الفصل الرابع ما ذكروه في الروايات حول مصير الدنيا بعد موت المهدي
1- جاء في الصفحة 238 من كتاب «مهدى موعود» [أي المهدي الموعود] نقلاً عن كتاب «الإرشاد» للشيخ المفيد قوله:
"لَيْسَ بَعْدَ دَوْلَةِ الْقَائِمِ لِأَحَدٍ دَوْلَةٌ ....... وَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ لَنْ يَمْضِيَ مَهْدِيُّ الْأُمَّةِ إِلَّا قَبْلَ الْقِيَامَةِ بِأَرْبَعِينَ يَوْماً يَكُونُ فِيهَا الْهَرْجُ وَعَلَامَةُ خُرُوجِ الْأَمْوَاتِ وَقِيَامُ السَّاعَةِ لِلْحِسَابِ وَالْجَزَاءِ وَاللهُ أَعْلَمُ"[60].
توضيح: نستنتج من كلام الشيخ المفيد المُستند إلى الرواية المذكورة أنه لن تكون هناك بعد «المهدي» دولة وأن القيامة ستقوم بعد أربعين يوم من وفاته.
2- ولكن جاء في كتاب «مهدى موعود» نقلاً عن كتاب «إكمال الدين» للشيخ الصدوق روايته: "عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ قُلْتُ لِلصَّادِقِ ÷: يَا ابْنَ رَسُولِ اللهِ! سَمِعْتُ مِنْ أَبِيكَ أَنَّهُ قَالَ يَكُونُ بَعْدَ الْقَائِمِ اثْنَا عَشَرَ إِمَاماً؟؟ فَقَالَ: قَدْ قَالَ اثْنَا عَشَرَ مَهْدِيّاً وَلَمْ يَقُلْ اثْنَا عَشَرَ إِمَاماً، وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ مِنْ شِيعَتِنَا يَدْعُونَ النَّاسَ إِلَى مُوَالَاتِنَا وَمَعْرِفَةِ حَقِّنَا"[61].
توضيح: فمن هذه الرواية المخالفة للرواية السابقة نستنتج أنه سيكون هناك بعد «المهدي» اثنا عشر مهدياً آخر سيكونون من الدعاة الشيعة العاديين وربما لا يكونون سادة هاشميين أصلاً.
3- لكن الكتاب المذكور (المهدي الموعود) ينقل عن كتاب «الغيبة» للشيخ الطوسي روايةً مسندةً إلى "أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الصادق ÷ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ أَنَّهُ قَالَ: يَا أَبَا حَمْزَةَ! إِنَّ مِنَّا بَعْدَ الْقَائِمِ أَحَدَ عَشَرَ مَهْدِيّاً مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْنِ ÷"[62].
توضيح: هذه الرواية تخالف الرواية السابقة وتُبيِّن أنه سيأتي بعد «المهدي» إحدى عشر مهدياً كلهم سادة هاشميون. كما أن هذه الرواية تخالف الرواية الأولى التي قالت إنه لن يكون هناك أيُّ «مهدي» آخر بعد المهدي، وأنه سيقع الهرج والمرج وستقوم القيامة بعد وفاة المهدي بأربعين يوم.
4- وذكروا في كتاب (المهدي الموعود) قال: "روى العياشيُّ في تفسيره عَنْ جَابِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ الباقر ÷ يَقُولُ: وَاللهِ لَيَمْلِكَنَّ رَجُلٌ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهِ ثَلَاثَمِائَةِ سَنَةٍ وَيَزْدَادُ تِسْعاً. قَالَ قُلْتُ: فَمَتَى ذَلِكَ؟ قَالَ: بَعْدَ مَوْتِ الْقَائِمِ. قَالَ قُلْتُ: وَكَمْ يَقُومُ الْقَائِمُ فِي عَالَمِهِ حَتَّى يَمُوتَ؟ قَالَ: تِسْعَ عَشْرَةَ سَنَةً مِنْ يَوْمِ قِيَامِهِ إِلَى مَوْتِهِ. قَالَ قُلْتُ: فَيَكُونُ بَعْدَ مَوْتِهِ هَرْجٌ؟ قَالَ: نَعَمْ خَمْسِينَ سَنَةً. قَالَ ثُمَّ يَخْرُجُ الْمَنْصُورُ إِلَى الدُّنْيَا فَيَطْلُبُ دَمَهُ وَدَمَ أَصْحَابِهِ فَيَقْتُلُ وَيَسْبِي حَتَّى يُقَالَ: لَوْ كَانَ هَذَا مِنْ ذُرِّيَّةِ الْأَنْبِيَاءِ مَا قَتَلَ النَّاسَ كُلَّ هَذَا الْقَتْلِ. فَيَجْتَمِعُ النَّاسُ عَلَيْهِ أَبْيَضُهُمْ وَأَسْوَدُهُمْ فَيَكْثُرُونَ عَلَيْهِ حَتَّى يُلْجِئُونَهُ إِلَى حَرَمِ اللهِ فَإِذَا اشْتَدَّ الْبَلَاءُ عَلَيْهِ مَاتَ الْمُنْتَصِرُ وَخَرَجَ السَّفَّاحُ إِلَى الدُّنْيَا غَضَباً لِلْمُنْتَصِرِ فَيَقْتُلُ كُلَّ عَدُوٍّ لَنَا جَائِرٍ وَيَمْلِكُ الْأَرْضَ كُلَّهَا وَيُصْلِحُ اللهُ لَهُ أَمْرَهُ وَيَعِيشُ ثَلَاثَمِائَةِ سَنَةٍ وَيَزْدَادُ تِسْعاً. ثُمَّ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الباقر ÷: يَا جَابِرُ! وَهَلْ تَدْرِي مَنِ الْمُنْتَصِرُ وَالسَّفَّاحُ؟ يَا جَابِرُ! الْمُنْتَصِرُ الْحُسَيْنُ وَالسَّفَّاحُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ.!! " [63]
توضيح: هذه الرواية تخالف الروايات السابقة كلها. في بداية الرواية ينسب الراوي كذباً إلى الإمام الباقر ÷ أنه أقسم بالله، كي يُصدِّقه المُخاطَب بأن الرواية صحيحة، وكذلك نسب الراوي في خبر «المُفَضَّل بن عُمر» المخالف لهذه الرواية أيضاً، كذباً إلى الإمام الصادق ÷ أنه أقسم بالله كي يُظهر أن الرواية (خبر «المُفَضَّل بن عُمر») صحيحة، هذا على الرغم من أن هذه الروايات يُعارض بعضها بعضاً وتخالف القرآن الكريم والعقل.
6- وذكر صاحب كتاب «مهدى موعود» في كتابه رواية أخرى عن كتاب «الغيبة» للشيخ الطوسي، بسنده "عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ الْمِصْرِيِّ عَنْ عَمِّهِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الصَّادِقِ عَنْ آبَائِهِ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ÷ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ ص فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي كَانَتْ فِيهَا وَفَاتُهُ لِعَلِيٍّ ÷: يَا أَبَا الْحَسَنِ! أَحْضِرْ صَحِيفَةً وَدَوَاةً فَأَمْلَى رَسُولُ اللهِ ص وَصِيَّتَهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ فَقَالَ: يَا عَلِيُّ! إِنَّهُ سَيَكُونُ بَعْدِي اثْنَا عَشَرَ إِمَاماً وَمَنْ بَعْدَهُمْ اثْنَا عَشَرَ مَهْدِيّاً فَأَنْتَ يَا عَلِيُّ أَوَّلُ الِاثْنَيْ عَشَرَ الْإِمَامِ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ إِلَى أَنْ قَالَ: وَلْيُسَلِّمْهَا الْحَسَنُ (العسكري) إِلَى ابْنِهِ محمد الْمُسْتَحْفَظِ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ، فَذَلِكَ اثْنَا عَشَرَ إِمَاماً. ثُمَّ يَكُونُ مِنْ بَعْدِهِ اثْنَا عَشَرَ مَهْدِيّاً، فَإِذَا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ فَلْيُسَلِّمْهَا إِلَى ابْنِهِ أَوَّلِ الْمَهْدِيِّينَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَسَامِي: اسْمٌ كَاسْمِي وَاسْمِ أَبِي وَهُوَ عَبْدُ اللهِ وَأَحْمَدُ وَالِاسْمُ الثَّالِثُ الْمَهْدِيُّ وَهُوَ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ."[64].
13توضيح: هذه الرواية تُعارض قول الذين يقولون ستقوم القيامة بعد المهدي! ولم يأتِ في القرآن أيُّ ذكر لأسماء الأئمة وليس هذا فحسب بل حتى الإيمان بالإمامة المُغايرة للنبوة لم يُذكر في القرآن. لا يوجد في القرآن الكريم ذِكر للإيمان بأفراد مُعيَّنين باسم الأئمة أو الإمامة، ولو عيَّن اللهُ تعالى اثني عشر نفراً من جانبه ليكونوا أئمة مُرشدين وهادين للناس بعد النبيّ لذكر أسماءهم في القرآن يقيناً، أو على الأقل لذكر وجوب الإيمان بالإمامة إلى جانب الإيمان بالنبوة. ومن المناسب هنا أن نذكر آية من القرآن هي التالية: ﴿لَّيۡسَ ٱلۡبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمۡ قِبَلَ ٱلۡمَشۡرِقِ وَٱلۡمَغۡرِبِ وَلَٰكِنَّ ٱلۡبِرَّ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ وَٱلۡكِتَٰبِ وَٱلنَّبِيِّۧنَ وَءَاتَى ٱلۡمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ ذَوِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينَ وَٱبۡنَ ٱلسَّبِيلِ وَٱلسَّآئِلِينَ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَى ٱلزَّكَوٰةَ وَٱلۡمُوفُونَ بِعَهۡدِهِمۡ إِذَا عَٰهَدُواْۖ وَٱلصَّٰبِرِينَ فِي ٱلۡبَأۡسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ وَحِينَ ٱلۡبَأۡسِۗ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُتَّقُونَ ١٧٧﴾ [البقرة: ١٧٧].
كما ذكرنا لا نُشاهد في هذه الآية التي عدَّد الله فيها صفات الأبرار المُتَّقين أيَّ أثر أو ذكر لإيمانهم بالأئمة بل كل ما ذكره تعالى بشأن صفات المُتَّقين أنهم يؤمنون بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْـمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ.
وكذلك لا نرى في قوله تعالى في القرآن الكريم: ﴿ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِ مِن رَّبِّهِۦ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَۚ كُلٌّ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَمَلَٰٓئِكَتِهِۦ وَكُتُبِهِۦ وَرُسُلِهِۦ لَا نُفَرِّقُ بَيۡنَ أَحَدٖ مِّن رُّسُلِهِۦۚ وَقَالُواْ سَمِعۡنَا وَأَطَعۡنَاۖ غُفۡرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيۡكَ ٱلۡمَصِيرُ ٢٨٥﴾ [البقرة: ٢٨٥]، أيَّ أثر أو ذكر للإيمان بالأئمة.
نستنتج من الآية الكريمة الأخيرة أن جميع المؤمنين يؤمنون بخمسة أشياء هي: إيمانهم بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وبيوم القيامة. فإن قيل: لم تذكر الآية سوى إيمان الرسول والمؤمنين بأربعة أشياء (الله والملائكة والكتب السماوية والرسل) ولم يُذكر فيها الإيمان بيوم القيامة؟ نقول: لقد جاء في آخر الآية أن المؤمنين يقولون: ﴿رَبَّنَا وَإِلَيۡكَ ٱلۡمَصِيرُ﴾ [البقرة: ٢٨٥] فهذا يدل على أن المؤمنين يؤمنون بيوم القيامة وبعودة جميع الخلق إلى الله.
وهناك آيات أخرى في القرآن الكريم تُفيد أن من كفر بهذه الأمور الخمسة فهو في الضلال المُبين، كقوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ ءَامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَٱلۡكِتَٰبِ ٱلَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَٱلۡكِتَٰبِ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ مِن قَبۡلُۚ وَمَن يَكۡفُرۡ بِٱللَّهِ وَمَلَٰٓئِكَتِهِۦ وَكُتُبِهِۦ وَرُسُلِهِۦ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَٰلَۢا بَعِيدًا ١٣٦﴾ [النساء : ١٣٦]. إذن، يُعْلَم بوضوح أن القرآن أوجب الإيمان بخمسة أشياء وهي: الإيمان بالله وباليوم الآخر وبالملائكة والكتب السماوية والنبيين، ولم يذكر القرآن مطلقاً الإيمان بالأئمة أو الإمامة، وكما قلنا سابقاً لو كان هناك أئمة مُعيَّنون ومنصوبون للبشرية مِنْ قِبَلِ الله تعالى بعد حضرة محمد ص لورد ذكرهم في القرآن حتماً.
نحن لا نقول إن الذين يعتبرهم الشيعة أئمتهم لم يكن لهم وجود أصلاً، بل نحن نؤمن بوجودهم ولكننا نقول إنهم لم يكونوا منصوبين مِنْ قِبَلِ الله، ولم يكونوا 12 شخصاً فقط، بل كما شاهدنا في هذه المقالة كان لكل فرقة إمام وأئمة، ولا دليل لدينا على أن أولئك الأئمة منصوبون مِنْ قِبَلِ الله تعالى.
النهاية
[60] الشيخ المفيد، الإرشاد، ج2، ص 387. والمجلسيُّ، بحار الأنوار، ج 53، ص 145- 146، باب 30- خلفاء المهدي صلوات الله عليه وأولاده وما يكون بعده عليه وعلى آبائه السلام، الحديث 4. (المُتَرْجِمُ) [61] الشيخ الصدوق، إكمال الدين، ج2، ص 258. والمجلسيُّ، بحار الأنوار، ج 53، ص 145، باب 30، الحديث 1. (المُتَرْجِمُ) [62] الشيخ الطوسي، الغيبة، ص 478، والمجلسيُّ، بحار الأنوار، ج 53، ص 145، الباب 30، الحديث 2. (المُتَرْجِمُ) [63] محمد بن مسعود بن عياش السمرقندي الكوفي (ت 320هـ)، تفسير العياشي، ج2، ص 326. والمجلسيُّ، بحار الأنوار، ج 53، ص 147، الباب 30، الحديث 5. (المُتَرْجِمُ) [64] الشيخ الطوسي، الغيبة، ص 150-151، والمجلسيُّ، بحار الأنوار، ج 53، ص 147-148، الباب 30، الحديث 6. (المُتَرْجِمُ)