دراسة علمية لأحاديث المهدي

فهرس الكتاب

245- باب الآيات المُؤَوَّلة بقيام القائم

245- باب الآيات المُؤَوَّلة بقيام القائم

اعلم أنه لا توجد في القرآن الكريم حتى آية واحدة تشير بصـراحة إلى المهدي وثورته، لكن المفسرين استخرجوا بقوة التأويل المتعسِّف آياتٍ زعموا أنها تشير إلى المهدي، مع أنها لا تفيد ذلك.

وقد أوضحنا في التنقيح الثاني لكتابنا «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، (133- بَابُ الْإِشَارَةِ وَالنَّصِّ إِلَى صَاحِبِ الدَّارِ (ع): ص 665 إلى 667) أنه لا أثر في كتاب الله للإمام الموعود، كما أوضحنا في الكتاب ذاته ما قيل بشأن مقارنة الإمام الغائب بحضرة موسى (ع) وحضرة يحيى (ع) ( 139- باب كراهية التوقيت: ص 698 إلى 699) فلا نكرر الكلام في ذلك هنا، ونكتفي هنا بالتذكير بأن الأمر لا يقتصر على أنه ليس في القرآن الكريم أي أثر لذكر المهدي فحسب، بل أكثر من ذلك: هناك آيات في القرآن الكريم تتعارض مع الفكرة المهدوية أي فكرة إمامٍ يثور بقوة السيف كي يصلح الناس ويدخلهم جميعاً في الإسلام، (كما مرَّ معنا في الصفحات السابقة).

ولكن بما أن عدَّة من الرواة قاموا بالتلاعب بمعاني بعض آيات القرآن ففسَّروها على نحو مخالف لمعناها الظاهر ومخالف لسياق الآيات أو أوَّلُوها تأويلات تحكُّمية لا دليل عليها سوى اتِّباع الهوى، فإننا سنذكر فيما يلي جميع الآيات التي حاول صُنَّاع المذاهب اتِّباعاً لأهوائهم تطبيقها على المهدي وسنُوضِّح ما في تفسيراتهم أو تأويلاتهم لتلك الآيات من إشكالات كي نمنع خداع العوام وبيع الخرافات لهم.

* الروايات 1 و42 و43 و51: تقول بشأن آية ﴿وَلَئِنۡ أَخَّرۡنَا عَنۡهُمُ ٱلۡعَذَابَ إِلَىٰٓ أُمَّةٖ مَّعۡدُودَةٖ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحۡبِسُهُۥٓۗ أَلَا يَوۡمَ يَأۡتِيهِمۡ لَيۡسَ مَصۡرُوفًا عَنۡهُمۡ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ ٨ [هود: ٨] نقلاً عن تفسير «عليّ بن إبراهيم القُمِّيّ»[152] إن المقصود: "إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا إِلَى خُرُوجِ الْقَائِمِ (ع)". وَأعقب المَجْلِسِيُّ ذلك برواية قال فيها: "عَنْ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِيهِ -وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ عَلِيٍّ (ع)- عَنْ عَلِيٍّ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ ﴿وَلَئِنۡ أَخَّرۡنَا عَنۡهُمُ ٱلۡعَذَابَ إِلَىٰٓ أُمَّةٖ مَّعۡدُودَةٖ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحۡبِسُهُ قَالَ: «الْأُمَّةُ المَعْدُودَةُ: أَصْحَابُ الْقَائِمِ الثَّلَاثُمِائَةِ والْبِضْعَةَ عَشَرَ.»"!!

كما نقل المَجْلِسِيُّ عن تفسير العَيَّاشِيّ وعن كتاب «الغيبة» للنعماني[153]25 روايةً منسوبة للإمام الصادق ÷ يقول فيها إن المقصود من «الْعَذَابَ» في الآية: خروج القائم، وأن عدد «الْأُمَّةِ المَعْدُودَةِ» كعدَّة بَدْرٍ!![154]

والعجيب أن «عَلِيَّ بْنَ إِبْرَاهِيمَ»[155] نفسه اعترف بأن أحد معاني «الأمَّة»: المُدَّة والفترة الزمنية، وأتى بالآية التالية شاهداً على هذا المعنى: ﴿وَقَالَ ٱلَّذِي نَجَا مِنۡهُمَا وَٱدَّكَرَ بَعۡدَ أُمَّةٍ [يوسف: 45]، حتى أنه قال إن المراد من «أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ» المُدَّة، ومع ذلك روى روايةً عن «علي بن الحكم»[156] الأحمق الكذَّاب الذي كان يعتقد بقرآن يضمُّ سبع عشرة ألف آية، عن عَلِيٍّ والإمام الصادق -عليهما السلام- أنهما قالا: "الْأُمَّةُ المَعْدُودَةُ: أَصْحَابُ الْقَائِمِ الثَّلَاثُمِائَةِ والْبِضْعَةَ عَشَرَ"؟!!

وعلى كل حال فينبغي أن نعلم ما يلي:

أولاً: أن سورة هود نزلت في مكة في الوقت الذي كان غالب أهلها من المشركين الذين لم يُؤمنوا برسالة رسول الله ص بعد فضلاً عن أن يُؤمنوا بالإمامة! فما بالك بأن يؤمنوا بالإمام الثاني عشر وثورته!! وفي ذلك الوقت لم يكن هناك أساساً أي كلام عن مثل هذه الموضوعات حتى يُنكرها أحد، ومن السُّخرية بمكان تهديد المشركين بعذاب سيحل بهم بعد آلاف السنين عند ظهور القائم المُنتظر وثورته؟!! وأساساً لم يكن في ذلك الزمن أيُّ حديث عن مثل تلك الموضوعات حتى يُنكرها أحد أو يستهزئ منها! أَفَلَا تَعْقِلُونَ؟

ثانياً: تُبيِّن الآيةُ التي تسبق الآية المذكورة أنها تتعلَّق بعذاب يوم القيامة أي العذاب بعد الموت حيث يقول تعالى: ﴿وَلَئِن قُلۡتَ إِنَّكُم مَّبۡعُوثُونَ مِنۢ بَعۡدِ ٱلۡمَوۡتِ لَيَقُولَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا سِحۡرٞ مُّبِينٞ ٧ [هود: ٧]. إذن الآية الثامنة من سورة هود أيضاً تواصل الحديث عن عذاب يوم القيامة.

ثالثاً: إن «عَلِيِّ بْنَ إِبْرَاهِيمَ» من القائلين بتحريف القرآن ومثل هذا الشخص مطعون في إسلامه فضلاً عن الثقة بأقواله فما بالك باعتماد تأويلاته! و«العيَّاشيّ»[157] ليس أفضل حالاً منه بالطبع، إذْ كان ضعيفاً جداً في الاستفادة من نعمة العقل، ولو تأمَّل القارئ في الروايات التي أوردناها عنه في هذا الفصل لاتَّضحت له هذه الحقيقة بجلاء. (على سبيل المثال راجعوا الروايات 38 و39 و40) وكثير من روايات هذا الفصل منقولة عن العيَّاشيّ.

* الروايتان 2 و23: ﴿وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا مُوسَىٰ بِ‍َٔايَٰتِنَآ أَنۡ أَخۡرِجۡ قَوۡمَكَ مِنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَذَكِّرۡهُم بِأَيَّىٰمِ ٱللَّهِ [إبراهيم: ٥].

قال «عَلِيُّ بن إبراهيم» في تفسيرها: "أَيَّامُ اللهِ ثَلَاثَةٌ يَوْمُ الْقَائِمِ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ ويَوْمُ الْمَوْتِ ويَوْمُ الْقِيَامَةِ"!! وادَّعى في رواية أخرى أن المراد يوم قيام القائم ويوم الرجعة ويوم القيامة!! فأقول: ليت شعري! هل كان أصحاب حضرة موسى (ع) مؤمنين بقيام القائم حتى يقول الله «وذَكِّرْهُم»؟!!

وعلى كل حال نقول:

أولاً: ذكر المُفسِّرون أن المراد من «أيَّام الله» الأيام التي وقعت فيها حوادث مُهمّة في نظر الشارع مثل يوم نجاة قوم من المؤمنين أو منحهم نعمة الهداية أو نزول الكتاب السماوي أو هلاك القوم الكافرين و..... الخ؛ بناءً على ذلك، فإن «أيَّام الله» هي الأيام التي كانت معلومة لدى قوم موسى، والدليل على ذلك أن موسى (ع) قال لقومه مباشرةً بعد الآية المذكورة: ﴿وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ أَنجَىٰكُم مِّنۡ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ يَسُومُونَكُمۡ سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبۡنَآءَكُمۡ وَيَسۡتَحۡيُونَ نِسَآءَكُمۡۚ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَآءٞ مِّن رَّبِّكُمۡ عَظِيمٞ ٦ وَإِذۡ تَأَذَّنَ رَبُّكُمۡ لَئِن شَكَرۡتُمۡ لَأَزِيدَنَّكُمۡۖ وَلَئِن كَفَرۡتُمۡ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٞ ٧ [إبراهيم: ٦، ٧].

فالقرآن الكريم بيَّن ماهيَّة أيَّام الله -أي الأيام العظيمة تلك- بقوله: ﴿وَإِذۡ نَجَّيۡنَٰكُم مِّنۡ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ [البقرة: ٤٩] و﴿وَإِذۡ فَرَقۡنَا بِكُمُ ٱلۡبَحۡرَ [البقرة: ٥٠] و﴿وَإِذۡ وَٰعَدۡنَا مُوسَىٰٓ أَرۡبَعِينَ لَيۡلَةٗ ثُمَّ ٱتَّخَذۡتُمُ ٱلۡعِجۡلَ مِنۢ بَعۡدِهِۦ وَأَنتُمۡ ظَٰلِمُونَ ٥١ ثُمَّ عَفَوۡنَا عَنكُم مِّنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ ٥٢ وَإِذۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡفُرۡقَانَ لَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ ٥٣ [البقرة: ٥١، ٥٣]. ولا بُدَّ من مُلاحظة الآيات من 49 حتى 73 من سورة البقرة المُباركة لنعلم أن أيَّام الله التي ذكَّر موسى (ع) قومَه بها مُبَيَّنةٌ كلُّها في القرآن الكريم ذاته وأننا لسنا بحاجة إلى تفسيرات وأقوال رواة غير موثوقين، خاصَّةً إذا كانوا من أمثال أحمق كعليِّ بن إبراهيم الذي يعتقد بتحريف القرآن أو ابن أبي عُمير!![158]

* الروايات 3 و46 و47 و48: تمَّ فيها الاستدلال بآيات من سورة الإسراء المباركة التي تُسَمَّى أيضاً سورة «بني إسرائيل». بعد أن بيَّن الله في الآية الثانية من السورة أنه أعطى موسى الكتاب وجعله هدىً لبني إسرائيل قال: ﴿وَقَضَيۡنَآ إِلَىٰ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ فِي ٱلۡكِتَٰبِ لَتُفۡسِدُنَّ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَرَّتَيۡنِ وَلَتَعۡلُنَّ عُلُوّٗا كَبِيرٗا ٤ فَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ أُولَىٰهُمَا بَعَثۡنَا عَلَيۡكُمۡ عِبَادٗا لَّنَآ أُوْلِي بَأۡسٖ شَدِيدٖ فَجَاسُواْ خِلَٰلَ ٱلدِّيَارِۚ وَكَانَ وَعۡدٗا مَّفۡعُولٗا ٥ ثُمَّ رَدَدۡنَا لَكُمُ ٱلۡكَرَّةَ عَلَيۡهِمۡ وَأَمۡدَدۡنَٰكُم بِأَمۡوَٰلٖ وَبَنِينَ وَجَعَلۡنَٰكُمۡ أَكۡثَرَ نَفِيرًا ٦ إِنۡ أَحۡسَنتُمۡ أَحۡسَنتُمۡ لِأَنفُسِكُمۡۖ وَإِنۡ أَسَأۡتُمۡ فَلَهَاۚ فَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ ٱلۡأٓخِرَةِ لِيَسُ‍ُٔواْ وُجُوهَكُمۡ وَلِيَدۡخُلُواْ ٱلۡمَسۡجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٖ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوۡاْ تَتۡبِيرًا ٧ عَسَىٰ رَبُّكُمۡ أَن يَرۡحَمَكُمۡۚ وَإِنۡ عُدتُّمۡ عُدۡنَاۚ وَجَعَلۡنَا جَهَنَّمَ لِلۡكَٰفِرِينَ حَصِيرًا ٨ [الإسراء: ٤، ٨].

بمُلاحظة الآية الثانية من هذه السورة يتبيَّن لنا أن الآيات التي تتلوها تُبَيِّن مضامين التوراة وما جاء فيها، لكن ماذا نفعل بعليّ بن إبراهيم الأحمق الذي يقول: "وقَضَيْنا إِلى‏ بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ أَيْ: أَعْلَمْنَاهُمْ. ثُمَّ انْقَطَعَتْ مُخَاطَبَةُ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وخَاطَبَ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ ص فَقَالَ: ﴿لَتُفۡسِدُنَّ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَرَّتَيۡنِ يَعْنِي: فُلَاناً وفُلَاناً [أي الشيخين] وأَصْحَابَهُمَا ونَقْضَهُمُ الْعَهْدَ!! ﴿وَلَتَعۡلُنَّ عُلُوّٗا كَبِيرٗا يَعْنِي: مَا ادَّعَوْهُ مِنَ الْخِلَافَةِ. ﴿فَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ أُولَىٰهُمَا يَعْنِي: يَوْمَ الْجَمَلِ. ﴿بَعَثۡنَا عَلَيۡكُمۡ عِبَادٗا لَّنَآ أُوْلِي بَأۡسٖ شَدِيدٖ يَعْنِي: أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وأَصْحَابَهُ. ﴿فَجَاسُواْ خِلَٰلَ ٱلدِّيَارِ أَيْ: طَلَبُوكُمْ وقَتَلُوكُمْ. ﴿وَكَانَ وَعۡدٗا مَّفۡعُولٗا يَعْنِي: يَتِمُّ ويَكُونُ. ﴿ثُمَّ رَدَدۡنَا لَكُمُ ٱلۡكَرَّةَ عَلَيۡهِمۡ يَعْنِي: لِبَنِي أُمَيَّةَ عَلَى آلِ مُحَمَّدٍ...... ثم خاطب القرآن بني أُميَّة فقال: ﴿وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا يعني: عدتم بالسفياني عدنا بالقائم من آل محمد ص!!

والطريف أن الحديث رقم 46 جعل الآية مُتعلَّقةً بما قبل قيام القائم والرجعة! خلافاً للحديث 47 الذي جعل «العباد أولي البأس الشديد» هم القائم وأصحابه!! إن هذه الروايات المُضحكة منقولة عن ضعفاء من أمثال «صالح بن سهل[159]» و«مسعدة بن صدقة[160]»! [161] (فلا تتجاهل).

وينبغي أن نقول:

أولاً: سورة الإسراء (بني إسرائيل) مكية ولم يكن في مكة حينئذ أي حديث عن خلافة الشيخين ومعركة الجمل ولا كان لأحد خبرٌ عن القائم سلباً ولا إيجاباً حتى تنزل آيات بشأنه!

ثانياً: تُبَيِّن الآيات المذكورة -كما قلنا سابقاً- ما جاء في التوراة، ولا علاقة لها بالشيخين ولا ببني أُميَّة ولا بالخارجين على أمير المؤمنين علي ÷ أو القائم. أَفَلَا تَعْقِلُونَ؟ ولا معنى أن يُحدِّث الله أصحاب موسى في التوراة عن الشيخين أو بني أُمَيَّة و..... الخ!

ليت شعري! هل لعبت أُمَّة بكتابها السماوي على هذا النحو الذي فعله هؤلاء الرواة الضعفاء والمجهولين والغُلاة؟! حقَّاً إنه لمن دواعي الأسف أن يقوم المَجْلِسِيّ بتوجيه أكاذيب أولئك الرواة وتأويلها بدلاً من أن يُنبِّه الناس ويُوعِّيهم!! ولست أدري! هل وظيفة العالم توجيه أقوال الكذابين؟! الويل من يوم يفسد فيه الملح نفسه[162].

* الرواية 4: ﴿وَكَذَٰلِكَ أَنزَلۡنَٰهُ قُرۡءَانًا عَرَبِيّٗا وَصَرَّفۡنَا فِيهِ مِنَ ٱلۡوَعِيدِ لَعَلَّهُمۡ يَتَّقُونَ أَوۡ يُحۡدِثُ لَهُمۡ ذِكۡرٗا ١١٣ [طه: ١١٣].

قال «عليُّ بن إبراهيم»: "﴿أَوۡ يُحۡدِثُ لَهُمۡ ذِكۡرٗا يَعْنِي: مِنْ أَمْرِ الْقَائِمِ والسُّفْيَانِيِّ"!

أقول: أولاً: سورة طه مكيَّة وفي تلك المرحلة كان الكلام والوعد والوعيد يتعلق بيوم القيامة، ولو قرأنا الآيات التي وردت قبل تلك الآية أي من الآية 109 التي تقول:﴿يَوۡمَئِذٖ لَّا تَنفَعُ ٱلشَّفَٰعَةُ [طه: ١٠٩] إلى أن نصل إلى الآية 113، لوجدنا جميع الآيات تتحدث عن القيامة وأنه لا علاقة لها بأمر القائم والسفياني لا من قريب ولا من بعيد! فاتقوا الله أيها الرواة ولا تلعبوا بآيات الله.

ثانياً: لقد تكرَّرت كلمة «الذكر» في القرآن الكريم ولم تأتِ في أيِّ موضع بمعنى القائم والسفياني. فمن ذلك قوله تعالى في سورة القمر: ﴿وَلَقَدۡ يَسَّرۡنَا ٱلۡقُرۡءَانَ لِلذِّكۡرِ فَهَلۡ مِن مُّدَّكِرٖ ١٧ [القمر: ١٧]. إذن آيات القرآن واضحة ولا تحتاج إلى بيانات أحمق مثل «علي بن إبراهيم» يعتقد بتحريف القرآن!

* 26الرواية 5: ﴿فَلَمَّآ أَحَسُّواْ بَأۡسَنَآ إِذَا هُم مِّنۡهَا يَرۡكُضُونَ ١٢ [الأنبياء: ١٢]. قال «عليُّ بن إبراهيم» في تفسيره: "فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا يَعْنِي بَنِي أُمَيَّةَ إِذَا أَحَسُّوا بِالْقَائِمِ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ...الخ". ثم يقول: "وَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا لَفْظُهُ مَاضٍ وَمَعْنَاهُ مُسْتَقْبَل‏"؟!![163]

وأورد المَجْلِسِيّ ما يُشبه هذا الحديث في المجلد 52 من البحار، باب «سِيَرِه وأخلاقه وخصائص زمانه» (الحديث 91 المنقول عن تفسير العيَّاشيّ الخرافي والحديث 180 المنقول عن روضة الكافي) ويقول في الحديث الأخير إن القائم سيقتل بني أُميَّة بالسيف بعد أن يفِرُّوا هاربين!! هذا رغم أن سورة الأنبياء نزلت في مكة ولم يكن موضوع القائم مطروحاً في ذلك الوقت حتى يتم تخويف بني أُميَّة منه، بل إن بني أُميَّة في ذلك الوقت لم يكونوا يخافون حتى من رسول الله ص ذاته فضلاً عن خوفهم من الحفيد الثاني عشر لعَلِيٍّ! ألم يرَ «عليُّ بن إبراهيم القمِّيّ» الآيات التي جاءت قبل هذه الآية وبعدها والمُتعلِّقة بجميع الظالمين والتي تُبَيِّن إحدى سُنن الله ولا تختصُّ بجماعة خاصة مُعيَّنة؟! ثم إنه لا يوجد بنو أُميَّة في زماننا هذا حتى يفرُّوا من القائم المُتخيَّل ويقتلهم بالسيف![164]

* الرواية 6: ﴿وَلَقَدۡ كَتَبۡنَا فِي ٱلزَّبُورِ مِنۢ بَعۡدِ ٱلذِّكۡرِ[165] أَنَّ ٱلۡأَرۡضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ ٱلصَّٰلِحُونَ ١٠٥ [الأنبياء: ١٠٥].

اعلم أن هذه الآية والآية 33 من سورة التوبة والآية 5 من سورة القصص والآية 55 من سورة النور استُغِلَّت وأُسيء تفسيرها مِنْ قِبَلِ بائعي الخرافات أكثر من الآيات الأخرى إلى درجة أنه قد تمَّ إدراج هذه الآيات مع تأويلات وتفسيرات لا تتناسب مع ألفاظها في الكتب المدرسية، لحرف أذهان الشباب التي لا تزال صافيةً نقيَّة!![166] ولذلك ينبغي أن نبذل مزيداً من التمعُّن في هذه الآيات ونتدبرها جيداً.

قال «علي بن إبراهيم» في تفسيره للآية 105 المذكورة من سورة الأنبياء: "عِبادِيَ الصَّالِحُونَ: الْقَائِمُ (ع) وأَصْحَابُهُ"!

أقول: أولاً: لنفرض أن المراد من «الأرض» في هذه الآية أرض الدنيا -رغم أن الأمر ليس كذلك- فنسأل: ألم يكن حضرة داود وسليمان عليهما السلام عبدين صالحين أورثهما الله تعالى الأرض؟! ألم يكن حضرة محمد ص وأصحابه صالحين أورثهم الله السلطان والقدرة في الأرض؟ أم أن القائم الخيالي هو وأصحابه وحدهم الصالحون فقط؟!

ثانياً: إذا لاحظنا سياق الآيات وما جاء قبلها وبعدها رأينا أن الآيات السابقة (من 89 إلى 104) تتحدَّث عن القيامة كقوله تعالى: ﴿يَوۡمَ نَطۡوِي ٱلسَّمَآءَ كَطَيِّ ٱلسِّجِلِّ لِلۡكُتُبِۚ كَمَا بَدَأۡنَآ أَوَّلَ خَلۡقٖ نُّعِيدُهُۥۚ وَعۡدًا عَلَيۡنَآۚ إِنَّا كُنَّا فَٰعِلِينَ ١٠٤ [الأنبياء: ١٠٤]. ثم قال تعالى في الآية 105 موضع البحث أن العباد الصالحين سيرثون أرض القيامة وذلك لأنه كما قال تعالى: ﴿يَوۡمَ تُبَدَّلُ ٱلۡأَرۡضُ غَيۡرَ ٱلۡأَرۡضِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُ [إبراهيم: ٤٨]. بناءً على ذلك، الأرض التي نعيش عليها اليوم سيتبدَّل جزء منها إلى الجنة وسيرثها أهل الجنة ويسيروا فيها ويسوحوا (الزمر: 74). أضف إلى ذلك أن كلمة «الصالحون» في الآية موضع الاستشهاد عُرِّفت بالألف واللام لتكون جنساً يشمل جميع الصالحين لا مجموعة خاصة منهم ممن سيأتون في المستقبل! (فلا تتجاهل). خاصةً أن الله تعالى قال في الآية التالية لها مباشرة: ﴿إِنَّ فِي هَٰذَا لَبَلَٰغٗا لِّقَوۡمٍ عَٰبِدِينَ ١٠٦ [الأنبياء: ١٠٦] مما يُبيِّن أن الآية لا تختصُّ بجماعة خاصة بل تشمل جميع العابدين المُوحِّدين، وقد قال تعالى إنه سيُعطيهم جميعاً أرض الجنة بمن فيهم أصحاب رسول الله ص الذين سمعوا هذه الرسالة والبُشرى التي لا تنحصر بالآتين في المستقبل. (راجعوا ما ذُكر حول هذه الآية في الصفحة 85 من الكتاب الحاضر).

* الروايتان 7 و53: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَٰتَلُونَ بِأَنَّهُمۡ ظُلِمُواْۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصۡرِهِمۡ لَقَدِيرٌ ٣٩ [الحج : ٣٩].

قال «عَلِيُّ بْنُ إبْرَاهِيمَ» في تفسيره: "إِنَّ الْعَامَّةَ [أي أهل السنة] يَقُولُونَ نَزَلَتْ فِي رَسُولِ اللهِ ص لَمَّا أَخْرَجَتْهُ قُرَيْشٌ مِنْ مَكَّةَ، وإِنَّمَا هُوَ الْقَائِمُ (ع) إِذَا خَرَجَ يَطْلُبُ بِدَمِ الْحُسَيْنِ (ع) وهُوَ قَوْلُهُ نَحْنُ أَوْلِيَاءُ الدَّمِ وطُلَّابُ التِّرَةِ[167]"!!

أقول: أولاً: الآية -كما يقول أرباب السِّيَر والمُفسِّرون سواءً من الشيعة أم السنَّة- تتعلَّق برسول الله ص وأصحابه بدليل ما جاء بعدها من قوله تعالى: ﴿ٱلَّذِينَ أُخۡرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِم بِغَيۡرِ حَقٍّ [الحج : ٤٠]. فكلمة «أُخرجوا» فعل ماضٍ ولا يُمكن أن يُقصد بها خروج القائم الذي سيحصل في المستقبل.

ثانياً: قال «عَلِيُّ بْنُ إبْرَاهِيمُ» إن أهل السنة (=العامة) يقولون: إن الآية نزلت في محمَّد ص وأصحابه، ولكن العجيب أن العلامة المَجْلِسِيّ تجاهل أن علماء الشيعة أيضاً مثل الشيخ الطوسي والشيخ الطَّبْرَسي وأبي الفتوح الرازي يقولون إن الآية نزلت في رسول الله ص وأصحابه. بل قد روى الطبرسي في «مجمع البيان» أن المأذونين بالقتال هم أصحاب رسول الله ص، والظلم الذي وقع عليهم هو إخراجهم من ديارهم. واعتبر الشيخ الطوسي في تفسيره أيضاً أن الآية نزلت في أصحاب النبيّ وصرَّح بأنها أول آية نزلت في الإذن بالجهاد. وفي زماننا أيضاً اعتبر صاحب «تفسير نمونه»[168] [تفسير الأمثل] أن الآية أول آية نزلت بالجهاد القتالي وهي بشأن أصحاب النبيّ ص، كما صرَّح صاحب تفسير «الميزان»[169] بأن الآية خطاب للمسلمين في المدينة أي الذين أُخْرِجُوا من ديارهم ووطنهم مكة.

ثالثاً: لما كان رسولُ الله ص وأصحابُه في مكَّة لم يؤْذَن لهم بالجهاد، لكنهم بعد أن هاجروا إلى المدينة بِمُدَّة أَذِنَ اللهُ لهم بالجهاد وبقي هذا الإذن ساري المفعول لجميع المسلمين إلى يوم القيامة، فلا حاجة لإعطاء إذن جديد للقائم وأصحابه!!

رابعاً: لم يُخرِجْ أحدٌ القائمَ وأصحابَه من ديارهم حتى تنزل فيهم هذه الآية.

خامساً: الآية تتعلَّق بالموجودين حين نزولها وليس بأشخاص لم يكن لهم وجود خارجي في ذلك الزمن أصلاً ولا كان أحد يعرفهم!

لاحظوا كيف لم يتأمَّل «عَلِيُّ بْنُ إبْرَاهِيمَ» في الآية بتاتاً ولم يتفكّر في معناها بل كتب كل ما عنَّ له. ثم أصبح قول «عَلِيِّ بْنِ إبْرَاهِيمَ» هذا سنداً لدعوى بلا دليل مُدَّة ألف عام وأوقع الناس في الخطأ!

ملاحظة: لمَّا ذكر «عَلِيُّ بْنُ إبْرَاهِيمَ» موضوعاً مُعيَّناً حول الآية 41 من سورة الحج، قدَّمنا كلامه الذي جاء تحت رقم 9 في «بحار الأنوار» على كلامه الذي جاء تحت رقم 8:

* الرواية التاسعة: ﴿ٱلَّذِينَ إِن مَّكَّنَّٰهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ أَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَمَرُواْ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَنَهَوۡاْ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۗ وَلِلَّهِ عَٰقِبَةُ ٱلۡأُمُورِ ٤١ [الحج : ٤١]. يروي «عَلِيُّ بْنُ إبْرَاهِيمَ» عن فردٍ فاسدٍ ومنحرفٍ يُدْعَى «أبي الجارود»[170] يقول: "فَهَذِهِ لآِلِ مُحَمَّدِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِمْ إِلَى آخِرِ الْأَئِمَّةِ والمَهْدِيِّ وأَصْحَابِهِ، يُمَلِّكُهُمُ اللهُ مَشَارِقَ الْأَرْضِ ومَغَارِبَهَا ويُظْهِرُ بِهِ الدِّينَ وَيُمِيتُ اللهُ بِهِ وَبِأَصْحَابِهِ الْبِدَعَ وَالْبَاطِلَ كَمَا أَمَاتَ السُّفَهَاءُ الْحَقَّ، حَتَّى لَا يُرَى أَيْنَ الظُّلْمُ ويَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَر"!!

إن «عَلِيَّ بْنَ إبْرَاهِيمَ» لا يعلم بالطبع أن: ﴿ٱلَّذِينَ إِن مَّكَّنَّٰهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ أَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ [الحج : ٤١] صفة لِـ ﴿لِلَّذِينَ يُقَٰتَلُونَ بِأَنَّهُمۡ ظُلِمُواْ [الحج : ٣٩] ولِـ ﴿ٱلَّذِينَ أُخۡرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِم بِغَيۡرِ حَقٍّ [الحج : ٤٠] المذكوران في الآيتين اللتين قبلها وأنه لا يمكن فصل الآية 41 عن الآيات التي قبلها وأن الآية المذكورة لا علاقة لها بالمهدي من قريب ولا بعيد! لذا فإنه لم ينتبه إلى الآيات قبل الآية المذكورة مباشرةً، فقال مثل ذلك الكلام الهُرَاء!! حقاً إن رواياتِه مثالٌ حيٌّ للتفسير بالرأي والهوى الباطل.

* الرواية 8: ﴿ذَٰلِكَۖ وَمَنۡ عَاقَبَ بِمِثۡلِ مَا عُوقِبَ بِهِۦ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيۡهِ لَيَنصُرَنَّهُ ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٞ ٦٠ [الحج : ٦٠].

ذكر مُفَسِّرو العامَّة والخاصَّة أن هذه الآية تتحدث عن المهاجرين الذين أُخْرِجوا من ديارهم وهاجروا، فاستولى مشركو مكة على بيوتهم وأموالهم. وأثناء إقامة المهاجرين في المدينة تعرَّض فريق منهم لعير المشركين ليسترجعوا أموالهم المُغْتَصَبة، واشتبكوا مع المشركين وانتصروا عليهم، ولكن لما وقعت تلك الحادثة في شهر محرم الحرام تأثر المسلمون من ذلك فنزلت هذه الآية تُبَيِّنُ أن المعاملة بالمثل ليست ممنوعةً وأن الله عفوٌّ غفور. وبالمثل نجد الآية 217 من سورة البقرة تُشير إلى الموضوع ذاته.

لاحظوا أن الآيات كلها تتحدث عن المهاجرين[171] ولا تتناسب مُطلقاً مع الإمام القائم ورغم ذلك يقول «عَلِيُّ بْنُ إبْرَاهِيمَ»: إن الآيات تتعلّق بالقائم!! من هذا يَتَبَـيَّنُ أنه لا يعتقد بوجود أيِّ ترابط بين أجزاء كلام الله! ولست أدري من أين خرج القائم من تلك الآيات!!

* الرواية 10: ﴿لَعَلَّكَ بَٰخِعٞ نَّفۡسَكَ أَلَّا يَكُونُواْ مُؤۡمِنِينَ ٣ إِن نَّشَأۡ نُنَزِّلۡ عَلَيۡهِم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ ءَايَةٗ فَظَلَّتۡ أَعۡنَٰقُهُمۡ لَهَا خَٰضِعِينَ ٤ [الشعراء: 3- 4][172].

كان النبيّ الأكرم ص -كما نعلم- شديد الحرص على إيمان قومه وكان يغتمُّ كثيراً بسبب عدم إيمانهم (التوبة: 128 وفاطر: 8) لذا يقول القرآن للنبيّ لا ينبغي لك أن تُهلك نفسك غمَّاً وحزناً بسبب عدم إيمان قومك، ولعلَّك تتمنَّى لو يُجبرون على الإيمان، ولو أردنا فعل ذلك لكنَّا قادرين عليه ولكننا لم نفعل ذلك رغم قدرتنا عليه لأننا لا نريد من الناس إيماناً اضطرارياً غير اختياري، ولذلك يقول تعالى بأسلوب الاستفهام الإنكاري: ﴿وَلَوۡ شَآءَ رَبُّكَ لَأٓمَنَ مَن فِي ٱلۡأَرۡضِ كُلُّهُمۡ جَمِيعًاۚ أَفَأَنتَ تُكۡرِهُ ٱلنَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُواْ مُؤۡمِنِينَ ٩٩ [يونس : ٩٩]. وقد قرَّر اللهُ تعالى في القرآن مبدأً عاماً هو: ﴿لَآ إِكۡرَاهَ فِي ٱلدِّينِۖ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشۡدُ مِنَ ٱلۡغَيِّ [البقرة: ٢٥٦] ويقول لنبيِّه: ﴿وَمَآ أَنتَ عَلَيۡهِم بِجَبَّارٖۖ فَذَكِّرۡ بِٱلۡقُرۡءَانِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ ٤٥ [ق: ٤٥] ويقول كذلك: ﴿فَذَكِّرۡ إِنَّمَآ أَنتَ مُذَكِّرٞ ٢١ لَّسۡتَ عَلَيۡهِم بِمُصَيۡطِرٍ ٢٢ [الغاشية: ٢١، ٢٢]. بناءً على ذلك، فإن القرآن لا يُقِرُّ مبدأ قيام شخص بإجبار الناس بقُوَّة السيف على الإسلام لأن الله لم يُرد الإيمان الجبري من أحد.

فلا ينقضي العجب ممن لم يُدركوا مثل هذا الأمر الواضح كعليِّ بن إبراهيم الذي يقول: "عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (ع) قَالَ: تَخْضَعُ رِقَابُهُمْ يَعْنِي بَنِي أُمَيَّةَ وهِيَ الصَّيْحَةُ مِنَ السَّمَاءِ بِاسْمِ صَاحِبِ الْأَمْرِ (ع)"!!

27فرغماً عن قوله تعالى: ﴿إِن نَّشَأۡ نُنَزِّلۡ عَلَيۡهِم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ ءَايَةٗ فَظَلَّتۡ أَعۡنَٰقُهُمۡ لَهَا خَٰضِعِينَ ٤ [الشعراء : ٤] !! يُصِرُّ «عَلِيُّ بْنُ إبْرَاهِيمَ» أن الآية السماوية المُشار إليها والتي نفى الله تنزيلها حتى لا يكون إيمان الناس اضطرارياً، قد نزلت فعلاً فخضعت لها رقاب بني أمية!! ولا ينتبه إلى أن سورة الشعراء مكية ولم تكن مسألة الإمامة والخلافة بعد النبيّ ص مطروحةً في مكة إطلاقاً فضلاً عن الحديث عن الخليفة الثاني عشر للنبيّ؟! أضف إلى ذلك أنه قد مضت ألف سنة على انقراض بني أُميَّة وذهاب دولتهم!! ورغم ذلك لم يظهر قائمٌ بعد!!

ومن المُحْتَمَل أن تكون أمثال هذه الروايات قد وُضِعَتْ في ذلك الزمن بهدف رفع معنويات الجماعات المُعارضة لبني أُميَّة كي لا ييأسوا ولا يتفرَّقوا، وَلِيُؤمنوا بأنه سيظهر قائم بالسيف ينتزع الحكم من أعدائهم، كما أشرنا إلى ذلك سابقاً. ولكن دولة بني أُميَّة -كما نعلم جميعاً- زالت دون أن يظهر ذلك القائم المُدَّعى![173] (يُرَاجَع أيضاً الحديث 84 من باب «علامات ظهوره»، والحديث 13 إلى 15 من باب «يوم خروجه» من المجلد 52 من البحار).

* الروايتان 11 و 56: ﴿أَمَّن يُجِيبُ ٱلۡمُضۡطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكۡشِفُ ٱلسُّوٓءَ وَيَجۡعَلُكُمۡ خُلَفَآءَ ٱلۡأَرۡضِۗ أَءِلَٰهٞ مَّعَ ٱللَّهِۚ قَلِيلٗا مَّا تَذَكَّرُونَ ٦٢ [النمل: 62].

يُدرك كل عاقل ومنصف بمُلاحظة الآيات التي جاءت قبل هذه الآية وبعدها (أي الآيات 60 إلى 65 من سورة النمل) أن هذه الآيات تتعلق ببيان قدرة الله تعالى ودعوة المشركين إلى التوحيد وإخلاص العبودية له وإفراده بالعبادة كما يتضح ذلك من الآيات التي جاءت قبلها حيث يقول تعالى: ﴿أَمَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ... [النمل: 60]. ويقول: ﴿أَمَّن جَعَلَ ٱلۡأَرۡضَ قَرَارٗا وَجَعَلَ خِلَٰلَهَآ أَنۡهَٰرٗا؟... [النمل: 61]، ويقول: ﴿أَمَّن يَهۡدِيكُمۡ فِي ظُلُمَٰتِ ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ [النمل: 63]، ويقول: ﴿أَمَّن يَبۡدَؤُاْ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥ [النمل: 64]، ويقول: ﴿أَءِلَٰهٞ مَّعَ ٱللَّهِ؟! [النمل: 64].

لكن العجيب أن «عليّ بن إبراهيم» يروي في تفسيره عن كذَّاب مثل «صالح بن عقبة»[174] وعن «الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ» الواقفي - أي الذي يؤمن بسبعة أئمة فقط ويعتبر الإمام الثامن ومن بعده من الأئِمَّة كاذبين-، حديثاً يقول عن الآية المذكورة: "نَزَلَتْ فِي الْقَائِمِ (ع)، هُوَ واللهِ (المُضْطَرُّ) إِذَا صَلَّى فِي المَقَامِ رَكْعَتَيْنِ ودَعَا اللهَ فَأَجَابَهُ، (ويَكْشِفُ السُّوءَ): ويَجْعَلُهُ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ"!! غافلاً عن أن سورة النمل مكية ولم يكن في مكة في حينها من يدَّعي أنه المهدي القائم أو يُنكره حتى تنزل آيةٌ بشأنه!

العجيب أيضاً أنهم يأتون إلى الآيات التي تُؤَكِّد على موضوع التوحيد فينسبونها إلى موضوع «الإمامة»!!

إن لم يخجل هؤلاء من تعصُّبهم فليخجلوا من جعلهم جميع آيات القرآن مُتعلِّقَةً بالقائم المُتَخَيَّل دون أن يكون فيها أيُّ شيء يتناسب مع هذه الدعوى!

* الرواية 12: ﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ فَإِذَآ أُوذِيَ فِي ٱللَّهِ جَعَلَ فِتۡنَةَ ٱلنَّاسِ كَعَذَابِ ٱللَّهِۖ وَلَئِن جَآءَ نَصۡرٞ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمۡۚ أَوَ لَيۡسَ ٱللَّهُ بِأَعۡلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ ٱلۡعَٰلَمِينَ ١٠ [العنكبوت: ١٠].

تتكلَّم هذه الآية، كما قال المُفسِّرون، عن الذين كانوا يُسلمون فإذا أصابهم ضرر أو أذى من المشركين لم يتحمَّلوا ذلك وارتدُّوا عن الإسلام، مثل «عياش بن أبي ربيعة المخزومي» الذي روى الطَّبْرَسِي في تفسيره «مجمع البيان» أنه أسلم فخاف أهل بيته، فهاجر إلى المدينة قبل أن يُهاجر النبيص، فحلفت أمُّهُ أسماء بنت مخرمة بن أبي جندل التميمي، أن لا تأكل ولا تشرب ولا تغسل رأسها ولا تدخل كَنَّاً حتى يرجع إليها، فلما رأى ابناها أبو جهل والحارث ابنا هشام، وهما أخوا عياش لأمه، جزعها ركبا في طلبه، حتى أتيا المدينة فلقياه وذكرا له القصة، فلم يزالا به حتى أخذ عليهما المواثيق أن لا يصرفاه عن دينه وتبعهما، وقد كانت أمه صبرت ثلاثة أيام ثم أكلت وشربت.

فلما خرجوا من المدينة أخذاه وأوثقاه كتافاً- وجلده كل واحد منهما مائة جلدة، حتى بريء من دين محمد جزعا من الضرب، وقال ما لا ينبغي، فنزلت الآية"[175].

فلا علاقة للآيات إذن بالمهدي القائم ولم يذكر أحد احتمال دلالتها عليه، لكن رغم ذلك فإن «علي بن إبراهيم» الذي يميل إلى تفسير كل آية بالمهدي القائم اعتبر الآيةَ مُتعلِّقةً بالقائم ولم ينتبه إلى أن سورة العنكبوت مكية وأن ليس هناك أيُّ تناسب بين السور المكية وبين التعريف بإمامٍ قائمٍ، والأسوأ من ذلك كله أنه ذكر آية: ﴿وَلَئِن جَآءَ نَصۡرٞ مِّن رَّبِّكَ [العنكبوت: ١٠] بصورة خاطئة كما يلي: «وإذا جاءهم نصر من ربك»!!

* الرواية 13: ﴿وَلَمَنِ ٱنتَصَرَ بَعۡدَ ظُلۡمِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ مَا عَلَيۡهِم مِّن سَبِيلٍ ٤١ [الشورى: ٤١]. ثم قال تعالى في الآية التي بعدها: ﴿إِنَّمَا ٱلسَّبِيلُ عَلَى ٱلَّذِينَ يَظۡلِمُونَ ٱلنَّاسَ وَيَبۡغُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقّ [الشورى: ٤٢].

لو رجعنا إلى القرآن الكريم للاحظنا أن الآيات من 36 إلى 43 من سورة الشورى مرتبطة بعضها ببعض ولا تتناسب أبداً مع موضوع المهدي القائم!! لكن «عليَّ بن إبراهيم» ينقل عن راوٍ ضعيف مثل «محمد بن الفضيل»[176] ادِّعاءه أن المقصود من الآية: "الْقَائِمَ وأَصْحَابَهُ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ والْقَائِمُ إِذَا قَامَ انْتَصَرَ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ ومِنَ المُكَذِّبِينَ والنُّصَّابِ هُوَ وأَصْحَابُهُ... الخ"!! ولم يُدرك للأسف أن سورة الشورى مكية ولا تتناسب مع ذكر أحوال المهدي، ولم يدرِ أن بني أُميَّة انقرضوا منذ قرون ورغم ذلك لم يظهر قائمٌ بعد!![177]

لا أدري أيَّ غرض كان يريده أولئك المُؤلفون والرواة الذين دوَّنوا تلك الأمور على أنها أحاديث دينية؟

* الرواية 14: ﴿ٱقۡتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلۡقَمَرُ ١ [القمر: ١]. يقول «علي بن إبراهيم»: "رُوِيَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ يَعْنِي خُرُوجَ الْقَائِمِ (ع) !".

فنقول: هذه الآية تتعلَّق بالقيامة، وجاء فعْلَا «اقتربت» و«انشق» بصيغة الماضي لأن المستقبل عندما يكون مُتحقِّق الوقوع يُمكن للمتكلم أن يتكلَّم عنه بصيغة الماضي، كما نقول نحن بالفارسية عندما نريد إيقاظ شخص لأداء صلاة الفجر: قم لقد طلعت الشمس (أي أنها ستطلع يقيناً بعد مُدَّة وجيزة) أما لو كان قصدهم الإخبار عن تحقُّق الأمر قبل زمان التكلُّم لَمَا كان إيقاظ ذلك الفرد وافياً بالمقصود ولم تكن فيه فائدةٌ. إضافةً إلى ذلك، لما كانت التغييرات التي ستتعرَّض لها السماوات والقمر والشمس والنجوم في القرآن الكريم تتعلَّق بالقيامة وبمُقدِّماتها (الانشقاق: 1، الانفطار: 1 و2، المعارج: 8، القيامة: 8 و9، التكوير: 1 و2و .....) وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن الآية تتحدَّث عن قرب الساعة (القيامة) فإن القول بأنها مُتعلِّقَةٌ بالقيامة أقوى وأدعى للقبول من الأقوال الأخرى.

ولكن إذا أصرَّ بعضهم على أن انشقاق القمر وقع زمن النبيّ ص في مكة وقبل الهجرة فإننا لن نجادلهم، إلا أننا نقول: لا ريب في أن هذه الآية مكية ولا علاقة لها أبداً بالمهدي القائم، لاسيما أن كلمة «الساعة» جاءت في القرآن مرَّات عديدة ولم تأتِ أبداً حتى مرَّةً واحدةً بمعنى الثورة والخروج والقيام. وكذلك لا يُمكن القول: إن الله حذَّر أهل مكة الذين لم يكونوا مؤمنين بالنبيّ ذاته من مجيء خليفته الثاني عشر؟!

* الرواية 15 [178]:﴿مُدۡهَآمَّتَانِ ٦٤ [الرحمن: ٦٤]. كلمة «مُدْهَامَّتَانِ» صفة لِـ «جنَّتَان» التي وردت في الآية التي قبلها، ولكن «عليَّ بن إبراهيم» يقول: "مُدْهامَّتانِ: يَتَّصِلُ مَا بَيْنَ مَكَّةَ والمَدِينَةِ نَخْلًا"! ويقصد - في الاحتمال الغالب- أن ذلك سيكون زمن المهدي القائم! (المعنى في قلب الشاعر)، رغم أنه لم يأتِ في الرواية بأيِّ ذكر للمهدي!

* الروايتان 16 و57: ﴿يُرِيدُونَ أَن يُطۡفِ‍ُٔواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفۡوَٰهِهِمۡ وَيَأۡبَى ٱللَّهُ إِلَّآ أَن يُتِمَّ نُورَهُۥ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡكَٰفِرُونَ ٣٢ [التوبة: ٣٢]. ومثله قوله تعالى: ﴿يُرِيدُونَ لِيُطۡفِ‍ُٔواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفۡوَٰهِهِمۡ وَٱللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡكَٰفِرُونَ ٨ [الصف: ٨].

يقول «علي بن إبراهيم» في تفسيره للآية الأخيرة: "(واللهُ مُتِمُّ نُورِهِ) قَالَ: بِالْقَائِمِ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ إِذَا خَرَجَ لَيُظْهِرُهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ"!!

ينبغي أن نسأل: ألم يكتمل نور الهداية الإلهية ودين الله في زمن النَّبِيّ الأَكْرَم ص وقال تعالى: ﴿ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِي [المائ‍دة: ٣]؟! ثم كيف كان الكافرون يكرهون اسم القائم الذي لم يكونوا قد سمعوا به بعد؟! وإن كانوا يعلمون أن الدين لا يكتمل في زمنهم بل يحتاج إلى آلاف السنوات ليكتمل لَمَا كرهوا ذلك بل سُعدوا به!!

وفي الرواية 57 يروي «علي بن إبراهيم» عن «أبي الجارود»[179] المنحرف وفاسد المذهب عن الإمام أبي جعفر الباقر (ع) أنه قال: "لَوْ تَرَكْتُمْ هَذَا الْأَمْرَ [أيُّ أمر؟ هل الانتظار أم القائم نفسه؟] مَا تَرَكَهُ اللهُ"! [180]

لا أدري لماذا روى الكراجكي[181] هذه الرواية في كتابه ولماذا نقلها المَجْلِسِيّ عنه أيضاً! ثم ذكر المَجْلِسِيّ هنا الحديث 91 من الباب 165 من أصول الكافي، كشاهد مُؤَيِّد لرواية الكراجكي عن «علي بن إبراهيم» عن أبي الجارود! ولقد تحدثتُ عن سند حديث الكافي [رقم 91 من الباب 165] ومتنه في التنقيح الثاني لكتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول» بشكل مُفصَّل وواف (ص 751 وما بعدها) فَلْيُرَاجَعْ ثَمَّةَ.

طبقاً لحديث الكافي المذكور هذا: قال الإمام عن قول الله تعالى مخاطباً الكفار[182]:﴿فَ‍َٔامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَٱلنُّورِ ٱلَّذِيٓ أَنزَلۡنَا [التغابن : ٨] : "... فَالنُّورُ هُوَ الْإِمَامُ". وقال الإمام - في الحديث ذاته - عن كلمة «الْكَافِرُونَ» في قوله تعالى: ﴿يُرِيدُونَ لِيُطۡفِ‍ُٔواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفۡوَٰهِهِمۡ وَٱللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡكَٰفِرُونَ ٨ [الصف: ٨] : "الْكافِرُونَ بِوَلَايَةِ عَلِيٍّ"! هذا مع أن سورة الصف نزلت قبل سورة المائدة، أي قبل إعلان ولاية علي - حسب قولكم - فكيف كان الناس يكفرون بولاية الإمام عليٍّ (ع) مع أنها لم تُعلَن بعد؟! وبغض النظر عن ذلك، لو كان المقصود من النور هو الإمام، فكيف نفسِّر قوله تعالى ﴿وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا؟ كيف يتمّ إنزال الإمام؟! سمعنا حتى الآن بأن الإمام يتم نصبه وتعيينه، ولم ندرِ أن الإمام يتم إنزاله أيضاً!! ولو صحَّ ذلك فكيف لم يسأل الكفَّار: من هو هذا الإمام الذي تمَّ إنزاله؟ وكيف نُتَّهَم بأنَّنا لم نؤمن به مع أنَّنا لم نَعْرِفْهُ بَعْد؟! ذلك لأنه لم يتمَّ تعريف المسلمين بذلك الإمام حتى ذلك الوقت، في حين أن فعل ﴿أَنْزَلْنَا فعلٌ ماضٍ يتعلَّق بأمرٍ حدث في الزمن الماضي.

وكيف يمكن للإمام أن يقول: "فَالنُّورُ [في الآية] هُوَ الْإِمَامُ" ويغفل عن أن الله أطلقَ مراراً وتكرارً في قرآنه الكريم كلمة «النُّوْرِ» على الكتب السماوية كما في قوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدۡ جَآءَكُم بُرۡهَٰنٞ مِّن رَّبِّكُمۡ وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكُمۡ نُورٗا مُّبِينٗا ١٧٤ [النساء : ١٧٤]، وقوله سبحانه: ﴿فَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِهِۦ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَٱتَّبَعُواْ ٱلنُّورَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ مَعَهُۥٓ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ ١٥٧ [الأعراف: ١٥٧][183]. كما أوجب الله الإيمان بالكتب السماوية وقال في وصف المتَّقين: ﴿وَٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبۡلِكَ وَبِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ يُوقِنُونَ ٤ [البقرة: ٤] ولكنه لم يعتبر الإيمان بالإمام من الأمور الواجبة. (فتأمَّل)

* الرواية 17: ﴿وَأُخۡرَىٰ تُحِبُّونَهَاۖ نَصۡرٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَتۡحٞ قَرِيبٞۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ١٣ [الصف: ١٣]. معنى الآية واضح والشيخ الطَّبْرَسِيّ أيضاً قال في تفسيره «مجمع البيان» إن الآية تشير إلى الانتصار على مشركي قُرَيش وفتح مكَّة. لكنّ «عليَّ بن إبراهيم» يقول خلافاً لجميع المفسرين: "وفَتْحٌ قَرِيبٌ يَعْنِي فِي الدُّنْيَا بِفَتْحِ الْقَائِمِ (ع)"!! حقاً إن الإنسان لا يدري ماذا يقول بشأن هذه التلفيقات؟ وهل يُعقَل أن يقول الله تعالى لأصحاب رسوله يا أيها الذين آمنوا إن جاهدتم فإن النصر بفتح القائم سيكون نصيبكم؟! ألن يسأل الصحابة عندئذ من هو هذا القائم وأين ومتى سيكون فتحه؟! وهل سيجيبهم الله عندئذٍ بأن هذا الفتح قريب وسيقع بعد آلاف السنين من موتكم!!! فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا.

* الروايتان 18 و 64: ﴿حَتَّىٰٓ إِذَا رَأَوۡاْ مَا يُوعَدُونَ إِمَّا ٱلۡعَذَابَ وَإِمَّا ٱلسَّاعَةَ فَسَيَعۡلَمُونَ مَنۡ هُوَ شَرّٞ مَّكَانٗا وَأَضۡعَفُ جُندٗا ٧٥ [مريم: ٧٥] و﴿حَتَّىٰٓ إِذَا رَأَوۡاْ مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعۡلَمُونَ مَنۡ أَضۡعَفُ نَاصِرٗا وَأَقَلُّ عَدَدٗا ٢٤ [الجن: ٢٤].

سورة مريم وسورة الجن من السور المكيَّة وَمِنْ ثَمَّ فلا يمكن أن تُفسَّر بأن المقصود منها قائم الزمان! طبقاً للآية 73 من سورة مريم لما كانت آياتُ الله البينات تُتلى على الكفار كانوا يقولون للمؤمنين: ﴿أَيُّ ٱلۡفَرِيقَيۡنِ خَيۡرٞ مَّقَامٗا وَأَحۡسَنُ نَدِيّٗا ٧٣ [مريم: ٧٣] أي كانوا في مكة يرون أنفسهم أكثر عدداً وقوَّةً من المسلمين فيغترُّون بذلك ولا يعيرون اهتماماً لآيات القرآن ويحتقرون المسلمين، فنزلت هذه الآيات رداً عليهم. يقول الشيخ الطَّبْرَسِيّ في تفسيره «مجمع البيان» ذيل الآية 24 من سورة الجن:

"(وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ) الكفار وكانوا يفتخرون على النبي ص بكثرة جموعهم ويصفونه بقلَّة العدد، فبيَّن سبحانه أن الأمر سينعكس عليهم".

لكنَّ عدداً من الرواة الضعفاء مثل «سَلَمَةِ بْنِ الْخَطَّابِ البراوستاني»[184] و«عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ البطائنيِّ»[185]28 أو الأحمق «علي بن إبراهيم» رووا قول الإمام عن الآية المذكورة من سورة الجن:

"حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ: قَالَ: الْقَائِمُ وأَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (ع). فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وأَقَلُّ عَدَداً"!!

ولنا أن نتساءل: هل يرى القرآن أن كفار قريش سيعيشون ويُعَمِّرون حتى يخرج القائم ليروا نتيجة استهزائهم عندئذٍ؟!! هل يمكن أن يتكلم الله تعالى - والعياذ بالله - كلاماً واهياً غير مترابط على هذا النحو؟! أم أن الضعفاء والمجروحين هم الذين لفَّقوا تلك الأكاذيب؟! أَفَلَا تَعْقِلُونَ؟!

* الرواية 19: ﴿إِنَّهُمۡ يَكِيدُونَ كَيۡدٗا ١٥ وَأَكِيدُ كَيۡدٗا ١٦ فَمَهِّلِ ٱلۡكَٰفِرِينَ أَمۡهِلۡهُمۡ رُوَيۡدَۢا ١٧ [الطارق: ١٥، ١٧]. هذه السورة مكية، وقد تَوَعَّد اللهُ تعالى فيها الكفَّارَ الذين كانوا يمكرون بالرسول ويكيدون له. لكن «علي بن إبراهيم» يقول في تفسيره: "إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً وأَكِيدُ كَيْداً فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ يَا مُحَمَّدُ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً لَوْ بُعِثَ الْقَائِمُ (ع) فَيَنْتَقِمُ لِي مِنَ الْجَبَّارِينَ والطَّوَاغِيتِ مِنْ قُرَيْشٍ وبَنِي أُمَيَّةَ وسَائِرِ النَّاسِ"! ولم يدرِ «علي بن إبراهيم» أن بني أميَّة انقرضوا ولم يخرج قائمٌ.

* الرواية 20: ﴿وَٱلَّيۡلِ إِذَا يَغۡشَىٰ ١ وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ ٢ [الليل: ١، ٢].

سورة الليل مكِّيَّة ولا معنى أن يقسم الله بشيء غير موجود بعد، ولكن ماذا نفعل بأحمق مثل «عليّ بن إبراهيم» الذي يروي:

"عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ الباقر (ع) عَنْ قَوْلِ اللهِ: ﴿وَٱلَّيۡلِ إِذَا يَغۡشَىٰ [الليل: ١] ؟‏ قَالَ: اللَّيْلُ فِي هَذَا المَوْضِعِ "الثَّانِي"[186]، غَشَّ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ (ع) فِي دَوْلَتِهِ الَّتِي جَرَتْ لَهُ عَلَيْهِ، وأُمِرَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (ع) أَنْ يَصْبِرَ فِي دَوْلَتِهِمْ حَتَّى تَنْقَضِيَ. قَالَ: ﴿وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ ٢؟ قَالَ: النَّهَارُ هُوَ الْقَائِمُ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ (ع) إِذَا قَامَ غَلَبَ دَوْلَةَ الْبَاطِل".

أقول: هذه الرواية تكشف مدى جهل «علي بن إبراهيم» وضآلة علمه، لأن الجميع يعلمون أن فعل «يغشى» من مادة (غ، ش، ي) معتل اللام، في حين أن فعل «غشَّ» الذي يعني الخداع والخيانة من مادة (غ، ش، ش) مضاعفة الشين، ومن اليقين أن الإمام الباقر(ع) - الذي كان أفصح العرب - كان يميز تماماً بين «غَشِيَ» و«غشَّ»، لكن مُحدِّثين من أمثال «علي بن إبراهيم» الذي كان عجمياً لم يستطع أن يدرك هذا الأمر الواضح!

أضف إلى ذلك أن الليل والنهار آيتان من آيات الله اعتبرهما الله مهمَّتين فأقسم بهما لأهميِّتهما.

أعرف سيداً قام بطباعة تفسيرٍ روائيٍّ باسم «تفسير جامع» [أي التفسير الجامع]. فصادفه أحد إخواننا الفضلاء -حفظه الله- مرَّةً في الشارع فقال له: طبقاً للرواية التي أوردتموها في تفسيركم: المراد من «الليل» الذي أقسم الله به «عُمَر» بناءً على ذلك لابُدَّ أي يكون لِعُمَر أهمية وقيمة كبيرة عند الله حتى استحق أن يُقسم الله به وإلا فما من عاقل يُقسم بأشياء لا قيمة لها أو ذات قيمة ضئيلة، هل رأيت مثلاً شخصاً يُقسم بسلة المهملات؟ فهذه الرواية تُذكِّرنا بأهمية الخليفة الثاني واعتباره الكبير جداً!

وثالثاً: لا يمارس اللهُ تعالى «التقية» -والعياذ بالله-، ولا يخشى من أحد، ولا يستحي منه، فلو كان قصد الله «الخليفة الثاني عمر» فعلاً لذكره باسمه صراحةً ولم يشر إليه بعبارة بعيدة جداً عن الذهن!!

* الروايات 21 و27 و30: ﴿قُلۡ أَرَءَيۡتُمۡ إِنۡ أَصۡبَحَ مَآؤُكُمۡ غَوۡرٗا فَمَن يَأۡتِيكُم بِمَآءٖ مَّعِينِۢ ٣٠ [الملك: ٣٠].

أرجو من القارئ المحترم أن يُلاحظ هذه السورة المكية في القرآن الكريم ليرى أنها كلها خطاب من الله للكفار والمشركين يُذكِّرهم تعالى فيها بآيات قدرته ورحمته كي يتأملوا فيها ويؤمنوا به ويُوحِّدوه. لكنَّ «عليَّ بن إبراهيم» يروي عن عددٍ من الضعفاء والمجروحين عن الإمام الرضا (ع): "قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ إِمَامُكُمْ غَائِباً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِإِمَامٍ مِثْلِهِ"!! هذا مع أنَّ مسألة الإمامة لم تكن مطروحةً مطلقاً في مكة كي يسأل القرآن: لو غاب إمامكم فمن الذي سيأتيكم بإمام؟! من الواضح والمقطوع به أن الإمام الباقر أو الإمام الرضا (ع) لا يمكن أن ينطقا بمثل هذا الكلام المهمل غير المترابط، وإنما افترى ذلك عليهما الرواةُ الكذَّابون.

* 29الروايات 22 و58 و59: ﴿هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُشۡرِكُونَ[التوبة: 33 والصف: 9]. و﴿هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُشۡرِكُونَ ٩ [الصف: ٩].

اعلم أنه قد أُسِيءَ تفسير الآيتين المذكورتين، والآية 105 من سور الأنبياء[187] والآية 5 من سورة القصص[188] والآية 55 من سورة النور[189] وفُسِّرَت بالرأي مِنْ قِبَلِ بائعي الخرافات أكثر من سائر آيات القرآن الكريم، إلى درجة أنهم أدرجوا هذه الآيات في الكتب المدرسية بوصفها دليلاً على المهدوية، كي يعوِّدوا الناس منذ صغرهم على الخرافات، لذلك لابدّ من تأمل الآيات المذكورة بعمق وتدبرها جيداً.

يقول «عليُّ بن إبراهيم» وعدَّة من الرواة الضعفاء والمجاهيل أن الآية المذكورة (أي الآية 33 من سورة التوبة) "نَزَلَتْ فِي الْقَائِمِ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ (ع) وهُوَ الْإِمَامُ الَّذِي يُظْهِرُهُ اللهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ الخ"[190]. وأن الإمام لما سُئل عن الآية المذكورة - أي عَنْ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى ﴿هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُشۡرِكُونَ قَالَ: "وَاللهِ مَا أُنْزِلَ تَأْوِيلُهَا بَعْدُ! قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ! وَمَتَى يُنْزَلُ؟ قَالَ: حَتَّى يَقُومَ الْقَائِمُ إِنْ شَاءَ اللهُ فَإِذَا خَرَجَ الْقَائِمُ لَمْ يَبْقَ كَافِرٌ وَلَا مُشْرِكٌ إِلَّا كَرِهَ خُرُوجَهُ حَتَّى لَوْ كَانَ كَافِرٌ أَوْ مُشْرِكٌ فِي بَطْنِ صَخْرَةٍ لَقَالَتِ الصَّخْرَةُ يَا مُؤْمِنُ فِي بَطْنِي كَافِرٌ أَوْ مُشْرِكٌ فَاقْتُلْهُ قَالَ فَيُنَحِّيهِ اللهُ فَيَقْتُلُهُ[191]"[192]. وقَالَ: "... لَا يَكُونُ ذَلِكَ حَتَّى لَا يَبْقَى يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ وَلَا صَاحِبُ مِلَّةٍ إِلَّا دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ حَتَّى يَأْمَنَ الشَّاةُ وَالذِّئْبُ وَالْبَقَرَةُ وَالْأَسَدُ[193] وَالْإِنْسَانُ وَالْحَيَّةُ ..... وَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُشۡرِكُونَ وَذَلِكَ يَكُونُ عِنْدَ قِيَامِ الْقَائِمِ (ع)"[194].

أولاً: أنتم تعتقدون أن القائم «إمامٌ»، وقد قال تعالى في الآية: ﴿هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَولم يقل «أَرْسَلَ إمَامَهُ»، فالوعد المذكور في الآية سيتحقَّق بواسطة النبي لا بواسطة الإمام (فلا تتجاهل). ليت شعري! ألا يعلم هؤلاء الفرق بين النبيّ والإمام؟!

ثانياً: ينبغي أن ننتبه إلى أن الآية قالت: ﴿لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى أي لينصره ويُعْلِيَه على سائر الأديان ويعطيه الغلبة عليها، وفرق كبير بين العلوّ والغلبة على سائر الأديان، وبين إزالتها ومحوها من الوجود (فلا تتجاهل). ولو كان المراد من الآية إزالة جميع الأديان ومحوها لقال: «ليَمْحِيَ الدينَ كُلَّه» أو «ليقضيَ على الدِّين كُلِّه» ونحو ذلك. لكن القرآن الكريم استخدم مادّة (ظ، هـ، ر) التي معناها «الغلبة» وليس معناها «الإزالة والمحو»، كما قال تعالى ﴿يَٰقَوۡمِ لَكُمُ ٱلۡمُلۡكُ ٱلۡيَوۡمَ ظَٰهِرِينَ فِي ٱلۡأَرۡض [غافر: ٢٩]، قال الشيخ الطَّبْرَسِيّ في تفسيره «مجمع البيان» شارحاً الآية الأخيرة:

"«يا قوم لكم الملك اليوم» أي لكم السلطان على أهل الأرض يعني أرض مصر اليوم «ظاهرين في الأرض» أي عالين فيها غالبين عليها قاهرين لأهلها".

ولو كان الظهور على الآخرين في الأرض معناه إزالة الآخرين تماماً لوجب أن يكون بنو إسرائيل قد أبيدوا في مصر ولم يبقَ إلا فرعون وآله وحكمهم!

أو نقرأ قوله تعالى: ﴿فَأَيَّدۡنَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَىٰ عَدُوِّهِمۡ فَأَصۡبَحُواْ ظَٰهِرِينَ ١٤ [الصف: ١٤]. ومن البديهي أن المؤمنين تغلَّبوا على أعدائهم، ولكنهم لم يزيلوهم من صفحة الوجود، ولم يتَّفق أبداً أن أصبح النصارى بلا أيِّ أعداء!

ثالثاً: لو قبلنا الروايات السابقة التي تقول إنه لن يبقى بعد خروج القائم كافر ولا مشرك ولا يهودي ولا نصراني، لوقعنا في مخالفة القرآن الذي أخبر أن الكفر والشرك وفرق اليهود والنصارى ستبقى إلي يوم القيامة ولن تُمْحى من الأرض (المائدة: 14 و 26)[195]. (فتأمَّل)

رابعاً: قال الشيخ الطَّبْرَسِيّ في تفسيره «مجمع البيان» مفسِّراً قوله تعالى: ﴿لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُشۡرِكُونَ[التوبة:33]

"«ليظهره على الدين كله»: معناه ليُعْلي دينَ الإسلام على جميع الأديان بالحجة والغلبة والقهر لها، حتى لا يبقى على وجه الأرض دينٌ إلا مغلوباً، ولا يغلب أحدٌ أهل الإسلام بالحجَّة، وهم يغلبون أهل سائر الأديان بالحجَّة، وأما الظهور بالغلبة فهو أن كل طائفة من المسلمين قد غلبوا على ناحية من نواحي أهل الشرك ولحقهم قَهْرٌ من جهتهم".

وجعل الشيخ الطَّبْرَسِيّ هذا المعنى مُقدَّما على جميع الأقوال الأخرى.

ولما رأى عددٌ من المفسِّرين أن تحقُّق هذه الآية سيتم بواسطة الرسول، وأنه قد أشير في مقطع آخر من الآية إلى كراهية المشركين - الذين كانوا في جزيرة العرب - لذلك (أي جملة: وَلَوْ كَرِهَ الـْمُشْرِكُونَ)، قالوا إن المُراد هو غلبة الإسلام على الأديان التي كانت في جزيرة العرب، وأن هذه الآية تحقَّقت في صدر الإسلام بانتصار الإسلام على مشركي مكة وعلى اليهود والنصارى في المدينة ونواحي الشام، وقد أيد آية الله السيد أبو القاسم الخوئي هذا التفسير في فصل «إعجاز القرآن» من كتابه الشريف: «البيان»، ورأى أن ذلك الانتصار والغلبة على المشركين واليهود والنصارى - الذين جاء الكلام عنهم قبل الآيتين المذكورتين من سورتَي التوبة والصف أو بعدها - تحقَّق في ذلك العهد، خاصَّةً أن وعود سورة الفتح كلَّها وعودٌ قريبةٌ تتعلَّق بمستقبل غير بعيد.

ولا تتنافى الغلبة الظاهرية بالطبع مع غلبة الإسلام من الناحية المعنوية ومن ناحية الحُجَّة والبرهان، يعني أنه لا مانع من أن يكون انتصار الإسلام وتغلُّبَهُ على ما سواه من الأديان قد تحقَّق من كلا الناحيتين - الظاهرية المادية والفكرية المعنوية- مع العلم بأن الغلبة المعنوية أكثر أهمية في نظر القرآن وأكثر دواماً وبقاءً. وإذا لاحظنا أن الله تعالى قال: ﴿كَتَبَ ٱللَّهُ لَأَغۡلِبَنَّ أَنَا۠ وَرُسُلِيٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٞ ٢١ [المجادلة: ٢١] مع علمنا بأن بعض الأنبياء استُشهدوا (البقرة: 61 و87، والنساء: 155، وآيات أخرى) ولم تتحقق لهم الغلبة الظاهرية، أدركنا أن المراد الأصلي من الآية 21 من سورة المجادلة هو الغلبة المعنوية، وأن هذا الجانب فقط يكفي لكي يعتبر القرآن الغلبةَ ظاهرةً متحقِّقَةً. هذا على الرغم من أن النَّبِيّ الأَكْرَم ص تحقَّقَتْ له كلا الغلبتين، فقد انتصر منطق القرآن واستدلاله وتطابقه مع العقل على منطق الكفار والمشركين أو اليهود والنصارى الذين لم يستطيعوا أن يُجيبوا عن الإشكالات التي طرحها القرآن على عقائدهم إجابةً مُستَدَلَّةً[196].

وعلى أية حال، فكما لاحظنا، لا علاقة للآيات بالقائم المُتَخَيَّل. ونحن لا نتعجَّب بالطبع من «علي بن إبراهيم» ضئيل العلم أن يُلَفِّقَ مثل هذه الأقاويل العامية، لكن عجبنا لا ينقضي من المجلسي وغيره من علماء الإمامية الذين يجعلون من كلام «علي بن إبراهيم» مستند عقيدتهم!!

* الرواية 24: ﴿هَلۡ أَتَىٰكَ حَدِيثُ ٱلۡغَٰشِيَةِ ١ وُجُوهٞ يَوۡمَئِذٍ خَٰشِعَةٌ ٢ [الغاشية: ١، ٢]. بيَّن الله تعالى من بداية هذه السورة المكّيّة وحتى الآية 16 منها أحوال أهل النار وأهل الجنة، ولكن «الصَّفَّارَ»[197] الذي كان متساهلاً في أخذ الحديث[198]، تجاهل هنا هذه القرائن وسياق الآيات وقال: "عَنْ عَبَّادِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللهِ (ع): هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ؟ قَالَ: يَغْشَاهُمُ الْقَائِمُ بِالسَّيْفِ!! قَالَ قُلْتُ: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ؟ قَالَ: يَقُولُ خَاضِعَةٌ لَاتُطِيقُ الِامْتِنَاع......" وتابعَ أباطيله على هذا النحو!!

* الرواية 25: ﴿هَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّآ أَن تَأۡتِيَهُمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ أَوۡ يَأۡتِيَ رَبُّكَ أَوۡ يَأۡتِيَ بَعۡضُ ءَايَٰتِ رَبِّكَۗ يَوۡمَ يَأۡتِي بَعۡضُ ءَايَٰتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفۡسًا إِيمَٰنُهَا لَمۡ تَكُنۡ ءَامَنَتۡ مِن قَبۡلُ [الانعام: ١٥٨].

كان مشركو مكة زمنَ رسول الله ص يتحجَّجون ويطالبون بمثل ما كان اليهود يطالبون نبيَّهم به، مما ذَكَرَتْهُ الآية 210 من سورة البقرة والآية 33 من سورة النحل، ليبرِّروا رفضهم الإيمان به ما لم يأتهم بما يطالبونه به [كقولهم: لن نؤمن لك حتى تنزل علينا الملائكة أو يأتينا الله ذاته أو تأتي بعض آياته... الخ]، لكن الشيخ الصدوق الذي لم يكن يميز بين الصحيح والسقيم من الحديث[199] روى بسنده عن الإمام الصادق (ع)[200] أنه قال: "الْآيَاتُ هُمُ الْأَئِمَّةُ، والْآيَةُ المُنْتَظَرُ هُوَ الْقَائِمُ (ع)، فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلِ قِيَامِهِ بِالسَّيْفِ، وَإِنْ آمَنَتْ بِمَنْ تَقَدَّمَهُ مِنْ آبَائِهِ"!!

فليت شعري! هل هناك أي معنى لقول النبيِّ ص لمشركي مكَّة انتظروا ظهور آية القائم؟! وهل يرى هؤلاء القوم أن آيات القرآن منحصرة بالأئمة فقط حتى آيات العذاب!!

* الرواية 26: ﴿فَلَآ أُقۡسِمُ بِٱلۡخُنَّسِ ١٥ ٱلۡجَوَارِ ٱلۡكُنَّسِ ١٦ [التكوير: ١٥، ١٦]. ذكر جميع المفسرين استناداً إلى اللغة أن معنى الآيات قَسَمُهُ تعالى بالنجوم السيارة التي ترجع في مدارها وتختفي وراء ضوء الشمس.

لكن الشيخ الصدوق[201] روى روايةً أسندها إلى الإمام الباقر (ع) أنه قال: "فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوارِ الْكُنَّسِ فَقَالَ إِمَامٌ يَخْنِسُ فِي زَمَانِهِ عِنْدَ انْقِضَاءٍ مِنْ عِلْمِهِ سَنَةَ سِتِّينَ ومِائَتَيْنِ ثُمَّ يَبْدُو كَالشِّهَابِ الْوَقَّادِ فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ فَإِنْ أَدْرَكْتَ ذَلِكَ قَرَّتْ عَيْنَاكَ". 30فهل من الممكن أن يقسم الله تعالى لأهل مكة الذين لم يكونوا حينذاك مؤمنين بنبيه بعد وكانوا يعتبرون القرآن سحراً، بخليفةِ نبيِّه الثاني عشر الذي لم يره أحد ولم يسمع به؟! هذا إضافةً إلى أن «الجَوَار» جَمْعٌ في حين أن الإمام غائب مفرد!! ألم يكن الإمام الباقر ÷ في نظر أولئك الرواة الجهلة الوضاعين يعلم العربيَّة؟! فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا؟!

* الروايتان 28 و29: ﴿الٓمٓ ١ ذَٰلِكَ ٱلۡكِتَٰبُ لَا رَيۡبَۛ فِيهِۛ هُدٗى لِّلۡمُتَّقِينَ ٢ ٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡغَيۡبِ [البقرة: ١، ٣].

ينقل المَجْلِسِيّ في البحار عن كتاب «كمال الدين» للشيخ الصدوق روايةً "عَنْ دَاوُدَ الرَّقِّيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الصادق (ع): "فِي قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَ جَلَّ: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ؟ قَالَ: مَنْ أَقَرَّ بِقِيَامِ الْقَائِمِ (ع) أَنَّهُ حَقٌّ"[202] !! كما يدَّعي «علي بن أبي حمزة البطائني» أن "يَحْيَى بْنَ أَبِي الْقَاسِمِ قَالَ: سَأَلْتُ الصَّادِقَ (ع) عَنْ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ﴿الٓمٓ ١ ذَٰلِكَ ٱلۡكِتَٰبُ لَا رَيۡبَۛ فِيهِۛ هُدٗى لِّلۡمُتَّقِينَ ٢ ٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡغَيۡبِ؟ فَقَالَ: الْمُتَّقُونَ: شِيعَةُ عَلِيٍّ (ع)، وَأَمَّا الْغَيْبُ: فَهُوَ الْحُجَّةُ الْغَائِبُ. وَشَاهِدُ ذَلِكَ قَوْلُ اللهِ تَعَالَى: ﴿وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِـلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ المُنْتَظِرِينَ [يونس: 20]".

وينبغي أن نسأل: هل يصح أن يذكر الله تعالى في هذه الآيات الإيمان بالقائم ولا يذكر الإيمان بالله تعالى؟! هذا في حين أن «الغيب» هو الشيء أو الأمر الغائب ذاتاً والمُستتر وغير المشهود كذات الله الأحدية. وقد فسَّر المُفسِّرون أيضاً كلمة «الغيب» هنا بمعنى «الله تبارك وتعالى». أضف إلى ذلك أن المهدي لم يكن قبل غيبته غيباً كما أنه لن يكون غيباً بعد ظهوره فكيف يُؤمن المُتَّقون بالغيب حينذاك؟! أي أن ظهور المهدي سيجعل الآية لغواً لا مصداق لها في عالَم الخارج. (راجعوا الصفحة 88 إلى 91 من الكتاب الحاضر).

ثم إن الآية 20 من سورة يونس المكية التي تمّ الاستشهاد بها في الرواية الثانية أعلاه نزلت بشأن مشركي مكة الذين كانوا يقولون: لماذا لا تنزل على محمد آيةٌ من ربِّهِ فردَّ الله تعالى عليهم بقوله لنبيِّه: قل لهم إن المعجزات بيد الله وليست بملكي وهي أمر غيبيٌّ خاصٌّ بالله فانتظروا حتى إذا رأى الله المصلحة في إنزال معجزةٍ أنزلها عليَّ وأنا معكم من المنتظرين. فهذه الآية بمُلاحظة الآيات التي جاءت قبلها وبعدها تُعتبر من الآيات التوحيدية التي تُبيِّن أن المعجزة ليست من صنع الرسول ص بل هي أمر غيبي لا يعلم حتى رسول الله ص شيئاً عن مجيئها ووقت ظهورها. فإذا عرفنا ذلك فإن السؤال الذي يطرح نفسه: ما علاقة هذه الآية بالمهدي؟ هل يُعقل أن يقول الله تعالى رداً على المشركين الذين كانوا يُطالبون بمعجزة كي يؤمنوا بالتوحيد ويتركوا الشرك: انتظروا مهديَّاً سيأتي آخر الزمن؟!! للأسف لقد جعل الشيخ الصدوق ومُقلِّدوه من رواية شخص «واقفي» [كعلي بن أبي حمزة البطائني] مستنداً ودليلاً لعقيدتهم!!

* 31الروايات 31 و33 و34 و52: ﴿وَفِي ٱلسَّمَآءِ رِزۡقُكُمۡ وَمَا تُوعَدُونَ ٢٢ فَوَرَبِّ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ إِنَّهُۥ لَحَقّٞ مِّثۡلَ مَآ أَنَّكُمۡ تَنطِقُونَ ٢٣ [الذاريات: ٢٢، ٢٣]. يروي الشيخ الطوسي في كتابه «الغيبة» عن عدد من الرواة مجهولي الحال والضعفاء عن ابن عباس أنه قال: "وفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وما تُوعَدُونَ قَالَ: هُوَ خُرُوجُ المَهْدِيِّ"!.[203]

كما تلاحظون بدأت الآية بواو العطف، فهي معطوفة على الآيات التي قبلها. لاحِظ أيها القارئ الكريم هذه السورة المكية في القرآن الكريم كي ترى أن الآيات قبل الآية المذكورة تتحدث عن القيامة ثم عن المنكرين والمتَّقين وتلفت انتباههم إلى آيات الله في السموات والأرض وفي خَلْقِهم، ثم يقسم اللهُ تعالى في الآية 23 أن القيامة والجزاء الأخروي واقعان قطعاً لا محالة. فهل هناك من عاقل - مهما كان عقله ضعيفاً - يمكن أن يقبل أن يُنَزِّلَ اللهُ تعالى في مكة إحدى وعشرين آيةً حول القيامة ثم يقول أقسم بربِّ السموات والأرض إن المهدي سيخرج؟! أليس من المعقول حينئذٍ أن يسأل المشركون من هو هذا المهدي وما علاقتنا بخروجه نحن الذين لا نعتقد بالقيامة من أساسها؟!! وهل كان ابن عباس - الذي افتريتم عليه هذه الرواية - جاهلاً إلى هذا الحد بمعاني وعود القرآن؟! أم كان جاهلاً باللغة العربية حتى جعل الآية متعلِّقةً بمهدي آخر الزَّمَان؟! وهل كان اهتمام القرآن الكريم بإيمان المشركين بقيام المهدي أكثر من اهتمامه بإنكارهم القيامة؟![204]

* الروايتان 32 و37: ﴿ٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يُحۡيِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَاۚ قَدۡ بَيَّنَّا لَكُمُ ٱلۡأٓيَٰتِ لَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ ١٧ [الحديد: ١٧].

أقول: لقد ذُكِرَ هذا المعنى مراراً في القرآن الكريم واعتُبِر من الدلائل على قدرة الله لكن عدداً من المجاهيل والضعفاء رووا[205] عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يُحۡيِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَا: يَعْنِي يُصْلِحُ الْأَرْضَ بِقَائِمِ آلِ مُحَمَّدٍ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا"! قلتُ: فمعنى هذا أنه تعالى لم يحيِ الأرض بعد، فمن يحييها كل ربيع الآن؟! هل يُسمَّى هذا تفسيراً؟! هل قال ابن عباس حقيقة مثل هذا الكلام أم افترى الرواة الوضاعون هذا الكذب عليه؟[206]

* الروايات 35 و65 و66: اعلم أن الآية التالية (الآية 5 من سورة القصص) المعروفة بآية الاستضعاف، والآيتان 32 و 33 من سورة التوبة والآية 55 من سورة النور والآية 105 من سورة الأنبياء استُغِلَّت وفُسِّرت بالرأي في هذا الموضوع، أكثر من سائر آيات القرآن الكريمة. وقد كُتِبت هذه الآيات في الكتب المدرسية كي يُعوِّدوا الناس منذ طفولتهم على الخرافات، فلا بُدَّ أن نقوم بتحقيق أكثر وتأمل أعمق للآيات التالية:

﴿نَتۡلُواْ عَلَيۡكَ مِن نَّبَإِ مُوسَىٰ وَفِرۡعَوۡنَ بِٱلۡحَقِّ لِقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ ٣ إِنَّ فِرۡعَوۡنَ عَلَا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَجَعَلَ أَهۡلَهَا شِيَعٗا يَسۡتَضۡعِفُ طَآئِفَةٗ مِّنۡهُمۡ يُذَبِّحُ أَبۡنَآءَهُمۡ وَيَسۡتَحۡيِۦ نِسَآءَهُمۡۚ إِنَّهُۥ كَانَ مِنَ ٱلۡمُفۡسِدِينَ ٤ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسۡتُضۡعِفُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَنَجۡعَلَهُمۡ أَئِمَّةٗ وَنَجۡعَلَهُمُ ٱلۡوَٰرِثِينَ ٥ وَنُمَكِّنَ لَهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَنُرِيَ فِرۡعَوۡنَ وَهَٰمَٰنَ وَجُنُودَهُمَا مِنۡهُم مَّا كَانُواْ يَحۡذَرُونَ ٦ [القصص: ٣، ٦].

سورة القصص من السور المكّيّة وقال أبو الفتوح الرازي[207] من مفسِّري الشيعة في تفسيره للآية الخامسة من سورة القصص:

"(وَنُرِيدُ) أي أردنا أن نمنَّ على الذين استُضعِفوا في أرض مصر من بني إسرائيل ونجعلهم أئمةً يقتدي الناس بهم في أعمال الخير..... وجعلناهم ورثةً لأموال فرعون وقومه بعد أن أهلكناهم".

لاحظوا أنه اعترف أن المراد من «الأرض» أرض مصر بالذات وليس جميع الأرض. كما أنه اعتبر أن معنى الفعل المضارع (وَنُرِيدُ): أردنا.[208] (فتأمَّل)

فنقول: أولاً: إن مفسّري الشيعة ومن جملتهم «أبو الفتوح الرازي» الذين فسروا كلمة «الأرض» بمعنى الأرض كلها (أي كل الدنيا) أخطؤوا بلا ريب، لأن سورة القصص نزلت بشأن فرعون وآل فرعون الذين كانوا يحكمون منطقةً معينةً من الأرض هي أرض مصر، ولم يكونوا يحكمون الكرة الأرضية كلها! (فلا تتجاهل).

ومن حيث المبدأ فإن أهل المعرفة بالقرآن يعلمون أن كلمة «الأرض» لا تأتي في القرآن الكريم بمعنى الكرة الأرضية أو الأرض كلّها دائماً[209] بل جاءت كلمة الأرض في كثير من الحالات على معنى جزء محدود و معيَّن من الأرض أي أرض بَلَدٍ من البِلاد، كما جاءت أحياناً بمعنى أرض الجنَّة. (الزمر: 74). وجاءت في موارد عديدة بمعنى "هذه الأرض". (التوبة: 2، وإبراهيم: 14) وأكثر الموارد التي استُخْدِمَت فيها كلمة «الأرض» بمعنى «أرض هذا البلد» كان المقصود منها «الأرض الخاضعة لحكم الفراعنة: أي أرض مصر وفلسطين» (كما جاءت مثلاً في سورة يوسف: 21 و55 و56 و73 و80 وسورة الإسراء: 4 و103 و104 و.......).

بناء على ذلك فلا يمكن بأي وجه من الوجوه تفسير كلمة «الأرض» التي جاءت في بداية قصَّة آل فرعون بمعنى كل الأرض أي كل العالم! و بالمثل نجد أن قوله تعالى: ﴿وَإِن كَادُواْ لَيَسۡتَفِزُّونَكَ مِنَ ٱلۡأَرۡضِ لِيُخۡرِجُوكَ مِنۡهَا [الإسراء: ٧٦] لا يُقصد منه أن المشركين كادوا أن يخرجوا النبيَّ ص من كوكب الأرض!! أو في الآية التي أمهل اللهُ فيها المشركين المحاربين أربعة أشهر وقال: ﴿فَسِيحُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ أَرۡبَعَةَ أَشۡهُرٖ [التوبة: ٢] لم يكن المقصود أنَّ عَلَى المشركين أن يخرجوا من الكرة الأرضية بعد أربعة أشهر! ولو بقوا على سطح الأرض فعليهم أن يسلموا!! وهكذا....

ثانياً: لقد بيَّن الله تعالى بوضوح هوية الوارثين في سورة القصص وتحقق ذلك الوعد الإلـهي الذي جاء فيها، فلم يعد هناك مجال لتلفيق كلامٍ حول ذلك، قال تعالى: ﴿وَأَوۡرَثۡنَا ٱلۡقَوۡمَ ٱلَّذِينَ كَانُواْ يُسۡتَضۡعَفُونَ مَشَٰرِقَ ٱلۡأَرۡضِ وَمَغَٰرِبَهَا ٱلَّتِي بَٰرَكۡنَا فِيهَاۖ وَتَمَّتۡ كَلِمَتُ رَبِّكَ ٱلۡحُسۡنَىٰ عَلَىٰ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ بِمَا صَبَرُواْۖ وَدَمَّرۡنَا مَا كَانَ يَصۡنَعُ فِرۡعَوۡنُ وَقَوۡمُهُۥ وَمَا كَانُواْ يَعۡرِشُونَ ١٣٧ [الأعراف: ١٣٧]. بمقارنة هذه الآية مع الآيات من 2 إلى 6 من سورة القصص يَتَبَـيَّنُ بوضوح أن مُراد الآيات هو المستضعفين من بني إسرائيل في زمن حضرة موسى (ع)[210]، وبهذا يبطل تماماً كذب الرواة الذين جعلوا الآية متعلقة بخروج المهدي!

ثالثاً: لقد تكلمنا بما يكفي عن مدلول كلمة «إمام» و«أئمَّة» في كتابنا «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول» (ص 323-325، و ص 381 إلى 389) فلا نكرر ذلك هنا، ولكننا نذكِّر فقط هنا بأن الإرادة الإلـهية بجعلهم أئمةً ﴿وَنَجۡعَلَهُمۡ أَئِمَّةٗ قد تحقَّقت وظهر بين بني إسرائيل أئمة مثل: موسى وهارون ويوشع و... عليهم السلام، لأنَّ الله سمَّى أنبياء بني إسرائيل أئمَّةً (الأنبياء: 74) ولا شك أن أنبياء بني إسرائيل -عليهم السلام - الذين كانوا أُسْوَةً للآخرين، كانوا «أئمَّةً» للناس. كما أن كلمة «أئمَّة» جاءت في آية سورة القصص بصيغة الجمع، ومن الواضِح أن هذا يتناسب مع أنبياء بني إسرائيل أكثر من تناسبه مع المهدي الفرد! (فلا تتجاهل).

رابعاً: قولهم إن أفعال «نُرِيْدُ» و«نَمُنَّ" وَ"نَجْعَلَهُمْ" وَ "نُمَكِّنَ" مضارعة والفعل المضارع يدل على المستقبل لا يعدو مغالطة واضحة منشؤها التعصب وخداع العوام، لأنهم يرون بأعينهم أن فعل «َنُرِيَ» في جملة «وَنُرِيَ فِرۡعَوۡنَ وَهَٰمَٰنَ وَجُنُودَهُمَا...» معطوفٌ أيضاً على الأفعال المضارعة المذكورة السابقة، كما أنهم يرون أن أفعال «يَسْتَضْعِفُ» وَ«يُذَبِّحُ» وَ«يَسْتَحْيِي» جاءت أيضاً بصيغة المضارع، ولكنهم بكل عنادٍ وتجاهل لا يذكرون زمن المضارع إلا لأفعال الآية 5 فقط!! كما أنهم كانوا يتجاهلون تماماً أن فعل المضارع في بعض الحالات لابُدَّ أن يُترجم -استناداً إلى فحوى الكلام والقرائن الموجودة- طبقاً لمعنى الماضي الاستمراري في اللغة الفارسية كي يتمّ الحصول على المقصود الحقيقي، مثلما نجد أنه لم يُترجم أحد فعل المضارع في الآية 43 من سورة الرحمن بزمن المضارع: ﴿هَٰذِهِۦ جَهَنَّمُ ٱلَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا ٱلۡمُجۡرِمُونَ ٤٣ [الرحمن: ٤٣] بل ترجمها جميعهم -بناءً على مُقتضى الكلام- بزمن الماضي الاستمراري. وكثير من آيات القرآن ينطبق عليها هذا الأمر وهي مسألة لا تخفى على العارفين بالقرآن وبقواعد النحو في اللغة العربية وليس فهمها عسيراً عليهم! إن هناك كثير من الحالات لا يُفيد فيها الفعل المضارع -الذي لا يوجد قبله أفعال ناقصة مثل: كان- الذي يأتي بعد الفعل الماضي ويكون المضارع مرتبطاً بهذا الماضي، معنى الحاضر أو المستقبل (=الوقوع بعد زمان التكلم)، فمثلاً هل يُترجم أحد فعل المضارع «يُجادلنا» في الآية 74 من سورة هود، الذي جاء بعد الفعل الماضي «ذهب» بزمن المستقبل؟! وهل يُترجم أحد فعل المضارع «تجري» في الآية 14 و «تنزع» في الآية 20 من سورة القمر بزمن المستقبل؟! هل يُترجم أحد فعل المضارع «يغشى» و «يظنُّون» في الآية 154 من سورة آل عمران بزمن المضارع؟! هل يُترجم أحد فعل «يحكم» في الآية 44 من سورة المائدة بزمن المستقبل؟! هل يُترجم أحد فعل المضارع «تتلو» في الآية 102 من سورة البقرة بزمن المضارع؟! هل تُترجمون فعل «يُسبّحن» في الآية 18 من سورة ص و«يقذفون» في الآية 53 من سورة سبأ بزمن المضارع (= أي المتزامن مع وقت التكلم أو بعده)؟! ونماذج ذلك في القرآن كثيرة جداً ولسنا في صدد إحصائها. (فلا تتجاهل).

بناءً على ما تقدّم نسأل: إذا كان فعل «نُريد» مضارعاً، ويدل على المستقبل (أي بمعنى وقوع الفعل بعد زمن التكلم) فبماذا تُفسِّرون أفعال «يستضعف» و«يُذبّح» و «يستحيي»؟! إذا فسَّرنا الآية حسب ما يُعجبكم فسيكون معنى آيات سورة القصص المذكورة كالتالي: إن فرعون -الذي كان من المفسدين وكان يعيش قبل قرون مديدة من زمن رسول الله ص- علا في هذه الأرض (=مصر) وجعل أهلها شيعاً، وفي المستقبل سوف يستضعف طائفةً منهم(؟!) وسوف يُقتِّل أبناءهم(؟!) وسوف يستحيي نساءهم(؟!) ونحن نُريد أن نمنَّ في المستقبل على الذين استُضعفوا في الأرض وأن نجعلهم أئمةً ونجعلهم الوارثين وأن نُمكِّن لهم في الأرض (أيُّ أرض؟) ونُريَ فرعون وهامان وجنودهما (أين يكون هؤلاء في المستقبل؟) ما كانوا يخافون منه؟!!

من البديهي أن حكم فعل المضارع في جملة «نُريَ فرعون» هو حكم أفعال «نُمكِّن» و «نجعل» و «نمنّ» المرتبطة ببعضها والتي عُطف بعضها على بعض ذاته بلا أيّ فرق. بناءً على ذلك لا بُدَّ من أن تُفهم الأفعال المضارعة أعلاه التي جاءت قبل الفعل الماضي «استُضعفوا» وبعده على نحو يتناسب بعضه مع بعض وينسجم بعضه مع بعض، وبالمثل لا بُدَّ من فهم الأفعال المضارعة التي جاءت في الآية 4 بعد الأفعال الماضية «جعل» و «علا» على نحو منسجم ومتناسب بعضه مع بعض. أضف إلى ذلك أن ضمير «هم» في كلمات: «منهم» و «لهم» (الآية 6) وفي «نجعلهم» (الآية 5) وفي «نساءهم» و «أبناءهم» و «منهم» (الآية 4) وضمير الواو في «استُضعفوا» (الآية 5) كلها تُشير إلى جماعة واحدة هم قوم موسى (بني إسرائيل)[211] وكانوا يعيشون في زمن فرعون في مصر، و «في الأرض» في الآيتين 4 و 5 لا فرق بينهما وكلاهما يُبيِّنان منطقة واحدة هي أرض مصر. (فلا تتجاهل).

خامساً: بناء على ما تقدَّم فإن علَّة استخدام زمن المضارع في أفعال الآيتين 4 و 5 بعد الأفعال الماضية في الآيات قبلها، هو إفادة معنى التأخُّر المعلولي (في مقابل التقدُّم العِلِّيّ)، يعني أن استضعاف بني إسرائيل و قتل أبنائهم.....الخ كان ناجماً عن تكبر فرعون وعلوه في الأرض، لذلك تعلَّقت إرادتنا بانتصار بني إسرائيل على آل فرعون وأن يرى آل فرعون جزاء أعمالهم الظالمة وأن يرث قوم موسى الأرض، أي هذه الإرادة جاءت بسبب ظلم فرعون وعلُوّه في الأرض واستضعافه لبني إسرائيل، ونتيجة لذلك.

سادساً: بيَّن الله كيفية تحقُّق إرادته «وَنُرِيْدُ» في سورة القصص من الآيات 7 حتى 40 وقال لقد حققنا إرادتنا بهذه الصورة[212]:﴿وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰٓ أُمِّ مُوسَىٰٓ أَنۡ أَرۡضِعِيهِۖ فَإِذَا خِفۡتِ عَلَيۡهِ فَأَلۡقِيهِ فِي ٱلۡيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحۡزَنِيٓۖ إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيۡكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ ٱلۡمُرۡسَلِينَ ٧ [القصص: ٧] إلى أن يصل إلى الآية 40 فيقول: ﴿فَأَخَذۡنَٰهُ وَجُنُودَهُۥ فَنَبَذۡنَٰهُمۡ فِي ٱلۡيَمِّۖ فَٱنظُرۡ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلظَّٰلِمِينَ ٤٠ [القصص: ٤٠]. ثم يقول تعالى على سبيل المقابلة بين جعله بني إسرائيل أئمَّة هداية وجعله آل فرعون أئمَّةً دعاةً إلى النار: ﴿وَجَعَلۡنَٰهُمۡ أَئِمَّةٗ يَدۡعُونَ إِلَى ٱلنَّارِۖ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ لَا يُنصَرُونَ ٤١ [القصص: ٤١][213].

وننقل هنا قول المرحوم «مرتضى مطهَّري» -الذي يُمْدَحُ كثيراً في هذه الأيام ويُثنَى على أقواله ومؤلَّفاته- حول آيات سورة القصص كي يعلم القارئ المحترم أنه رغم كونه من المُعتقدين بالمهدي الموعود إلا أنه لم يستخرج هذا الأمر من آيات سورة القصص. (فَتَأَمَّل)

"هذه الآيات الثلاثة مرتبط بعضها ببعض وتُبيِّن مع بعضها فكرة واحدة. المعنى المرتبط للآيات الثلاث هو التالي: إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها فِرقاً فِرقاً[214]، فاستضعف فِرقةً منهم واستذلَّهم وقطَّع رؤوس أبنائهم وأبقى بناتهم فقط على قيد الحياة، إنه كان من المفسدين، وكنا قد أردنا أن نمنَّ على أولئك الذين استضعفهم فرعون وأن نجعلهم أئمةً ونجعلهم وارثين ونُمكِّنهم في الأرض ونُريَ على أيديهم فرعون ووزيره هامان ما كانوا منه يحذرون.

نُلاحظ أن جملة «وَنُمَكِّنَ لَهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ» وجملة «وَنُرِيَ فِرۡعَوۡنَ وَهَٰمَٰنَ....» في الآية الثالثة معطوفتان على جملة «أَن نَّمُنَّ» في الآية الثانية ومُتمِّمة لمعناها. وبناءً على ذلك لا يُمكن أن نفصل هاتين الآيتين بعضهما عن بعض. ومن الناحية الأخرى نرى أن مضمون الجملة الثانية من الآية الثالثة أي جملة «وَنُرِيَ فِرۡعَوۡنَ وَهَٰمَٰنَ....» مُتعلّقة بمضمون الآية الأولى حيث تُبيِّن لنا مصير فرعون الذي بيّنت الآية الأولى جبروته وطغيانه؛ فلا يُمكن الفصل بين الآية الثالثة والآية الأولى، ولما كانت الآية الثالثة معطوفة على الآية الثانية ومُتمِّمة لها فلا يُمكن فصل الآية الثانية أيضاً عن الآية الأولى.

لو لم تكن الآية الثالثة أو لو لم يُطرح مصير فرعون وهامان فيها لأمكن أن نفصل بين الآية الثانية والآية الأولى ونعتبر كل واحدة منهما مستقلة ونستنبط منها أصلاً أي مبدأ كلياً عاماً. إن ما يُستفاد هو أن فرعون كان يُمارس العُلوّ والجبروت والطغيان والتفرقة في الأرض واستضعاف الناس فكرياً وقتل أبنائهم، في حين أنه في ذلك الحين ذاته كانت إرادتنا قد تعلّقت بأن نمنَّ على أولئك الناس الذين ظُلموا وحُقِّروا وحُرموا فنجعلهم أئمةً ونجعلهم وارثين، إذن اسم الموصول «الذين» في الآية يُشير إلى مذكور «معهود» وليس عاماً استغراقياً.

علاوةً على ذلك هناك نقطة أخرى في الآية وهي: أن جملة «وَنَجۡعَلَهُمۡ أَئِمَّةٗ» معطوفة على جملة «أَن نَّمُنَّ» التي تُفيد المعنى التالي: نمنَّ عليهم ونجعلهم كذا وكذا. ولم تقل الآية «بأن نجعلهم .....» التي تُفيد: أن المِنَّة التي مننَّاها عليهم هي عين إعطائهم الإمامة والوراثة -كما يُفسِّر المُفسِّرون تلك الجملة عادةً- بل مفاد الآية هو أن إرادتنا تعلَّقت بأن نمنَّ على المُستضعفين بأن نُرسل لهم نبيَّاً وكتاباً سماوياً (=موسى والتوراة) ونُعلِّمهم ونُربّيهم تربيةً دينية ونُنشئ فيهم عقيدة التوحيد ونجعلهم من أهل الإيمان والصلاح. فمعنى الآية هو التالي: "وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسۡتُضۡعِفُواْ بموسى وبالكتاب الذي نُنزِّله على موسى وَنَجۡعَلَهُمۡ أَئِمَّةٗ....."[215].

تذكير: تأمل قليلاً أيُّها القارئ المحترم ولاحظ هل كان الشيخ الأجل الطوسي المُلقّب بشيخ الطائفة أو العلامة المَجْلِسِيّ أو ..... لا يُدركون حقاً المطالب الواضحة والبسيطة المذكورة أعلاه، أم أنهم كانوا يتجاهلونها ويُريدون أن يُؤيِّدوا ما يذكره الرواة الوضَّاعون الجاهلون بأي ثمن؟! (فَتَأَمَّل جداً).

* الرواية 36: ﴿أَلَمۡ يَأۡنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن تَخۡشَعَ قُلُوبُهُمۡ لِذِكۡرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلۡحَقِّ وَلَا يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلُ فَطَالَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡأَمَدُ فَقَسَتۡ قُلُوبُهُمۡۖ وَكَثِيرٞ مِّنۡهُمۡ فَٰسِقُونَ ١٦ [الحديد: ١٦].

كما يُلاحَظُ دعا الله المؤمنين في كل الأزمنة قائلاً: إذا آمنتم فينبغي ألا يكون إيمانكم ظاهرياً بل عليكم أن تخشع قلوبكم لذكر الله وتخضع وتلين لِـلَّهِ وتقبل آيات القرآن وتُطيع ما فيها من تعاليم، وأن تعتبروا من حال اليهود والنصارى الذين جاءهم هم أيضاً كتاب سماوي إلا أنهم لم يلتزموا به ولم يعملوا بتعاليمه كما يجب، ولم تخضع قلوبهم للحق بل كان أكثرهم فاسقين.

هذا هو معنى الآية الواضح، فإذا كان كذلك فما علاقة هذه الآية بمهدي آخر الزمن حتى يقول الشيخ الصدوق والمجلسي عن الآية: "نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْقَائِمِ"؟! لا أحد يعرف الإجابة سوى الرواة الوضاعين الجهلة!!

* الروايات 38 و39 و 40 و 41: ﴿إِن يَمۡسَسۡكُمۡ قَرۡحٞ فَقَدۡ مَسَّ ٱلۡقَوۡمَ قَرۡحٞ مِّثۡلُهُۥۚ وَتِلۡكَ ٱلۡأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيۡنَ ٱلنَّاسِ [آل عمران: ١٤٠]. من الواضح أن الآية -بقرينة الآيات السابقة واللاحقة- خاصة بِـجَرْحَى غزوة «أُحد» وهي تُبيِّن الحكمة من وقوع الشدّة والجراحات بالمؤمنين، ويُمكن للقارئ المحترم أن يُراجع ما ذكره الشيخ الطَّبْرَسِيّ في تفسيره «مجمع البيان» ذيل هذه الآية والآية التي بعدها. لكن العيَّاشي روى عن الإمام الصادق ÷ أنه قال: "ما زال مُذْ خلق الله آدم دولةٌ لِـلَّهِ ودولةٌ لإبليس، فأين دولةُ اللهِ، أَمَا هو إلا قائم واحد"؟! لقد تلاعب العيّاشيّ بمعنى هذه الآية أيضاً.

﴿ٱلۡيَوۡمَ يَئِسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمۡ فَلَا تَخۡشَوۡهُمۡ [المائ‍دة: ٣]. سورة المائدة هي السورة 112 في القرآن من حيث ترتيب النزول، ويُبشِّر الله المؤمنين فيها بأنه قد أكمل لهم دينهم وأتمَّ عليهم نعمته وأن الكفار قد يئسوا من النصر على المؤمنين، وأنه لم يعد باستطاعة أعدائكم أيها المؤمنون فعل شيء، فعليكم أن تخشوا الله وحده وتتَّقوه. وقد ذُكرت كلمة «اليوم» في الآيتين 3 و5 ثلاث مرّات، لكن «العيّاشي» -دون أن ينتبه إلى هذه الحقيقة- يروي عن «عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ»، الذي اعتبره علماء الرجال ضعيفاً، روايةً ينسب فيها إلى الإمام الباقر (ع) أنه قال إن المقصود من «اليوم» في بداية الآية: "يَوْمَ يَقُومُ الْقَائِمُ (ع)". والمقصود من «الذين كفروا»: "بَنُو أُمَيَّةَ فَهُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَئِسُوا مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ (ع)"!

إن هؤلاء الرواة الجهلة لا يعلمون أن بني أُميَّة قد انقرضوا منذ قرون عديدة ولم يقم المهدي حتى الآن كي يجعلهم ييأسون من آل محمد!!

الآن لاحظوا الآية التالية: ﴿وَأَذَٰنٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦٓ إِلَى ٱلنَّاسِ يَوۡمَ ٱلۡحَجِّ ٱلۡأَكۡبَرِ أَنَّ ٱللَّهَ بَرِيٓءٞ مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ وَرَسُولُهُۥ [التوبة: ٣]. قرأ أمير المؤمنين علي ÷ هذه الآية على الناس في السنة التاسعة للهجرة في أيام الحج في مكة. وعلينا أن ننتبه إلى أن الآية ابتدأت بحرف العطف «واو» مما يُبيِّن أنها معطوفة على الآية التي قبلها، لكن «العيّاشيَّ» الخرافي الجاهل روى أن المراد من الآية: "خُرُوجُ الْقَائِمِ، وَأَذَانٌ: دَعْوَتُهُ إِلَى نَفْسِهِ"؟! وقد نسب هذه الرواية إلى الإمام الصادق والإمام الباقر عليهما السلام، وفي نظرنا إنه افترى على الإمامين الجليلين.

والآية الأخرى هي التالية: ﴿وَقَٰتِلُواْ ٱلۡمُشۡرِكِينَ كَآفَّةٗ كَمَا يُقَٰتِلُونَكُمۡ كَآفَّةٗ [التوبة: ٣٦]. هنا أيضاً يروي «العياشيُّ» روايةً منسوبةً إلى الإمام الصادق (ع) يقول فيها: "قَالَ إِنَّهُ لَمْ يَجِئْ تَأْوِيلُ هَذِهِ الْآيَةِ ولَوْ قَدْ قَامَ قَائِمُنَا سَيَرَى مَنْ يُدْرِكُهُ مَا يَكُونُ مِنْ تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ ولَيَبْلُغَنَّ دَيْنُ مُحَمَّدٍ ص مَا بَلَغَ اللَّيْلُ حَتَّى لَا يَكُونَ شِرْكٌ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ كَمَا قَالَ اللهُ"!

ولكن ينبغي أن نعلم أنه طبقاً لصريح القرآن -كما ذكرنا سابقاً في دراستنا للرواية 22- سيبقى الشرك والتوحيد واليهود والنصارى والمسلمين في الأرض إلى يوم القيامة، وأن القول بمجيء شخص يمحو غير المسلمين من على وجه الأرض قول كاذب لا أساس له ومخالف لقول القرآن!! (فلا تتجاهل).

واعلم أن إحدى عشرة رواية من روايات هذا الفصل نُقلت من تفسير «محمد العيّاشي السمرقندي» الذي كان مؤلفاً خرافياً ضعيف العقل، ولو رجعنا إلى كتابه لوجدنا فيه العجائب التي لا يُمكن لمن فيه مُسْكة عقل أن يقبلها، ولكي يطَّلع القُرّاء على ميزان فهمه وعلمه نأتي هنا بنماذج من رواياته (وعلى من يريد التفصيل أكثر أن يرجع إلى تفسيره).

روى «العيّاشيُّ» في حديثٍ مُرسَلٍ عن الإمام الباقر (ع) بشأن قوله تعالى: ﴿شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلۡعِلۡمِ قَآئِمَۢا بِٱلۡقِسۡطِۚ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ ١٨ [آل عمران: ١٨]: قال: "..... وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ فَإِنَّ أُولِي الْعِلْمِ: الْأَنْبِيَاءُ وَالْأَوْصِيَاءُ، وَهُمْ قِيَامٌ بِالْقِسْطِ، وَالْقِسْطُ هُوَ الْعَدْلُ فِي الظَّاهِرِ، وَالْعَدْلُ فِي الْبَاطِنِ: أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع)"!!

كلُّ من له أدنى علم باللغة العربية يعلم ويفهم أن عبارة: «قائِماً بِالْقِسْطِ» حالٌ من «الله» ولهذا السبب جاءت العبارة بصيغة المفرد في حين أنه لو كانت العبارة حال لـ «وَأُولُوا الْعِلْمِ» لجاءت بصيغة الجمع أي بصورة «قائمين بالقسط»! ومن البديهي أن الإنسان العربي اللسان لا يقول مثل هذا الكلام فكيف بحضرة باقر العلوم (ع)!! يا تُرى لو استعمل «العيّاشيُّ» عقله قليلاً هل كان يُدرج في كتابه مثل هذه الرواية منسوبةً إلى الإمام؟! لم يكن عبثاً قول النجاشي والعلامة الحلي عن العيّاشي: إنه كان يروي كثيراً عن الضعفاء.

* الروايتان 44 و45: ينقل العيّاشي روايةً يدَّعي راويها أن الإمام أبا جعفر الباقر قال: "إِنَّ عَهْدَ نَبِيِّ اللهِ صَارَ عِنْدَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ (ع) ثُمَّ صَارَ عِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ (لاحظوا أن الحديث ساكت عن الإمام الصادق فمن بعده ويقول بصورة مُبهمة): ثُمَّ يَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاءُ فَالْزَمْ هَؤُلَاءِ فَإِذَا خَرَجَ رَجُلٌ مِنْهُمْ مَعَهُ ثَلَاثُمِائَةِ رَجُلٍ وَمَعَهُ رَايَةُ رَسُولِ اللهِ ص عَامِداً إِلَى الْمَدِينَةِ حَتَّى يَمُرَّ بِالْبَيْدَاءِ فَيَقُولَ: هَذَا مَكَانُ الْقَوْمِ الَّذِينَ خُسِفَ بِهِمْ[216]، وَهِيَ الْآيَةُ الَّتِي قَالَ اللهُ: ﴿أَفَأَمِنَ ٱلَّذِينَ مَكَرُواْ ٱلسَّيِّ‍َٔاتِ أَن يَخۡسِفَ ٱللَّهُ بِهِمُ ٱلۡأَرۡضَ أَوۡ يَأۡتِيَهُمُ ٱلۡعَذَابُ مِنۡ حَيۡثُ لَا يَشۡعُرُونَ ٤٥ [النحل: ٤٥] ".

هذه السورة مكية ولم يكن موضوع المهدي مطروحاً في ذلك الحين على الإطلاق. ثم إن الله ذكر في هذه الآية عدة أنواع من العذاب يُمكن أن تَـحِلّ بالمجرمين المُسيئين وختم أنواع العذاب تلك بقوله تعالى: ﴿فَإِنَّ رَبَّكُمۡ لَرَءُوفٞ رَّحِيمٌ ٤٧ [النحل: ٤٧].

* 32الرواية 49: ﴿فَإِذَا نُقِرَ فِي ٱلنَّاقُورِ ٨ فَذَٰلِكَ يَوۡمَئِذٖ يَوۡمٌ عَسِيرٌ ٩ [المدثر: ٨، ٩]. تتكلم هذه الآية باتفاق جميع المفسّرين عن يوم القيامة. لكن «النعماني»[217]يروي في كتابه «الغيبة» روايةً عن شخص مجهول باسم «مُحَمَّدِ بْنِ حَسَّانَ» عن شخص من الغلاة عن الإمام الصادق (ع): "أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ‏ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ (فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ)؟ فَقَالَ: إِنَّ مِنَّا إِمَاماً مُسْتَتِراً فَإِذَا أَرَادَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ إِظْهَارَ أَمْرِهِ نَكَتَ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةً فَظَهَرَ فَقَامَ بِأَمْرِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ"! ولم يوجد من يقول لهؤلاء الرواة إن سورة المدّثر من أوائل ما نَزَل على رسول الله ص في مكة التي كان أهلها مُشركين ومُنكرين للقيامة ولنُبُّوة رسول الله ص، فهل يُعْقَل أن يترك الله في مثل ذلك المقام الكلام عن التوحيد والمعاد ويطلب من الكافرين أن يؤمنوا بقيام الإمام الغائب المستور؟! فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا. نسأل الله أن يهب هؤلاء الرواة قليلاً من العقل!

* الرواية 50: ﴿وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمۡ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرۡتَضَىٰ لَهُمۡ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعۡدِ خَوۡفِهِمۡ أَمۡنٗاۚ يَعۡبُدُونَنِي لَا يُشۡرِكُونَ بِي شَيۡ‍ٔٗاۚ وَمَن كَفَرَ بَعۡدَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ ٥٥ [النور : ٥٥].

هذه الآية معروفة باسم آية الاستخلاف وهي مثل الآيتين 5 و 6 من سورة القصص، والآيتين 32 و 33 من سورة التوبة والآية 105 من سورة الأنبياء من الآيات التي استُغلّت كثيراً بنحو خاطئ وفُسِّرت بالرأي، لذا من الضروري أن نتأمل بها أكثر من الآيات الأخرى. (راجعوا كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، الحديث 3 من الباب 70).

قال الشيخ الطوسي في تفسيره المعروف بـ «التبيان»:

"في هذه الآية وعدٌ من الله تعالى للذين آمنوا وعملوا الصالحات من أصحاب النبي ص ، بأن يستخلفهم في الأرض، ومعناه يورثهم أرض المشركين من العرب والعجم ﴿كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ يعني بني إسرائيل بأرض الشام بعد إهلاك الجبابرة بأن أورثهم ديارهم وجعلهم سكانها".

وقد تحقق هذا الاستخلاف في زمن النبيّ ص حيث هُزم أعداؤه وظهرت دعوته واكتمل دينه ونعوذ بالله من أن نقول إن الله لم يُمكّن دينه للرسول الأكرم ص في زمن حياته الشريفة[218] وترك تمكين دينه لأشخاص سيأتون من بعده[219].

إن كلام الشيخ الطوسي صحيح والآية خطاب للحاضرين زمن رسول الله ص، وأما قوله تعالى: ﴿كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ أي كما أعطى الله الخلافة على جزء من الأرض -وليس على الأرض كلها- للمؤمنين قبلهم كذلك سيُمكِّن الله للمسلمين في تلك الأرض لا في الأرض كلها ويستخلفهم، وقد تحقق هذا الوعد الإلهي زمن رسول الله ص حيث كان المؤمنون صادقين حقاً في إيمانهم، وعملوا بما أمرهم الله فوقعت بلاد الكفار والمشركين بأيديهم وخلفوهم عليها وتمكَّنوا من إظهار دينهم وممارسة شعائرهم وأن يعبدوا الله دون خوف.

وقد اعتبر عَلِيٌّ (ع) أن جند الإسلام -الذي كان كثير من أصحاب رسول الله ص ،أي المخاطَبين بهذه الآية، حاضرين فيه- هم المقصودون بالآية المذكورة ولذلك قال لعُمَر عندما أراد الشخوص لحرب الفرس:

"ونَحْنُ عَلَى مَوْعُودٍ مِنَ اللهِ واللهُ مُنْجِزٌ وَعْدَهُ ونَاصِرٌ جُنْدَهُ (لاحظوا أنه اعتبر جنود المسلمين في ذلك الزمن جند الله -فلا تتجاهل-) ومَكَانُ الْقَيِّمِ بِالأمْرِ مَكَانُ النِّظَامِ مِنَ الْخَرَزِ ....... [ثم أوصى عُمَرَ قائلاً]: "فَكُنْ قُطْباً واسْتَدِرِ الرَّحَى بِالْعَرَبِ وأَصْلِهِمْ دُونَكَ نَارَ الْحَرْبِ ...... الخ" (نهج البلاغة، الخطبة 146)[220]. 33

ولكن البطائني الواقفي[221] ونظائره يقولون: إن هذه الآية لا تتعلّق بالنبيّ ومُسلمي صدر الإسلام بل تتعلّق بالمهدي الذي لم يكن حتى أبو جدّه قد خُلق بعد!![222].

* الرواية 54: ﴿يُعۡرَفُ ٱلۡمُجۡرِمُونَ بِسِيمَٰهُمۡ فَيُؤۡخَذُ بِٱلنَّوَٰصِي وَٱلۡأَقۡدَامِ ٤١ [الرحمن: ٤١]. إذا لاحظنا سياق هذه الآية الكريمة وما جاء قبلها من قوله تعالى ﴿فَإِذَا ٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَآءُ فَكَانَتۡ وَرۡدَةٗ كَٱلدِّهَانِ ٣٧ [الرحمن: ٣٧] وما جاء بعدها من قوله سبحانه: ﴿هَٰذِهِۦ جَهَنَّمُ ٱلَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا ٱلۡمُجۡرِمُونَ ٤٣ [الرحمن: ٤٣]، تبيَّن لنا بلا أدنى شك أن الآيات كلها تتعلق بيوم القيامة وهذا أمر واضح يفهمه كل شخص مُنصف. ثم إن هذه السورة مكية وهي أشبه بالسور المكية ولكن لما قال بعض الناس إنها ليست مكية فلن أبحث في هذا الأمر هنا، ولكن لا خلاف في أن هذه السورة نزلت قبل سورة المائدة (أي قبل طرح مسألة الإمامة حسب قولهم)، وبناءً على ذلك فلا معنى أن يقول الله: إذا انشقت السماء فكانت وردية اللون فإن القائم وأنصاره سيضربون جلود الفاسدين بسيوفهم ضربةً شديدة؟!!

ولكن «النعماني» يروي في كتابه «الغيبة» عن رواةٍ غلاة وضعفاء عَنْ الإمام الصادق (ع) قَوْله: ﴿يُعۡرَفُ ٱلۡمُجۡرِمُونَ بِسِيمَٰهُمۡ قَالَ: "... لَكِنْ نَزَلَتْ فِي الْقَائِمِ يَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ فَيَخْبِطُهُمْ بِالسَّيْفِ هُوَ وأَصْحَابُهُ خَبْطاً"!

ليت شعري! إلى ماذا يهدفون من هذا الانحراف في تفسير آيات واضحة بيّنة المعنى والتلاعب بمعناها؟ أليس هذا لعباً بآيات الكتاب؟ بماذا سيجيب هؤلاء الرواةُ اللهَ تعالى يوم القيامة؟

* الرواية 55: ﴿وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فَسَقُواْ فَمَأۡوَىٰهُمُ ٱلنَّارُۖ كُلَّمَآ أَرَادُوٓاْ أَن يَخۡرُجُواْ مِنۡهَآ أُعِيدُواْ فِيهَا وَقِيلَ لَهُمۡ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلنَّارِ ٱلَّذِي كُنتُم بِهِۦ تُكَذِّبُونَ ٢٠ وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ ٱلۡعَذَابِ ٱلۡأَدۡنَىٰ دُونَ ٱلۡعَذَابِ ٱلۡأَكۡبَرِ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ ٢١ [السجدة : ٢٠، ٢١].

تُلاحظون أن الله تعالى يقول في هذه السورة المكية إننا سنُذيق عبادنا المُسيئين من العذاب الدنيوي كي يعودوا إلى الحق ولا يستحقوا العذاب الأخروي، ولكنهم لو أصرّوا على مُحاربة الحق فسنُلقيهم في النار التي لن يستطيعوا أن يخرجوا منها. ولكن عدّة من المجاهيل والضعفاء والمجروحين نسبوا إلى حضرة الصادق (ع) قوله: "ولَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى‏ دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ قَالَ: الْأَدْنَى غَلَاءُ السِّعْرِ والْأَكْبَرُ المَهْدِيُّ بِالسَّيْفِ"!!

إن هؤلاء الرواة الجهلة لا يعلمون أن هذه السورة مكية وأنه لا معنى أن يتوعَّد اللهُ تعالى أهلَ مكة الذين لم يكونوا يؤمنون برسوله، بسيف المهدي الخيالي!!

ثانياً: نسأل هؤلاء الرواة: ألستم تؤمنون بالقرآن؟!! إن القرآن ذاته بيَّن لنا ماهيّة «الْعَذابِ الْأَكْبَرِ» في مواضع مُتعدّدة منها قوله تعالى: ﴿فَأَذَاقَهُمُ ٱللَّهُ ٱلۡخِزۡيَ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَلَعَذَابُ ٱلۡأٓخِرَةِ أَكۡبَرُۚ لَوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ ٢٦ [الزمر: ٢٦] وقوله تعالى أيضاً: ﴿كَذَٰلِكَ ٱلۡعَذَابُۖ وَلَعَذَابُ ٱلۡأٓخِرَةِ أَكۡبَرُۚ لَوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ ٣٣ [القلم: ٣٣]، أو قوله: ﴿إِلَّا مَن تَوَلَّىٰ وَكَفَرَ ٢٣ فَيُعَذِّبُهُ ٱللَّهُ ٱلۡعَذَابَ ٱلۡأَكۡبَرَ ٢٤ [الغاشية: ٢٣، ٢٤]، حيث تُبيّن جميع هذه الآيات أن العذاب الأكبر هو عذاب الآخرة. ونسأل: هل سيُعذِّب الله جميع الكفار الذين تولوا عن الحق وأعرضوا عنه بالمهدي؟ حتى الذين لم يروا المهدي أصلاً؟! أَفَلَا تَعْقِلُونَ؟

ثالثاً: إن رسول الله ص ﴿رَحۡمَةٗ لِّلۡعَٰلَمِينَ ١٠٧ [الأنبياء: ١٠٧] أفلا تعتبرون المهدي رحمة بل تعتبرونه عذاباً لا بل العذاب الأكبر؟!!

رابعاً: إن العذاب الأكبر في الآخرة وليس في الدنيا، في حين أن المهدي سيقوم في الدنيا لا في الآخرة! فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا.

* الرواية 60: ﴿إِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِ ءَايَٰتُنَا قَالَ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ[القلم: 15، والمُطفِّفين:13]. كلا السورتين نزلتا في مكة، والمقصود من الآية في السورة الأولى -بناءً على قول المُفسِّرين- هو «الوليد بن المُغيرة» الذي كان من الأعداء الألداء والعنيدين لرسول الله ص وقد جُرِح أنفُه في غزوة بدر وصار الجرح علامَةً باقيَةً في أنفه. والآية الثانية عامَّةٌ تشمل جميع الكُفَّار، وبمُلاحظة الآية التي قبلها يتَّضح أنها تتعلّق بالقيامة لا بالدنيا. كان النبيّ ص يدعو الناس في مكة إلى التوحيد والإيمان باليوم الآخر والإيمان بنُبُوَّته ولم يكن قد ذكر أيّ شيء حول المهدي، فكيف يُمكن للمشركين أن يُنكروا المهدي؟ هل كان المشركون يعلمون الغيب؟!! أضف إلى ذلك إن كلمة «آيات» جمع، أما المهدي فهو شخص مُفرد، ولكن ماذا نفعل بالكراجكي الذي لم يكن يلتفت إلى هذه المسائل ويروي في كتابه حديثاً يقول إن هذه الآية تتعلّق بالمهدي!!

* الرواية 61: ﴿كُلُّ نَفۡسِۢ بِمَا كَسَبَتۡ رَهِينَةٌ ٣٨ إِلَّآ أَصۡحَٰبَ ٱلۡيَمِينِ ٣٩ فِي جَنَّٰتٖ يَتَسَآءَلُونَ ٤٠ عَنِ ٱلۡمُجۡرِمِينَ ٤١ مَا سَلَكَكُمۡ فِي سَقَرَ ٤٢ قَالُواْ لَمۡ نَكُ مِنَ ٱلۡمُصَلِّينَ ٤٣ وَلَمۡ نَكُ نُطۡعِمُ ٱلۡمِسۡكِينَ ٤٤ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ ٱلۡخَآئِضِينَ ٤٥ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوۡمِ ٱلدِّينِ ٤٦ حَتَّىٰٓ أَتَىٰنَا ٱلۡيَقِينُ ٤٧ فَمَا تَنفَعُهُمۡ شَفَٰعَةُ ٱلشَّٰفِعِينَ ٤٨ [المدثر: ٣٨، ٤٨].

إن سورة المُدّثر مكية وكما يُلاحظ تتعلّق الآيات المذكورة بمسائل ما بعد الموت وبالقيامة. ولكنّ «فرات بن إبراهيم» الكوفي[223] الذي كان شخصاً ضئيل العلم كتب مع الأسف تفسيراً[224] وادَّعى هنا أن حضرة الإمام الباقر (ع) يقول:

"فِي قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: ﴿كُلُّ نَفۡسِۢ بِمَا كَسَبَتۡ رَهِينَةٌ ٣٨ إِلَّآ أَصۡحَٰبَ ٱلۡيَمِينِ ٣٩ : قَالَ نَحْنُ وشِيعَتُنَا. وقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ثُمَّ شِيعَتُنَا أَهْلَ الْبَيْتِ «فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ؟ قالُوا: لَمْ نَكُ مِنَ المُصَلِّينَ»: يَعْنِي لَمْ يَكُونُوا مِنْ شِيعَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. «ولَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ»: فَذَاكَ يَوْمُ الْقَائِمِ (ع) وهُوَ يَوْمُ الدِّينِ «وكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ»: أَيَّامُ الْقَائِمِ .....الخ "!!

لقد نسب فرات هذا المعنى إلى حضرة باقر العلوم ومن الواضح أن الإمام الباقر (ع) الذي كان عربياً يعرف مواقع الكلام لم يقل مثل هذا الكلام قطعاً، ولكن عدداً من معاصريه المتشيعين له افتروا عليه كل ما أمكنهم من أقاويل! نسأل الله أن يُوقظ مُقلِّديهم من غفلتهم هذه. أضف إلى ذلك أن الإمام الباقر (ع) لم يكن من عادته أن يُفسِّر كل آية بأن المقصود منها نحن الأئمة، إنه كان متواضعاً ولم يكن مُعجباً بنفسه. فدعك إذن من الحديث الذي رواه المَجْلِسِيّ عقب الرواية المذكورة أعلاه نقلاً عن الكافي (الباب 165، الحديث 38) -وبالمناسبة المجلسي نفسه قد ضعَّف هذا الحديث في كتابه «مرآة العقول»- ينسب إلى الإمام الصادق (ع) قوله: إن المقصود من قوله تعالى: ﴿وَٱلسَّٰبِقُونَ ٱلسَّٰبِقُونَ ١٠ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلۡمُقَرَّبُونَ ١١ [الواقعة: ١٠، ١١]: "نحن الأئمة"؟!

* الرواية 62: ﴿قُلۡ مَآ أَسۡ‍َٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ مِنۡ أَجۡرٖ وَمَآ أَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُتَكَلِّفِينَ ٨٦ إِنۡ هُوَ إِلَّا ذِكۡرٞ لِّلۡعَٰلَمِينَ ٨٧ وَلَتَعۡلَمُنَّ نَبَأَهُۥ بَعۡدَ حِينِۢ ٨٨ [ص : ٨٦، ٨٨]. من الواضح أن هذه الآية تُخاطب مشركي قريش لأن السورة مكية، وليس هناك أيُّ معنى لقول الله لأبي جهل أو أبي سفيان و ..... ستعلمُنَّ هذا الخبر عند خروج القائم!!! لكن المجلسي ينقل لنا هنا حديثاً عن كتاب الكافي [للكليني] يرويه راوٍ ضعيف يُدعى «علي بن عباس» عن رواة آخرين مثله في الضعف ومنهم «أبي حمزة البطائني» الواقفي تقول: "قَالَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (ع) ولَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ قَالَ: عِنْدَ خُرُوجِ الْقَائِمِ"! ومثلُ هذه التفسيرات الباطلة التي لا تتناسب مع ألفاظ الآيات، كثيرةٌ في هذا الحديث.

* الرواية 63: ﴿سَنُرِيهِمۡ ءَايَٰتِنَا فِي ٱلۡأٓفَاقِ وَفِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمۡ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّ [فصلت: ٥٣] سورة فُصّلت مكية وتتضمّن التأكيد على التوحيد والمعاد، ولم تكن مسألة «الإمامة» مطروحة في ذلك الوقت ولكن «عَلِيَّ بْنَ أَبِي حَمْزَةَ البطائنيّ» الواقفي الضال[225] الذي لا يؤمن بأي إمام بعد الإمام السابع أي لا يؤمن بالإمام الرضا (ع) فمن بعده، يدَّعي بأن الإمام الصادق ÷ سُئل عن قوله تعالى: ﴿سَنُرِيهِمۡ ءَايَٰتِنَا فِي ٱلۡأٓفَاقِ وَفِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمۡ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّۗ [فصلت: ٥٣] فقال له: "يُرِيهِمْ فِي أَنْفُسِهِمُ المَسْخَ.....[إلى قوله]... حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ، قَالَ: خُرُوجُ الْقَائِمِ هُوَ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ يَرَاهُ الْخَلْقُ لَا بُدَّ مِنْهُ"!!

أيها القارئ اللبيب! لاحظ كيف تلاعبوا بالقرآن تحت لواء الإمام مُستغلين شُهرته وسُمعته الحسنة؟! إن هذه السورة كما أسلفنا مكية لكن هؤلاء الرواة الكذابين يقولون إن الله قال لرسوله: قل لمشركي مكة -الذين كانوا يعتبرونك مجنوناً وكاذباً- سنُريكم آياتنا الدالة على أننا الحق في السماوات وفي أنفسكم كي تعلموا أن خروج القائم حقٌّ لا مفرّ منه!! هل هذا كلام مُترابط وينسجم آخره مع أوله؟ لا والله.

* الرواية 65: مجموعة من الآيات هي تكرار للآيات السابقة، فلا حاجة إلى ذكرها.

[152] أبو الحسن علي بن إبراهيم بن هاشم القمِّيّ، من مشايخ الكُلَيْنِيّ صاحب الكافي، حيث اعتمد الكُلَيْنِيّ عليه كثيراً في كتابه. وكان عليُّ بن إبراهيم من أوائل رواة الحديث في قم ومن رؤوس فقهاء الشيعة فيها حتى عدُّوه أستاذ مشايخ القمِّيين، وله كتاب في التفسير بالمأثور باسم «تفسير علي بن إبراهيم القمِّيّ» مليءٌ بالروايات المغالية والغريبة الباطلة، مما جعل المؤلِّف البرقعي (رحمه الله) يضعِّف «عليَّ بنَ إبراهيم» لكثرة روايته الغرائب والغلوّ وما ينافي القرآن، وبخاصَّة لروايته رواياتٍ عديدةً تدلُّ على وقوع التحريف في القرآن! ويقول الشيخ عبد الوهاب فريد التنكابني في كتابه «اسلام ورجعت»: "ولا ينقضي العجب من المرحوم «علي بن إبراهيم القميّ» -الذي كان طبقاً لقول علماء رجال الشيعة: عالماً جليل القدر، كيف يذكر في تفسيره مثل تلك التأويلات التي هي بكل وضوح من تأويلات الملاحدة والباطنية! اللهم إلا أن نقول إن ذلك التفسير المنسوب إليه تفسيرٌ موضوعٌ مختلقٌ وليس من تأليف ذلك العالم الجليل، وإلا فكيف يمكن لمثل ذلك العالم أن يكون عديم الاطلاع على مباني القرآن الكريم إلى ذلك الحدّ فيلوثه بمثل تلك التأويلات الباطلة عديمة الأساس!!"اهـ. [الإسلام والرجعة، ص171]. (المُتَرْجِمُ) [153] «النعماني» هو الشيخ أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن جعفر الكاتب النعماني المعروف بابن زينب، من محدِّثي الشيعة الإمامية وعلمائهم في النصف الأول من القرن الرابع الهجري، كان تلميذاً للكُلَيْنِيّ وأخذ عنه أكثر علمه. خرج إلى الشام سنة 333هـ ليسمع الحديث من أهلها واستقر في حلب وتوفي فيها. وله من الكتب كتابه «الغيبة» الذي ألفه في حلب وذكر أنه فرغ من تأليفه سنة 342هـ ، وقد طُبِعَ في إيران في 1318هـ، وله «الردّ على الإسماعيلية» وكتاب «الفرائض»، كما له كتاب في التفسير يعرف باسم «تفسير النعماني». [نقلاً عن الذريعة إلى تصانيف الشيعة، لآقا بزرك الطهراني]. (المُتَرْجِمُ) [154] بحار الأنوار، ج 51: ص 55، حديث 42، و ص 58، حديث 51. (المُتَرْجِمُ) [155] راجعوا بيان حال: عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ القُّمِّيِّ في كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، الصفحات 79 و 112 و 162 فما بعد. [156] راجعوا بيان حاله في كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، الصفحات 278 و633 و727. [157] العياشي: أبو النضر محمد بن مسعود بن العياش التميمي الكوفي السمرقندي من علماء الشيعة الإمامية في القرن الرابع الهجري، وأصحاب الحديث والتفسير بالرواية. كان من مشايخ الكِشِّيِّ ومن المعاصرين للكُلَيْنِيِّ. عاش في أواخر القرن الثالث وأوائل الرابع الهجري. قال ابن النديم عنه [إنه أوحد دهره وزمانه في غزارة العلم]. ورغم أن علماء الرِّجال الشيعة وثّقوه، إلا أن الشيخ «محمد» ابن «الشهيد الثاني» طعن في توثيقه، هذا من جهة، ومن الجهة الأخرى حتى لو كان ثقةً في ذاته إلا أن معظم رواته غير موثقين، فالنجاشيُّ يقول عنه: [كان يروي عن الضعفاء كثيراً] [رجال النجاشي، ص247] وبمثله قال العلامة الحلي [خلاصة الأقوال: ص246]، وعليه فلما كانت أغلب روايات «العيَّاشِيّ» عن الضعفاء فلا ثقة بها ولا يُعْتَمَدُ عليها. (المُتَرْجِمُ) [158] للتعرّف على حاله راجعوا كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، ص 187 - 188. [159] للتعرّف على حاله راجعوا كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، ص 360 و446. [160] للتعرّف على حاله راجعوا كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، ص 216-217. [161] وراجعوا أيضاً النقطة الأولى من التوضيحات التي ذكرناها تحت عنوان: مُقدِّمةٌ لقراءة أخبار المهدي، في ص135 من الكتاب الحاضر. [162] ورد في الإنجيل: "أَنْتُمْ مِلْحُ الأَرْضِ وَلَكِنْ إِنْ فَسَدَ الْمِلْحُ فَبِمَاذَا يُمَلَّحُ؟ لاَ يَصْلُحُ بَعْدُ لِشَيْءٍ إِلاَّ لأَنْ يُطْرَحَ خَارِجاً وَيُدَاسَ مِنَ النَّاسِ". (المُتَرْجِمُ) [163] تفسير علي بن إبراهيم القمي، ج 2، ص 68. (المُتَرْجِمُ) [164] راجعوا النقطة الأولى من التوضيحات التي ذكرناها تحت عنوان: مُقدِّمةٌ لقراءة أخبار المهدي، في ص135 من الكتاب الحاضر. [165] راجعوا كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، ص 464. [166] انظروا مثلاً كتاب «بينش اسلامى، امامت، ولايت، حكومت و اقتصاد اسلامى» [الرؤية الإسلامية، الإمامة والولاية والحكومة والاقتصاد الإسلامي]، الذي يُدرَّس لطُلَّاب الصف الثالث الثانوي، الدرس الحادي عشر. [167] التِّرَةِ: الظلم والحيف، ومعنى طُلَّاب التِّرة: أي الذين سيثأرون للظلم والحيف الذي وقع على الحسين وآل النبي عليهم السلام. (المُتَرْجِمُ) [168] هو آية الله الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، من مراجع الشيعة الإمامية الحاليين في قم. ويقع تفسيره - الذي ألفه بالفارسية وتُرجم تحت إشرافه إلى العربية - في 20 مجلداً. (المُتَرْجِمُ) [169] هو آية الله محمد حسين الطباطبائي، توفي سنة 1412هـ ، ويقع تفسيره هذا في 20 مجلداً. (المُتَرْجِمُ) [170] عرفنا به في كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، في الصفحة 107 و 444. [171] على سبيل المثال راجعوا تفسير «الميبدي». [172] ومثلها الآية 6 من سورة الكهف، والآية 8 من سورة فاطر. [173] راجعوا ص135 من الكتاب الحاضر. [174] لمعرفة حاله يُراجع كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، ص 310 -314. [175] وانظر محمد حسين الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، ج16: ص 109. (المُتَرْجِمُ) [176] بيَّنا حاله في كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، ص 301 - 302. [177] راجعوا ص135 من الكتاب الحاضر. (النقطة الأولى) [178] وقد جاءت هذه الرواية في «بحار الأنوار» برقم 16. [179] عرَّفنا به في الصفحة 107 و 444 من كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول». [180]المَجْلِسِيّ، بحار الأنوار، ج 51، ص 60، حديث 57. نقلاً عن كتابَي: «كنز جامع الفوائد» للكراجكي (ت 449هـ)، و«تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة» لعلي الأسترآبادي (ت 940هـ). (المُتَرْجِمُ) [181] الكَرَاجِكيّ: أبو الفتح محمد بن علي بن عثمان (ت 449هـ): من علماء الشيعة الإمامية وفقهائهم ومتكلميهم في القرن الخامس الهجري. كان من تلامذة الشيخ المفيد والشريف المرتضى والشيخ الطوسي، وروى عنهم وعن آخرين من أعلام الشيعة والسنة. كان نزيل الرملة، وأخذ عن بعض المشايخ في حلب والقاهرة ومكة وبغداد وغيرها من البلدان، وتوفي في مدينة صور (جنوب لبنان) مُخَلِّفاً مؤلفاتٍ كثيرةً بلغت السبعين منها «كنز الفوائد» و«الاستنصار في النص على الأئمة الأطهار»، و«البرهان على صحة طول عمر صاحب الزمان»، و«البيان عن جمل اعتقاد أهل الإيمان»... الخ. [نقلاً عن كتاب «أعيان الشيعة» للسيد محسن الأمين العاملي، باختصار وتصرف، ج 9، ص400 – 401]. (المُتَرْجِمُ) [182] الخطاب في الآيات من 5 إلى 10 في سورة التغابن مُوَجَّهٌ إلى الكُفَّار. [183] وانظروا أيضاً (الأنعام: 91) و (المائدة: 15 و 44 و46) و (الشورى: 52). [184] للتعرُّف على حاله راجعوا الصفحة 501 من كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول». [185] للتعرُّف على حاله يُراجَع كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، الصفحات: 163و196 فما بعد. وكان البطائني واقفياً لا يؤمن بالأئمة بعد حضرة الكاظم، فكيف ينقل روايةً لإثبات إمامة ابنٍ للإمام الحسن العسكري!! (فلا تتجاهل). على «الواقفة» الذين يروون أخباراً عن إمامة الإمام الغائب أن يجيبوا عن هذا السؤال. (فتأمَّل). [186] أي الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب (رض). (المُتَرْجِمُ) [187] أي قوله تعالى: ﴿وَلَقَدۡ كَتَبۡنَا فِي ٱلزَّبُورِ مِنۢ بَعۡدِ ٱلذِّكۡرِ أَنَّ ٱلۡأَرۡضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ ٱلصَّٰلِحُونَ ١٠٥ [الأنبياء: ١٠٥]. (المُتَرْجِمُ) [188] أي قوله تعالى: ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسۡتُضۡعِفُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَنَجۡعَلَهُمۡ أَئِمَّةٗ وَنَجۡعَلَهُمُ ٱلۡوَٰرِثِينَ ٥ [القصص: ٥] (المُتَرْجِمُ) [189] أي قوله تعالى: ﴿وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمۡ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرۡتَضَىٰ لَهُمۡ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعۡدِ خَوۡفِهِمۡ أَمۡنٗاۚ يَعۡبُدُونَنِي لَا يُشۡرِكُونَ بِي شَيۡ‍ٔٗاۚ وَمَن كَفَرَ بَعۡدَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ ٥٥ [النور : ٥٥]. (المُتَرْجِمُ) [190] المَجْلِسِيّ، بحار الأنوار، ج 51، ص 60، التعقيب على حديث 57، أي الحديث الذي نقله المجلسي عن الكُلَيْنِيّ (وهو الحديث 91 من الباب 165 من أصول الكافي). (المُتَرْجِمُ) [191] إذن في نظر هؤلاء سيكون دين كثير من الناس في آخر الزمان ديناً إجبارياً!! (البرقعي) [192] المَجْلِسِيّ، بحار الأنوار، ج 51، ص 60، حديث 58. نقلاً عن كتابَي: «كنز جامع الفوائد" و«تأويل الآيات الظاهرة». (المُتَرْجِمُ) [193] يبدو أن السباع ستتحول في آخر الزمن إلى حيوانات آكلة للأعشاب أو ستمارس الصوم!! (البرقعي) [194] بحار الأنوار، ج 51، ص 61، حديث 59. نقلاً عن كتابَي: «كنز جامع الفوائد" و «تأويل الآيات الظاهرة». (المُتَرْجِمُ) [195] ذكرنا هاتين الآيتين من سورة المائدة في الصفحة 84 من الكتاب الحاضر فراجعهما ثمَّة. [196] من المفيد مراجعة الجزء الأول من الكتاب الشريف «خيانت در گزارش تاريخ»، تأليف «مصطفى حسيني الطباطبائي»، انتشارات چاپخش، الطبعة الأولى ص 184 فما بعد. ويُراجع أيضاً التحرير الثاني لكتاب «نقد مفاتيح الجنان في ضوء آيات القرآن»، ص 118-119. [197] الصفَّار: هو الشيخ محمَّد بن الحَسَن بن فرُّوخ بن الصَّفَّار القُمِّيّ، من قدماء محدِّثي الشيعة الإمامية في قم، وصاحب عدد من كتب الرواية من أشهرها كتاب «بصائر الدرجات» - وبعضهم يشكك في نسبته إليه - قال عنه النجاشي في رجاله: "كان وجهاً في أصحابنا القمّيين، ثقةً، عظيم القدر، راجحاً، قليل السقط في الرواية، له كتب.... تُوُفِّيَ في قم سنة 290هـ ". اعتبره الأستاذ البهبودي في كتابه معرفة الحديث (ص 108-110) متساهلاً في نقل الحديث. وانظر كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول» للمؤلف البرقعي، ص 96، و 108. (المُتَرْجِمُ) [198] أي يروي عن غير الثقات. (المُتَرْجِمُ) [199] يُراجَع ما ذكرناه حول الشيخ الصدوق في كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، ص43 - 46. (يقول المُتَرْجِمُ): وقد بين المرحوم البرقعي هناك أن الشيخ الصدوق كان بائعاً وكاسباً في قم. [200] في كتابَيه: «كمال الدين» و«ثواب الأعمال»، كما في البحار، ج 51، ص51، حديث25. (المُتَرْجِمُ) [201] يُراجَع ما ذكرناه حول الشيخ الصدوق في كتاب «عرض أخبار الأصول ...»، ص 43 - 46. [202] وهو أيضاً راوي الرواية 9 من باب «فضل انتظار الفرج» في المجلد 52 من البحار، كما أن الروايتين 10 و 60 من الباب المذكور تتعلقان بالآية ذاتها. [203] لم يذكر المؤلف هنا رواية الشيخ الطوسي هذه عن ابن عباس، رغم أنه علق عليها بعد أسطر! فرأيت ذكرها ليتضح كلامه. (المُتَرْجِمُ) [204] ذُكِرَت الآية ذاتها في الرواية رقم 65 أيضاً. [205] أصل الرواية رواها الشيخ الطوسي في كتابه «الغيبة». انظر بحار الأنوار، ج 51، ص 53. [206] ذُكِرَت الآية ذاتها في الرواية رقم 65 أيضاً. [207] أبو الفتوح الرازي (توفي بعد سنة 552هـ): المفسر الكبير الحسين بن علي بن محمد أبو الفتوح‏ النيسابوري، الرازي. كان من أجلّة علماء الإمامية في عصره، غزير الرواية، مفسراً، فقيهاً، واعظاً. توفي في الري ودفن إلى جانب السيد عبد العظيم الحسني. من أشهر مؤلفاته تفسيره المُسَمَّى «رَوْضُ الجِنان و رَوح الجَنان»‏ (طبع ضمن منشورات مكتبة المرعشي بقم سنة 1404 هـ. في عشرين مجلداً باللغة الفارسية. كما طبعته مؤسسة البحوث الإسلامية في عتبة القدس الرضوية في مشهد بتحقيق د. محمد جعفر ياحقي، و د. محمد مهدي ناصح). (المُتَرْجِمُ) [208] تَرْجَمَ «معينُ الدين النسفي» - من المترجمين القدماء - الآيةَ المذكورةَ أعلاه كما يلي: "لقد علا فرعون في أرض مصر و جعل أهلها فِرَقَاً فِرَقَاً، فاستعبد فريقاً منهم، فقتل أبناءهم واستعبد نساءهم، وكان من المفسدين في إظهار الكفر و الطغيان. ولقد أردنا أن نمن على المستضعفين في ذلك البلد وأن نجعلهم أئمة يُقتدى بهم في الأمة، وأورثناهم تلك البلاد". أما «مهدي إلـهي قمشه‌اى» - من المترجمين الجدد - فقد تَرْجَمَ الآية على هذا النحو: "لقد تكبَّر فرعون في الأرض [مصر] وعلا على الناس، وأوقع الاختلاف بين أهل تلك البلاد، واستضعف طائفة بني إسرائيل وأذلهم بشدة. فقتل أبناءهم واستحيى نساءهم [كي يعملوا في الخدمة] حقا لقد كان فرعون شخصاً سيء التفكير مفسداً، ولقد أردنا أنْ نَمُنَّ على تلك الطائفة المستذلة المستضعفة ونجعلهم قادة الخلق ونجعلهم ورثة ملك فرعون وجاهه". وفي رأينا فإن ترجمة الحاج الشيخ «رضا سراج» هي الأفضل من سائر الترجمات، وهي التالية: "إن فرعون طلب العُلوَّ في الأرض (في مصر) وجعل شعبه (الأقباط والأسباط) فِرَقَاً (وشغَّل كل فريق بعمل بلا أجر) واستضعف فرعون فريقاً منهم (بني إسرائيل). كان يقطع رؤوس أبنائهم ويستحيي نساءهم (لخدمة السادة الأقباط) وذلك لأنه كان من المفسدين. (أراد فرعون إهلاك بني إسرائيل) أما نحن فأردنا أنْ نَمُنَّ على الذين استُضعفوا في تلك الأرض وأن نجعلهم أئمة مرشدين (في أمور الدنيا والدين) وأن نجعلهم ورثة (لأموال آل فرعون كلها) وأن نُريَ فرعون وهامان وجنودهما تلك الأمور والحوادث التي كانوا دائماً يخافون منها". وتَرْجَمَ السيد «علي نقي فيض الإسلام» الآيات على النحو التالي: "حقاً إن فرعون تكبَّر في الأرض (أرض مصر) وعلا وجعل أهلها وشعبها فِرقاً فِرقاً. فاستضعف جماعةً منهم (بني إسرائيل) فقطَّع رؤوس أبنائهم واستحيا نساءهم إنه كان من المفسدين. ولكننا أردنا أنْ نَمُنَّ على الذين استُضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمةً ونجعلهم ورثةً وأن نُمكِّنهم في تلك الأرض وأن نُريَ بواسطتهم فرعون وهامان وجنودهما الحوادث التي كانوا يحذرون منها". وأما ترجمة الشيخ «عباس مصباح زاده» فهي التالية: "حقاً لقد وجد فرعون العُلوَّ في الأرض وحوّل أهلها إلى فِرق وجماعات فاستضعف فريقاً منهم فقتل أبناءهم وأبقى نساءهم حقاً إنه كان من المُفسدين. وأردنا أنْ نَمُنَّ على الذين استُضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونُمكِّن لهم في الأرض ونُريَ فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يخافون منه". و تَرْجَمَ «المُلّا فتح الله الكاشاني» في تفسيره الكبير «منهج الصادقين» الآيات كما يلي: "حقاً إن فرعون طلب العُلوّ والتكبّر والتجبّر في أرض مصر وجعل أهل مصر من الأقباط والأسباط مجموعات متفرقة ...... واستضعف فريقاً منهم فقهرهم وكان يقتل أبناءهم (أي من بني إسرائيل) ...... ويحتفظ بنسائهم على قيد الحياة ....... وأردنا أنْ نَمُنَّ على الذين استُضعفوا في أرض مصر ..... ونجعلهم أئمةً ..... ونجعلهم وارثي أموال وأمتعة وأملاك آل فرعون ..... ونُمكِّنهم في أرض مصر والشام .....". وكتب «آية الله الحاج الميرزا محمد ثقفي الطهراني» في كتابه «روان جاويد در تفسير قرآن مجيد» (انتشارات برهان) ما يلي: "إن فرعون طلب العُلوّ في الأرض وجعل أهلها جماعات جماعات فاستضعف جماعة منهم فكان يقتل أبناءهم ويستحيي نساءهم ..... وكنا نريد أنْ نَمُنَّ على الذين استُضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين .....". ولا يخفى أنني كاتب هذه السطور سمعتُ من أحد الفضلاء الثقات أن المترجمين الإنجليز للقرآن المجيد أيضاً لم يُترجموا فعل «نريد» بزمن المضارع بل بزمن الماضي. وللقارئ أن يقرأ تلك التفاسير ويبحث بنفسه. [209] وهذا يشبه ما ذكرناه في التنقيح الثاني لكتابنا «نقد مفاتيح الجنان في ضوء آيات القرآن»، حول كلمات: «الناس» و «الأمَّة» و ......... . (ص 330 إلى 361). [210] صرَّح الشيخ الطوسي في تفسيره «التبيان» ذيل تفسيره الآية 55 من سورة النور، قائلاً: "(كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) يعني بني إسرائيل بأرض الشام بعد إهلاك الجبابرة بأن أورثهم ديارهم وجعلهم سكانها.". انتهى. [211] كما ذُكر اسم هؤلاء القوم بصراحة في الآية 137 من سورة الأعراف. [212] كما كتب الشيخ الطبرسي في تفسيره قبل الآية 7 يقول: "ثم بين سبحانه كيف دبَّر في إهلاك فرعون و قومه منبِّهاً بذلك على كمال قدرته و حكمته فقال «وأوحينا إلى أم موسى»...الخ". انتهى. [213] راجعوا استشهاد علي (ع) بالآية 5 من سورة القصص الذي سيأتي بعد عدد من الصفحات في صفحة 203. [214] من الواضح أن فرعون لم يجعل أهل الصين أو اليابان أو أهل النروج وإنجلترا فِرقاً فِرقاً بل فعل ذلك الفساد بأهل منطقة خاصة من الكرة الأرضية. [215] مقدمة على الرؤية الإسلامية للعالَم، المجتمع والتاريخ، فصل الإسلام والمادية التاريخية، ص 444 إلى 446. [216] إشارة إلى قصة رواها المُفضّل بن عُمر وجاءت في المجلد 53 من بحار الأنوار. لا حظوا تلك القصة في الصفحة 10 من المجلد 53 من البحار أو ارجعوا إلى الصفحة 80 من الكتاب الحاضر. [217] راجِعوا ترجمته في حاشية ص 162 من الكتاب الحاضر. (المُتَرْجِمُ) [218] قول الشيخ الطوسي صحيح بشرط أن يعتبر -استناداً إلى كلمة «منكم»- أن أصحاب النبيّ ص -المُخاطبين بالآية أيضاً وكانوا هم الذين يرجع إليهم ضمير «كُم» في الآية- مشمولين بذلك الوعد الإلهي، كما اعتبرهم عَلِيٌّ (ع) أيضاً مشمولين بذلك الوعد. (نهج البلاغة، الخطبة 146). [219] لا يخفى أن مُفسّري الشيعة ومنهم الشيخ الطوسي وأبو الفتوح الرازي و....... ذكروا القول الذي يقول إن هذه الآية مُتعلّقة بالمهدي، لكن ينبغي أن ننتبه إلى ما يلي: أولاً: لقد جعل الشيخ الطوسي القول الأول في صدر الأقوال الأخرى، واستدل على صحته. وثانياً: لم يُدافع عن القول الثاني بل اعترف أنه ليس محلاً لإجماع المُفسِّرين. كما اعتبر أبو الفتوح الرازي القول الأول أقوى. كما أتي الشيخ الطبرسي بالقول الأول قبل سائر الأقوال. أضف إلى ذلك أن هذه الآية جاءت مباشرةً بعد الآية 54 من سورة النور التي بيَّنت وظيفة النبيّ بأنها «البلاغ المُبين»، ولو كان مراد الآية «المهدي» فلن ينطبق على الآية عندئذ أنها إبلاغ واضح مُبين بأيّ شكل من الأشكال. (فَتَأَمَّل) [220] استناداً إلى تفسير أمير المؤمنين علي ÷ للآية 55 من سورة النور المباركة، لا يُمكننا أن نعتبر أن النص رقم 209 الذي جاء ضمن باب كلمات أمير المؤمنين القصار في نهج البلاغة - [وهو قوله ÷: (لَتَعْطِفَنَّ الدُّنْيَا عَلَيْنَا بَعْدَ شِمَاسِهَا عَطْفَ الضَّرُوسِ عَلَى وَلَدِهَا وتَلا عَقِيبَ ذَلِكَ ونُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرْضِ ونَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً ونَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ (القصص/5)) (ملاحظة: الشماس بالكسر: امتناع ظهر الفرس من الركوب. والضروس بفتح فضم: الناقة السيئة الخلق تعض حالبها، أي أن الدنيا ستنقاد لنا بعد جموحها وتلين بعد خشونتها كما تنعطف الناقة على ولدها وإن أبت على الحالب)] - لا يمكننا أن نعتبره غير متناسب مع تفسير هذه الآية، بل يُعلم أن استشهاد الإمام بالآية 5 من سورة القصص يُقوّي هذا التفسير ذاته وأن علياً (ع) استشهد أيضاً بالآية 5 من سورة القصص تأييداً للتمثيل المذكور في الآية 55 من سورة النور أي «كما استخلف .....» بمعنى قوله: كما مكَّن الله تعالى مؤمني بني إسرائيل في الأرض ونصرهم بإذنه على آل فرعون ومكَّنهم في الأرض كي يُطبّقوا شريعة الله وَجَعَلَهُمْ خلفاء آل فرعون على الأرض، كذلك سوف ننتصر نحن المسلمين في صدر الإسلام بوعد الله الحق على أعدائنا. (فلا تتجاهل) واستناداً إلى الأمور التي اتّضحت أعلاه لا يُمكننا أن ندّعي أن الإمام أشار باستشهاده بالآية 5 من سورة القصص المكية إلى المهدي الموهوم دون دليل ومستند اللهم إلا الأحكام المُتبنّاة سابقاً! [221] لا بُدّ من الرجوع إلى الحاشية ص 180 من الكتاب الحاضر. [222] حول هذه الآية راجعوا ما ذُكر في صفحة 91 من الكتاب الحاضر. [223] هو أبو القاسم فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي من رواة الحديث في الفترة التي يطلق عليها الإمامية فترة «الغيبة الصغرى» [النصف الثاني من القرن 3 الهجري] ومن معاصري الكُلَيْنِيّ. لم يصل من كتبه سوى التفسير المعروف باسمه، قال عنه المجلسي في البحار: "لم يتعرض الأصحاب لمؤلفه بمدح ولا ذم لكن كون أخباره موافقة لما وصل إلينا من الأحاديث المعتبرة وحسن الضبط في نقلها مما يعطي الوثوق لمؤلفه وحسن الظن به". روى الشيخ الصدوق عنه بواسطة الحسن بن محمد بن سعيد الهاشمي وروى عنه الحاكم أبو القاسم الحسكاني في شواهد التنزيل. يرى البعض استناداً إلى كثير من النصوص في تفسيره وكثرة نقله عن أئمة الزيدية وروايته عن الإمام زيد حصر العصمة في الخمسة من آل الكساء، أنه كان من الزيدية، ويرون أن هذا هو السر في عدم ذكر رجاليي الإمامية القدماء له بين رجالهم وعلمائهم. (المُتَرْجِمُ) [224] فرات بن إبراهيم الكوفي هذا من رواة قصة سقوط النجم في منزل علي (ع) بوصفه دليلاً على خلافته (ع)!! وهذا الحديث الفاضح موجود في أمالي الشيخ الصدوق. [225] يُراجع حاشية ص 180 من الكتاب الحاضر.