[ الدراسات الحوزوية ]
عندما أكملت تعلّم القراءة والكتابة الفارسية وقراءة القرآن صغيراً، قدم إلى قم عالم دينٍ يُدعى الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي[4] - وكان من كبار علماء الشيعة آنذاك، وجاء إلى قم بدعوة من أهلها بعد أن كان مقيماً في مدينة أراك، وقام بفتح حوزة لطلاب العلم. وكان لي من العُمْر حينذاك 12 عاماً، فعزمت على الالتحاق بدروس هذه الحوزة، فذهبتُ إلى المدرسة الرضوية الواقعة في سوق مدينة قم القديم حتى أحصل على حجرة فيها وأشتغل هناك بدراسة العلوم الشرعية.
كان المسؤول عن المدرسة سيدًا يُدعى "سيد محمد الصحَّاف" وكان ابن خالة والدتي، فتقدمت لأحصل على حجرة خاصة مثل بقية الطلاب، ولكنني لم أحظ بذلك نظراً لصغر سنّي، بل أعطوني إيواناً صغيراً جدًا في أحد زوايا المدرسة يشبه ممراً أو ردهةً طولها متر وعرضها متر، كان خادم المدرسة يضع فيها مكنسته ودَلْوَه، وأكرمني خادم المدرسة بأن وضع لهذه الردهة الصغيرة باباً مكسوراً، وأحضرت من منزل والدتي بساطاً صغيراً فرشته في أرض الردهة، وانصرفت إلى تحصيل العلوم ليلاً ونهاراً في هذه الحجرة المحقَّرة التي لم تكن تقيني من حر الصيف ولا من برد الشتاء بسبب بابها المتهالك والفُرَج العديدة التي في جنباتها.
وعلى كل حال بقيتُ في تلك الغرفة المتواضعة ما يقرب من سنتين، وفي طول هذه المدة لم يتهيأ لي مَنْ يساعدني في تحصيل نفقتي، لا من أقاربي ولا من غيرهم، فكنت أعمل أحياناً لدى بعض التجار أو العلافين لكي أوفِّر الضـروريات لأواصل التحصيل، حتى يسـّر الله لي أن أتعلم النحو والصرف، فقرأت كتاب المغني وكتاب الجامي، وتقدمت للاختبار لدى الحاج عبد الكريم الحائري وآخرين، فنجحت بتفوق، فكافأني الشيخ بتخصيص راتب شهري قدره خمسة ريالات ولكنها لم تكن كافية لسد حاجاتي الضرورية، فطلبت من بعضهم أن يشفعوا لي عند الشيخ الحائري حتى يزيد مرتبي بما يكفيني، فقبل ذلك ورفع مرتبي إلى ثمانية ريالات. فقررت أن أقنع بتلك الريالات الثمانية وأن أواصل الدراسة، ولكي يكفيني هذا الراتب الشهري كنت أعطي الخباز أربعة ريالات ونصف لآخذ منه يومياً رغيفاً ونصفاً من خبز الشعير -حيث كانت العشرة الأرغفة من الخبز بريال- فقررت أن أصرف أربعة ريالات ونصف في الشهر لشراء الخبز وكنت أشتري كمية من الخوخ المجفف بريالين، فإذا أردت أن آكل شيئاً منها أضعها في ماء ثم آكله وأشرب عصيره مع خبز الشعير، فتكفيني هذه الكمية شهراً كاملاً. كما كنت أدّخر ما بقي - وهو ريال ونصف - لمصاريف الحمام، فتكفيني للاستحمام أربع مرات في كل شهر.
بهذه الطريقة دبرت أمري، وداومت على التحصيل مدّةً حتى وصلت إلى مرحلة الخارج، وتعلمت الفقه والأصول، كما كنت أثناء التحصيل أدرّس بعض الطلاب المبتدئين مقررات مرحلة المقدمات (الفقه، الأصول، الصـرف، النحو والمنطق) من حفظي ودون امتلاك الكتب اللازمة، وبهذا صرت شيئاً فشيئاً في مصافّ مدرِّسي الحوزة.
[4] آية الله الحاج الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي، مؤسس الحوزة العلمية في قم سنة 1340هـ، التي أصبحت أكبر حوزة علمية في إيران وتخرج منها معظم المراجع والعلماء والفضلاء المعاصرين. ولد سنة 1276هـ في يزد وتوفي سنة 1355هـ، وكان من أبرز مراجع الشيعة الإمامية في عصره، من آثاره حاشية العروة الوثقى، ودرر الفوائد في الأصول، وصلاة الجمعة، ورسالة في الاجتهاد والتقليد. (المُتَرْجِمُ)