بعض الدلائل العقلية على نفي الإمامة الحصريَّة
1- من حيث المبدأ إذا كان المقصود من الإمام رئيس المسلمين الذي بيده زمام السلطة وتدبير الأمور، فمن الواضح أن المسلمين يحتاجون منذ رحيل رسول الله ص وإلى يوم القيامة إلى أكثر من اثني عشر رئيساً. إن مثل هذا العدد [12] يمكنه أن يؤمِّنَ أئمَّةً يقودون المسلمين لمدة مئتين وخمسين عاماً أو ثلاثمئة عام ونيِّف، أي فترة حياتهم، أما إمامة الأموات للأحياء فلا معنى لها. هل أرشد ذلك الإمام الموهوم الغائب حتى الآن إنساناً ما أو دفع أعداء الإسلام وردَّ شرَّهم عن المسلمين؟!! بالطبع لا. نعم، لقد قام مُخترعو المذاهب بوضع رؤى وخيالات وقصص كاذبة لا تتفق مع عقل ولا نقل. ولكن الإمام إذا قُصد به معنى المُرشد الديني فهو لا ينحصر بالتأكيد في ستة أشخاص أو في اثني عشر نفراً بل وظيفة كل عالم مُتديّن وواجبه أن يُرشد الناس ويهديهم وعليه أن يسعى أن يكون أُسوةً للآخرين وأن يكون سبَّاقاً للآخرين في أعمال الخير.
بناءً على ذلك، لا يُمكن للدِّين الذي يجب أن يتديَّن الناسُ به مئة ألف سنة ويحتاج حتى يوم القيامة إلى حاكم يُدير زمام أمورهم ويُنفِّذ أحكامه فيهم أن تكون الإمامة فيه [بمعنى الرئاسة الزمنية] مُنحصرةً بـ 4 أو 6 أو 12 شخصاً. (فَتَأَمَّل).
2- ثم إن القرآن الكريم يقول: ﴿وَأَمۡرُهُمۡ شُورَىٰ بَيۡنَهُمۡ﴾ [الشورى: ٣٨]. فأحال أمور المسلمين إلى الشورى، ولم يستثنِ من ذلك أمر الرئاسة والزعامة وتدبير زمام الأمور، ويُؤَيِّد ذلك ما جاء عن أمير المؤمنين ÷ في الرسالة السادسة من نهج البلاغة حين قال: «وإِنَّمَا الشُّورَى لِلْمُهَاجِرِينَ والأنْصَارِ فَإِنِ اجْتَمَعُوا عَلَى رَجُلٍ وسَمَّوْهُ إِمَاماً كَانَ ذَلِكَ لِـلَّهِ رِضًا» (نهج البلاغة، الرسالة 6)، وعشرات الأخبار الأخرى. فهل نستطيع بعد ذلك أن نقول إن جميع هذه المطالب والأخبار خطأ وأخبار الوضَّاعين والمجاهيل صادقة؟!
ولا شك أن عدم اطِّلاع أولئك الأفراد الاثني عشر أو الستة على هذا الادِّعاء دليل واضح في حدِّ ذاته على بُطلان الإمامة بمعناها المشهور بيننا. فنحن نعلم أن حضرة الإمام الصادق ÷ عرَّف بابنه إسماعيل بوصفه الإمام من بعده، وأن الإمام الهادي ÷ عرَّف بابنه السيد محمد بوصفه الإمام من بعده أيضاً، ولكن إسماعيل والسيد محمد كليهما تُوفِّيا قبل وفاة أبويهما!! فاضطر صُنَّاع المذاهب إلى توجيه هذه المعضلة بأنواع التوجيهات الباردة واستطاعوا أن يخدعوا فريقاً من العوام ويُقنعوهم بكلامهم! وكذلك عندما كان ابن الإمام السابق طفلاً غير بالغ اخترعوا له معجزات أو كرامات أو توجيهات غير منطقية ليُقنعوا بذلك العوام ويُسكتوهم! ولمعرفة هذه القضايا والمسائل بالتفصيل تُراجع الكتب ذات العلاقة ومنها الكتب التي أشرنا إليها في الصفحات السابقة.
فإذا عرفنا وأصبح من المُسلَّم به لدينا أن لا صحَّة للقول بأن الأئمة أربعة أشخاص أو ستة أشخاص أو اثني عشر شخصاً وأنه قولٌ مخالف لكتاب الله وللعقل والتاريخ، فينبغي أن ننظر: عندما يُصرِّح القرآن بأنه ليس بعد رسول الله ص حُجَّةٌ [النساء: 165] وعندما يُصرِّح أمير المؤمنين علي ÷ في إحدى خطبه قائلاً: «..تَمَّتْ بِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ص حُجَّتُهُ» (نهج البلاغة، الخطبة 91)، ويقول كذلك: «..فَقَفَّى بِهِ الرُّسُلَ وخَتَمَ بِهِ الْوَحْيَ» (نهج البلاغة، الخطبة 133)، فكيف يكون لدينا بعد النبيّ 4 حُجج من الله أو 6 أو 12 خلافاً لكل ما مرَّ من آيات وأخبار وللعقل، وكيف يُمكننا أن نقبل بالإمام الثاني عشر [الغائب]؟!!
أضف إلى ذلك أن القرآن الكريم بيَّن لنا صفات المؤمنين وبيَّن لنا الأمور التي يجب على كل مؤمن أن يُؤمن بها والصفات التي يجب عليه أن يتَّصف بها، فقال: ﴿قُولُوٓاْ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡنَا وَمَآ أُنزِلَ إِلَىٰٓ إِبۡرَٰهِۧمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَ وَٱلۡأَسۡبَاطِ وَمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَآ أُوتِيَ ٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمۡ لَا نُفَرِّقُ بَيۡنَ أَحَدٖ مِّنۡهُمۡ وَنَحۡنُ لَهُۥ مُسۡلِمُونَ ١٣٦ فَإِنۡ ءَامَنُواْ بِمِثۡلِ مَآ ءَامَنتُم بِهِۦ فَقَدِ ٱهۡتَدَواْ﴾ [البقرة: ١٣٦، ١٣٧]، ومثلها الآيتان 177 و 285 من سورة البقرة والآية 136 من سورة النساء التي ذكرناها في بداية الكتاب الحاضر ص101، والآية الكريمة التي تقول: ﴿وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦٓ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلصِّدِّيقُونَۖ وَٱلشُّهَدَآءُ عِندَ رَبِّهِم﴾ [الحديد: ١٩]، وقوله تعالى أيضاً: ﴿إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتۡ قُلُوبُهُمۡ وَإِذَا تُلِيَتۡ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتُهُۥ زَادَتۡهُمۡ إِيمَٰنٗا وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ يَتَوَكَّلُونَ ٢ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ ٣ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ حَقّٗاۚ لَّهُمۡ دَرَجَٰتٌ عِندَ رَبِّهِمۡ وَمَغۡفِرَةٞ وَرِزۡقٞ كَرِيمٞ ٤﴾ [الأنفال: ٢، ٤]، وقوله كذلك: ﴿إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ ثُمَّ لَمۡ يَرۡتَابُواْ وَجَٰهَدُواْ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۚ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلصَّٰدِقُونَ ١٥﴾ [الحجرات: ١٥]. فكما تُلاحظون لم تأتِ أيُّ إشارة في هذه الآيات -التي ذَكَرَتْ صفات المؤمنين الحقيقيين- إلى وجوب الإيمان بأئمَّةٍ منصوبين مِنْ قِبَلِ الله. فكيف جعل صُنَّاع المذاهب الاعتقاد بالإمامة الإلهية (أي المنصوص عليها والمفروضة من الله) أصلاً من أصول مذهبهم؟ أَفَلَا تَعْقِلُونَ؟!
إضافةً إلى ذلك فإن ما يدَّعيه صُنَّاع المذاهب من وجود إمامٍ من جانب اللهِ سيقوم بإصلاح الناس بقُوَّة السيف ويجعل جميع أهل الأرض مسلمين إلى حد أن الذئب والشاة سيعيشان بسلام مع بعضهما!! وستمتلئ الأرض عدلاً وقسطاً بعد أن مُلِئت ظلماً وجوراً، وسيقتل من الناس قتلاً عظيماً حتى يصل الدم إلى أعلى ركب خيله!! وأن عيسى سيعود وسيقتدي بهذا الإمام! وغير ذلك من الأوصاف التي نجدها في كتبهم مثل «بحار الأنوار» للمجلسـي وغيره....[67] ويقولون إن كل من لم يؤمن بهذا الإمام لا يُعتَبَر مؤمناً، ادِّعاءاتٌ لا تتَّفق مع آيات القرآن الكريم، لذا نأتِ في هذا المختصر ببعض الآيات الكريمة التي تثبت ذلك.
[67] مثل كتاب «كمال الدين وتمام النعمة» للشيخ محمد بن علي بن بابويه القُمِّي المعروف بالشيخ الصدوق (ت 381 هـ) وكتاب «الغيبة» للشيخ محمد بن الحسن الطوسي المعروف بشيخ الطائفة (ت 460هـ)، وغيرها من الكتب. (المُتَرْجِمُ)