29 - باب علامات ظهوره من السفياني والدجال وغير ذلك وفيه ذكر بعض أشراط الساعة
ذكر المجلسيّ هنا علاماتٍ عديدةً لظهور المهدي وجَمَعَ أخباراً كثيرةً في هذا الموضوع. وبغضّ النظر عن أن هذه الأخبار لا يُوثق بها ولا اعتبار لها[387]، فإن معظمها لا يُثبت ما يرمي المَجْلِسِيّ إلى إثباته منها. وتنقسم هذه الروايات وعلامات الظهور إلى عدة أقسام:
1- قسم من هذه الأخبار (كالأحاديث 2 و20 و21 و172 و.....) يتعلّق بسوء الزمان وفساد الأحوال وهو أمر عام لا يخلو منه زمن من الأزمان سواء وجد المهدي أم لم يوجد، حتى أنه في زمن الأئمة كانت الأوضاع على هذا الحال، ومن هذا النمط ما أورده المجلسيّ في الحديث الثاني عن رسول الله ص أنه قال:
"كَيْفَ بِكُمْ إِذَا فَسَدَ نِسَاؤُكُمْ وفَسَقَ شُبَّانُكُمْ ولَمْ تَأْمُرُوا بِالمَعْرُوفِ ولَمْ تَنْهَوْا عَنِ المُنْكَرِ؟ فَقِيلَ لَهُ: ويَكُونُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟! قَالَ: نَعَمْ وشَرٌّ مِنْ ذَلِكَ كَيْفَ بِكُمْ إِذَا أَمَرْتُمْ بِالمُنْكَرِ ونَهَيْتُمْ عَنِ المَعْرُوفِ؟ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ! ويَكُونُ ذَلِكَ؟! قَالَ: نَعَمْ وشَرٌّ مِنْ ذَلِكَ كَيْفَ بِكُمْ إِذَا رَأَيْتُمُ المَعْرُوفَ مُنْكَراً والمُنْكَرَ مَعْرُوفاً؟.. ".
أو ما أورده في خبر آخر من قول الله تعالى لرسول الله ص في حديث المعراج أن خروج المهدي سيكون: "إِذَا رُفِعَ العِلْمُ وظَهَرَ الجَهْلُ وكَثُرَ القُرَّاءُ وقَلَّ العَمَلُ وكَثُرَ الفَتْكُ وقَلَّ الفُقَهَاءُ الهَادُونَ وكَثُرَ فُقَهَاءُ الضَّلَالَةِ الخَوَنَةُ وكَثُرَ الشُّعَرَاءُ واتَّخَذَ أُمَّتُكَ قُبُورَهُمْ مَسَاجِدَ وحُلِّيَتِ المَصَاحِفُ وزُخْرِفَتِ المَسَاجِدُ وكَثُرَ الجَوْرُ والفَسَادُ وظَهَرَ المُنْكَرُ وأَمَرَ أُمَّتُكَ بِهِ ونَهَوْا عَنِ المَعْرُوفِ واكْتَفَى الرِّجَالُ بِالرِّجَالِ والنِّسَاءُ بِالنِّسَاءِ .....الخ"[388].
وهذه العلامات كلها من الأمور التي كانت قبل الإسلام وبعده، وكانت في عصر الصفوية أو حتى في عصرنا أيضاً، ومن جملة ذلك أننا عندما نقوم بدعوة الناس إلى توحيد العبادة ووحدة الأمة الإسلامية فإن مسؤولي البلاد ينهوننا عن ذلك بل يحكمون علينا وعلى أمثالنا بالسجن أو النفي!! بناءً على ذلك، فلا علاقة لهذه الأمور بزمن ظهور المهدي.
2- القسم الثاني: أخبار تتفق مع القرآن وتُفيد أن الأئمة لم يكونوا يعلمون الغيب. وذلك مثل الخبر السابع [الذي ينقله المجلسيّ عن كتاب قرب الإسناد] وفيه: "سَمِعْتُ الرِّضَا (ع) يَقُولُ يَزْعُمُ ابْنُ أَبِي حَمْزَةَ أَنَّ جَعْفَراً زَعَمَ أَنَّ أَبِي القَائِمُ وَمَا عَلِمَ جَعْفَرٌ بِمَا يَحْدُثُ مِنْ أَمْرِ اللهِ فَوَاللهِ لَقَدْ قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وتَعَالَى يَحْكِي لِرَسُولِهِ ص: ﴿قُلۡ مَا كُنتُ بِدۡعٗا مِّنَ ٱلرُّسُلِ وَمَآ أَدۡرِي مَا يُفۡعَلُ بِي وَلَا بِكُمۡۖ إِنۡ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰٓ إِلَيَّ وَمَآ أَنَا۠ إِلَّا نَذِيرٞ مُّبِينٞ ٩﴾ [الأحقاف: ٩]". وهذا الخبر يُكذِّب الأخبار التي تقول: إن الإمام كان يُخبر عن الأمور المُستقبلية من خلال علمه بالغيب.
3- القسم الثالث: أخبار موضوعة مخالفة للقرآن كالخبر الأول الذي في سنده «عبد الله بن سليمان» مجهول الحال والذي كان بعد رسول الله ص[389]، ويقول: "قَرَأْتُ فِي الإِنْجِيلِ وذَكَرَ أَوْصَافَ النَّبِيِّ ص إِلَى أَنْ قَالَ تَعَالَى لِعِيسَى أَرْفَعُكَ إِلَيَّ ثُمَّ أُهْبِطُكَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ لِتَرَى مِنْ أُمَّةِ ذَلِكَ النَّبِيِّ العَجَائِبَ ولِتُعِينَهُمْ عَلَى اللَّعِينِ الدَّجَّالِ أُهْبِطُكَ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ لِتُصَلِّيَ مَعَهُمْ"!!
أقول فهذا الخبر كذبٌ وموضوعٌ قطعاً لعدة دلائل:
أولاً: لا يوجد مثل هذا الكلام في الإنجيل، ولو كانت الآيات المذكورة موجودة في الإنجيل زمن «عبد الله بن سليمان» لاحتجَّ بها الأئمةُ وغيرهم قطعاً على النصارى.
ثانياً: بقاء حضرة عيسى (ع) حيَّاً حتى الآن مخالف للقرآن الكريم[390] كما ذكرنا ذلك فيما سبق (الصفحة 222 من الكتاب الحاضر). وكل بشر كان قبل محمد ص فقد تُوفي أما قضيَّة بقاء عيسى (ع) حياً ونزوله في آخر الزمن إلى الدنيا فهي قصَّة كاذبة. ولكن لحسن الحظ فإن هذا الخبر ليس منسوباً إلى أيّ إمام من الأئمة ولا ندري لماذا أورده المَجْلِسِيّ في كتابه!
4- القسم الرابع: أخبارٌ تُخالف القرآن والعقل والعلم (كالحديث 4، و14 و26 و.....) فمثلاً الحديث الرابع يُخالف سنن الله في خلقه إذ يذكر أن من علامات الظهور: "طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا" مع أن الله تعالى يقول في كتابه: ﴿وَٱلشَّمۡسُ تَجۡرِي لِمُسۡتَقَرّٖ لَّهَاۚ ذَٰلِكَ تَقۡدِيرُ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡعَلِيمِ ٣٨ وَٱلۡقَمَرَ قَدَّرۡنَٰهُ مَنَازِلَ حَتَّىٰ عَادَ كَٱلۡعُرۡجُونِ ٱلۡقَدِيمِ ٣٩ لَا ٱلشَّمۡسُ يَنۢبَغِي لَهَآ أَن تُدۡرِكَ ٱلۡقَمَرَ وَلَا ٱلَّيۡلُ سَابِقُ ٱلنَّهَارِۚ وَكُلّٞ فِي فَلَكٖ يَسۡبَحُونَ ٤٠﴾ [يس: ٣٨، ٤٠]. بناءً على ذلك، لن يقع أيّ تغيير بأيّ وجه من الوجوه في الوضع الحالي للقمر والشمس ولن يتبدل مسيرها إلى ما قبل وقوع الساعة.
وجاء في الخبر 43: "تَنْكَسِفُ الشَّمْسُ لِخَمْسٍ مَضَيْنَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ قَبْلَ قِيَامِ القَائِمِ (ع)"، ولكن جاء في الخبر 41: "آيَتَانِ بَيْنَ يَدَيْ هَذَا الأَمْرِ خُسُوفُ القَمَرِ لِخَمْسٍ وَخُسُوفُ الشَّمْسِ لِخَمْسَ عَشْرَةَ"، وجاء في الخبر 67: "تَنْكَسِفُ الشَّمْسُ فِي النِّصْفِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ والقَمَرُ فِي آخِرِهِ..." ومثله في الأحاديث 82 و84، فهذه الأحاديث يناقض بعضها بعضاً.
أقول: ومن المناسب هنا أن نذكر حديثاً صحيحاً ذكره الشيعة والسنة مراراً في كتبهم عن رسول الله ص وصححوه، عن موضوع الخسوف والكسوف، وسأنقله من كتاب «وسائل الشيعة» المعتمد والمقبول لدى جميع الشيعة:
"عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا الحَسَنِ مُوسَى (ع) يَقُولُ إِنَّهُ لَمَّا قُبِضَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ رَسُولِ الله ص جَرَتْ فِيهِ ثَلَاثُ سُنَنٍ أَمَّا وَاحِدَةٌ فَإِنَّهُ لَمَّا مَاتَ انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ فَقَالَ النَّاسُ انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ لِفَقْدِ ابْنِ رَسُولِ اللهِ ص فَصَعَدَ رَسُولُ اللهِ ص الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللهَ وأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّ الشَّمْسَ والْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ يَجْرِيَانِ بِأَمْرِهِ مُطِيعَانِ لَهُ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ ولَا لِحَيَاتِهِ فَإِذَا انْكَسَفَتَا أَوْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا فَصَلُّوا ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى بِالنَّاسِ صَلَاةَ الْكُسُوف".
بناءً على ذلك، حتى لو فرضنا أن طلوع الشمس من المغرب من علامات القيامة كما جاء في بعض الأخبار، فإن هذا لا علاقة له بالمهدي أو غير المهدي لأن المهدي ينبغي أن يظهر قبل مدة من وقوع القيامة كي ينتفع الناس به، في حين أن طلوع الشمس من مغربها لو كان له حقيقة فإنه سيكون من علامات الساعة الكبرى أي العلامات المُؤْذِنَة ببدء اختلال نظام العالَم وقيام القيامة! أو أحاديث قالت عن الدجال أن عينه في كتفه وهذا يُشبه الأساطير اليونانية! أو قالت إن ناراً تشتعل قرب مسجد المحلة (أو منازل) «سعد بن همام» وتحرق جميع منازل بني أُميَّة!! هذا مع أنه قد مضت قرون طويلة على زوال جميع منازل بني أُميَّة ولم يبقَ أثر لمحلة «سعد بن همام» ومع ذلك لم يظهر المهدي الموهوم!
5- القسم الخامس: أحاديث كثيرة مجملة أو مبهمة لا يُمكن الخروج منها بشيء مفيد، كقولها إنه ستكون حرب بين بني فلان وبني فلان (؟!) أو أن زمن انقضاء ملك بني فلان هو كذا وكذا(؟!).. الخ.
وبمعزل عن أن رواة هذه الأخبار أشخاص ضعفاء لا اعتبار لحديثهم، فإن كل إنسان يستطيع أن يُلفِّق مثل هذه الأخبار المُبهمة، وهذا لا يليق بهداة الأمة.
6- القسم السادس: كثير من هذه الأخبار يربط وقت حدوث أمر مجهول بوقوع أمر مجهول آخر كقوله مثلاً: إن من علامات القائم خروج السفياني [من الشام] وخروج اليماني [من اليمن] أو ثورة رجل حَسَني أو خروج الدجال أو الصيحة السماوية أو خَسْفٌ بالبيداء وخسف بالمغرب وخسف بالمشرق، والعجيب جداً أنه لم يسأل أحد: من هو اليماني وما شغله؟ أو من هو الحَسَني الذي سيثور؟ وإن سأل أحد لم يُعطَ إجابة صحيحة (كالحديث 38)، من هذا يُعلَم أن الذين وضعوا هذه الأخبار المُبهمة أرادوا فقط أن يُؤمِّلوا الناس في عصرهم ويُبقوهم مُستعدِّين ولم يكن قصدهم إرشاد الأمة أبداً.
7- القسم السابع: أخبارٌ تُعارض روايات "كَذَب الوقّاتون"، إذ تُحدِّد وقت الظهور!! وقد تبيَّن أن هذا التحديد لم يكن صحيحاً ولم يظهر القائم في ذلك الوقت الذي تمَّ تحديده!! وذلك مثل خبر «علي بن مهزيار» 65(الحديث 30) الذي يقول: "لَيْسَ بَيْنَ قِيَامِ قَائِمِ آلِ مُحَمَّدٍ وَبَيْنَ قَتْلِ النَّفْسِ الزَّكِيَّةِ إِلَّا خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَة"! ولكن قد مضت ألف سنة على قَتْلِ النَّفْسِ الزَّكِيَّةِ ولم يقم القائم بعد!!
وقد ترك الرواة لأنفسهم سبيلاً للهروب في مثل هذه الأخبار من خلال ذِكْر جملة «إن شاء الله» أو «ما شاء الله» في أحاديثهم!! فمثلاً الخبر الثامن يقول: "أَوَّلُ عَلَامَاتِ الفَرَجِ سَنَةَ خَمْسٍ وتِسْعِينَ ومِائَةٍ وفِي سَنَةِ سِتٍّ وتِسْعِينَ ومِائَةٍ تَخْلَعُ العَرَبُ أَعِنَّتَهَا وفِي سَنَةِ سَبْعٍ وتِسْعِينَ ومِائَةٍ يَكُونُ الفَنَاءُ وفِي سَنَةِ ثَمَانٍ وتِسْعِينَ ومِائَةٍ يَكُونُ الجَلَاءُ! فَقَالَ: أَمَا تَرَى بَنِي هَاشِمٍ قَدِ انْقَلَعُوا بِأَهْلِيهِمْ وأَوْلَادِهِمْ؟ فَقُلْتُ: لَهُمُ الجَلَاءُ. قَالَ: وغَيْرُهُمْ [غَيْرِهِمْ] وفِي سَنَةِ تِسْعٍ وتِسْعِينَ ومِائَةٍ يَكْشِفُ اللهُ البَلَاءَ إِنْ شَاءَ اللهُ"!
ونقول: إن الله يفعل ما يشاء في السنوات كلها. وفي الوقت ذاته تجنَّب الإمام في هذا الحديث إعطاء جواب واضح وصريح على بعض الأسئلة. وقال: ليس من المصلحة لكم أن أُخبركم!! من هذا يتبيَّن أن هذه الأخبار موضوعة ولعلَّ اللهَ أرادَ أنْ تكونَ وسيلةً لفضح أولئك الذين ادَّعوا أن الأئمَّة يعلمون الغيب. أو جاء في الحديث رقم 112 أن المهدي سيخرج "مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ بِتُرَاثِ رَسُولِ اللهِ ص! فسأل الراوي: وَمَا تُرَاثُ رَسُولِ اللهِ ص؟ فَقَالَ: سَيْفُهُ وَدِرْعُهُ وَعِمَامَتُهُ وَبُرْدُهُ وَقَضِيبُهُ وَفَرَسُهُ وَلَأْمَتُهُ وَسَرْجُهُ"! هذا في حين أن فَرَسَ رسول الله ص مات منذ قرون. فلعلَّ هؤلاء الرواة كانوا من المؤمنين بِرَجْعَةِ الفَرَسِ أيضاً!! كما أن قماش العمامة والبردة اهترئ واندثر تماماً خلال ألف عام! وليت شعري!
ولا يخفى أن المَجْلِسِيّ لما كان أجيراً للملوك الصفوية المنحرفين فقد طبَّق بعض هذه الأخبار عليهم ومن جملة ذلك الحديثان 104 و116؟! فالحديث 116 يقول: "كَأَنِّي بِقَوْمٍ قَدْ خَرَجُوا بِالمَشْرِقِ [هذا في حين أن الصفوية دخلوا إلى البلاد من شمال غرب إيران وليس من شرقها] يَطْلُبُونَ الحَقَّ فَلَا يُعْطَوْنَهُ ثُمَّ يَطْلُبُونَهُ فَلَا يُعْطَوْنَهُ فَإِذَا رَأَوْا ذَلِكَ وَضَعُوا سُيُوفَهُمْ عَلَى عَوَاتِقِهِمْ فَيُعْطَوْنَ مَا سَأَلُوا فَلَا يَقْبَلُونَهُ حَتَّى يَقُومُوا وَلَا يَدْفَعُونَهَا إِلَّا إِلَى صَاحِبِكُمْ".
يقول المجلسيّ بعد هذه الرواية: "بيان: لا يبعد أن يكون إشارة إلى الدولة الصفوية شيَّدها الله تعالى و وصلها بدولة القائم (ع)" ؟!
إن المَجْلِسِيّ يرى أن الدولة الصفوية - رغم كل فساد ملوكها وشربهم الخمر وممارستهم اللواط وارتكابهم الجرائم الفظيعة وقتل العلماء أو إجبارهم على الهروب، كانت دولة طالبة للحق!! وهو يدعو أن تبقى هذه الدولة حتى زمن ظهور المهدي!!
أيُّها القارئ المحترم! هل يُمكن أن يعتَبِرَ حضرةُ الباقر (ع) الضالين الغلاة من أتباع فرقة «أهل حق» المنحرفين طُلاباً للحق؟!
وَعَلَى كُلِّ حَال، فمن حيث المبدأ لا يُمكن الاعتماد على مثل هذه الأخبار التي تتحدث عن أمور مستقبلية والتي لا نملك مستنداً شرعياً قويماً على وقوعها، وهي تشبه من يُخبر قائلاً: سيأتي يومٌ تُعَبَّد فيه الأرض كلُّها ويتمّ تمديد أنابيب الغاز إلى جميع المنازل وتجري فيه كثير من قطارات الأنفاق تحت الأرض، فمثل هذه المسائل حتمية[391]. أيُّ دليل لديكم على كذب مثل هذا الخبر الأخير وما الفرق بين التنبؤات التي تُقدِّمها هذه الروايات وبين تنبؤات الطبيب أو العالم الفلاني؟ علينا أن نقول: إن أياً من هذه التنبؤات لا يملك مستنداً ولا دليلاً من الكتاب السماوي ولذا فقد يقع بعضها ولا يقع الآخر ولكننا لا يُمكننا أن نلتزم بها من الناحية الشرعية. (فَتَأَمَّل).
والكلمة الأخيرة، إن كثيراً من روايات هذا الباب روايات فاضحة إلى درجة تُغنينا عن دراستها ونقدها لأن متنها ذاته يدل بكل وضوح على بُطلانها، ولذلك فإن الخطباء في زماننا لا يُبَيِّنون مثل هذه الأخبار للشباب المُتعلّم والمُثقَّف!
والنقطة الأخرى أن «المُعَلَّى بن خُنيس» -وبالمناسبة كثيرٌ من الروايات المُتعلّقة بالنيروز من وضعه- قال: "يَوْمُ النَّيْرُوزِ هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي يَظْهَرُ فِيهِ قَائِمُنَا أَهْلَ الْبَيْت"! (الحديث 171 في هذا الباب والحديث 84 من الباب التالي).
في هذا الباب أحاديثُ تمّ الاستشهاد فيها على نحو غير صحيح بآيات من القرآن الكريم، مما يُبيِّن أن رواة هذه الأحاديث كانوا أميين جهلة قاموا بوضع تلك الأحاديث ونسبوها إلى أحد الأئمة. من جملة ذلك استشهادهم بالآية 86 من سورة هود التي ذكرنا توضيحات بشأنها أكثر من مرَّة.
بعض هذه الأحاديث أيضاً (كالحديث 96) يقول: إن المهدي يأتي بكتاب جديد (؟!) مما يدل على تحريف القرآن. أو أحاديث تقول: إنه لن يبقى عند ظهور المهدي أيُّ إنسان غير مسلم (= ولا يستبقي أحداً) وهذا كما قلنا مراراً مخالف للقرآن الكريم وهذا وحده يكفي لإثبات بطلان هذه الأحاديث. هذا بمعزل عن أن رواة هذه الأحاديث أشخاص مثل «ابن البطائني» لا اعتبار لحديثهم. والحديث 90 مروي عن «عُمَر بن سَعْد» القائد العسكري لجيش قاتلي الإمام الحسين(ع) الذي لم يكن يعتبر الإمام الحسين منصوباً من عند الله فما بالك باعتقاده بحفيده التاسع؟!!
كما قلنا تمّ الاستشهاد في بعض روايات هذا الباب بآيات من القرآن الكريم لبيان علامات الظهور في حين أن الآيات المذكورة لا علاقة لها بذلك مُطْلَقاً [392]، وسنذكر فيما يلي للقراء الكرام بعض هذه الآيات:
* 1- ﴿وَقَالُواْ لَوۡلَا نُزِّلَ عَلَيۡهِ ءَايَةٞ مِّن رَّبِّهِۦۚ قُلۡ إِنَّ ٱللَّهَ قَادِرٌ عَلَىٰٓ أَن يُنَزِّلَ ءَايَةٗ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ ٣٧﴾ [الانعام: ٣٧].
كان مشركو مكَّة يقترحون -لجاجاً وعناداً- على النبيِّ ص أن يأتيهم بآيات ومعجزات ويطلبون منه طلبات في غير محلها كمطالبتهم إيَّاه أن يُنَزِّل عليهم ملاكاً من السماء، كما تبين الآيات التالية: ﴿وَقَالُواْ لَوۡلَآ أُنزِلَ عَلَيۡهِ مَلَكٞۖ وَلَوۡ أَنزَلۡنَا مَلَكٗا لَّقُضِيَ ٱلۡأَمۡرُ ثُمَّ لَا يُنظَرُونَ ٨ وَلَوۡ جَعَلۡنَٰهُ مَلَكٗا لَّجَعَلۡنَٰهُ رَجُلٗا وَلَلَبَسۡنَا عَلَيۡهِم مَّا يَلۡبِسُونَ ٩﴾ [الانعام: ٨، ٩]. فَرَدَّ اللهُ على اقتراحهم بأنه بمعزل عن كون القرآن الكريم ذاته معجزة كبرى، أولاً: لو أنزلنا مَلَكَاً، فلن يبقى للمشركين عندئذٍ مجالٌ ولا مُهْلَةٌ للإيمان الاختياري، وسيستحقون العذابَ حينذاك. ثانياً: لو أنزلنا مَلَكَاً فسيأتيهم بصورة رجل وَمِنْ ثَمَّ فلن يكف المشركون عن تحجُّحهم ولجاجهم (يُراجَع تفسير «التبيان» للشيخ الطوسي، وتفسير «مفاتيح الغيب» للفخر الرازي) لا سيما أنهم كانوا يطالبون بتلك المعجزة من باب اللجاج لا بقصد الإيمان لأنهم كانوا أساساً يستهزئون بآيات الله أو يقولون إنها سحرٌ وليست بمعجزات!! (الصافات: 13 إلى 15، و يس: 46، والأعراف: 132 و146، والأنعام: 4 و25 و.....).
بعد أن عرفنا هذا المعنى الواضح للآيات، نرى «عَلِيَّ بْنَ إِبْرَاهِيمَ القُّمِّيَّ» يروي عن «أبي الجارود» (الحديث 4) [عن الإمام الباقر (ع)]: أن المقصود من كلمة «الآية» في هذه الآية هو دابة الأرض والدجَّال ونزول عيسى وطلوع الشمس من مغربها!! وإذا عرفنا أن سورة الأنعام مكّيّة فهل من المعقول أن يقول مشركو مكَّة للنبيِّ: هلّا تأتِنا بآيةٍ معجزةٍ من ربِّك، فيجيبهم النبيّ: اصبروا حتى يأتي الدجَّال وتطلع الشمس من مغربها؟!
* 2- ﴿إِنَّمَا مَثَلُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا كَمَآءٍ أَنزَلۡنَٰهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَٱخۡتَلَطَ بِهِۦ نَبَاتُ ٱلۡأَرۡضِ مِمَّا يَأۡكُلُ ٱلنَّاسُ وَٱلۡأَنۡعَٰمُ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَخَذَتِ ٱلۡأَرۡضُ زُخۡرُفَهَا وَٱزَّيَّنَتۡ وَظَنَّ أَهۡلُهَآ أَنَّهُمۡ قَٰدِرُونَ عَلَيۡهَآ أَتَىٰهَآ أَمۡرُنَا لَيۡلًا أَوۡ نَهَارٗا فَجَعَلۡنَٰهَا حَصِيدٗا كَأَن لَّمۡ تَغۡنَ بِٱلۡأَمۡسِۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ ٢٤﴾ [يونس : ٢٤].
في هذه الآية الكريمة يُشبِّه الله تعالى الحياةَ الدنيا المؤقتة سريعة الزوال بالأرض الخضراء النَّضِرة المليئة بالنباتات من كل نوع والتي تنزل بها فجأةً جائحةٌ سماويةٌ فتجعلها حصيداً كأن لم تغنَ بالأمس، فكذلك لا يمكن الركون إلى الحياة الدنيا والاطمئنان إليها، بل الله يدعوكم لدار البقاء الأبدية لأن فيها الحياة الباقية التي يمكن الاعتماد عليها، لكن المجلسيّ يروي عن الإمام الباقر وعن «محمد بن الحنفية» (الحديث 9 في باب التمحيص والنهي عن التوقيت، والحديثان 127 و161 من الباب الحالي: باب علامات ظهوره...) أن المقصود من ﴿حَتَّىٰٓ إِذَآ أَخَذَتِ ٱلۡأَرۡضُ زُخۡرُفَهَا وَٱزَّيَّنَتۡ﴾ هم بنو العباس الذين وصلوا إلى سُدَّة الخلافة ثم أخذتهم الصيحة فأهلكتهم (ولا يُسْتَبْعَد أن تكون هذه الأحاديث من وضع الكيسانية). فانظروا بالله عليكم كيف يتم التلاعب بمعاني آيات كتاب الله!!
3- ﴿قُلۡ أَرَءَيۡتُمۡ إِنۡ أَتَىٰكُمۡ عَذَابُهُۥ بَيَٰتًا أَوۡ نَهَارٗا مَّاذَا يَسۡتَعۡجِلُ مِنۡهُ ٱلۡمُجۡرِمُونَ ٥٠﴾ [يونس : ٥٠]. إذا لاحظنا أن سورة يونس مكية، وأن المشركين كانوا يقولون في مكة: متى يأتي هذا العذاب الذي تَعِدُونَنَا به إن كنتم صادقين؟ فيردُّ الله عليهم أنه إذا وقع العذاب فستؤمنون به ولكن إيمانكم عندئذٍ لن ينفعكم، وأنتم الآن تستعجلون بالعذاب قبل وقوعه استهزاءً وإنكاراً في حين أن الاستعجال بالعذاب ليس أمراً حكيماً، ولكن اعلموا أن وقت العذاب محدَّدٌ عند الله فإذا وقع فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ. (راجعوا الآيات من 44 إلى 57 من سورة يونس).
لكن المجلسي ينقل لنا (الحديث 10) عن «عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ» الأحمق عن «أبي الجارود» الذي لا اعتبار لحديثه، روايةً تُفَسِّر العذاب المذكور في الآية بأنه: "... عَذَابٌ يَنْزِلُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ عَلَى فَسَقَةِ أَهْلِ القِبْلَةِ وَهُمْ يَجْحَدُونَ نُزُولَ العَذَابِ عَلَيْهِمْ"!!
أقول: هل كان مجرمو مكّة يستعجلون قيام القائم ونزول العذاب في آخر الزمن؟! ثانياً: لم يكن مسلمو مكة هم الذين يستعجلون العذاب، لكن الحديث الجاهل جَعَلَ الآيةَ بشأن أهل القبلة!! ثم ما علاقة هذا الحديث بعلامات ظهور المهدي؟!
4- ﴿وَلَنَبۡلُوَنَّكُم بِشَيۡءٖ مِّنَ ٱلۡخَوۡفِ وَٱلۡجُوعِ وَنَقۡصٖ مِّنَ ٱلۡأَمۡوَٰلِ وَٱلۡأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَٰتِۗ وَبَشِّرِ ٱلصَّٰبِرِينَ ١٥٥﴾ [البقرة: ١٥٥].
أقول: ضمير «كم» في هذه الآية خطاب للحاضرين زمن رسول الله ص ولسائر المؤمنين إلى يوم القيامة، كما جاء في مواضع أخرى من القرآن أن الله سيمتحن جميع الناس ويختبرهم، فالآية عامَّة ولا تدلُّ على زمن خاصٍّ بأي وجهٍ من الوجوه.
لكن المجلسيّ روى في هذا الباب (الأحاديث 28 و93 و94) عن رواة ضعفاء أن المقصود الخوف من ملوك بني فلان (؟!) وأن المقصود من «الجوع» في الآية الجوع قبل قيام القائم, وأن المقصود من «الخوف» الخوف بعد قيام القائم!
5 - ﴿فَٱسۡتَبِقُواْ ٱلۡخَيۡرَٰتِۚ أَيۡنَ مَا تَكُونُواْ يَأۡتِ بِكُمُ ٱللَّهُ جَمِيعًاۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ ١٤٨﴾ [البقرة: ١٤٨]. هذه الآية جاءت في سياق آيات مرتبطة بما قبلها وتنهى المؤمنين عن التنازع بشأن القِبْلَة وتدعوهم إلى التسابق بدلاً من ذلك في أفعال الخير والأعمال الصالحة وأن الله سيجمعكم جميعاً يوم القيامة ويحكم بينكم. لكن المَجْلِسِيّ أورد (الحديث 105 في هذا الباب) نقلاً عن كتاب «الغيبة» للنعماني المليء بالخرافات عن قول رواة ضعفاء نسبوا إلى حضرة باقر العلوم (ع) قوله بشأن آية: ﴿أَيۡنَ مَا تَكُونُواْ يَأۡتِ بِكُمُ ٱللَّهُ جَمِيعًا﴾ [البقرة: ١٤٨]: "فَيَجْمَعُ اللهُ عَلَيْهِ أَصْحَابَهُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا وَيَجْمَعُهُمُ اللهُ عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ قَزَعاً كَقَزَعِ الْخَرِيفِ، وَهِيَ يَا جَابِرُ الْآيَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا اللهُ فِي كِتَابِهِ: أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"![393]. إن الراوي الجاهل لم ينتبه لكون أفعال الآية وضمائرها تخاطب معاصري النبي ص لا أفراداً غير موجودين ممن سيأتي بعد قرون حين ظهور المهدي!! علينا أن نقول: أَلَا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الكَاذِبِيْنَ!
والآيةُ الأخرى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ ءَامِنُواْ بِمَا نَزَّلۡنَا مُصَدِّقٗا لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبۡلِ أَن نَّطۡمِسَ وُجُوهٗا فَنَرُدَّهَا عَلَىٰٓ أَدۡبَارِهَآ أَوۡ نَلۡعَنَهُمۡ كَمَا لَعَنَّآ أَصۡحَٰبَ ٱلسَّبۡتِۚ وَكَانَ أَمۡرُ ٱللَّهِ مَفۡعُولًا ٤٧﴾ [النساء : ٤٧]
هذه الآية خطاب لأهل الكتاب - وخاصَّةً اليهود - (تُراجَع الآيات التي قبلها وبعدها أي من الآية 44 حتى 54).
لكن المجلسيّ يروي (في الحديث 105) نقلاً عن كتاب «الغيبة» للنعماني الخرافاتي عن رواةٍ ضعفاء عن حضرة الباقر (ع): أن الآية نزلت في جيش السفياني ولا ندري ما دليله على ذلك!
6- ﴿إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّٰبِينَ وَيُحِبُّ ٱلۡمُتَطَهِّرِينَ ٢٢٢﴾ [البقرة: ٢٢٢].
أيها القارئ المحترم! أرجو منك أن تقرأ هذه الآية الكريمة من سورة البقرة بصورتها الكاملة ثم انظر إلى هذا الحديث المرفوع الذي لا اعتبار له (الحديث 167) الذي ينسب إلى أمير المؤمنين علي ÷ قوله: إن المقصود من التوَّابين في هذه الآية جيش اليماني وجيش خراسان وأمثالهم من آل محمد!
بالله عليكم انظروا كيف تلاعب واضعوا هذه الرواية بالقرآن على لسان عليٍّ ÷ !
7 - ﴿مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِيَذَرَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ عَلَىٰ مَآ أَنتُمۡ عَلَيۡهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ ٱلۡخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ﴾ [آل عمران: ١٧٩]. هذه الآية تتعلّق بغزوة «أُحد» وتقول إن الله تعالى لن يترك المؤمنين -ومن جملتهم أصحاب النبيّ ص - على حالهم بل سيمتحنهم في المواقف المختلفة والحوادث المُتنوِّعة، ومن جملتها الحرب، كي يتميَّز المؤمنون الحقيقيون مِن مُدَّعي الإيمان. لكن المَجْلِسِيّ يروي عن «العياشي» الخرافاتي روايةً (الحديث 86) يُنْسَبُ فيها للإمام الصادق (ع) أنه قال: "لَا تَمْضِي الْأَيَّامُ وَاللَّيَالِي حَتَّى يُنَادِيَ مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ يَا أَهْلَ الْحَقِّ اعْتَزِلُوا! يَا أَهْلَ الْبَاطِلِ اعْتَزِلُوا! فَيَعْزِلُ هَؤُلَاءِ مِنْ هَؤُلَاءِ، وَيَعْزِلُ هَؤُلَاءِ مِنْ هَؤُلَاءِ. قَالَ قُلْتُ: أَصْلَحَكَ اللهُ! يُخَالِطُ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ بَعْدَ ذَلِكَ النِّدَاءِ؟ قَالَ: كَلَّا إِنَّهُ يَقُولُ فِي الْكِتَابِ: ﴿مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِيَذَرَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ عَلَىٰ مَآ أَنتُمۡ عَلَيۡهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ ٱلۡخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ﴾".
وينبغي أن نقول: إن هذا المعنى مخالف للآية التي قالت إن المؤمنين سيتميَّزون بواسطة الامتحانات لا بواسطة نداء سماوي، والآية مُتعلِّقة بجميع المؤمنين لا بالناس زمن المهدي فقط!! أَفَلَا تَعْقِلُونَ؟
8 - ﴿فَٱخۡتَلَفَ ٱلۡأَحۡزَابُ مِنۢ بَيۡنِهِمۡۖ فَوَيۡلٞ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن مَّشۡهَدِ يَوۡمٍ عَظِيمٍ ٣٧﴾ [مريم: ٣٧]. يُبيِّن الله تعالى في الآيات من 16 وحتى 40 من سورة مريم المباركة -وهي سورة مكية- سيرة حضرة مريم وحضرة عيسى -عليهما السلام-، ثم بيَّن أن فرق النصارى المختلفة اختلفت حول عيسى (ع). وخلاصة الكلام، أن المُفسِّرين جميعاً اعتبروا أن هذه الآيات تتعلّق بعيسى وأمه. لكن المجلسيّ روى عن الإمام الباقر (الخبران 87 و95) أنه قال: "... وَ إِنَّ أَهْلَ الشَّامِ يَخْتَلِفُونَ عِنْدَ ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثِ رَايَاتٍ الأَصْهَبِ وَالأَبْقَعِ وَ السُّفْيَانِيِّ مَعَ بَنِي ذَنَبِ الحِمَارِ مُضَرُ وَمَعَ السُّفْيَانِيِّ أَخْوَالُهُ مِنْ كَلْبٍ فَيَظْهَرُ السُّفْيَانِيُّ وَمَنْ مَعَهُ عَلَى بَنِي ذَنَبِ الحِمَارِ حَتَّى يَقْتُلُوا قَتْلًا لَمْ يَقْتُلْهُ شَيْءٌ قَطُّ وَيَحْضُرُ رَجُلٌ بِدِمَشْقَ فَيُقْتَلُ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ قَتْلًا لَمْ يَقْتُلْهُ شَيْءٌ قَطُّ وَهُوَ مِنْ بَنِي ذَنَبِ الحِمَارِ وَهِيَ الآيَةُ الَّتِي يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَاخْتَلَفَ الأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ"!! كما روى عن أَمِيرِ الـْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ (الحديث 95 في هذا الباب نقلاً عن كتاب «الغيبة» للنعماني أيضاً) "أنه سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَٱخۡتَلَفَ ٱلۡأَحۡزَابُ مِنۢ بَيۡنِهِمۡ﴾ [مريم: ٣٧] فَقَالَ: انْتَظِرُوا الْفَرَجَ مِنْ ثَلَاثٍ! فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! وَمَا هُنَّ؟ فَقَالَ: اخْتِلَافُ أَهْلِ الشَّامِ بَيْنَهُمْ وَالرَّايَاتُ السُّودُ مِنْ خُرَاسَانَ ......الخ"!!
9- ﴿سَنُرِيهِمۡ ءَايَٰتِنَا فِي ٱلۡأٓفَاقِ وَفِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمۡ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّ﴾ [فصلت: ٥٣]. المراد من ضمير الهاء في قوله «أنه الحق»: اللهُ أو القرآنُ، بمعنى أنه كلما تقدم الزمان واكتشف البشر آيات الله في خلقهم وفي الكون أدركوا أكثر حقانية القرآن. ولكن المجلسيّ يروي هنا عن الإمام قوله (في الحديثين 83 و110): "إن المقصود من «أنه الحق»: المهدي وظهوره الذي سيفهم الناس أنه الحق". وليت شعري من أي موضع في الآية استخرج موضوع المهدي؟؟ وهل من المعقول أن يقول الله تعالى لمشركي مكَّةَ: سنظهر لكم قريباً جداً أن المهدي حقٌّ!!
6610- ﴿إِن نَّشَأۡ نُنَزِّلۡ عَلَيۡهِم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ ءَايَةٗ فَظَلَّتۡ أَعۡنَٰقُهُمۡ لَهَا خَٰضِعِينَ ٤﴾ [الشعراء : ٤]. هذه الآية مكية وهي خطاب للكفار ولا علاقة لها بالمهدي لكن المَجْلِسِيّ يروي حديثاً منسوباً إلى الإمام الباقر (ع) (الحديث 84 في هذا الباب، والحديث 12 في باب «يوم خروجه وما يحدث عنده»): "يَقُولُ إن المقصودين بالآية هُمْ بَنُو أُمَيَّةَ وَشِيعَتُهُمْ وأن ذلك سيقع فِي زَمَانِ السُّفْيَانِيِّ"!! في حين أن بني أُميَّة هلكوا منذ قرون متمادية ولم يظهر السفياني ولا المهدي!! [394] تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَة.
لقد أتينا بنماذج لأحاديث تلاعب فيها الرواة الوضَّاعون بمعاني آيات القرآن توصُّلاً إلى تحقيق مقاصدهم، ونكتفي بهذا المقدار ونعتقد أن القارئ بإمكانه أن يُدرك كذب الرواة بشأن ما رووه من أحاديث منسوبة إلى الأئمة حول سائر الآيات القرآنية!
[387] وكما قلنا مراراً لو اجتمع لدينا ألف صفر لم ينشأ منها أيّ عدد. [388] جاء هذا ضمن الحديث الطويل رقم 172 الذي أورده المجلسيُّ في هذا الباب في الجزء 52 من بحار الأنوار: ص 277- 278. [389] لقد كان الإنجيل زمن رسول الله ص مُحرّفاً، وعلى هذا الأساس أصبحوا منكرين لذكر رسول الله ص في الإنجيل. [390] أي مخالف لقوله تعالى: ﴿إِذۡ قَالَ ٱللَّهُ يَٰعِيسَىٰٓ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ﴾ [ال عمران: ٥٥] ، ولقوله تعالى عن قول عيسى: ﴿وَكُنتُ عَلَيۡهِمۡ شَهِيدٗا مَّا دُمۡتُ فِيهِمۡۖ فَلَمَّا تَوَفَّيۡتَنِي﴾ [المائدة: ١١٧]. ولقوله تعالى في سورة الأنبياء: ﴿وَمَا جَعَلۡنَا لِبَشَرٖ مِّن قَبۡلِكَ ٱلۡخُلۡدَۖ أَفَإِيْن مِّتَّ فَهُمُ ٱلۡخَٰلِدُونَ ٣٤﴾ [الأنبياء: ٣٤]. (المُتَرْجِمُ) [391] وهذا يُشبه التنبؤات التي كتبها الكاتب الفرنسي «جول فيرن» عن أوضاع المستقبل. [392] هذا بصرف النظر عن أن بعض الأحاديث التي أوردها المَجْلِسِيّ في هذا الباب لا تتعلق بعلائم ظهور المهدي وقد أوردها المَجْلِسِيّ في هذا الباب دون مناسبة. [393] تُراجع أيضاً الأحاديث 10 و21 و26 و37 و78 من الباب التالي. [394] راجعوا الكتاب الحاضر، ص 173. وقد تم الاستشهاد بهذه الآية في الأحاديث 12 و13 و14 و15 و40 و41 و74 في المجلد 52 من «بحار الأنوار»، باب «يوم خروجه وما يحدث عنده»!!