الفقهاء ومُبلِّغي الدين لاسيما بعد عهد الصفوية لم يكن في عنقهم بيعة لأحد فلماذا لم يظهر المهدي؟! واليوم لم يعد تقليد البيعة قائماً، فلماذا لا يظهر المهدي؟! أيّة مهملات هذه التي دُوِّنت في كتبنا منذ ألف سنة ولا زال علماؤنا يتعصَّبون لها؟!
ذكر عدد من أحاديث هذا الباب، والتوقيع الذي ورد برقم 10 في المجلد 53 من البحار (ص 180 - 181) وجه انتفاع الناس من الإمام الغائب بأنه مثل انتفاع الناس من الشَّمْس المُحتَجِبَة عن الأنظار خلف الغيوم، مع أن ذلك قياس غير مناسب، وتجنُّباً لإطالة الكتاب نُحيل القُرَّاء المحترمين إلى الدلائل المفصَّلة على بطلان هذا التشبيه في كتاب «شَاهْرَاه اتِّحَاد» [طَرِيق الاتِّحاد]، (تمحيص الحديث السادس، ص 199).
في ختام هذا الباب قام المَجْلِسِيّ بتلفيق بعض الجمل -بل الأكاذيب- فقال:
"فإن قيل أليس آباؤه (ع) كانوا ظاهرين ولم يخافوا ولا صاروا بحيث لا يصل إليهم أحد قلنا آباؤه (ع) حالهم بخلاف حاله لأنه كان المعلوم من حال آبائه لسلاطين الوقت وغيرهم أنهم لا يرون الخروج عليهم ولا يعتقدون أنهم يقومون بالسيف ويُزيلون الدول بل كان المعلوم من حالهم أنهم ينتظرون مهدياً لهم وليس يضر السلطان اعتقاد من يعتقد إمامتهم إذا أمنوهم على مملكتهم. وليس كذلك صاحب الزمان لأن المعلوم منه أنه يقوم بالسيف ويزيل الممالك ويقهر كل سلطان ويبسط العدل ويميت الجور فمن هذه صفته يخاف جانبه ويتَّقى ثورته فيتتبع ويرصد ويوضع العيون عليه ويُعنى به خوفاً من وثبته..... الخ".
وأقول: هذا الكلام كذب وباطل من عدَّة وجوه:
أولاً: كما قلنا مراراً لم يكن الإمام ولا أتباعه يعلمون من سيكون الإمام التالي فالقول بأن الجميع كانوا ينتظرون ابن حضرة العسكري كذب محض!
ثانياً: القول بأن المهدي سيُزيل الممالك ويقهر كل سلطان ويبسط العدل ويميت الجور فلا يبقى ظلم ولا جور في الأرض ولا يبقى شخص غير مسلم قول لا يتَّفق مع القرآن كما مرّ شرح ذلك فيما مضى (ص 84 و 182-184 من الكتاب الحاضر).
ثالثاً: ألم يكن حضرة سيد الشهداء -عليه آلاف التحية والثناء- مُعارضاً ومُحارباً لحكومة زمنه؟! وإن لم يكن حضرة الكاظم (ع) مُنازعاً لحكم زمنه فلماذا ألقوه في السجن؟ ولماذا كان حضرة العسكري (ع) محجوراً عليه تحت رقابة الحكم في سامراء حسب قولكم؟! ألم ينتقد أصحاب الأئمة حكومات عصرهم ويطعنوا بها ويلعنوا السلاطين ويدعوا الناس إلى رئاسة الأئمة وقيادتهم؟ ألم يكن هذا مُنازعة لذوي السلطان؟!
و يُواصل المَجْلِسِيّ تلفيقاته قائلاً:
"وأيضاً فآباؤه (ع) إنما ظهروا لأنه كان المعلوم أنه لو حدث بهم حادث لكان هناك من يقوم مقامه ويسد مسده من أولادهم وليس كذلك صاحب الزمان لأن المعلوم أنه ليس بعده من يقوم مقامه قبل حضور وقت قيامه بالسيف فلذلك وجب استتاره وغيبته وفارق حاله حال آبائه...".
ويتجاهل المَجْلِسِيّ الأحاديث التي رواها لنا والتي تقول إن الأئِمَّة السابقين يرجعون إلى الدنيا في زمن قيام المهدي لكي ينتقموا من أعدائهم الذين ظلموهم في هذه الدنيا. كما يتناسى الأخبار التي تقول إنه بعد المهدي اثني عشر مهدياً آخر!!
ثم يعرض المَجْلِسِيّ لإشكالٍ ويجيب عنه إجابةً غير صحيحة - كعادته! - فيقول:
"فإن قيل: بأي شيء يعلم زوال الخوف وقت ظهوره أبالوحي من الله؟ فالإمام لا يوحى إليه، أو بعلم ضروري؟ فذلك يُنافي التكليف، أو بأمارة توجب غلبة الظن؟ ففي ذلك تغرير بالنفس. قلنا: عن ذلك جوابان: أحدهما أن الله أعلمه على لسان نبيه وأوقفه عليه من جهة آبائه زمان غيبته المخوفة، وزمان زوال الخوف عنه، فهو يتبع في ذلك ما شرع له وأوقف عليه!!".
ويتناسى المَجْلِسِيّ أو يتجاهل أن هناك أحاديث كثيرة تقول إن العلم بزمن الظهور عند الله فقط (أَمَّا ظُهُورُ الْفَرَجِ فَإِنَّهُ إِلَى اللهِ وَكَذَبَ الْوَقَّاتُون)، علاوة على أن لدينا أخباراً تُفيد أن الأئِمَّة عَيَّنُوا وقتاً ولكن حصل في ذلك بِداء أو أنَّ اللهَ تعالى أَخَّرَ موعد الظهور لأن الشيعة حَدَّثُوا به وأذاعوه، أو لأن الشيعة وقعوا في معصية الله! أضف إلى ذلك أنكم رويتم عن المهدي نفسه أن على الشيعة أن يدعوا كي يُعجِّل الله وقت ظهوره ويجعله قريباً!! إن كل هذا الكلام المُضطرب والمُتناقض منشؤه التعصب.
[365] رواه مُحَمَّدُ بْنُ مَسْعُودٍ الْعَيَّاشِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ سَدِيرٍ - ونقله الحر العاملي عنه في وسائل الشيعة، ج 18، ص 89، حديث 47. (المُتَرْجِمُ) [366] رواه الكشي في رجاله، طبعة مشهد المحققة، ص 224. ونقله عنه المجلسي في بحار الأنوار، ج 2، ص 249 - 250. (المُتَرْجِمُ) [367] وقد تمّ حل هاتين المشكلتين من خلال طرح مسألة «البداء». [368] يقولون علماؤنا إن الإمامة والمسائل المتعلقة بها من أصول العقائد. [369] لا يُكلّف الله تعالى الرؤوف العفوّ الرحيم بأكثر من «وُسْع» الإنسان، و«الوُسع» هو أدنى الطاقة وأقلها (البقرة: 286)، فكيف يطلب من العباد العاديين أمراً لم يكن في طاقة نبيٍّ من أُولي العزم؟! [370] انظر ابن هشام، السيرة النبوية، ج 1، ص 626. (المُتَرْجِمُ)