32 - باب ما يكون عند ظهوره (ع) برواية المُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ
اعلم أن المجلسيَّ أراد أن يزيد من حجم كتابه لذا خصَّص الباب الأول من المجلد 53 من البحار للقصة المفصلة التي يرويها «المُفَضَّلُ بْنُ عُمَرَ»[430]، والباب الأول كله عبارة عن سرد لهذا الحديث المفصل، رغم أن مضامين هذا الحديث سبق أن جاءت ضمن أحاديث الأبواب السابقة، وثانياً: راويه «المُفَضَّلُ بْنُ عُمَرَ»[431] رجلٌ مجروحٌ طعن به علماء الرجال، وقال الممقاني: إن علماء الرجال اعتبروه ضعيفاً وغالياً وفاسد المذهب. وقال بعض العلماء: لم يكن منحرفاً في نفسه بل وضع المنحرفون باسمه روايات كثيرة تأييداً لمذاهبهم الفاسدة، وعلى أيِّ حال، فمثل هذا الأمر يُؤدِّي إلى عدم الثقة بكل حديث يوجد في سنده اسم هذا الرجل.
والراوي الآخر لهذه القصة الطويلة هو «الحسين بن حمدان» الذي نصَّ علماء الرجال على أنه كذّاب فاسد المذهب، وهو يروي بدوره عن شخص مجهول عن «مُحَمَّدِ بْنِ نُصَيْر النُّمَيْرِيِّ» الكذّاب الغالي الخبيث الذي كان مُدَّعياً للنيابة[432]. والراوي الآخر للحديث هو «عمر بن الفرات البغدادي» الذي كان غالياً ومنحرفاً، وروى الحديث عن «مُحَمَّدِ بْنِ المُفَضَّلِ» المهمل مجهول الحال أو المتهم في دينه وروايته مثل أبيه! والطريف أن المَجْلِسِيّ بيَّن، في بداية روايته لهذا الخبر الطويل، مصدره، بالعبارة التالية: "رُوِيَ فِي بَعْضِ مُؤَلَّفَاتِ أَصْحَابِنَا"!! أي أنه نقله لنا من كتاب لا ندري ما اسمه ولا من مؤلِّفُهُ!! (فَتَأَمَّل)
هذا الحديث الطويل مليء بالإساءة إلى الخلفاء وإلى مسلمي صدر الإسلام وإلى الزيدية، كما هو مليء بالغُلوّ في المهدي ونسبة أمور مُتخيَّلةٍ ووهميةٍ إليه، ومليء بالأخطاء الفاحشة(؟!!) والتلاعب بآيات القرآن!! وفيه ادِّعاءٌ أحمقٌ بوقوع التحريف في القرآن.
ومما يُذْكَر أن هذا الحديث ذَكَرَ أموراً تتعارض مع ما ذكرته الأحاديث السابقة، فمثلاً قال إن ولادة المهدي كانت في الثامن من شهر شعبان سنة 257 هـ ! ومن الواضح أن الوضَّاعين لم يستطيعوا أن يتفقوا على قول واحد بشأن تاريخ ولادة المهدي أو أن يضعوا لولادته يوماً محدَّداً! وبالطبع لم تختلف الأقوال بشأن يوم ولادته وشهرها وسنتها فقط، بل وقع الاختلاف في الأخبار بشأن اسم أمّه وكيفية ولادته وفي الأشخاص الذين رأوه وفي مُدَّة حكمه[433] .....الخ!!
أيها الأخ الكريم! لقد أوضحنا عدداً من العيوب الكثيرة لهذا الحديث في المقال الذي ابتدأنا به هذا الكتاب[434]، وهي تكفي لإثبات بطلانه، لذا سنكتفي هنا ببيان بعض الإشكالات الأخرى في متن هذا الحديث:
النقطة التي تستحقّ التأمّل في هذا الحديث -كما أشار إلى ذلك مُحقّق «البحار» المحترم في الحاشية- هي أنه عرَّف بـ «مُحَمَّدِ بْنِ نُصَيْرٍ النُّمَيْرِيِّ» بوصفه وكيلاً ونائباً للمهدي، وادَّعى واضع الرواية أنه كان للمهدي قصر في منطقة «صابر»!! (وهذا يُشبه ما جاء في الحديث 54، باب «ذكر من رآه»، ج 52، ص 68)، في حين أنه طبقاً للأحاديث الأخرى التي وردت في باب «ذكر من رآه» ذاته (ج 52)، لا يقطن المهدي قبل ظهوره سوى في الجبال والفيافي!
والإشكال الآخر أن الحديث يقول: إن المؤمن يرى المهدي قبل غيبته أما الشاك فلا يراه!! في حين أن المؤمن والكافر كانا يريان رسول الله ص، فهل يختلف حفيده عنه؟! والإشكال الآخر أيضاً أن الحديث يقول: إن الملائكة تُقبِّل يد المهدي؟! ونسأل: هل كانت الملائكة تُقبِّل يد رسول الله ص؟! وقد جاء في جزء من حديث مشابه، كما في الروايتين 200 و 201 من الباب السابق، أن المهدي يُخرج أبا بكر وعُمر وهما رَطْبَيْنِ غَضَّيْنِ فَيُحْرِقُهُمَا وَيُذْرِيهِمَا فِي الرِّيحِ ......الخ!! وقد كتب مُحقّق «البحار» المحترم معلِّقَاً على هذه الجملة في الحاشية:
"قد مرَّ في ج 52، الباب 24، أحاديث في ذلك مع ضعف أسنادها، ولكن كاتب هذا الحديث أبرزها بصورة قصصية تأباها سنة الله التي قد خلت مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلًا[435].
والطريف أنه في هذه القصة يحيا جمل النبيّ أيضاً وفرسه وبغلته ويكونون مع المهدي!! كما جاء في هذا الحديث أن تعداد جيش «زياد الثقفي» مئة وخمسون ألفاً، ولفَّقوا بشأنه قصةً علَّقَ عليها مُحقّق «البحار» المحترم في الحاشية قائلاً: إنها لا تتفق مع حقائق التاريخ، كما بيَّن المُحقِّق خطأ المسائل التي لفَّقها واضع الحديث حول نكاح المتعة. (لاحظوا حواشي الصفحات 28 و 29 و 31 من المجلد 53 من البحار).
ولما كان «مُحَمَّدُ بْنُ نُصَيْرٍ النُّمَيْرِيُّ» وأتباعُه، أصحابُ عقائد منحرفة، وكانوا من الغلاة، فقد دسَّ النُّمَيْرِيُّ عقيدته في هذا الحديث وافترى على الإمام الصادق ÷ أنه قال للمُفضَّل: "يَا مُفَضَّلُ! إِنَّ رَسُولَ اللهِ ص قَالَ: اللَّهُمَّ حَمِّلْنِي ذُنُوبَ شِيعَةِ أَخِي وَأَوْلَادِي الْأَوْصِيَاءِ مَا تَقَدَّمَ مِنْهَا وَمَا تَأَخَّرَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَلَا تَفْضَحْنِي بَيْنَ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ مِنْ شِيعَتِنَا فَحَمَّلَهُ اللهُ إِيَّاهَا وَغَفَرَ جَمِيعَهَا"!! وقد علَّق مُحقّق «البحار» المحترم على هذه العبارة في الحاشية بقوله:
"هذه من عقائد الغلاة، فإنهم كانوا يعتقدون أن كل من والى الأئمة عليهم السلام جاز له ترك العبادة اتِّكالاً على ذلك، وكان أصحابنا القدماء يمتحنون من رُمي بالغُلوّ في أوقات الصلاة"[436].
بعد هذا الباب ذكر المَجْلِسِيّ باباً باسم باب «الرَّجْعَة». وقد تحدَّثنا باختصار فيما من الكتاب الحاضر عن مسألة «الرَّجْعَة»، كما أن العالم الربَّاني المرحوم «عبد الوهاب فريد التنكابني» الذي كان من تلامذة المرحوم «شريعت سنگلجي» كتب قبلنا كتاباً خاصاً في نقد عقيدة الرجعة سمَّاه «اسلام و رجعت» [الإسلام والرجعة] فعلى من أراد التفصيل أن يرجع إلى ذلك الكتاب، وسنكتفي بهذه الإشارة عن تضييع الوقت في تمحيص أحاديث باب «الرَّجْعَة» الواهية التي لا اعتبار لها ودراستها واحداً واحداً.
الباب التالي في المجلد 53 من البحار يتعلّق بخلفاء المهدي ويشتمل على ثمانية أحاديث، بيد أنَّنا لما عرفنا أن أصل الموضوع، يعني المهدي نفسه، لا يعدو أمراً موهوماً لا حقيقة له، فإن حال مسألة خلافته وخلفائه سيكون معلوماً من باب أولى! أي أن مسألة خلافته وخلفائه سالبةٌ بانتفاء الموضوع كما يُقال في علم المنطق[437]، وقد صرَّح المَجْلِسِيّ أن أخبار باب خلفاء المهدي مخالفة للمشهور بين الشيعة!
آخر أبواب المجلد 53 من البحار مُخصَّص للتوقيعات التي نُسبت إلى المهدي، والتي بيَّنا عيوب بعضها فيما سبق من الكتاب الحاضر لذا نمتنع هنا عن دراستها وتمحيصها واحداً واحداً.
على هذا النحو ينتهي المجلد 53 من البحار، ولكنهم ألحقوا بكتاب المَجْلِسِيّ كتاباً آخر من مؤلفات «الميرزا حسين النوري الطَّبْرَسِي» اسمه: «جَنَّة المأوى». والميرزا حسين النوري هذا هو ذاته الذي ألَّف مع الأسف كتاباً خاصاً حول تحريف القرآن!!!! وقد جمع في كتابه «جَنَّة المأوى» قصص الذين ادَّعوا رؤية المهدي! وعلى سبيل المثال كذب الحكاية الثالثة في ذلك الكتاب واضح وضوحَ الشمس في رابعة النهار، فاليوم بعد أن اكتُشفت جميع مناطق الكرة الأرضية لم يعد أحد يشتري مثل تلك القصة! وقد استند راوي القصة إلى آيتي التطهير والمُباهلة، كرَّر فيها المغالطات والخدع ذاتها الشائعة بين الناس لدينا حول معنى تينك الآيتين، وقد استشهد «ابن قِبَّة» -الذي سنتعرّض لدراسة ونقد آرائه في الصفحات القادمة- أيضاً بالآيات من 7 إلى 10 من سورة الإنسان وبآية التطهير، وقد بيَّنا نحن وإخوتنا المُوحِّدون بطلان ادِّعاءاتهم بشأن تلك الآيات في كتبنا وخطبنا فلا نُكرِّر الكلام حول ذلك هنا[438]. والحكاية الثامنة في ذلك الباب هي القصة المنقولة عن «الْـحَسَنِ بْنِ مُثْلَةَ الْـجَمْكَرَانِيِّ» الذي عرَّفنا به في كتاب «زيارت و زيارتنامه» [زيارت المزارات ونصوص الزيارات] تحت الرقم 102 (ص167).
أعتقد أنه بدلاً من تضييع وقت القراء بذكر عيوب وإشكالات أحاديث المجلد 53 من «بحار الأنوار»، من الأجدى والأكثر فائدةً للقُرَّاء أن ندرس ونُمحِّص على نحو الاختصار الدلائل التي نقلها الشيخ الصَّدوق عن «أَبِي سَهْلٍ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَلِيٍّ النَّوْبَخْتِيِّ» و «مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ قِبَّةَ الرَّازِيِّ» كما سبق أن وعدنا بذلك.
[430] لعل المَجْلِسِيّ أورد هذا الحديثَ الفاضحَ في كتابه، استناداً إلى ذوق وهوى أربابه من القزلباشية (جنود الملوك الصفويين)! [431] عرَّفنا بحاله في كتاب «عرض أخبار الأصول .....»، ص 171 فما بعد. أقول (المُتَرْجِمُ): سأكتفي هنا بذكر ما قاله عنه النجاشي: "المُفَضَّل بن عُمَر أبو عبد الله و قيل أبو محمد، الجُعْفِيّ، كوفيٌّ، فاسدُ المذهب، مضطربُ الرواية، لا يُعبأ به. و قيل إنه كان خطَّابياً. و قد ذُكِرت له مصنفات لا يُعَوَّل عليها." (رجال النجاشي، قم، مؤسسة انتشارات اسلامى، 1407هـ، ص416). (المُتَرْجِمُ) [432] مرّ معنا شرح أحواله في الكتاب الحاضر، ص 284 فما بعد. [433] ذكروا لمُدَّة رئاسة المهدي وحكمه مدّة خمس سنوات، وسبع إلى تسع سنوات، و19 إلى 20 سنة وأربعين سنة! وإذا أضفنا إلى هذه الروايات المتناقضة الرواية التي تقول: إن كل سنة من سنوات حكمه تُعادل عشر سنوات من سنيكم أمكن القول: إنه قد ذُكر لحكم المهدي مدّة سبعين إلى تسعين سنة أيضاً، وجاء في إحدى الروايات أن مدّة حكمه ستطول 309 سنوات! [434] راجعوا الصفحة 69 فما بعد من الكتاب الحاضر. [435] بحار الأنوار، بتحقيق الشيخ محمد باقر البهبودي، حاشية الصفحة 13، في المجلد 53. (المُتَرْجِمُ) [436] بحار الأنوار، ج 53، حاشية الصفحة 33. (المُتَرْجِمُ) [437] ذكرنا بعض الأمور حول هذا الباب في المقال الذي ابتدأنا به الكتاب الحاضر. [438] حول الآيتين المذكورتين من الضروري مراجعة كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، (الباب 122، دراسة الحديث 1، الصفحات 610 إلى 622)، وكتاب «نقد مفاتيح الجنان في ضوء آيات القرآن»، (الفصلان الخامس والسادس، من الباب الثاني، ص392-395).