دراسة علمية لأحاديث المهدي

فهرس الكتاب

مُقَدِّمَةُ المصحح

مُقَدِّمَةُ المصحح

أيُّها القارئ الكريم! رُبَّمَا وقع لك أحياناً أن يبدوَ لك موضوعٌ مُعَيَّنٌ مُبهماً ومُلغِزاً إلى درجة تعجز فيها عن تمييز هذا الموضوع وإدراك حقيقته، أو رُبَّمَا سمعتَ خبراً من مكان بعيد، فكان - بسبب عدم ثبوته وفقدانه للأساس والدليل والسند - مُحيِّراً لك جداً ومُتعباً إلى درجة تصيبك بالدهشة والتيه، لاسيما إذا كان الموضوع مهماً جداً.

لا تزال النزاعات بين الأديان والمذاهب مستمرَّةً منذ قرون، وفي العقود الأخيرة وبفضل تقدّم العلم والتكنولوجيا، والنمو الكبير للاقتصاد وتطور وسائل الطباعة والنشر، اشتدَّ زَخَم دعوة كثير من الأديان والمذاهب والمدارس العقائدية والفكرية ودعايتها وبلغت مُستوى واسعاً وقوياً جداً، على نحو خلق في أذهان الكثيرين -بمن فيهم أصحاب الفكر والمُطالعة - مئات الشُّبُهات والإشكالات.

أحد أقوى هذه المذاهب العقائدية مذهب الشيعة الاثني عشرية، رغم أن أتباعه لا يُشكِّلون أكثر من خمسة بالمئة (5 %) من مجموع مسلمي العالَم إلا أنهم بسبب امتلاكهم لإمكانات سياسية واقتصادية هائلة أقاموا زوبعةً من الدعايات والتبليغات والشائعات والشُّبُهات لعلها كانت مدهشة لأصحابها أنفسهم. يتعلَّق جانب من هذه الدعوة والدعاية بموضوع ما يصطلحون عليه بعبارة «الاستبصار» [والمقصود من الاستبصار: الانتقال من مذهب أهل السنة والاهتداء إلى مذهب الشيعة الاثني عشرية]. إذْ يدَّعي دُعاة ومُبلِّغو المذهب الاثني عشري جُزافاً أن عدداً من الشخصيات العلمية البارزة من أهل السُّنة رجعوا عن عقيدتهم وآمنوا بالمذهب الاثني عشري، ولكن مهما بحثنا لا نجد على ذلك الادعاء سنداً ودليلاً قاطعاً، فأحياناً يستبصر شخص مصري أو أردني وأحياناً يستبصر آسيوي أو أوروبي أو أفريقي، ولا يكون من الناس العاديين بل من العلماء والمُثقفين، والمُثِير أن هذه الفتوحات الباهرة! تتمُّ تحت شعار الوحدة الإسلامية والتقليد بين المذاهب!

في هذا الإسلام الأصيل! تناقضات كثيرة، هذه واحدة! وإذا كان الأمرُ موضوعَ وحدة وتقريب فما هذه الادِّعاءات؟! إن كان الهدف والبرنامج المُتَّبَع هو «استبصار» أهل السنة فما معنى شعار الوحدة والتقريب؟! ولو كانت تلك الادِّعاءات صحيحة لكان لهذا التناقض بين الشعار والتطبيق أيضاً شيء من الأهمية على أقل تقدير، ولكن أين الاستبصار وهداية العلماء والشخصيات البارزة من أهل السنة؟! لقد سمح بضعة أشخاص مجهولين لا تُعَرف لهم هوية لأنفسهم بهذا الأمر، فصنعوا منهم موضوعاً وكأنهم قد اهتدوا، أو قبل عدد من الأفراد العاديين والعوام في البلد الأفريقي أو الآسيوي الفلاني بالتشيُّع الإمامي وحتى أحياناً بالتنصّر لأجل سدّ الرمق والهروب من ظروف المعيشة الفقيرة الصعبة! ولكن أين «استبصار» علماء أهل السنة وشخصياتهم البارزة؟!

على العكس من ذلك فإن كثيراً من الشخصيات الكبيرة والحقيقية ذات العلم والمعرفة والعقل والمنطق ولَّت ظهرها للخرافات واختارت طريق الحق. ويسعى قومهم إلى التعتيم عليهم وإبقائهم مجهولين للناس تماماً، وأن لا يصل إلى الناس أيُّ أثر من مؤلفاتهم وأقوالهم.

وإنها لحقيقة واقعة أن هذه الشخصيات الجليلة التي انتقلت عن التشيع إلى مذهب أهل السنة[1] لم یکونوا علماء فحسب بل هم مثل سائر أهل السنة كانوا ولا زالوا يدعون إلى الوحدة الإسلامية الحقيقية، وإضافةً إلى آية الله السيد أبوالفضل بن الرضا البرقعي القمي مؤلف الكتاب الحاضر الذي ستتعرَّفون عليه من خلال ما كتبه بقلمه عن نفسه فإننا نُعرِّف فيما يلي -كنموذج- بعدد من هذه الشخصيات:

1- آية الله السيد على أصغر بنابي التبريزي.

2- العلامة السيد إسماعيل آل إسحاق خوئيني الزنجاني.

3- الأستاذ حيدر علي قلمداران القمي.

4- آية الله شريعت سنگلجي الطهراني.

5- الدكتور يوسف شعار التبريزي.

6- المهندس محمد حسين برازنده المشهدي.

7- حُجّة الإسلام الدكتور مرتضى رادمهر الطهراني.

8- علي رضا محمدي الطهراني.

9- الأستاذ علي محمد قضيبي البحريني.

10- آية الله العظمى محمد بن محمد مهدي الخالصي العراقي.

11- آية الله أسد الله خرقاني.

12- الدكتور صادق تقوي، الأستاذ الصادق في جامعة طهران.

13- الدكتور علي مظفريان الشيرازي.

وهذه الشخصيات جميعُها تقريباً تركت لنا آثاراً علميةً وأبحاثاً ومؤلفات. نأمل أن يحكم القُرَّاء الأعزَّاء بأنفسهم بعد قراءتهم لهذا الكتاب: ما هو الحق؟ ومن هو الباحث عن الحقيقة؟ ومن الذين يجب عليهم أن يسلكوا طريق «الاستبصار»!

بيد أنَّنا نرجو من أتباع المذهب الشيعي الاثني عشري ودعاتهم، بكل صدق وإخلاص، أن يكفُّوا عن لعن صحابة رسول الله ص والبراءة منهم رضي الله عنهم أجمعين، لأجل تحقيق الوحدة الواقعية بين المسلمين، وأن يصرفوا النظر عن التبليغ السلبي وعن حَرْفِ أهل السنة عن مذهبهم، كي تستطيع أمة الإسلام جميعها أن تقف بقوة وصلابة أمام أعداء الإسلام وتُدافع عن المُقدَّسات الإسلامية.

أما إذا أصرُّوا -تحت حُجَّة الوحدة الإسلامية والتقريب بين المذاهب- على حرف بعض المسلمين من أهل السنة غير المُطَّلعين والبُسطاء وذوي النيَّة الحسنة عن مذهبهم الأصيل وإبعادهم عن عقائد أهل السنة وجذبهم نحو مذهب التشيع الاثني عشري، فليتأكَّدوا أن المسلمين سيطَّلعون على هذا الأمر ويُدركونه وعندئذ فإن كل مساعيهم وجهودهم ستذهب أدراج الرياح.

نأمل من عقلاء هذا المذهب أن يعتمدوا الصدق والصراحة والأمانة مع المسلمين وأن يسعوا إلى الوحدة العملية والحقيقية بين المسلمين وأن يمنعوا النشطاء العاطفيين من بينهم عما يقومون به، لأن مصلحة الأمة الإسلامية العليا أهم من مصلحة مذهب أو طائفة، ولا يُمكن للوحدة والاتِّحاد أن يتحققا مع السبِّ والإهانة واللعن والبراءة والتبليغات الشيعية بين أهل السنة.

المصحح

[1] أقول (المُتَرْجِمُ): هؤلاء العلماء أو الأساتذة الفضلاء الذين ذكرهم الناشر لم ينتقلوا في الواقع إلى مذهب أهل السنة بالمعنى المذهبي للكلمة، بل نبذوا -بنسب متفاوتة- كل العقائد المغالية والخرافية والبدع والأعمال المشوبة بالشرك التي شاعت لدى عامة الإمامية، وحاربوها وانتقدوها مع احتفاظ أغلبهم بما هو أصيل لا يتعارض مع القرآن والتوحيد من أصول التشيُّع القديم. فهم في الواقع رجعوا عن التشيع الإمامي المغالي إما إلى إسلام بلا مذاهب، أو إلى إسلام قرآني، أو حتى إلى تشيع إمامي معتدل توحيدي بعيد عن مناحي الغلو والأعمال المشوبة بالشرك. (يُرَاجَع في ذلك كتاب: «أعلام التصحيح والاعتدال، مناهجهم وآراؤهم»، تأليف الأستاذ خالد بن محمد البديوي).