دراسة علمية لأحاديث المهدي

فهرس الكتاب

[ كيفية نموّه ]

أورد المجلسيُّ في «بحار الأنوار» عدة روايات حول النمو الخارق للعادة للإمام الثاني عشر. أولاً: هي روايات متناقضة يعارِضُ بعضها بعضاً. وثانياً: هي روايات تخالف القرآن والكتب السماوية وتخالف العقل. فمثلاً تنقل إحدى تلك الروايات عن السيدة «حكيمة» قولها: "فَلَمَّا أَنْ كَانَ بَعْدَ أَرْبَعِينَ يَوْماً رُدَّ الغُلَامُ ووَجَّهَ إِلَيَّ ابْنُ أَخِي [أي الإمام الحسن العسكري] فَدَعَانِي فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَإِذَا أَنَا بِصَبِيٍّ مُتَحَرِّكٍ يَمْشِي بَيْنَ يَدَيْهِ(!!) فَقُلْتُ: سَيِّدِي هَذَا ابْنُ سَنَتَيْنِ(!!) فَتَبَسَّمَ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ أَوْلَادَ الأَنْبِيَاءِ والْأَوْصِيَاءِ إِذَا كَانُوا أَئِمَّةً يَنْشَئُونَ بِخِلَافِ مَا يَنْشَأُ غَيْرُهُمْ، وإِنَّ الصَّبِيَّ مِنَّا إِذَا أَتَى عَلَيْهِ شَهْرٌ كَانَ كَمَنْ يَأْتِي عَلَيْهِ سَنَةٌ (!!)..".

ويروي المجلسيُّ في «بحار الأنوار» روايةً أخرى جاء فيها: "فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ أَرْبَعِينَ يَوْماً دَخَلْتُ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ [الحسن العسكري] ÷، فَإِذَا مَوْلَانَا الصَّاحِبُ يَمْشـِي فِي الدَّارِ فَلَمْ أَرَ وَجْهاً أَحْسَنَ مِنْ وَجْهِهِ ولَا لُغَةً أَفْصَحَ مِنْ لُغَتِهِ. فَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا المَوْلُودُ الكَرِيمُ عَلَى اللهِ عَزَّ وجَلَّ. فَقُلْتُ: سَيِّدِي أَرَى مِنْ أَمْرِهِ مَا أَرَى ولَهُ أَرْبَعُونَ يَوْماً!! فَتَبَسَّمَ وقَالَ: يَا عَمَّتِي! أَ مَا عَلِمْتِ أَنَّا مَعَاشِرَ الأَئِمَّةِ نَنْشَأُ فِي اليَوْمِ مَا يَنْشَأُ غَيْرُنَا فِي السَّنَةِ.."[32].

توضيح: نشاهد في هذه الرواية أنه يقول إن الأئمة ينمون خلال يوم واحد كنمو غيرهم خلال سنة، في حين أن الرواية السابقة ذكرت أن نموهم خلال شهر يعادل نموَّ الآخرين خلال سنة!

وقد وردت رواياتٌ عديدةٌ من هذا القبيل نضـرب صفحاً عن ذكرها كي لا نكرِّر المكرَّرات.

توضيح: إذا نظرنا إلى التوراة رأينا أنه ذُكر في سِفْر الخروج، الإصحاح الثاني، الآية 1: "1وَذَهَبَ رَجُلٌ مِنْ بَيْتِ لاَوِي وَأَخَذَ بِنْتَ لاَوِي 2فَحَبِلَتِ الْمَرْأَةُ وَوَلَدَتِ ابْناً. وَلَمَّا رَأَتْهُ أَنَّهُ حَسَنٌ خَبَّأَتْهُ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ. 3وَلَمَّا لَمْ يُمْكِنْهَا أَنْ تُخَبِّئَهُ بَعْدُ أَخَذَتْ لَهُ سَفَطاً مِنَ الْبَرْدِيِّ وَطَلَتْهُ بِالْحُمَرِ وَالزِّفْتِ وَوَضَعَتِ الْوَلَدَ فِيهِ وَوَضَعَتْهُ بَيْنَ الْحَلْفَاءِ عَلَى حَافَةِ النَّهْرِ.".

فهذا النصُّ التوراتي يُبَيِّنُ أن موسى بقي لدى أمه ثلاثة أشهر قبل أن تضعه في صندوق وتلقيه في اليمّ. فلو قبلنا بالروايتين المذكورتين فمعنى ذلك أنه طبقاً للرواية الأولى ينبغي أن يكون موسى ÷ قد أصبح ابن ثلاث سنين عندما وضعته أمه في الصندوق! وطبقاً للرواية الثانية ينبغي أن يكون قد أصبح ابن أربعين عاماً عند ذاك!! ودعنا نأخذ بالرواية ذات الزمن الأقل ونقول لما وصل موسى ÷ إلى بلاط فرعون كان ابن ثلاث سنين وبضعة أيام، ففي مثل هذه السن لم يكن بحاجة إلى حليب الأم مع أننا نعلم أن الله تعالى صنع له تدبيراً ردَّه من خلاله إلى أمّه لتقوم بإرضاعه، بعد أن التقطه آل فرعون، فمعنى هذا أن موسى ÷ كان ينمو مثل نمو سائر الأطفال العاديين، مما يثبت خطأ تلك الروايات، وعدم صحتها.

دليل آخر: نعلم أن الإمام الحسن ÷ وُلِد في السنة الثالثة للهجرة، والإمام الحسين ÷ وُلِدَ في السنة الرابعة للهجرة، و وقعت حادثة المباهلة – كما يرويها الشيعة – في السنة العاشرة للهجرة، أي عندما كان للإمام الحسن ÷ سبع سنوات من العمر، وللإمام الحسين ÷ ست سنوات. فلْنرَ الآن كيف كان نموهما؟ هل كانا – حسب ما تذكره تلك الروايات ابني ثلاثين أو أربعين عاماً؟؟ أم كانا لا يزالان طفلين؟ إذا رجعنا إلى كتاب «منتهى الآمال» للشيخ عباس القمِّي رأيناه يروي لنا قصة المباهلة كما يلي: "فقدم حضرة الرسول ص إلى بيت حضـرة أمير المؤمنين فجراً وأخذ بيد الإمام الحسن والإمام الحسين عليهما السلام وكان أمير المؤمنين يتقدمه وحضرة فاطمة عليها السلام خلفه".

ويوجد الكثير من مثل هذه الشواهد، ومن جملتها أن الشيخ عباس القمي روى في كتابه «منتهى الآمال» في باب وفاة حضرة محمد ص عن ابن عباس روايةً تُبَيِّنُ أن الحسن والحسين كانا طفلين حين وفاة رسول الله ص أي كانا حسب الظاهر ابني ست وسبع سنوات، ولم يكونا شابين كبيرين كما تقتضيه تلك الروايات التي ذكرها المجلسي في «بحار الأنوار»!

وكذلك يروي الشيخ عباس القمي أنه "عندما حضرت النبيَّ ص الوفاةُ قال لعليٍّ ÷: ادنُ مني، فأخذ بيديه وأجلسه على مخدته، ثم غاب عن الوعي، فدخل الحسن والحسين في هذه الحال فلما وقع نظرهما على جمال النبي ورأياه في تلك الحالة أخذهم البكاء وصاحا: واجَدَّاه! وامُحَمَّدَاه! ورميا بأنفسهما على صدر النبيّ، فأراد حضرة أمير المؤمنين أن يبعدهما عنه ص فعاد النبيُّ في تلك اللحظة إلى وعيه، وقال: يا علي دعني أشم ريحانتيَّ!".

فمن هاتين الروايتين يتبيَّن أن الحسن والحسين كانا طفلين وكان نموُّهما مثل نمو سائر البشر، وَمِنْ ثَمَّ فجميع الروايات التي تقول إن نمو المهدي كان نمواً غير عادي روايات موضوعة من أساسها.

***

[32] بحار الأنوار، ج 51، ص 20، ح 27 . (المُتَرْجِمُ)